عرض مشاركة واحدة
  #556  
قديم 27-02-2025, 10:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,046
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الحجرات
المجلد الخامس عشر
صـ 5436 الى صـ 5445
الحلقة (556)






الرابعة- قال الزمخشري: هذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام، وترقيه في الزيادة، إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قواه الله بمن آمن معه، كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع، ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع.
وهذا ما قاله البغوي من أن (الزرع) محمد، و (الشطء) أصحابه والمؤمنون، فجعلا التمثيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
وأما القاضي فجعله مثالا للصحابة فقط. وعبارته: وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة، قلوا في بدء الإسلام، ثم كثروا واستحكموا، فترقى أمرهم، بحيث أعجب الناس.
قال الشهاب: ولكل وجهة.
الخامسة- قال ابن كثير: من هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه، في رواية عنه، تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم. قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة، فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك- انتهى كلام ابن كثير-.
ولا يخفاك أن هذا خلاف ما اتفق عليه المحققون من أهل السنة والجماعة من أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة، كما بسط في كتب العقائد، وأوضحه النووي في شرح (مقدمة مسلم) ، وقبله الإمام الغزالي في كتابه (فيصل التفرقة) . وقد كان من جملة البلاء في القرون الوسطى التسرع من الفقهاء بالتكفير والزندقة. وكم أريقت دماء في سبيل التعصب لذلك، كما يمر كثير منه بقارئ التاريخ. على أن كلمة الأصوليين اتفقت على أن المجتهد كيفما كان، مأجور غير مأزور، ناهيك بمسألة عدالتهم المتعددة أقوالها، حتى في أصغر كتاب في الأصول كمثل (جمع الجوامع) .
نعم، إن التطرف والغلو في المباحث ليس من شأن الحكماء المنصفين. وإذا اشتد البياض صار برصا.
وعد الله الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات منهم مغفرة أي عفوا عما مضى من ذنوبهم، وسيء أعمالهم بحسنها. وأجرا عظيما أي ثوابا جزيلا، وهو الجنة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجرات
قال المهايمي: سميت بها لدلالة آيتها على سلب إنسانية من لا يعظم رسول الله غاية التعظيم، ولا يحترمه غاية الاحترام. وهو من أعظم مقاصد القرآن.
وهي مدنية، وآيها ثمان عشرة.
وقد انفردت هذه السورة بآداب جليلة، أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به نبيه صلى الله عليه وسلم، من التوقير والتبجيل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1)
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال ابن جرير: أي يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله، ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله، وأمر رسوله.
محكي عن العرب: فلان يقدم بين يدي إمامه، بمعنى يعجل الأمر والنهي دونه.
انتهى.
وتقدموا إما متعد حذف مفعوله، لأنه أريد به العموم، أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول، كما تقول: فلان يعطي ويمنع. أو هو لازم، فإن (قدم) يرد بمعنى (تقدم) كبين، فإنه متعد، ويكون لازما بمعنى تبين.
وفي هذه الجملة تجوزان:
أحدهما- في (بين اليدين) ، فإن حقيقته ما بين العضوين، فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال، قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما. فهو من المجاز المرسل، ثم استعيرت الجملة استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء، ومتابعة لمن يلزم متابعته، تصويرا لهجنته وشناعته، بصورة المحسوس، كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره، فنقلت العبارة الأولى، بما فيها من المجاز، إلى ما ذكر، على ما عرف في أمثاله- هذا محصل ما في (الكشاف) و (شروحه) .
قال ابن كثير: معنى الآية: لا تسرعوا في الأشياء قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب
حديث معاذ رضي الله عنه. قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه: أجتهد
رأيي! فضرب في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله. وقد رواه أحمد «1» وأبو داود «2» والترمذي «3» وابن ماجة.
والغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه قبل البحث عنهما، لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله. انتهى.
وقد جوز أن يكون المراد (بين يدي رسول الله) وذكر (الله) لبيان قوة اختصاصه به تعالى، ومنزلته منه، تمهيدا وتوطئة لما بعده. وقد أيد هذا، بأن مساق الكلام لإجلاله صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
قال ابن جرير: بضم التاء من قوله لا تقدموا قرأ قراءة الأمصار، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لإجماع الحجة من القراء عليها. وقد حكى عن العرب: قدمت في كذا وتقدمت في كذا. فعلى هذه اللغة لو كان قيل (لا تقدموا) بفتح التاء، كان جائزا. انتهى. وبه قرأ يعقوب فيما نقل عنه.
واتقوا الله أي في التقديم أو مخالفة الحكم. والأمر بالتقوى على أثر ما تقدم، بمنزلة قولك للمقارف بعض الرذائل: لا تفعل هذا، وتحفظ مما يلصق العار بك. فتنهاه أولا عن عين ما قارفه، ثم تعم وتأمره بما لو امتثل أمرك فيه، لم يرتكب تلك الغفلة، وكل ما يضرب في طريقها، ويتعلق بسببها- أشار له الزمخشري-.
إن الله سميع عليم أي فحقيق أن يتقى ويراقب.
تنبيه:
في (الإكليل) : قال إلكيا الهراسي: قيل نزلت في قوم ذبحوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح. وعموم الآية النهي عن التعجيل في الأمر والنهي، دونه.
ويحتج بهذه الآية في اتباع الشرع في كل شيء. وربما احتج به نفاة القياس، وهو باطل منهم. ويحتج به في تقديم النص على القياس. انتهى.
(1)
أخرجه في المسند 5/ 230.

(2)
أخرجه في: الأقضية، 11- باب اجتهاد الرأي في القضاء حديث رقم 3592.

(3)
أخرجه في: الأحكام، 3- باب حدثنا هناد، حديث رقم 1327.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 2]
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2)
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي أي: إذا نطق ونطقتم، فلتكن أصواتكم قاصرة عن الحد الذي يبلغه صوته، ليكون عاليا لكلامكم، لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبلغوا أصواتكم إلى أسماع الحاضرين قبل صوته، فإن ذلك من سوء الأدب بمكان كبير ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أي بل تعمدوا في مخاطبته القول اللين، القريب من الهمس، الذي يضاد الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم. وروي عن مجاهد تفسيره بندائه باسمه، أي لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد! يا محمد! بل يا نبي الله! يا رسول الله! ونظر فيه شراح (الكشاف) بأن ذكر الجهر حينئذ لا يظهر له وجه، إذ الظاهر أن يقال: لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم لبعض، كما مر في قوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [النور: 63] . انتهى.
ولك أن تقول: إنما أفرغ هذا المعنى المروي عن مجاهد في قالب ذاك اللفظ الكريم جريا على سنة التنزيل في إيثار أرق الألفاظ والجمل، وألطفها في ذلك، فإن أسلوبه فوق كل أسلوب وقد قال: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به أن تحبط أعمالكم أي مخافة أن تحبط أعمالكم، برفع صوتكم فوق صوته، وجهركم له بالقول كجهركم لبعضكم وأنتم لا تشعرون أي لا تعلمون ولا تدرون بحبوطها.
تنبيه:
استدلت المعتزلة بالآية على أن الكبائر محبطة للأعمال، لأن المذكور في الآية كبيرة محبطة ولا فرق بينها وبين غيرها. ولما كان عند أهل السنة، المحبط للأعمال هو الكفر خاصة، تأولوا الآية بأنها للتغليظ والتخويف، إذ جعلت بمنزلة الكفر المحبط، أو هي للتعريض بالمنافقين المقاصدين بالجهر والرفع الاستهانة، فإن فعلهم محبط قطعا.
وقال الناصر: المراد في الآية النهي عن رفع الصوت على الإطلاق. ومعلوم أن حكم النهي الحذر مما يتوقع في ذلك من إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام. والقاعدة المختارة أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق.
ورد النهي عما هو مظنة لأذى النبي عليه الصلاة والسلام، سواء وجد هذا المعنى أو لا، حماية للذريعة، وحسما للمادة. ثم لما كان هذا المنهي عنه- وهو رفع الصوت- منقسما إلى ما يبلغ ذلك المبلغ أولا، ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر، لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقا، وخوف أن يقع فيما هو محبط للعمل، وهو البالغ حد الإيذاء، إذ لا دليل ظاهر يميزه. وإن كان، فلا يتفق تمييزه في كثير من الأحيان.
وإلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. وإلا فلو كان الأمر على ما تعتقده المعتزلة، لم يكن لقوله وأنتم لا تشعرون موقع. إذ الأمر بين أن يكون رفع الصوت مؤذيا، فيكون كفرا محبطا قطعا، وبين أن يكون غير مؤذ، فيكون كبيرة محبطة على رأيهم قطعا. فعلى كلا حاليه، الإحباط به محقق، إذن فلا موقع لإدغام الكلام بعدم الشعور، مع أن الشعور ثابت مطلقا- والله أعلم-.
ثم قال: وهذا التقرير الذي ذكرته يدور على مقدمتين، كلتاهما صحيحة:
إحداهما- أن رفع الصوت من جنس ما يحصل به الإيذاء، وهذا أمر يشهد به النقل والمشاهدة الآن، حتى إن الشيخ ليتأذى برفع التلميذ صوته بين يديه. فكيف برتبة النبوة وما تستحقه من الإجلال والإعظام.
المقدمة الأخرى- أن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كفر. وهذا أمر ثابت قد نص عليه أئمتنا- يعني المالكية- وأفتوا بقتل من تعرض لذلك كفرا، ولا تقبل توبته، فما أتاه أعظم عند الله وأكبر، والله الموفق. انتهى.
ولا يخفى أن الإنصاف هو الوقوف مع ما أوضحه النص وأبانه، فكل موضع نص فيه على الإحباط وجب قبوله بدون تأويل، وامتنع القياس عليه، لأنه مقام توعد وخسران، ولا مجال للرأي في مثل ذلك. هذا ما أعتقده وأراه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 3]
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم (3)
إن الذين يغضون أصواتهم أي يبالغون في خفضها عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى قال ابن جرير: أي اصطفاها وأخلصها للتقوى يعني
لاتقائه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخلص جيدها، ويبطل خبثها لهم مغفرة وأجر عظيم أي ثواب جزيل، وهو الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 4]
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4)
إن الذين ينادونك أي يدعونك من وراء أي خارج الحجرات أي عند كونك فيها، استعجالا لخروجك إليهم، ولو بترك ما أنت فيه من الأشغال أكثرهم لا يعقلون إذ لا يفعله محتشم، ولا يفعل لمحتشم، فلا يراعون حرمة أنفسهم، ولا حرمتك، ونسب إلى الأكثر، لأنه قد يتبع عاقل جماعة الجهال، موافقة لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 5]
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم (5)
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم أي لأن خروجه باستعجالهم ربما يغضبه، فيفوتهم فوائد رؤيته وكلامه. وإن صبروا استفادوا فوائد كثيرة، مع اتصافهم بالصبر، ورعاية الحرمة لنبيهم وأنفسهم والله غفور رحيم أي لمن تاب من معصية الله، بندائك كذلك، وراجع أمر الله فيه وفي غيره.
تنبيهات:
الأول- قال ابن كثير: قد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي، فيما أورده غير واحد.
روى الإمام أحمد «1» عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! يا محمد! (وفي رواية: يا رسول الله!) فلم يجبه. فقال: يا رسول الله! إن حمدي لزين، وإن ذمي لشين، فقال: ذاك الله عز وجل.
وروى ابن إسحاق، في ذكر سنة تسع، وهي المسماة سنة الوفود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، وبايعت، ضربت إليه وفود
(1)
أخرجه في المسند 3/ 488.

العرب من كل وجه، فكان منهم وفد بني تميم. فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: أن اخرج إلينا يا محمد! فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم، فخرج إليهم. ثم ساق ابن إسحاق نبأهم مطولا ثم قال: وفيهم نزل من القرآن إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون.
الثاني- الحجرات بضمتين، وبفتح الجيم، وبسكونها. وقرئ بهن جميعا: جمع (حجرة) . وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها. فعلة بمعنى مفعولة، كالغرفة والقبضة.
قال الزمخشري: والمراد حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت لكل واحدة منهن حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرقوا على الحجرات، متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة، فنادوه من ورائها. وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها. ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمكان حرمته. والفعل- وإن كان مسندا إلى جميعهم- فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعا.
الثالث- قال الزمخشري: ورود الآية على النمط الذي وردت عليه، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله.
منها- مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به، بالسفه والجهل، لما أقدموا عليه.
ومنها- لفظ الحجرات وإيقاعها، كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه.
ومنها- المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم.
ومنها- التعريف باللام دون الإضافة.
ومنها- أن شفع ذمهم باستجفائهم واستركاك عقولهم، وقلة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات، تهوينا للخطب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم، وسوء أدبهم، وهلم جرا ... من أول السورة إلى آخر هذه الآية. فتأمل كيف ابتدئ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله، متقدمة على الأمور كلها، من غير حصر ولا تقييد. ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر، كأن الأول بساط للثاني، ووطاء لذكره. ثم
ذكر ما هو ثناء على الذين تحاموا ذلك، فغضوا أصواتهم، دلالة على عظيم موقعه عند الله. ثم جيء على عقب ذلك بما هو أطم، وهجنته أتم، من الصياح برسول الله صلى الله عليه وسلم، في حال خلوته ببعض حرماته من وراء الجدر، كما يصاح بأهون الناس قدرا، لينبه على فظاعة ما أجروا إليه، وجسروا عليه، لأن من رفع الله قدره عن أن يجهر له بالقول، حتى خاطبه جلة المهاجرين والأنصار بأخي السرار، كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغا. ومن هذا وأمثاله يقتطف ثمر الألباب، وتقتبس محاسن الآداب، كما يحكى عن أبي عبيد- ومكانه من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى- أنه قال: ما دققت بابا على عالم قط، حتى يخرج في وقت خروجه. انتهى.
الرابع- قال ابن كثير: قال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم، كما كان يكره في حياته، لأنه محترم حيا، وفي قبره صلى الله عليه وسلم. وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما، فحصبهما. ثم ناداهما فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال:
لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. انتهى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]