عرض مشاركة واحدة
  #555  
قديم 27-02-2025, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الفتح
المجلد الخامس عشر
صـ 5426 الى صـ 5435
الحلقة (555)







القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 27]
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا (27)
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون.
قال ابن جرير: أي لقد صدق الله رسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا يخافون أهل الشرك، مقصرا بعضهم رأسه، ومحلقا بعضهم. ثم روي عن مجاهد أنه قال: أري بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية: أين رؤيا محمد صلى الله عليه وسلم؟
وعن ابن زيد قال: قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رؤوسكم مقصرين، فلما نزل بالحديبية، ولم يدخل ذلك العام، طعن المنافقون في ذلك فقالوا: أين رؤياه؟ فقال الله لقد صدق الله رسوله ...
الآية، إني لم أره يدخلها هذا العام، وليكونن ذلك. والرؤيا منصوب بنزع الخافض، أي صدقه في رؤياه. أي حقق صدقها عنده، كما هو عادة الأنبياء عليهم السلام، ولم يجعلها أضغاث أحلام. أو منصوب على أنه مفعول ثان، وهو ما قاله الكرماني، وعبارته: (كذب) يتعدى إلى مفعولين، يقال: كذبني الحديث، وكذا (صدق) كما في الآية. وهو غريب لتعدي المثقل لواحد، والمخفف لمفعولين.
وقوله بالحق حال من الرؤيا. أي متلبسة بالحق، ليست من قبيل أضغاث الأحلام.
وقوله لتدخلن جواب قسم محذوف. أي: والله! لتدخلن.
وقوله إن شاء الله تعليق للعدة بالمشيئة، لتعليم العباد. أو للإشعار بأن
بعضهم لا يدخل، فهو في معنى: ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم. أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
وقوله محلقين حال مقدرة، لأن الدخول في حال الإحرام، لا في حال الحلق والتقصير. وفي الكلام تقدير، أو هو من نسبة ما للجزء إلى الكل. والمعنى: ملحقا بعضكم، ومقصرا آخرون. والقرينة عليه: أنه لا يجتمع الحلق والتقصير، فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم.
وثبت في الصحيح «1» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله المحلقين! قالوا:
والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين؟ قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين! قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال: والمقصرين!
وقوله تعالى لا تخافون حال مؤكدة لقوله آمنين أو مؤسسة، لأن اسم الفاعل للحال والمضارع للاستقبال، فيكون أثبت لهم الأمن حال الدخول. ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد، لا يخافون من أحد.
قال الحافظ ابن كثير: وهذا كان في عمرة القضاء، في ذي القعدة سنة سبع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة، رجع إلى المدينة، فأقام بها ذا الحجة والمحرم، وخرج في صفر إلى خيبر، ففتحها الله عليه. بعضها عنوة، وبعضها صلحا، وهي إقليم عظيم كثير النخل والزروع، فاستخدم من فيها من اليهود عليها، على الشطر، وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم، ولم يشهدها أحد غيرهم، إلا الذين قدموا من الحبشة: جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وأبو موسى الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم، ولم يغب منهم أحد. قال ابن زيد: إلا أبا دجانة سماك بن خرشة، كما هو مقرر في موضعه. ثم رجع المدينة، فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع، خرج صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا، هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، ساق معه الهدي. قيل: كان ستين بدنة. فلبى، وسار وأصحابه يلبون، قريبا من مر الظهران، بعث محمد بن سلمة بالخيل والسلاح أمامه، فلما رآه المشركون رعبوا رعبا شديدا، وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم، وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه، من وضع القتال عشر سنين، فذهبوا فأخبروا أهل مكة. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بمر الظهران، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن يأجج، وسار بالسيوف إلى مكة مغمدة في قربها، كما شارطهم
(1)
أخرجه مسلم في: الحج، حديث رقم 318.

عليه. فلما كان في أثناء الطريق، بعثت قريش مكرز بن حفص فقال: يا محمد! ما عرفناك تنقض العهد! فقال صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال: دخلت علينا بالسلاح، القسي والرماح! فقال صلى الله عليه وسلم: لم يكن ذلك، وقد بعثنا به إلى يأجج؟ فقال: بهذا عرفناك، بالبر والوفاء
.
وخرجت رؤوس الكفار من مكة، لئلا ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه رضي الله عنه، غيظا وحنقا. وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطرق وعلى البيوت، ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فدخلها عليه الصلاة والسلام، وبين يديه أصحابه يلبون، والهدي قد بعثه إلى ذي طوى، وهو راكب ناقته القصواء، التي كان راكبها يوم الحديبية، وعبد الله بن رواحة الأنصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:

باسم الذي لا دين إلا دينه ... باسم الذي محمد رسوله
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
في صحف تتلى على رسوله ... بأن خير القتل في سبيله
يا رب! إني مؤمن بقيله
وروى الإمام أحمد «1» من طريق أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران في عمرته، بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف؟ فقال أصحابه: لو انتحرنا، من ظهرنا، فأكلنا من لحمه، وحسونا من مرقه، أصبحنا غدا حين ندخل على القوم، وبنا جمامة. قال صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا، ولكن اجمعوا لي من أزوادكم، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولوا، وحثا كل واحد منهم في جرابه. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد، وقعدت قريش نحو الحجر فاضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم قال: لا يرى القوم فيكم غميزة، فاستلم الركن، ثم دخل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضون بالمشي إنهم لينقزون نقز الظباء؟ ففعل ذلك ثلاثة أطواف، فكانت سنة.
قال أبو الطفيل: فأخبرني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع.
(1)
أخرجه في المسند 1/ 305، والحديث رقم 2783.

وروى أحمد «1» من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها سوءا، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها شرا، وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر، فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، ليرى المشركون جلدهم. قال، فرملوا ثلاثة أشواط، وأمرهم أن يمشوا بين الركنين، حيث لا يراهم المشركون.
وفي رواية: ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
وفي ابن كثير زيادة من الأحاديث في هذا الباب، فليراجعها من أحب الزيادة.
وقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا أي من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة، ودخولكم إليها، عامكم ذلك.
قال ابن جرير: وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرجل، فأصابتهم منهم معرة بغير علم، فردهم الله عن مكة من أجل ذلك. وليدخل في رحمته من يشاء ممن يريد أن يهديه. فجعل من دون ذلك أي قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتحا قريبا يعني الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، أو فتح خيبر، لتستروح إليه قلوب المؤمنين، إلى أن يتيسر الفتح الموعود. وإلى الأول ذهب الزهري، قال: يعني صلح الحديبية. وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس. فلما كانت الهدنة، وضعت الحرب وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا، فالتقوا، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام، يعقل شيئا، إلا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر. ووافقه مجاهد وإلى الثاني ذهب ابن زيد.
قال ابن جرير: والصواب أن يعم فيقال: جعل الله من دون ذلك كليهما.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 28]
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا (28)
هو الذي أرسل رسوله بالهدى أي البيان الواضح ودين الحق أي الإسلام.
(1)
أخرجه في المسند 1/ 395، والحديث رقم 2686

وقال المهايمي: بالهدى أي الدلائل القطعية ودين الحق أي الاعتقادات الصائبة المطابقة لما هو الواقع أشد مطابقة.
وقال ابن كثير: أي بالعلم النافع، والعمل الصالح، فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل. فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق، وإنشاءاتها عدل. ليظهره أي ليعليه على الدين كله قال ابن جرير: أي ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه. وذلك حين ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذ تبطل الأديان كلها، غير دين الله الذي بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم، ويظهر الإسلام على الأديان كلها. انتهى.
وقال ابن تيمية: قد أظهره الله علما وحجة وبيانا على كل دين، كما أظهره قوة ونصرا وتأييدا، وقد امتلأت الأرض منه ومن أمته في مشارق الأرض ومغاربها، وسلطانهم دائم لا يقدر أحد أن يزيله، كما زال ملك اليهود، وزال ملك من بعدهم عن خيار الأرض وأوسطها. انتهى.
وكفى بالله شهيدا أي على أن ما وعده من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح أو المغانم كائن. قال الحسن: شهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الدين كله.
قال ابن جرير: وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، والذين كرهوا الصلح يوم الحديبية من أصحابه أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن، بانصرافهم عن مكة قبل دخولها، وقبل طوافهم بالبيت.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (48) : آية 29]
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (29)
محمد رسول الله والذين معه أي أصحابه أشداء على الكفار رحماء بينهم أي لهم شدة وغلظة على الكفار المحاربين لهم، الصادين عن سبيل الله، وعندهم
تراحم فيها بينهم، كقوله تعالى: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [المائدة: 54] .
لطائف:
الأولى- جوز في محمد رسول الله أن يكونا مبتدأ وخبرا، وأن يكون رسول الله صفة، أو عطف بيان، أو بدلا، والذين معه عطف عليه. وخبرهما أشداء على الكفار.
الثانية- قال الشهاب: قوله تعالى رحماء بينهم تكميل، لو لم يذكر لربما توهم أنهم لاعتيادهم الشدة على الكفار قد صار ذلك لهم سجية في كل حال، وعلى كل أحد. فلما قيل رحماء بينهم اندفع ذلك التوهم، فهو تكميل واحتراس، كما في الآية المتقدمة، فإنه لما قيل أذلة على المؤمنين ربما توهم أن مفهوم القيد غير معتبر، وأنهم موصوفون بالذل دائما، وعند كل أحد، فدفع بقوله أعزة على الكافرين فهو كقوله:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... على أنه عند العدو مهيب
الثالثة- قال المهايمي: تفيد الآية أن دين الحق قد ظهر في أصحابه صلوات الله عليه، إذ اعتدلت قوتهم الغضبية! بتبعية اعتدال المفكرة والشهوية، إذ هم أشداء على الكفار، لرسوخهم في صحة الاعتقاد، بحيث يغارون على من لم يصح اعتقاده، رحماء بينهم، لعدم ميلهم إلى الشهوات. هذا باعتبار الأخلاق، وأما باعتبار الأعمال، فأنت تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا قال ابن كثير: وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال. ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل، والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله عز وجل، وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم! وهو أكبر من الأولى، كما قال جل وعلا ورضوان من الله أكبر [التوبة: 72] انتهى.
سيماهم في وجوههم مبتدأ وخبر، أي علامتهم كائنة فيها. وقوله تعالى من أثر السجود بيان للسيما، كأنه قيل: سيماهم التي هي أثر السجود. أو حال من المستكن في (وجوههم) .
قال الشهاب: وهي على ما قبله خبر مبتدأ تقديره: هي من أثر السجود.
انتهى.
وهل الوجوه مجاز عن الذوات، أو حقيقة؟ في معناها تأويلان للسلف، فعن ابن عباس سيماهم في وجوههم يعني السمت الحسن. وقال مجاهد وغير واحد، يعني الخشوع والتواضع. وقال منصور لمجاهد: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال مجاهد، ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون. وقال بعض السلف:
من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار. وقد رفعه ابن ماجة. والصحيح أنه موقوف. وقال بعضهم: إن للحسنة لنورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس. وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وروى الطبراني مرفوعا: ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله تعالى رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر- وإسناده واه، لأن فيه العرزمي وهو متروك-.
وروى الإمام أحمد «1» عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء، ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائنا ما كان.
وأخرج أيضا «2» عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الهدى الصالح، والسمت الصالح والاقتصاد، جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة. ورواه أبو داود أيضا.
والتأويل الثاني في الآية، أن ذلك آثار ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو ندى الطهور. روي ذلك عن ابن جبير وعكرمة. وقد كان ذلك في العهد النبوي، حيث لا فراش للمسجد إلا ترابه وحصباؤه.
وكل من المعنيين من (سيماهم) رضي الله عنهم وأرضاهم.
وقوله تعالى ذلك أي الوصف مثلهم في التوراة أي صفتهم العجيبة فيها ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه أي فراخه أو سنبله أو نباته فآزره أي قواه فاستغلظ أي فغلظ الزرع واشتد. فالسين للمبالغة في الغلظ، أو صار من الدقة إلى الغلظ فاستوى على سوقه أي استقام على قصبه. و (والسوق) جمع ساق يعجب الزراع أي يعجب هذا الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه، وحسن نباته، وبلوغه وانتهائه، الذين زرعوه. وقوله تعالى ليغيظ بهم الكفار
(1)
أخرجه في المسند 3/ 28.

(2)
أخرجه في المسند 1/ 296، والحديث رقم 2698.

تعليل لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وقوتهم، كأنه قيل: إنما قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار.
لطائف:
الأولى: يجوز في قوله تعالى ومثلهم في الإنجيل كزرع وجهان:
أحدهما- أنه مبتدأ، وخبره كزرع فيوقف على قوله في التوراة فهما مثلان، وإليه ذهب ابن عباس.
والثاني- أنه معطوف على مثلهم الأول، فيكون مثلا واحدا في الكتابين، ويوقف حينئذ على في الإنجيل، وإليه نحا مجاهد والفراء، ويكون قوله كزرع في هذا فيه أوجه:
أحدهما- أنه خبر مبتدأ مضمر. أي مثلهم كزرع، فسر به المثل المذكور في الإنجيل.
الثاني- أنه حال من الضمير في مثلهم أي مماثلين زرعا هذه صفته.
الثالث- أنه نعت مصدر محذوف، أي تمثيلا كزرع- ذكره أبو البقاء-.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله كزرع كقوله وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء [الحجر: 66] ، - أفاده السمين-.
الثانية- قال السمين: الضمير المستتر في فآزره للزرع، والبارز للشطء.
وعكس النسفي، فجعل المستتر للشطء، والبارز للزرع. أي فقوي الشطء بكثافة الزرع وكثافته كثرة فروعه وأوراقه. قال الجمل: وما صنعه النسفي أنسب، فإن العادة أن الأصل يتقوى بفروعه، فهي تعينه وتقويه.
الثالثة- قال السمين: يعجب الزراع حال. أي حال كونه معجبا، وهنا تم المثل.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]