عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29-03-2025, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الهمم الشبابية العالية والنفحات الإلهية والإيمانية في رمضان



زكاة الفطر وشيءٍ مِن أحكامها.
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
(29)


الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد خاتَم النَّبيين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد، أيُّها الإخوة الفضلاء ــ سلَّمكم الله ــ:
فإنَّ زكاة الفطر تَجب على المُسلم الحيِّ، سواء كان ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، حُرًّا أو عبدًا، لِمَا صحَّ عن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ )).

وأمَّا الجَنين الذي لا يَزال في بطن أُمِّه، فلا يَجب إخراجها عنه، وإنَّما يُستحَب باتفاق المذاهب الأربعة، وقد نقله عنهم: الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ، وغيره، وكان السَّلف الصالح يُخرجونها عنه، حيث صحَّ عن التَّابعي أبي قِلابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَلَى الْحَبَلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )).
وكذلك يَجب إخراجها عن المجنون، لِعموم قول ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ الصَّحيح: (( فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ )).
وهو مذهب الأئمة الأربعة، والظاهرية، وغيرهم.
والفقير إذا كان مُعدَمًا لا شيء عنده، فلا تَجب عليه زكاة الفطر، باتفاق أهل العلم، نقله عنهم: الحافظ ابن المُنذر ــ رحمه الله ــ.

وإنْ كان يَملك طعامًا يَزيد على ما يَكفيه ويَكفي مَن تلزمُه نفقته مِن الأهل والعيال ليلةَ العيد ويومَه، أو ما يقوم مَقام الطعام مِن نُقود، فتجب عليه زكاة الفطر عند أكثر أهل العلم.
وزكاة الفطر عند أكثر الفقهاء تُخرَج مِن غالب قُوت البلد، الذي يُعمَل فيه بالكَيل بالصَّاع، سواء كان تمرًا، أو شعيرًا، أو زبيبًا، أو بُرًّا، أو ذُرة، أو دُخنًا، أو عدَسًا، أو فولًا، أو حُمُّصًا، أو كُسكسًا، أو أُرْزًا، أو غير ذلك.

ومِقدار ما يُخرَج في زكاة الفطر: صاع.
والصَّاعُ كَيلٌ معروف في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وقبْلَه وبعدَه، وهو بالوزن المُعاصر ما بين الكيلوين وأربع مئة جرام إلى الثلاثة، وإخراج الثلاثة أحوط.

يجوز أنْ تُخرَج زكاة الفطر قبْل العيد بيوم أو يومين، لِمَا صحَّ عن التَّابعي نافعٍ مولى ابن عمرَ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ )).
والأفضل باتفاق أهل العلم أنْ تُخرَج يوم عيد الفطر بعد صلاة فجْره وقبْل صلاة العيد، لِمَا صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ )).
وذَكر الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إِلَى الْمُصَلَّى )).

ومَن أخَّرَها لغير عُذرٍ حتى انتهت صلاة العيد فأخرجها وقعَت صدقة لا زكاة، لِمَا قال ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً

لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ )).
وقد نصَّ على ثبوت هذا الحديث: الحاكم، ومُوفَّق الدِّين ابن قدامة، والنَّووي، والذَّهبي، وابن المُلقِّن، والألباني، وابن باز، وغيرهم.

ومَن أخَّرَها عمدًا حتى انقضَى يوم العيد فقد أَثِمَ، وكان مُرتكِبًا لِمُحرَّمٍ باتفاق أهل العلم، وقد نَسبه إليهم الفقيهان: ابن رُشد الحَفيد المالكي، وابن رَسلان الشافعي ــ رحمهما الله ــ.
ومَن أخَّرَّها نسيانًا أو جهلًا أو بسبب عُذرٍ حتى انتهت صلاة العيد ويومُه، كمَن يكون في سَفر وليس عنده ما يُخرِجه، أو لم يَجد مَن تُخرَج إليه مِن الفقراء، أو اعتمد على أهلِه أنْ يُخرجوها عنه، واعتمدوا هُم عليه، فإنَّه يُخرِجها بعد صلاة العيد، ولا شيء عليه.

ولا يجوز أنْ تُخرَجَ زكاة الفطر نقودًا، بل يجب أنْ تُخرَجَ مِن الطعام، لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعامًا، فلا يجوز العُدول عمَّا فَرَض إلى غيره، والدراهم والدنانير قد كانت موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم، وعهد أصحابه مِن بعده، والناس بحاجة شديدة لَها، ومع ذلك لم يُخرجوها إلا مِن الطعام، وخيرُ الهَدي هَدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومَن أخرج زكاة الفِطر نقودًا بدَلَ الطعام لم تُجزئه عند أكثر الفقهاء ــ رحمهم الله ــ، مِنهم: مالكٌ، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومَن أخرجها طعامًا أجزأته عند جميع العلماء، وبرئت ذِمَّته، والحريص يَفعل ما اتُفِقَ على
أنَّ ذِمَّتَه تَبرأ بِه.
وفقراءُ المسلمين مَصْرِفٌ لزكاة الفطر عند جميع العلماء، نقله عنهم: الفقيه ابن رُشد الحَفيد المالكي ــ رحمه الله ــ.

ولا يجوز أنْ تُعطَى لِغير المسلمين حتى ولو كانوا فقراء، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء ــ رحمهم الله ــ، مِنهم: مالكٌ، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور.
ويُخرِج المُسلم زكاة الفطر عن نفسِه، وعمَّن يَمون مِن أهلِه، ويُنْفِق عليهم مِن زوجة وأبناء وبنات، وغيرهم، تبعًا للنفقة، وقد صحَّ عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ تَمُونُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ )).
وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، عَمَّنْ يَعُولُ )).

ويُخرِج العبد زكاة الفطر في نفس المدينة أو القَرية أو البادية التي هو فيها، وعلى هذا جرى عمل النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.

وقد قال العلامة صالح الفوزان ــ سلَّمه الله ــ: "وقد اتَّفق الأئمة الأربعة على وجوب إخراج صدقة الفطر في البلد الذي فيه الصائم مادام فيه مُستحقون لها".اهـ
والمُراد بالبلد: المدينة أو القرية أو البادية التي يَسكن فيها العبد.

فمَن كان يَسكن في مدينة الرياض فإنَّه يُخرج زكاته على فقرائها، وليس على فقراء مكة، ومَن كان يَسكن في مدينة القاهرة فيُخرِج زكاته فيها وليس في مدينة الإسكندرية، ومَن يَسكن في مدينة واشنطن فيُخرِج زكاته فيها وليس في مدينة نيويورك، وهكذا.

هذا وأسأل الله تعالى أنْ يرزقنا توبة نصوحًا، وأجْرًا متزايدًا، وقلوبًا تخشع لِذِكْره، وإقبالًا على طاعتة، وبُعدًا عن المعاصي وأماكنها وقنواتها ودعاتها، إنَّه سميع مجيب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]