عرض مشاركة واحدة
  #553  
قديم 25-02-2025, 11:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,430
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الفتح
المجلد الخامس عشر
صـ 5406 الى صـ 5415
الحلقة (553)






ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فو الله! ما تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها جلده ووجهه، وإذا أمرهم ابتدروا إلى أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم! لقد وفدت على الملوك: على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا. والله! إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته.
فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يكلمه، إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سهل لكم من أمركم، فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا الكاتب، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: أما الرحمن، فو الله ما ندري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب: باسمك اللهم.

ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: فو الله! لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله وإن كذبتموني! اكتب: محمد بن عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل: والله! لا تتحدث العرب أننا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا. فقال المسلمون سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلما؟! فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل ابن سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين. فقال سهيل: هذا يا محمد أول من قاضيتك عليه أن ترده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال: فو الله! إذن لا أصالحك على شيء أبدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجره لي قال: ما أنا بمجيره لك، قال: بلى، فافعل. قال ما أنا بفاعل. قال مكرز: قد أجزناه لك. فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين! أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما لقيت- وكان قد عذب عذابا شديدا في الله- قال عمر ابن الخطاب: والله! ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ألست نبي الله؟ قال: بلى! قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟
قال: بلى! فقلت: على م نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال: إني رسول الله، وهو ناصري، ولست أعصيه. قلت: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى! أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا! قال: فإنك آتيه، وتطوف به! قال فأتيت أبا بكر، فقلت له كما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت فو الله! إنه لعلى الحق. قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا وانحروا ثم احلقوا. فو الله! ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلق لك. فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم، حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءت نسوة مؤمنات.، فأنزل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات [الممتحنة: 10] ، حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. فتزوج إحداهما معاوية، والأخرى صفوان بن أمية.
ثم رجع إلى المدينة، وفي مرجعه أنزل الله عليه: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ... الآيات. فقال لعمر: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم! فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله! فما لنا! فأنزلنا الله عز وجل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين.... [الفتح: 4] ، الآية. ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير- رجل من قريش- مسلما، فأرسلوا في طلبه رجلين، وقالوا: العهد الذي جعلت لنا! فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل! والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر يعدو، حتى بلغ المدينة، فدخل المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا. فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل، والله! صاحبي، وإني لمقتول. وجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله! قد أوفى الله ذمتك، وقد رددتني إليهم، فأنجاني الله منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه! مسعر حرب لو كان له أحد. فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة. فو الله! لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم، وأخذوا أموالهم. وأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأنزل الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم [الفتح: 24] الآية
.
وجرى الصلح بين المسلمين وأهل مكة على وضع الحرب عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض، وأن يرجع عنهم عامهم ذلك، حتى إذا كان العام المقبل، قدمها، وخلوا بينه وبين مكة، فأقام بها ثلاثا، وأنه لا يدخلها إلا سلاح الراكب، والسيوف في القرب، وأن من أتانا من أصحابكم لم نرده عليك، ومن أتاك من أصحابنا رددته علينا، وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال. فقالوا: يا رسول الله! نعطيهم هذا؟ فقال: من أتاهم منا، فأبعده الله، ومن أتانا منهم فرددناه إليهم، جعل الله له فرجا ومخرجا.

هذا ولينظر تتمة ما في فوائد هذه الغزوة ولطائفها في (زاد المعاد) .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 11]
سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا (11)
سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا قال مجاهد: هم أعراب المدينة، كجهينة ومزينة، استتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لخروجه إلى مكة، فقالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه، فقتلوا أصحابه، فنقاتلهم. فاعتلوا بالشغل. أي سيقولون لك إذا عاتبتهم على التخلف عنك: شغلنا عن الخروج معك معالجة أموالنا، وإصلاح معايشنا، والخوف على أهلنا من الضيعة، فاستغفر لنا ربنا.
وقوله تعالى: يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم تكذيب لهم في اعتذارهم، وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون، وإنما هو الشك في الله، والنفاق.
وكذا طلبهم للاستغفار أيضا، ليس بصادر عن حقيقة، لأنه بغير توبة منهم. ولا ندم على ما سلف منهم من معصية التخلف. وفيه إيذان بأن اللسان لا عبرة به، ما لم يكن مترجما عن الاعتقاد الحق.
قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا أي لا أحد يمنعه تعالى من ذلك، لأنه لا يغالبه غالب. إشارة إلى عدم فائدة استغفاره لهم، مع بقائهم على كذبهم ونفاقهم، ولذا هددهم بقوله سبحانه بل كان الله بما تعملون خبيرا أي فيجازيكم عليه.
لطيفة:
قال الناصر: لا تخلو الآية من الفن المعروف عند علماء البيان باللف. وكان الأصل- والله أعلم-: فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا، ومن يحرمكم النفع إن أراد بكم نفعا. لأن مثل هذه النظم يستعمل في الضر. وكذلك ورد في الكتاب العزيز مطردا، كقوله: فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم [المائدة: 17] ، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا [المائدة: 41] ، فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه [الأحقاف: 8] . ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الحديث «1» : إني لا أملك لكم شيئا-
يخاطب عشيرته- وأمثاله كثيرة. وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام، ودفع المضرة نفع يضاف للمدفوع عنه، وليس كذلك حرمان المنفعة، فإنه ضرر عائد عليه، لا له. فإذا ظهر ذلك، فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه، لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفي لدفع المقدر من خير
(1)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 350. []

وشر، فلما تقاربا أدرجهما في عبارة واحدة. وخص عبارة دفع الضر، لأنه هو المتوقع لهؤلاء، إذ الآية في سياق التهديد، أو الوعيد الشديد. وهي نظير قوله: قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة [الأحزاب: 17] ، فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة. فهاتان الآيتان يرامان في التقرير الذي ذكرته- والله أعلم-.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : الآيات 12 الى 13]
بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا (12) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا (13)
بل ظننتم أن لن ينقلب أي اعتقدتم أنه لن يرجع الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا أي بل تستأصلهم قريش. وزين ذلك في قلوبكم أي حسن الشيطان ذلك وصححه، حتى حبب لكم التخلف. وظننتم ظن السوء وهو عدم نصر الرسول، وعدم رجوعهم من سفرهم هذا. وكنتم قوما بورا هالكين، مستوجبين لسخط الله، أو فاسدين في أعمالكم ونياتكم.
ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا أي: من النار تسعتر عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 14]
ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما (14)
ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما قال ابن جرير: هذا من الله جل ثناؤه حث لهؤلاء الأعراب المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على التوبة والمراجعة إلى أمر الله، في طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول لهم:
بادروا بالتوبة من تخلفكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يغفر للتائبين، لأنه لم يزل ذا عفو عن عقوبة التائبين إليه من ذنوبهم ومعاصيهم من عباده، وذا رحمة بهم أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد توبتهم منها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 15]
سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا (15)
سيقول المخلفون أي بعذر الاشتغال بأموالهم وأهليهم بعد طلبهم الاستغفار لهم إذا انطلقتم أي قصدتم السير إلى مغانم أي أماكنها. قال ابن جرير: وذلك ما كان وعد الله أهل الحديبية من غنائم خيبر ذرونا أي اتركونا في الانطلاق إليها نتبعكم أي نشهد معكم قتال أهلها يريدون أي بعد ظهور كذبهم في الاعتذار، وطلب الاستغفار أن يبدلوا كلام الله
قال ابن جرير: أي وعد الله الذي وعد أهل الحديبية، وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضا من غنائم أهل مكة، إذ انصرفوا عنها على صلح، ولم يصيبوا منهم شيئا.
وقال آخرون: بل عنى بقوله: يريدون أن يبدلوا كلام الله إرادتهم الخروج مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا [التوبة: 83] ، والأكثرون على الأول. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية، ففتحها وغنم أموالا كثيرة، فخصها بهم.
قال الشراح: وكان ذلك بوحي. ثم كانت غزوة تبوك بعد فتح خيبر، وبعد فتح مكة أيضا. وفي منصرفه من تبوك نزل قوله تعالى: فاستأذنوك للخروج ...
[التوبة: 83] الآية. فكيف يحمل على ما كان في غزوة الحديبية، وقد نزل بعدها بكثير؟ - والله أعلم-.
قل لن تتبعونا أي إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم. وهو نفي في معنى النهي.
قال الشهاب: فالخبر مجاز عن النهي الإنشائي، وهو أبلغ.
كذلكم قال الله من قبل قال ابن جرير: أي من قبل مرجعنا إليكم. إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا إلى خيبر، لأن غنيمتها لغيركم فسيقولون بل تحسدوننا أي أن نصيب معكم مغنما إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم. قال الشهاب: وهو
إضراب عن كونه بحكم الله. أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدا.
بل كانوا لا يفقهون أي عن الله تعالى ما لهم وعليهم من أمر الدين إلا قليلا أي فهما قليلا، وهو ما كان في أمور الدنيا، كقوله تعالى: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا [الروم: 7] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 16]
قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما (16)
قل للمخلفين من الأعراب أي عن المسير معك ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد أي يفوق قتال من أقاتلهم، بحيث لا دخل للصلح والأمن فيه، بل تقاتلونهم أو يسلمون أي يدخلون في الدنيا من غير حرب ولا قتال. وقرئ شاذا أو يسلموا بمعنى إلا أن يسلموا، أو حتى يسلموا. فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا يعني الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة وإن تتولوا كما توليتم من قبل أي عن الحديبية يعذبكم عذابا أليما أي لتضاعف جرمكم.
ثم خص من هذا الوعيد أصحاب الأعذار، وإن حدثت بعد التخلف الأول، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 17]
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما (17)
ليس على الأعمى حرج قال المهايمي: وإن أمكنة القتال بإحساس صوت مشي العدو، ومشي فرسه، لكن يصعب عليه حفظ نفسه عنه. ولا على الأعرج حرج أي وإن أمكنه القتال قاعدا، لكن لا يمكنه الكر والفر، ولا يقوى قوة القائم ولا على المريض حرج أي فإنه وإن أمكنه الإبصار والقيام، فلا قوة له في دفع العدو، فضلا عن الغلبة عليه.
ثم أشار تعالى إلى أن هؤلاء، وإن فاتهم الجهاد، لا ينقص ثوابهم إذا أطاعوا الله ورسوله، بقوله سبحانه: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار
ومن يتول
أي عن إطاعتهما، وإن كان أعمى أو أعرج أو مريضا يعذبه عذابا أليما أي بالمذلة دنيا، والنار أخرى.
تنبيه:
اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين هم (أولو بأس شديد) - على أقوال:
أحدها- أنهم هوازن.
الثاني- ثقيف، وكلاهما غزاه النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث- بنو حنيفة الذين تابعوا مسيلمة الكذاب، وغزاهم أبو بكر رضي الله عنه.
الرابع- أهل فارس والروم، الذين غزاهم عمر رضي الله عنه.
ومثار الخلاف هو عموم ظاهر الآية، وشمول مصداقها لكل الغزوات المذكورة. ولو عد من الأوجه كفار مكة، لم يبعد، بل عندي هو الأقرب، لأن السين للاستقبال القريب، فإن هذه السورة نزلت عدة بفتح مكة، منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وعلى أثرها كانت غزوة الفتح الأعظم، التي لم يتخلف عنها من القبائل الشهيرة أحد، إذ دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال قريش أو يسلموا، فكان ما كان من إسلامهم طوعا أو كرها- والله أعلم-.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]