عرض مشاركة واحدة
  #552  
قديم 25-02-2025, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الفتح
المجلد الخامس عشر
صـ 5396 الى صـ 5405
الحلقة (552)








الحديبية. روى البخاري «1» عن البراء رضي الله عنه قال: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية) .
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض» ، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم- أخرجاه في الصحيحين «2» من رواية قتادة به-.
وروى الإمام أحمد «3» عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه- وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن- قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس ينفرون الأباعر. فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نرجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
قال، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله! أو فتح هو؟ قال صلى الله عليه وسلم: أي والذي نفس محمد بيده! إنه لفتح. ورواه أبو داود في الجهاد.
ثم قال ابن كثير: فالمراد بقوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا- أي بينا ظاهرا- هو صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان. انتهى.
وقال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) في الكلام على ما في غزوة الحديبية من الفقه واللطائف، ما مثاله:
كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به، وكلم بعضهم بعضا، وناظره في الإسلام، وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام. ولهذا سماه الله فتحا في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا نزلت في الحديبية، فقال عمر:
يا رسول الله! أو فتح هو؟ قال: نعم. وأعاد سبحانه ذكر كون ذلك فتحا قريبا. وهذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها،
(1)
أخرجه البخاري في: المغازي، 35- باب غزوة الحديبية، حديث 1686.

(2)
أخرجه مسلم في: الجهاد، حديث 97.

(3)
أخرجه في المسند 3/ 420.

المنبئة لها وعليها، كما قدم بين يدي قصة المسيح وخلقه من غير أب، قصة زكريا، وخلق الولد له، مع كونه كبيرا، لا يولد لمثله. وكما قدم بين يدي نسخ القبلة، قصة البيت وبنائه وتعظيمه والتنويه به، وذكر بانيه، وتعظيمه ومدحه. ووطأ قبل ذلك كله بذكر النسخ وحكمته المقتضية له، وقدرته الشاملة له. وهكذا ما قدم بين يدي مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصة الفيل، وبشارات الكهان به، وغير ذلك. وكذلك الرؤيا الصالحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مقدمة بين يدي الوحي في اليقظة. وكذلك الهجرة، كانت مقدمة بين يدي الأمر بالجهاد. ومن تأمل أسرار الشرع والقدر، رأى من ذلك ما تبهر حكمته أولي الألباب. انتهى. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 2]
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (2)
ليغفر لك الله قال أبو السعود: غاية للفتح، من حيث إنه مترتب على سعيه عليه الصلاة والسلام في إعلاء كلمة الله تعالى، بمكابدة مشاق الحروف، واقتحام موارد الخطوب. ما تقدم من ذنبك وما تأخر أي جميع ما فرط منك، من ترك الأولى. وتسميته ذنبا، بالنظر إلى منصبه الجليل.
قال ابن كثير: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره. وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال كغيره، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين، ولا من الآخرين. وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة. ولما كان أطوع خلق الله تعالى لله، وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه، قال حين بركت به الناقة: حبسها حابس الفيل. ثم
قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها، فلما أطاع الله في ذلك، وأجاب إلى الصلح، قال الله تعالى: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ... الآيات» .
وقوله تعالى: ويتم نعمته عليك أي بإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك.
ويهديك صراطا مستقيما أي ويرشدك طريقا من الدين لا عوج فيه. قال أبو السعود: أصل الاستقامة، وإن كانت حاصلة قبل الفتح، لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق، واستقامة مناهجه، ما لم يكن حاصلا قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 3]
وينصرك الله نصرا عزيزا (3)
وينصرك الله نصرا عزيزا أي قويا منيعا، لا يغلبه غالب، ولا يدفعه دافع، للبأس الذي يؤيدك الله به، والظفر الذي يمدك به.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 4]
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما (4)
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين أي السكون والطمأنينة إلى الإيمان والحق. ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم أي يقينا منضما إلى يقينهم.
قال القاشاني: السكينة نور في القلب يسكن به إلى شاهده ويطمئن. وهو من مبادئ عين اليقين، بعد علم اليقين، كأنه وجدان يقيني معه لذة وسرور.
ولله جنود السماوات والأرض أي أنصار ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه.
وكان الله عليما حكيما أي في تقديره وتدبيره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 5]
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (5)
واللام في قوله تعالى ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها متعلق بمحذوف، نحو: أمر بالجهاد ليدخل ... إلخ. أو دبر ما دبر مما ذكر لذلك، أو متعلق ب فتحنا على تعلق الأول به مطلقا، وهذا مقيدا، أو بقوله ليزدادوا. ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 6]
ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا (6)
ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء أي ظن الأمر السوء، وهو أن لا ينصر تعالى رسوله والمؤمنين. عليهم دائرة السوء أي بالتعذيب في الدنيا بأنواع الوقائع، كالقتل والإهانة والإذلال. وقرئ دائرة السوء بالضم، وهما لغتان من (ساء) كالكره والكره. وغضب الله عليهم أي بالقهر والحجب. ولعنهم أي بالطرد والإبعاد في الآخرة. وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 7]
ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما (7)
ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما قيل في سر التكرير: إنه ذكر سابقا على أن المراد به أنه المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته، فلذلك ذيله بقوله عليما حكيما، وهنا أريد به التهديد بأنهم في قبضة قدرة المنتقم، فلذا ذيله بقوله عزيزا حكيما فلا تكرار. وقيل: إن الجنود جنود رحمة، وجنود عذاب، وأن المراد هنا الثاني، ولذا تعرض لوصف العزة. وقال القاشاني: كررها ليفيد تغليب الجنود الأرضية على السماوية في المنافقين والمشركين، بعكس ما فعل بالمؤمنين. وبدل عليما بقوله عزيزا ليفيد معنى القهر والقمع، لأن العلم من باب اللطف، والعزة من باب القهر.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 8]
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (8)
إنا أرسلناك شاهدا أي على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه ومبشرا أي لمن استجاب لك بالجنة ونذيرا أي لمن خالفك بالنار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 9]
لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا (9)
لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه أي تؤيدوا دينه وتقروه وتوقروه أي تعظموه وتسبحوه بكرة وأصيلا أي غدوة وعشيا- على ظاهره- أو دائما، بجعل طرفي النهار كناية عن الجميع، كما يقال (شرقا وغربا) لجميع الدنيا. والضمائر كلها- على ما ذكرنا- لله، وجوز إعادة الأولين للرسول، والأخير لله إلا أن فيه تفكيكا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 10]
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (10)
إن الذين يبايعونك أي على قتال قريش تحت الشجرة، وأن لا يفروا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الأدبار. إنما يبايعون الله أي لأن عقد الميثاق مع رسول الله، كعقده مع الله، من غير تفاوت، لأن المقصود من توثيق العهد مراعاة أوامره تعالى ونواهيه. يد الله فوق أيديهم تأكيد لما قبله. أي أن يد الله عند البيعة فوق أيديهم، كأنهم يبايعون الله ببيعتهم نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال القاشاني: أي قدرته البارزة في يد الرسول، فوق قدرتهم البارزة في صور أيديهم، فيضرهم عند النكث، وينفعهم عند الوفاء.
فمن نكث أي نقض عهده فإنما ينكث على نفسه أي لعود ضرر ذلك عليه خاصة. ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما وهو الجنة.
تنبيه:
هذه البيعة هي بيعة الرضوان. وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية. وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألفا وأربعمائة، وقيل: وثلاثمائة، وقيل:
خمسمائة. والأول أصح- على ما قاله ابن كثير- وقد اقتص سيرتها غير واحد من الأئمة. ولما كانت هذه السورة الجليلة كلها في شأنها، لزم إيرادها مفصلة.
قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة معتمرا، لا يريد حربا. واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه، وهو يخشى من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت. فأبطأ عليه كثير من الأعراب. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظما له.
وقال الإمام ابن القيم: قصة الحديبية كانت سنة ست في ذي القعدة. وكان معه ألف وخمسمائة. هكذا في الصحيحين «1» عن جابر.
وفيهما «2» عن عبد الله بن
(1)
أخرجه البخاري في: المغازي، 35- باب غزوة الحديبية، حديث 1685.

(2)
أخرجه البخاري في: المغازي، 35- باب غزوة الحديبية، حديث 1894.

أبي أوفى: كنا ألفا وثلاثمائة. وعن جابر فيهما «1» : كانوا ألفا وأربعمائة- والقلب إلى هذا أميل- وهو قول البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع. ثم لما كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة، وبعث عينا له بين يديه من خزاعة، يخبره عن قريش، حتى إذا كان قريبا من عسفان، أتاه عينه فقال: إني تركت كعب بن لؤي، قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت. واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال: أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها الله؟ أم ترون أن نؤم البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه؟ قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم! إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد. ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذن. فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش، فخذوا ذات اليمين، فو الله! ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بعترة الجيش. فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم، بركت راحلته. فقال الناس: حل حل، فألحت: فقالوا: خلأت القصواء! خلأت القصواء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل! ثم قال: والذي نفسي بيده! لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها. ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوها فيه. قال، فو الله! ما زال يجيش لهم بالري، حتى صدروا عنه. وفزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله! ليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، فأرسله إلى قريش وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيدخل عليهم، ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها بالإيمان. فانطلق عثمان، فمر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ونخبركم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا. فقالوا:
(1)
أخرجه البخاري في: المغازي، 35- باب غزوة الحديبية، حديث 1685.

قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به، وأسرج فرسه. فحمل عثمان على الفرس وأجاره، وأردفه أبان حتى جاء مكة. وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان: خلص عثمان قبلنا إلى البيت وطاف به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون! فقالوا: وما يمنعه يا رسول الله، وقد خلص قال: ذاك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معا. واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح، فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الآخر، وكانت معركة، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين بمن فيهم. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل. فدعا إلى البيعة، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان. ولما تمت البيعة رجع عثمان. فقال المسلمون: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال: بئس ما ظننتم بي! والذي نفسي بيده! لو مكثت بها سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية، ما طفت بها، حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت! فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظنا. وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة تحت الشجرة، فبايعه المسلمون كلهم، إلا الحر بن قيس، وكان معقل بن يسار آخذا بغصنها يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات، في أول الناس وأوسطهم وآخرهم. فبينا هم كذلك إذ جاء بديل ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجئ لقتال أحد. ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم: فإن شاؤوا أماددهم ويخلوا بيني وبين الناس. وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا. وإن أبوا إلا القتال، فو الذي نفسي بيده! لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره قال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم. فقال سفهاؤهم:
لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال سمعته يقول كذا وكذا. فقال عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته. فقالوا: ائته. فأتاه، فجعل يكلمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من
قوله لبديل. فقال له عروة عند ذلك: أي محمد! أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن أخرى، فو الله إني لأرى وجوها، وأرى أوشابا من الناس، خليقا أن يفروا ويدعوك! فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات! أنحن نفر عنه وندعه! قال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده! لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك! وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما كلمه أخذ بلحيته. والمغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر. فكلما أهوى عروة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه وقال: من ذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر! أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية. فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]