البرنامج اليومي لشهر رمضان
د. صغير بن محمد الصغير
القنديل الثالث عشر
في العوامل المساعدة على الاستيقاظ للصلاة
إضاءة قنديل: "مَن بذل المجهود وتوكَّل على المعبود، وأتى الأمور من أبوابها - أدرَك المقصود، فإن لم يُدركه كله أدرَك بعضه، فإن لم يدرك منه شيئًا لم يَلُم نفسه"[1].
في العوامل المساعدة على الاستيقاظ للصلاة
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
فيَشتكي بعضُ الناس من كثرة نومه عن الصلاة مع حرصه، ويرغَب في حل لهذه المشكلة، وهذا يجب عليه أمور؛ منها: أن يعلم المسلم عظمةَ مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل، وخطورة تفويت صلاة الفجر؛ كما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ»؛ رواه الطبراني[2].
كما يجب أن يُضيف إلى ذلك جانبًا عمليًّا في علاج هذه الشكاية؛ كالتبكير في النوم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يَكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وقد بيَّن أهلُ العلم سببَ كراهية الحديث بعدها، فقالوا: لأنه يؤدي إلى السهر، ويُخاف مِن غلبة النوم عن قيام الليل، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو المختار أو الفاضل، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشُّرَّاح: هو ما كان في الأمور التي لا مَصلحة راجحة فيها، أما ما كان فيه مصلحة وخير، فلا يُكره؛ كمدارسة العلم، ومعرفة سِيَر الصالحين وحكايتهم، ومحادثة الضيف، ومُؤانسة الزوجة والأولاد ومُلاطفتهم، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة.
ويجب الحرصُ على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم، فإنها تُعين على القيام للصلاة، وكذلك صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام، ولا نَنسى ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة، فإذا بادَر المرء بذكر الله أولَ استيقاظه، انحلَّت عقدة من عُقد الشيطان، ولا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين، والتواصي في ذلك، ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، ثم لا بد أن يلتزم العبدُ دعاءَ ربه أن يوفِّقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء.
ثم يستخدم وسائلَ التنبيه، ومن الأمور المعينة - كما في الحديث - نضحُ الماء في وجه النائم[3]؛ رواه الإمام أحمد في المسند، وعدم الانفراد في النوم، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يَبيت الرجل وحدَه[4]؛ رواه الإمام أحمد، وعدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يَخطُر على بال الناس أن فلانًا نائمًا فيها، وعدم إكثار الأكل قبل النوم، فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل، ومن أكل كثيرًا تعِب كثيرًا ونام كثيرًا، فخسِر كثيرًا، ومن الأشياء المعينة: اتِّباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم، بحيث ينام على جنبه الأيمن، ويضَع خدَّه الأيمن على كفِّه اليمنى، فإن هذه الطريقة تيسِّر الاستيقاظ، وخيرُ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، بخلاف النوم بكيفيَّات أخرى، فإنها تؤثِّر في صعوبة القيام.
ومن الأشياء المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر مع الجماعة: أن يستعين بالقيلولة في النهار، فإنها تُعينه، وتجعل نومَه في الليل معتدلًا ومتوازنًا.
وألا ينام بعد العصر، ولا بعد المغرب؛ لأن هاتين النومتين تسبِّبان التأخر في النوم، ومن تأخَّر نومُه تعسَّر استيقاظُه.
وأخير أذكِّر نفسي وإياكم بالإخلاص لله تعالى، فهو خيرُ دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة، وهو أميرُ الأسباب والوسائل المعينة كلها، فإذا وُجد الإخلاصُ الذي يُلهب القلب ويوقِظ الوجدان، فهو كفيلٌ بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة، ولو نام قبل الفجر بدقائقَ معدودات[5].
أعاننا الله وإياكم على ذِكره وشكره وحُسن عبادته..
[1] يُنسب إلى الشيخ ابن سعدي رحمه الله، ولم أقِف عليها في كتبه، ولعلَّ بعض طلبته نقَلوها عنه.
[2] أخرجه الطبراني في الكبير (13085)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3353)، وابن خزيمة في صحيحه (1485)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (417).
[3] حسن أخرجه أبو داود (1308)، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336)، وأحمد (7410)، من حديث أبي هريرة بلفظ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ»، وحسنه الألباني في المشكاة.
[4] صحيح، أخرجه أحمد (5650)، وصححه الألباني في الصحيحة (60).
[5] مختصر من كتاب مشكلات وحلول.