وقفات مع القدوم إلى الله (4)
التوكل والقدوم إلى الله
د. عبدالسلام حمود غالب
القدوم إلى الله هو الطريق إلى الجنة، والنجاة من النار.
القدوم إلى الله هو رحلة إيمانية مباركة، يسعى فيها العبد إلى تحقيق رضا ربه، والفوز بقربه وجنته.
والتوكل على الله يساعد على تحقيق القدوم إلى الله؛ لأن العبد المتوكل على الله تعالى يثق به في تيسير أموره، وتيسير توبته واستقامته، والقدوم إلى الله يوضح مدى تعلق العبد بربه، وأنه في أمسِّ الحاجة إليه في جميع أمور حياته، وأن الله هو المُسبب لكل الأسباب.
مفهوم التوكل:
• التوكل ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو حالة قلبية راسخة، تدفع المؤمن إلى الاعتماد على الله في كل شؤونه.
• هو الثقة الكاملة بقدرة الله وحكمته ورحمته، والإيمان بأن الله هو مُسبب الأسباب، ومُدبِّر الأمور.
• هو تفويض الأمر إلى الله تعالى، والرضا بقضائه وقدره، مع بذل الجهد والسعي في تحقيق الأهداف.
أقوال العلماء في التوكل:
• يقول ابن القيم: "التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة".
• يقول ابن رجب: "هو صدقُ اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدنيا والآخرة كلها".
• يقول ابن قدامة المقدسي: "التوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء؛ الشفقة، والقوة، والهداية".
• يقول سعيد بن جبير: "التوكل على الله جِماع الإيمان".
• يقول ابن عطاء: "أرِحْ نفسك من الهم بعد التدبير، فما تكفل الله لك به، فلا تشغل به نفسك".
• يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "متى رضيتَ بالله وكيلًا، وجدت إلى كل خير سبيلًا".
• يقول ابن القيم رحمه الله: "التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه".
• قال عبدالله بن عباس: "التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك".
الفرق بين التوكل والتواكل:
• التوكل هو الاعتماد على الله مع بذل الأسباب، أما التواكل فهو ترك الأسباب والاعتماد على الله فقط.
• التوكل هو عمل إيجابي يدفع المؤمن إلى السعي والعمل، أما التواكل فهو عمل سلبي يؤدي إلى الكسل والخمول.
شروط التوكل:
التوكل على الله هو من أعظم مقامات الإيمان، ولتحقيق التوكل الحق، لا بد من توافر شروط معينة؛ وهي:
1. العلم بالله وصفاته: يجب أن يكون المتوكِّل عالمًا بقدرة الله وعلمه، وحكمته ورحمته، وأن الله هو مُسبب الأسباب، وأن الأمور كلها بيده.
2. الإيمان بالقضاء والقدَر: لا بد من الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون هو بقضاء الله وقدره، وأن الله هو الذي يدبِّر الأمور ويُقدرها.
3. بذل الأسباب المشروعة: التوكل لا يعني ترك الأسباب، بل هو الاعتماد على الله، مع بذل الجهد والسعي في تحقيق الأهداف؛ وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعُدنَّ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة؛ فإن الله عز وجل يقول: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]".
4. الاعتماد على الله وحده: يجب أن يكون الاعتماد على الله تعالى وحده، وألَّا يعتمد على غيره في تحقيق الأهداف.
5. اليقين بحسن تدبير الله: لا بد من اليقين بأن الله تعالى يدبِّر الأمور بأحسن وجه، وأن ما يختاره الله للعبد هو خير له.
6. الرضا بقضاء الله: يجب أن يكون المتوكل راضيًا بقضاء الله وقدره، وأن يُسلم أمره إليه.
جزاء المتوكلين على الله:
المتوكلون على الله لهم جزاء عظيم في الدنيا والآخرة، وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبيِّن فضل التوكل وثماره؛ ومنها:
1- محبة الله ورضاه: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، ومحبة الله هي أعظم جزاء يمكن أن يناله العبد.
2- الكفاية والنصر: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فالله يكفي المتوكلين عليه، وينصرهم على أعدائهم، ويرد عنهم كيد الكائدين.
3- الرزق والتيسير في كافة الأمور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لَرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ [رواه الترمذي].
4- دخول الجنة: في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفاتِ مَن يدخلون الجنة بغير حساب، ومن صفاتهم التوكل على الله.
5- الطمأنينة والسَّكِينة: يشعر المتوكل على الله بالراحة والطمأنينة؛ لأنه يعلم أن الله هو مُدبر الأمور، وأنه لن يُصيبه إلا ما كتبه الله له.
6- قوة القلب وثباته: المتوكل على الله لا يخاف من شيء إلا الله، ولا يخشى أحدًا إلا الله، فهو قوي القلب، ثابتُ الجَنان.
7- الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة: المتوكل على الله يسعى في الأرض ويأخذ بالأسباب، ولكنه يعتمد على الله في كافة أموره.
صفات المتوكلين على الله:
المتوكلون على الله هم الذين يجمعون بين الإيمان والعمل، والثقة بالله والأخذ بالأسباب، إليك بعض صفاتهم:
1- الثقة بالله: يثقون بالله تعالى ثقةً مطلقة، ويعلمون أن الله هو المدبر لكل شيء، وأن كل ما يحدث هو بإرادته.
2- اليقين بقدرة الله: يؤمنون بقدرة الله تعالى على كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
3- الرضا بقضاء الله: يرضون بقضاء الله وقدره، ويعلمون أن كل ما يحدث هو خير لهم، حتى وإن كان ظاهره شرًّا.
4- بذل الأسباب: لا يتواكلون على الله، بل يأخذون بالأسباب المشروعة، ويسعَون في طلب الرزق، ويعملون بجدٍّ واجتهاد.
5- التوكل في جميع الأمور: يتوكلون على الله في جميع أمورهم، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، دنيوية أو أخروية.
6- الاستعانة بالله: يستعينون بالله تعالى في كل شيء، ويدعونه أن يوفِّقهم ويسدِّد خُطاهم.
7- عدم الخوف من المخلوقين: لا يخافون من المخلوقين، بل يخافون من الله تعالى وحده.
8- التفاؤل والأمل: يتفاءلون دائمًا بالخير، ولا ييأسون من رحمة الله تعالى.
9- الصبر على البلاء: يصبرون على البلاء، ويعلمون أن الله تعالى له حكمة في ذلك، فيصبرون ويسلمون الأمر له سبحانه.
10- الشكر في الرخاء: يشكرون الله تعالى على نِعمه في الرخاء، ويعلمون أن كل ما عندهم هو من فضل الله تعالى.