هل يفيد حديث الآحاد الظن؟
عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
كثيرًا ما يُثار هذا السؤال، خاصة من قِبل منكري السُّنة، والقرآنيين الذين لا يحتجون إلا بالقرآن الكريم، وهو ناتج عن الشُّبهات التي أثارها المعتزلة قديمًا حول حُجية أخبار الآحاد؛ مما دفع بعض الناس إلى التشكيك في اعتبارها دليلًا شرعيًّا.
لكن لفهم المسألة على وجهها الصحيح، لا بد من الرجوع إلى أصل كلمة الظن في اللغة العربية، كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وسياقات استخدامها المختلفة؛ ومنها:
١- الظن بمعنى اليقين:
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]؛ أي: الذين يوقنون بلقاء ربهم، وقد ورد في مصحف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ "يعلمون" بدل "يظنون"؛ مما يدل على أن الظن هنا بمعنى اليقين.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة"، مما يُثبت أن الظن قد يأتي بمعنى العلم الجازم واليقين.
٢- الظن بمعنى التهمة أو سوء الظن:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ﴾ [الحجرات: 12]؛ أي: اجتنبوا الظنون السيئة التي لا تستند إلى دليل.
٣- الظن بمعنى الشك:
قال الله تعالى: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ [الأنعام: 116]؛ أي: لا يتبعون إلا الأوهام والشكوك التي لا تقوم على يقين.
الظن في علم الحديث:
اتفق علماء الحديث على أن الظن الوارد في وصف أحاديث الآحاد لا يعني الشك، بل يُحمل على درجة من درجات اليقين (غلبة الظن)، لكنه ليس بمستوى يقين الحديث المتواتر.
وهنا يبرز تساؤل: إذا كان المقصود بالظن هو اليقين، فلماذا استُخدمت كلمة الظن أصلًا؟
الجواب عن هذا الإشكال:
١. قال الإمام الطبري رحمه الله: "العرب تستخدم لفظ الظن بمعنى اليقين"، وهذا أمر متداول في أشعارهم ونثرهم.
٢. هناك مراتب لليقين، كما يتبين في قصة إبراهيم عليه السلام عندما طلب من ربه أن يُرِيَه كيف يحيي الموتى؛ فقال الله له: ﴿ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، فعلى رغم إيمان إبراهيم الجازم، فإنه أراد مرتبة أعلى من اليقين، وهي عين اليقين بعد أن كان عنده علم اليقين.
الخلاصة:
الحديث المتواتر يفيد اليقين المطلق، وهو أعلى درجات اليقين.
حديث الآحاد يفيد اليقين من درجة أدنى، ولذلك عبَّر عنه العلماء بـ (غلبة الظن) الذي يعني العلم الراجح، لا الشكَّ أو الوهم.
هذا التقسيم يعكس الدقة العلمية عند أهل الحديث، وهو من أمانتهم العلمية العالية.