تتمة
أيهـا الولــد:
لا تكن من الأعمال مفلسا ، ولا من الأحوال خاليا ، وتيقّن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد.
مثاله: لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى ، وكان الرجل شجاعا وأهل حرب ، فحمل عليه أسد عظيم مهيب ، فما ظنّك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟!
ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب ، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها ، ولم يعمل بها: لا تفيده إلا بالعمل.
ومثاله أيضا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجين والكشكاب فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما[1][5].
كرمى دو هزار بار بييماي ..... تامى نخوري نباشدت شيدابي[2][6]
أيهـا الولــد:
ولو قرأت العلم مائة سنة ، وجمعت ألف كتاب ، لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ، وقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} ، وقوله تعالى: {جزاء بما كانوا يكسبون} ، وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفرعون نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} ، وقوله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا}.
وما تقول في الأحاديث؟ (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا)[3][7].
والإيمان: قول باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان.
ودليل الأعمال أكثر من أن يحصى ، وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه ، لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته ، لأن رحمة الله قريب من المحسنين.
ولو قيل أيضا: يبلغ بمجرد الإيمان.
قلنا: نعم لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود تستقبله إلى أن يصل؟.
وأول تلك العقبات: عقبة الإيمان: أنه هل يسلم من السلب أم لا., وإذا وصل يكون خائبا مفلسا.
وقال الحسن البصري رحمه الله: (يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم).
أيهـا الولــد:
ما لم تعمل لم تجد الأجر.
حُكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين عاما ، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة ، فلما بلغه قال العابد: (نحن خلقنا للعبادة ، فينبغي لنا أن نعبده). فلما رجع الملك قال الله تعالى: (ماذا قال عبدي؟) قال: (إلهي ، أنت أعلم بما قال) ، فقال الله تعالى: (إذا هو لم يعرض عن عبادتنا ، فنحن ـ مع الكرم ـ لا نعرض عنه ، أشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا)[4][8].
وقال علي رضي الله عنه: (من ظنّ أنه بدون الجهد يصل فهو متمّن ، ومن ظنّ أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن).
وقال الحسن رحمه الله تعالى: (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب). وقال: (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك الهمل).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني)[5][9].
أيهـا الولــد:
كم من ليال أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب ، وحرّمت على نفسك النوم؛ لا أعلم ما كان الباعث فيه؟
إن كانت نيتك عرض الدنيا ، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها ، والمباهاة على الأقران والأمثال ، فويل لك ثم ويل لك.
وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وتهذيب أخلاقك ، وكسر النفس الأمّارة بالسوء ، فطوبى لك ثم طوبى لك ، ولقد صدق من قال شعرا:
سهر العيون لغير وجهك ضائع .... وبكاؤهن لغير فقدك باطل
[1][5] السكنجين والكشكاب: دواءان لعلاج الحمى الصفراء.
[2][6] هذا البيت من الشعر الفارسي ومعناه: إذا كلت الخمر ألفي مرة ولم تشربها لم تحس بالنشوة.
[3][7]رواه البخاري ومسلم.
[4][8]روى الترمذي هذا الحديث موقوفا على عمر بألفاظ مشابهة.
[5][9]رواه الترمذي وقال: حديث حسن.