عرض مشاركة واحدة
  #566  
قديم 28-02-2025, 03:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الطور
المجلد الخامس عشر
صـ 5536 الى صـ 5545
الحلقة (566)






القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 50]
ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين (50)
ففروا إلى الله أي فروا من عقابه إلى رحمته، بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته. قال الشهاب: الأمر بالفرار من العقاب، المراد به الأمر بالإيمان والطاعة، لأنه لأمنه من العقاب بالطاعة، كأنه فر لمأمنه. فهو استعارة تمثيلية. إني لكم منه نذير مبين أي أنذركم عقابه، وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذين قص عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 51]
ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين (51)
ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين أي قد أبان النذارة قال أبو السعود: وفيه تأكيد لما قبله من الأمر بالفرار من العقاب إليه تعالى، لكن لا بطريق التكرير- كما قيل- بل بالنهي عن سببه، وإيجاب الفرار منه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 54]
كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون (52) أتواصوا به بل هم قوم طاغون (53) فتول عنهم فما أنت بملوم (54)
كذلك أي كما ذكر من تكذيبهم الرسول، وتسميتهم له ساحرا أو مجنونا ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون يعني تقليدا لآبائهم، واقتداء لآثارهم، فمورد جهالتهم مؤتلف، ومشرع تعنتهم متحد. وقوله تعالى:
أتواصوا به إنكار وتعجيب من حالهم وإجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة التي لا تكاد تخطر ببال أحد من العقلاء، فضلا عن التفوه بها. أي أأوصى بهذا القول بعضهم بعضا حتى اتفقوا عليه. وقوله تعالى: بل هم قوم طاغون إضراب عن كون مدار اتفاقهم على الشر تواصيهم بذلك، وإثبات لكونه أمرا أقبح من التواصي وأشنع منه، من الطغيان الشامل للكل، الدال على أن صدور تلك الكلمة الشنيعة من كل واحد منهم، بمقتضى جبلته الخبيثة، لا بموجب وصية من قبلهم بذلك- أفاده أبو السعود-.
فتول عنهم أي أعرض عن مقابلتهم بالأسوإ كقوله تعالى: ودع أذاهم [الأحزاب: 48] ،. وقوله: واهجرهم هجرا جميلا [المزمل: 10] ، فما أنت بملوم أي في إعراضهم، إذ لست عليهم بجبار ولا مسيطر، وما عليك من حسابهم من شيء.
تنبيه:
قول بعض المفسرين هنا- فتول عنهم أي فأعرض عن مجادلتهم، بعد ما كررت عليهم الدعوة- بعيد عن المعنى بمراحل، لأن مجادلتهم مما كان مأمورا بها على المدى، لأنها العامل الأكبر لإظهار الحق، كما قال تعالى: وجاهدهم به جهادا كبيرا [الفرقان: 52] .
وكذا قول البعض في قوله تعالى: فما أنت بملوم أي في إعراضك بعد ما بلغت فإنه مناف للأمر بالذكرى بعد. فالصواب ما ذكرناه في تفسير الآية، لأنه المحاكي لنظائرها. وأقعد التفاسير ما كان بالأشباه والنظائر- كما قيل-: وخير ما فسرته بالوارد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 55]
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (55)
وذكر أي عظهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين أي من قدر الله إيمانه، أو الذين آمنوا، فإنهم المقصودون من الخلق، لا من سواهم، إذ هم العابدون.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 56]
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي لهذه الحكمة، وهي عبادته تعالى:
بما أمر على لسان رسوله، إذ لا يتم صلاح، ولا تنال سعادة في الدارين، إلا بها. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : الآيات 57 الى 58]
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58)
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين بيان لعظمته عز وجل، وأن شأنه مع عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم، فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة والتكسب للسادة، وبواسطة كاسب عبيدهم، قدر أرزاقهم والله تعالى لا يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما، بل هو الذي يرزقهم. وإنما يطلب منهم عبادته ليصرفوا ما أنعم به عليهم إلى ما خلقوا لأجله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 59]
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون (59)
فإن للذين ظلموا أي ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب الرسول والإصرار على الشرك والبغي والفساد، ذنوبا أي نصيبا وافرا من العذاب مثل ذنوب أصحابهم أي مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية. وأصل (الذنوب) الدلو العظيمة الممتلئة ماء، أو القريبة من الامتلاء. وهي تذكر وتؤنث، فاستعيرت للنصيب مطلقا، شرا كالنصيب من العذاب في الآية، أو خيرا كما في العطاء في قول عمرو بن شاس:
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب
وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب، فيعطى لهذا ذنوب، ولآخر مثله.
فلا يستعجلون أي لا يطلبوا مني أن أعجل به قبل لأجله، فإنه لا بد آتيهم، ولكن في حينه، المؤخر لحكمة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (51) : آية 60]
فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون (60)
فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون أي أوعدوا فيه نزول العذاب بهم، ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد. و (اليوم) إما يوم القيامة، أو يوم بدر.
قال أبو السعود: والأول هو الأنسب بما في صدر السورة الكريمة الآتية.
والثاني هو الأوفق لما قبله، من حيث إنهما من العذاب الدنيوي- والله أعلم-.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الطور
قال المهايمي: سميت به لأنه لما تضمن تعظيم مهبط الوحي، فالوحي أولى بالتعظيم، فيعظم الاهتمام بالعمل، لا سيما وقد عظم مصعد العمل وثمرته. وهذا من أعظم مقاصد القرآن وهي مكية، وآيها تسع وأربعون.
روي الشيخان «1» ومالك عن جبير بن مطعم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.
وروي البخاري «2» : عن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني اشتكي! فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة. فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتاب مسطور.
(1)
أخرجه البخاري في: التفسير، 52- سورة الطور، 1- حدثنا عبد الله بن يوسف، حديث رقم 465.

وأخرجه مسلم في: الصلاة، حديث رقم 174.
(2)
أخرجه البخاري في: التفسير، 52- سورة الطور، 1- حدثنا عبد الله بن يوسف، حديث رقم 309.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4)
والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6)
والطور أي طور سينين، جبل بمدين، سمع فيه موسى، صلوات الله عليه.
كلام الله تعالى، واندك بنور تجليه تعالى.
وكتاب مسطور أي مكتوب. والمراد به القرآن، أو ما يعم الكتب المنزلة.
في رق منشور متعلق ب مسطور. أي وكتاب سطر في ورق منشور يقرأ على الناس جهارا. و (الرق) الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه.
والبيت المعمور أي الذي يعمر بكثرة غاشيته، وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمار والطائفين والعاكفين والمجاورين. وروي أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض. يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبدا.
والأول أظهر، لأنه يناسب ما جاء في سورة (التين) من عطف البلد الأمين على طور سينين والقرآن يفسر بعضه بعضا، لتشابه آياته، وتماثلها كثيرا، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب.
قال المهايمي: أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي، لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه، ولأنه مظهر الوحي، ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين، ولأنه أجل الآيات وأكبرها. كما دل عليه آية أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم [العنكبوت: 67] وآيات أخر.
والسقف المرفوع يعني السماء. وجعلها سقفا لأنها للأرض كسماء البيت الذي هو سقفه.
والبحر المسجور أي المملوء، أو الذي يوقد، أي يصير نارا، كقوله وإذا البحار سجرت
[التكوير: 6] ، قال ابن جرير: والأول أولى. أعني: أن معناه البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، لأن الأغلب معاني (السجر) الإيقاد أو الامتلاء. فإذا كان البحر غير موقد اليوم، ثبتت له الصفة الثانية وهو الامتلاء، لأنه كل وقت ممتلئ. ولا تنس ما قدمنا في أوائل (الذاريات) من أن هذه الأقسام كلها دلائل أخرجت في صورة الأيمان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : الآيات 7 الى 16]
إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8) يوم تمور السماء مورا (9) وتسير الجبال سيرا (10) فويل يومئذ للمكذبين (11)
الذين هم في خوض يلعبون (12) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا (13) هذه النار التي كنتم بها تكذبون (14) أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون (15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون (16)
إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع أي يدفعه عن المكذبين فينقذهم منه إذا وقع. يوم تمور السماء مورا أي تضطرب وتسير الجبال سيرا أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء منثورا فويل يومئذ للمكذبين أي بالحق الجاحدين له الذين هم في خوض أي من الاعتساف والاستهزاء يلعبون أي بآيات الله ودلائله يوم يدعون إلى نار جهنم دعا أي يدفعون إليها بعنف. يقال: دععت في قفاه، إذا دفعته فيه بإزعاج هذه النار التي كنتم بها تكذبون أي يقال لهم ذلك أفسحر هذا أي الذي وردتموه الآن. والفاء للسببية، لتسبب هذا عما قالوه في الوحي أم أنتم لا تبصرون أي كما كنتم لا تبصرون في الدنيا. قال الزمخشري: يعني أم أنتم عمي عن المخبر عنه، كما كنتم عميا عن الخبر. وهذا تقريع وتهكم. اصلوها أي:
ذوقوا حر هذه النار فاصبروا أي على ألمها أو لا تصبروا سواء عليكم أي الأمران. الصبر وعدمه سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا لربكم، وكفركم به.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: إنما تجزون إلخ؟ قلت لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع، لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير. فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء، ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزية له على الجزع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 20]
إن المتقين في جنات ونعيم (17) فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم (18) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون (19) متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين (20)
إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم أي متلذذين بما لديهم من الفواكه الكثيرة ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين جمع (عيناء) وهي الواسعة العين، في حسن.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : آية 21]
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (21)
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان أي اقتفت آثارهم في الإيمان والعمل الصالح ألحقنا بهم ذريتهم أي في الجنات والنعيم. والخطاب، لما كان مع الصحابة رضي الله عنهم، وهم واثقون بوعد الله، تمم لهم البشارة بالموعود به، بأنه ينال ذريتهم أيضا، إن اتبعوا آباءهم بإحسان، هذا هو المراد من الآية. وأما من قال في معناها: إن المؤمن ترفع له ذريته فيلحقون به، إن كانوا دونه في العمل، فلا تقتضيه الآية تصريحا ولا تلويحا وما ألتناهم من عملهم من شيء أي وما نقصناهم من ثواب عملهم شيئا كل امرئ بما كسب رهين أي بما عمل من خير أو شر مرتهن به، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : الآيات 22 الى 24]
وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون (22) يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم (23) ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون (24)
وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون أي زدناهم وقتا بعد وقت، ما ذكر.
يتنازعون فيها كأسا أي يتعاطون فيها كأس الشراب ويتجاذبونها لا لغو فيها ولا تأثيم أي لا يتكلمون في أثناء الشرب بسقط الحديث وباطله، ولا يفعلون ما يؤثم
به فاعله، كما كان في الدنيا. ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون أي مصون في كن، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (52) : الآيات 25 الى 28]
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون (25) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (27) إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم (28)
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي يتجاذبون أطراف الأحاديث المفضية إلى شكر المنعم، والتحدث بالنعمة، وذلك في مساءلة بعضهم بعضا عما مضى لهم في الدنيا. قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين أي خائفين من عذاب الله فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم يعني: عذاب النار. وأصل (السموم) الريح الحارة التي تدخل المسام، فسميت بها نار جهنم، لمشابهتها لها، وإن كان وجه الشبه في النار أقوى، لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا، أعرف. إنا كنا من قبل ندعوه أي نعبده مخلصين له الدين إنه هو البر أي المحسن بمن دعاه الرحيم أي لمن عبده وخافه بالهداية والتوفيق.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]