شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [303]
الحلقة (335)
شرح سنن أبي داود [303]
من الآداب التي ذكرها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحيوانات والدواب ترك ركوب الجلالة التي تأكل العذرة، وعدم شرب لبنها وأكل لحمها حتى تحبس مدة معينة، ونهانا عن لعن الدواب ووسمها في وجهها، وأجاز أن يركب على الدابة أكثر من شخص إذا كانت تطيق ذلك.
ما جاء في ركوب الجلالة
شرح حديث (نهي عن ركوب الجلالة)
قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في ركوب الجلالة. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهي عن ركوب الجلالة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في ركوب الجلالة. والجلالة: هي التي تأكل العذرة، وهي الجلة، وهي البعر، والمقصود بذلك النجس، وأما الشيء الذي ليس بنجس فهذا لا محذور فيه، وإنما المحذور فيما كان نجساً فالجلالة التي تأكل العذرة، وهي ما يخرج من الإنسان أو من الحيوان الذي روثه نجس، فهذه لا يجوز أكلها، وكذلك جاء الحديث أنها لا تركب حتى يطيب لحمها، وحتى يذهب ما فيها، فتحبس وتمنع وقتاً من الأوقات فتأكل شيئاً طيباً حتى يذهب ما فيها من الخبث الذي جاء نتيجة لأكل العذرة، وعند ذلك تؤكل ويركب عليها. وقيل في النهي عن الركوب أنه عندما تعرق يكون فيها هذا النتن بسبب هذا الذي تغذت به وهو النجاسة والعذرة، فيكون ذلك فيه نوع من العقوبة المالية، فكون الإنسان ممنوعاً من الاستفادة من هذه الدابة التي صارت كذلك حتى يبعدها عن أكل هذه النجاسة وعن هذه الأشياء القذرة. وهل هناك فترة معينة لمدة الحبس؟ الظاهر أنه لا توجد فترة معينة، لكن حتى يطمئن العبد فيها إلى أن اللحم قد طاب. أورد المؤلف حديث ابن عمر قال: (نهي عن ركوب الجلالة) والحديث الثاني: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ركوب الجلالة).
تراجم رجال إسناد حديث (نهي عن ركوب الجلالة)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر و ابن عمر قد مر ذكرهما.
شرح حديث (نهى رسول الله عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرني عبد الله بن الجهم حدثنا عمرو -يعني: ابن أبي قيس - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها) ]. وهذا الحديث مثل الذي قبله في النهي عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها. قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ]. أحمد بن أبي سريج الرازي ، هو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ أخبرني عبد الله بن الجهم ]. عبد الله بن الجهم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عمرو يعني: ابن أبي قيس ]. عمرو بن أبي قيس ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
حكم حليب الجلالة والركوب على الحمار الذي يأكل العذرة
وأما حليب الجلالة فهو من ركوبها، فإذا كان الركوب يمنع فالحليب من باب أولى. وأما الحمار فأقول: إذا كان يأكل العذرة فحكمه مثل الجلالة، إلا أن الحمار كما هو معلوم لا يأكل العذرة، فإذا وجد في الحمير ما يأكلها فلا يمكن من أكل الجلة وإذا أكل فلا يركب عليه، وإنما يطعم شيئاً طيباً، فالذي يبدو أنه لا فرق بين الحمار وغيره، فالنتيجة واحدة، والكل يمنع من أكل العذرة والأِشياء القذرة. وأما بالنسبة للدجاج فإنه قد يجد شيئاً قذراً لكنه في الغالب يكون طعامه طيباً، فأقول: مثل هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر كونه يأكل هذه الأشياء القذرة دائماً ويتغذى بها، أما إذا أكل شيئاً نجساً يسيراً جداً فهذا لا يسلم منه الدجاج.
ما جاء في الرجل يسمي دابته
شرح حديث (كنت ردف رسول الله على حمار يقال له عفير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسمي دابته. حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ رضي الله عنه قال: (كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الرجل يسمي دابته، فإنه لا بأس بأن تسمى الدابة باسم تعرف به، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث، ومنها هذا الحديث الذي هو حديث معاذ قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير) يعني: اسمه عفير، وقيل: إنه تصغير أعفر، وهو الذي لونه لون التراب. ففي الحديث تسمية الحمار بعفير، والشيخ الألباني قال: إن التسمية هنا شاذة، لكن كون بعض الرواة ما ذكروا التسمية لا يؤثر؛ لأن الذي ذكر أن اسمه كذا هي زيادة في الحديث فتكون مقبولة. وهذا هو نفس الحديث: (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟) إلى آخر الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث (كنت ردف رسول الله على حمار يقال له عفير)
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في النداء عند النفير يا خيل الله اركبي
شرح حديث (فإن النبي سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثني يحيى بن حسان أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة والصبر، والسكينة وإذا قاتلنا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في النداء عند النفير يا خيل الله اركبي. النداء عند النفير يعني: عند الفزع وعند إرادة الإقدام، فينادى: يا خيل الله اركبي. وقيل: المراد بالخيل هم الفرسان؛ لأن الخيل تأتي ويراد بها الأفراس، وتأتي ويراد بها الفرسان، ومن ذلك قول الله عز وجل: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64] أي: بجنودك سواء ممن يركبون الخيل، أو الذين يمشون على أرجلهم. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أما بعد: فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله). قوله: (إذا فزعنا). يعني: إذا حصل فزع ونفير، وذلك في الإقدام على شيء، ومنه الحديث الذي جاء في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وأنه أصاب الناس فزع وركب على فرس عري ليس لها سرج فسبق الناس حتى رجع وقال: (لن تراعوا لن تراعوا! وقال: إنه لبحر) يعني: مع أنه كان كليلاً وبطيئاً لكنه انطلق وأسرع وسبق غيره، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بأنه ليس هناك شيء، وأنهم لن يراعوا، فالمقصود به الفزع عند الشدة والنفير لأمر مهول أو أمر مخوف. قوله: [ (فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا) ]. يعني: إذا حصل فزع وخوف، والفزع الذي هو النفير من أجل شيء يخاف منه. فكان يناديهم: يا خيل الله! من أجل أن يفزعوا فينطلقوا وينفروا، والمقصود بذلك الفرسان وليس الخيل نفسها، والحديث ضعيف لأنه من في سنده كلهم ضعفاء إلا الصحابي و يحيى بن حسان وخمسة رواة كلهم ضعفاء انفرد أبو داود بالرواية عنهم. قوله: [ (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة والصبر والسكينة). أي: أن نكون مجتمعين، وألا نكون متفرقين، وبالصبر والسكينة إذا نفروا من أجل الذي فزعوا إليه، وعدم الذعر والخوف، أو أن يكون عندهم هلع. والحديث ضعيف لأن فيه خمسة ضعفاء. قوله: [ (وإذا قاتلنا) ]. كذلك يأمرهم بالصبر والجماعة في هذه الأحوال عند فزعهم وعند قتالهم.
تراجم رجال إسناد حديث (فإن النبي سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا)
قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان ، مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثني يحيى بن حسان ]. يحيى بن حسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ أخبرنا سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى ، وفيه لين، أخرج له أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، وهو ليس بالقوي، أخرج له أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. سليمان بن سمرة وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في النهي عن لعن البهيمة
شرح حديث النهي عن لعن البهيمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن لعن البهيمة. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فسمع لعنة، فقال: ما هذه؟ قالوا: هذه فلانة لعنت راحلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوا عنها فإنها ملعونة، فوضعوا عنها، قال عمران : فكأني أنظر إليها ناقة ورقاء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب النهي عن لعن البهيمة. يعني: أن لعن البهيمة حرام لا يجوز، وقد أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع لعنة فقال: ما هذه؟ قالوا: فلانة -يعني: سموها- لعنت ناقتها! فقال: ضعوا عنها). يعني: ضعوا عنها حملها أو ركابها واتركوها عارية ليس عليها شيء، فلا يركبها أحد، قال: (فإنها ملعونة). قوله: [ (فإنها ملعونة) ] يعني: أن صاحبتها لعنتها، وهذا قيل: إنه من العقوبة بالمال، وذلك حرمان منفعة المال، وحرمان الركوب، والمقصود من هذا أنه ليس معنى ذلك أنها تهمل وتترك، وأنه لا يستفاد منها، وإنما المقصود منها هذه الصحبة والرفقة التي حصل فيها اللعن، أنها تترك فلا يستفاد منها عقوبة لصاحبتها؛ لكونها لعنتها، ولا يعني ذلك أنها لا تبقى على ملك صاحبتها، وأنها تباع ولا يستفاد منها، بل يستفاد منها، وليست مالاً مهملاً متروكاً مضيعاً، وإنما هذه عقوبة من أجل التأديب حتى لا تفعل مثل ذلك، وحتى يبتعد غيرها عن أن يقدم على ما أقدمت عليه. وقد قال الإمام النووي : إن هذا إنما هو خاص في تلك الرفقة التي فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء في الحديث: (لا تصحبنا ناقة ملعونة) وعلى هذا فاللعن لا يجوز، والنهي موجه لكل أحد، ولكن ذلك لا يعني أنه إذا لعن الشيء فإنه يهمل ويترك ولا يستفاد منه، وإنما ذلك كما قال النووي: خاص بتلك الناقة التي لعنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصحبنا ناقة ملعونة). قوله: [ (فكأني أنظر إليها ناقة ورقاء) ]. يعني: أنها فيها غبرة مثل لون الحمامة التي يقال لها: ورقاء.