عرض مشاركة واحدة
  #569  
قديم 28-02-2025, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النجم
المجلد الخامس عشر
صـ 5566 الى صـ 5575
الحلقة (569)






وأما ما وقع في حديث شريك في البخاري «3»
من قوله: (دنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى)
، فإن لم يكن ذلك من زيادة شريك، على ما ذهب إليه الإمام مسلم وغيره، فهو دنو وتدل غير ما في سورة النجم، نؤمن به. ونفوض كيفيته إليه تعالى، كسائر أخبار الصفات.
قال ابن كثير: قد تكلم كثير من الناس في رواية شريك، فإن صح فهو محمول على وقت آخر، وقصة أخرى، لا أنها تفسير لهذه الآية، فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض، لا ليلة الإسراء. ولهذا قال بعده ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذه هي ليلة الإسراء، والأولى كانت في الأرض. انتهى.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: وقع في حديث شريك في الإسراء زيادة على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل. وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤية جبريل، أصح.
قال العماد بن كثير: وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة، هو الحق،
فإن أبا ذر قال: يا رسول الله! رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه.
وفي رواية: رأيت نورا- أخرجه مسلم «4» -.
وقوله: ثم دنا فتدلى إنما هو جبريل عليه السلام، كما ثبت ذلك في
(1)
أخرجه البخاري في: التفسير، سورة النجم، 1- حدثنا يحيى بن وكيع، حديث رقم 1526. []

(2)
أخرجه الترمذي في: التفسير، سورة النجم، 3- حدثنا ابن أبي عمر.

(3)
أخرجه البخاري في: التوحيد، 37- باب قوله: وكلم الله موسى تكليما، حديث رقم 1684، عن أنس بن مالك.

(4)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 291 و 292.

الصحيحين عن عائشة «1» وعن ابن مسعود «2» . وكذلك هو في صحيح مسلم «3» عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه بهذا. انتهى.
وقال شمس الدين بن القيم في (زاد المعاد) : اختلف الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده، وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك، وقال: إن قوله تعالى:
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل.
وصح عن أبي ذر أنه سأله: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه.
أي حال بيني وبين رؤيته النور، كما في لفظ آخر: رأيت نورا.
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.
قال الإمام ابن تيمية: وليس قول ابن عباس أنه رآه مناقضا لهذا، ولا قوله رآه بفؤاده. وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى، لكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه. وعلى هذا بنى الإمام أحمد وقال: نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد. وأما قول ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين. فإن كان استناده إلى قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى ثم قال: ولقد رآه نزلة أخرى والظاهر أنه مستنده، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل، رآه مرتين في صورته التي خلق عليها. انتهى.
وقال ابن كثير: أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي عز وجل»
، فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح، لكنه مختصر من حديث المنام، كما
رواه الإمام أحمد «4» أيضا عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة (أحسبه، يعني في النوم) فقال: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت: لا. فوضع يده بين كتفي حتى
(1)
أخرجه البخاري في: التفسير، سورة النجم، 1- حدثنا يحيى حدثنا وكيع، حديث رقم 1528 وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 287.

(2)
أخرجه البخاري في: التفسير، سورة النجم، 1- حدثنا يحيى حدثنا وكيع، حديث رقم 1526.

وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 280.
(3)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 283.

(4)
أخرجه في المسند 1/ 368. حديث رقم 3484.

وجدت بردها بين ثديي (أو قال نحري) فعلمت ما في السموات وما في الأرض. ثم قال: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت: نعم! يختصمون في الكفارات والدرجات. قال: وما الكفارات؟ قال: قلت: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره! من فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير. وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال: قل يا محمد إذا صليت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، أن تقبضني إليك غير مفتون.
قال: «والدرجات بذل الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام» .
ثم قال ابن كثير: وقوله تعالى: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، كقوله:
لنريك من آياتنا الكبرى [طه: 23] ، أي الدالة على قدرتنا وعظمتنا، وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة، أن الرؤية تلك الليلة لم تقع. لأنه قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك، ولقال ذلك للناس. انتهى.
الثالث- ذهب بعضهم إلى أن هذه السورة أنزلت لإثبات المعراج النبوي، أعني: عروجه صلى الله عليه وسلم، وصعوده وارتقاءه إلى ما فوق السموات السبع، كما ذكر في أحاديث المعراج عن سدرة المنتهى فوق السماوات، ومشاهدة جبريل على صورته.
قال القليوبي: لما كان الإسراء مقدما في الوجود على المعراج، لأنه كالوسيلة والبرهان، إذ يلزم من التصديق بخوارق العادة فيه، التصديق بالمعراج وما فيه. وكان ما في المعراج من الخوارق أعظم وأكثر، صدره تعالى بالقسم الدال على تأكيد ثبوته، والرد على منكريه والطاعنين فيه، واستطرد مع ذلك الرد على من نسب إليه صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز عليه، فقال والنجم ... إلخ انتهى.
ومما قدمنا يظهر أن نزول السورة لتأييد الرسالة النبوية، وتحقيق الوحي، بأنه تعليم ملك كريم، مرئي للحضرة النبوية رؤية تدفع كل لبس، لا لإثبات المعراج.
ثم من الغرائب أيضا هنا، قول بعضهم محاولا سر إفراد الإسراء عن المعراج، وذكر كل في سورة، ما مثاله: إن الإسراء أنزل أولا وحده، حملا للمشركين على تسليم ما وضح صدقه صلى الله عليه وسلم فيه، توصلا للتصديق بما وراءه فإنه صلى الله عليه وسلم أرشد أن يخبر المشركين أولا بالإسراء إلى المسجد الأقصى، لأن قريشا تعرفه، فيسألونه عنه، فيخبرهم بما يعرفون، مع علمهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط، فتقوم الحجة
عليهم. وكذلك وقع، كما ذكر في الروايات. وعلى أثر هذا الإخبار أنزل بيان الإسراء، ثم ألهم صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بالمعراج إلى ملكوت السموات، ورؤية جبريل عليه السلام، وأنزل الله تصديقه في سورة النجم. انتهى. فكل هذا مما لا سند له، نعم! روى البيهقي وابن أبي حاتم وابن جرير في حديث مطول، أنه صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب. إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا وكذا، إلا أن يقال ليس هذا من مرويات الصحيحين، ولا حجة في الأخبار إلا مرويهما. وبالجملة، فالمعول عليه هو أن المعراج لم يرد له ذكر في القرآن مطلقا، وما ورد في هذه السورة وسورة التكوير، فلا علاقة له بالمعراج، وإنما هي رؤية النبي صلوات الله عليه لجبريل من الأرض على صورته الحقيقية كما تقدم. وأما المعراج فإنما كان رؤيا منامية روحانية. لصريح حديث البخاري في ذلك من طرقه التي عن أنس ومالك بن أبي صعصعة. قال بعضهم ولذلك لم يذكر في حديث المعراج، بحسب رواية البخاري التي هي أصح الروايات بالإجماع، أن النبي صلى الله عليه وسلم سار أولا إلى بيت المقدس، بل المذكور فيه أنه سار مباشرة من مكة إلى السماء الأولى، وكذلك لم يذكر فيه أن جبريل فارقه، ثم ظهر له عند سدرة المنتهى بصورته الحقيقية، بل المذكور أنه كان مصاحبا له من أول المعراج إلى آخره على صورة واحدة، وذلك يدل على أن ما ذكر في القرآن مما وقع يقظة، هو غير ما ذكر في الحديث، مما وقع مناما في وقت آخر، وإلا لذكرا معا في سياق واحد، إما في القرآن، وإما في أصح الأحاديث، وهو الأمر الذي لم يحصل إلا في بعض روايات لا يعول عليها، وهي من خلط بعض الرواة الحوادث بعضها ببعض. انتهى- والله أعلم-.
ثم قال تعالى منكرا على المشركين عبادتهم الأوثان، واتخاذهم لها البيوت، مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن لعبادته تعالى وحده، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 20]
أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)
أفرأيتم اللات قال ابن كثير: هي صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، هم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش.
قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا اللات يعنون مؤنثة من لفظه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، كما قالوا: عمرو وعمرة.
وقال الزمخشري: هي فعلة من (لوى) لأنهم كانوا يلوون عليها، ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها، أي يطوفون.
وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرءوا (اللات) بتشديد التاء، وفسروه بأنه كان رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق، فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه. والعزى وهي شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف.
قال ابن جرير: اشتقوا اسمها من اسمه تعالى (العزيز) وقال الزمخشري: أصلها تأنيث الأعز.
ومناة الثالثة الأخرى وهي صخرة كانت بالمشلل عند قديد، بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها، ويهلون منها للحج إلى الكعبة.
روى البخاري عن عائشة نحوه.
قال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول:
اللات والعزى ومناة الثالثة، أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
انتهى.
تنبيهات:
الأول- قال القاضي: (مناة) فعلة، من مناه إذا قطعه. فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين. ومنه سميت (منى) لأنه يمنى فيها القرابين، أي ينحر.
وقال الزمخشري: وكأنها سميت (مناة) لأن دماء المناسك كانت تمنى عندها، أي تراق. وقرئ (مناءة) مفعلة من (النوء) ، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها.
فإن قيل: كونها ثالثة وأخرى مغايرة لما تقدمها، معلوم غير محتاج للبيان.
وأجيب: بأنهما صفتان للتأكيد، أو الثالثة للتأكيد، والأخرى بيان لها، لأنها مؤخرة رتبة عندهم، عن اللات والعزى.
قال الناصر: (الأخرى) ما يثبت آخرا، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجودي، إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجودي، إلى الاستعمال، حيث يتقدم ذكر معاير لا غير حتى سلبته دلالته على المعنى الأصلي، بخلاف (آخر) و (آخرة) على وزن فاعل وفاعلة، فإن إشعارها بالتأخير الوجودي، ثابت لم يغير، ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا ربيع الآخر، على وزن الأفعل، وجمادى الأخرى، إلى ربيع الآخر على وزن فاعل، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة، لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجودي، لأن (الأفعل) و (الفعلى) من هذا الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم، فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما.
وهذا البحث مما كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى قد حرره آخر مدته، وهو الحق إن شاء الله تعالى، وحينئذ يكون المراد الإشعار بتقدم مغاير في الذكر مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية. انتهى.
الثاني- قال ابن كثير: كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة، غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها.
قال ابن إسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب. ويهدى لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده. فكافت لقريش ولبني كنانة (العزى) بنخلة، وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم. وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
روى النسائي عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالدين الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ارجع، فإنك لم تصنع شيئا. فرجع خالد. فلما أبصر السدنة وهم حجبتها، أمعنوا في الحيل وهم يقولون: يا عزى! يا عزى! فأتاها خالد. فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها. تحفن التراب على رأسها، فغمسها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تلك العزى!
قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجابها بني معتب، وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب فدماها، وجعلا مكانها مسجدا بالطائف.
قال ابن إسحاق: وكانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر، من ناحية المشلل بقديد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان، صخر بن حرب فهدمها. ويقال: علي بن أبي طالب. انتهى.
الثالث- قال ابن جرير: اختلف أهل العربية في وجه الوقف على (اللات) و (منات) فكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا سكت قلت اللات، وكذلك مناة، تقول منات. وقال: قال بعضهم: اللات، فجعله من اللت الذي يلت. ولغة العرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء، يقولون: رأيت طلحت. وكل شيء مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء، نحو نعمة ربك، وشجرة. وكان بعض نحويي الكوفة يقف على (اللات) بالهاء. وكان غيره منهم يقول: الاختيار في كل ما لم يضف، أن يكون بالهاء رحمة من ربي [الكهف: 98] ، وشجرة تخرج [المؤمنون: 20] ، وما كان مضافا فجائز بالهاء والتاء، فالتاء للإضافة، والهاء لأنه يفرد ويوقف عليه دون الثاني. وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب، وإن كان للأخرى وجه معروف. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (53) : الآيات 21 الى 22]
ألكم الذكر وله الأنثى (21) تلك إذا قسمة ضيزى (22)
ألكم الذكر وله الأنثى قال الزمخشري: كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى، مع وأدهم البنات، فقيل لهم: ألكم الذكر وله الأنثى ويجوز أن يراد أن اللات والعزى ومنات إناث، وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث، وتستنكفوا من أن يولدن لكم، وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله، وتسمونهن آلهة؟ انتهى.
لطيفة:
قال الشهاب: قد مر مرارا الكلام في أرأيت وأنها بمعنى (أخبرني) وفي كيفية دلالتها على ذلك، واختلاف النحاة في فعل الرؤية فيه، هل هو بصري؟ فتكون
الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة لبيان المستخبر عنه. وهو الذي اختاره الرضي.
أو علمية، فتكون في محل المفعول الثاني، فالرابط حينئذ أنها في تأويل: أهي بنات الله؟
قال السمين: وكأن أصل التركيب: ألكم الذكر، وله هن، أي: تلك الأصنام.
وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة.
وقوله تعالى: تلك إشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية إذا قسمة ضيزى أي جائرة، غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من لولد والند ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه.
قال ابن جرير: والعرب تقول (ضزته حقه) بكسر الضاد، و (ضزته) بضمها، فأنا أضيزه وأضوزه، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته.
تنبيه:
قال السمين: قرأ ابن كثير (ضئزى) بهمزة ساكنة، والباقون بياء مكانها. وقرأ زيد بن علي (ضيزى) بفتح الضاد والياء الساكنة. فأما قراءة العامة فتحتمل أن تكون من (ضازه يضيزه) إذا ضامه وجار عليه، فمعنى (ضيزى) جائرة. وعلى هذا فتحتمل وجهين: أحدهما- أن تكون صفة على (فعلى) بضم الفاء، وإنما كسرت الفاء لتصح الياء كبيض.
فإن قيل: وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضم الفاء، ولم لا قيل (فعلى) بالكسر؟.
فالجواب: أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات (فعلى) بكسر الفاء، وإنما ورد بضمها، نحو حبلى وأنثى وربى وما أشبهه، إلا أن غيره حكى في الصفات ذلك.
حكى ثعلب: مشية حيكى، ورجل كيسي. وحكى غيره: امرأة عزهى وامرأة سعلى.
وهذا لا ينقض على سيبويه لأنه يقول في (حيكى وكيسي) كقوله في (ضيزى) لتصح الياء. وأما عزهى وسعلى فالمشهور فيهما عزهاة سعلاة.
والوجه الثاني- أن تكون مصدرا كذكرى. قال الكسائي: يقال ضاز يضيز ضيزى، كذكر يذكر ذكرى. ويحتمل أن يكون من (ضأزه) بالهمزة كقراءة ابن كثير، إلا أنه خفف همزها، وإن لم يكن من أصول القراء كلهم إبدال مثل هذه الهمزة ياء، لكنها لغة التزمت، فقرأوا بها. ومعنى ضأزه يضأزه بالهمزة، نقصه ظلما وجورا، وهو
قريب من الأول. و (ضيزي) في قراءة ابن كثير مصدر وصف به، ولا يكون وصفا أصليا. لما تقدم عن سيبويه.
فإن قيل: لم لا قيل في (ضئزى) بالكسر والهمز، أن أصله ضيزى بالضم فكسرت الفاء، لما قيل فيها مع الياء؟
فالجواب: أنه لا موجب هنا للتغيير، إذ الضم مع الهمز لا يستثقل استثقاله مع الياء الساكنة وسمع منهم (ضؤزى) بضم الضاد مع الواو والهمزة.
وأما قراءة زيد فيحتمل أن تكون مصدرا وصف به، كدعوى، وأن تكون صفة كسكرى وعطشى. انتهى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]