عرض مشاركة واحدة
  #524  
قديم 03-05-2025, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,501
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (لا تتمنوا لقاء العدو...)

قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم أبي النضر ]. سالم أبو النضر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والذي كتب هو عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، فكتب: من عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، وسالم أبو النضر يروي عن عبد الله بن أبي أوفى مكاتبة وكتابة، والكتابة والمكاتبة هي من طرق الأداء والتحمل عند العلماء، وهي موجودة على مختلف الطبقات يعني: في طبقة الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى المؤلفين، فأحياناً يقول المؤلف: كتب إلي فلان، يعني: بدلاً من أن يقول: حدثني فلان وفلان وفلان يقول: كتب إلي فلان، مثلما فعل البخاري في صحيحه حيث قال: كتب إلي محمد بن بشار ثم ساقه بإسناده، أي: أن الرواية جاءت عن طريق الكتابة، كما أنها تأتي عن طريق السماع، وعن طريق القراءة على الشيخ الذي يسمى العرض، وهنا الرواية جاءت عن طريق المكاتبة. وكان عمر بن عبيد الله هو الذي ذهب إلى الحرورية لغزوهم، و عبد الله بن أبي أوفى كتب إليه بالحديث يذكره به وينبهه على أن لا يتمنوا لقاء العدو، ولكنهم يسألون الله العافية، وإذا حصل اللقاء فليصبروا ويثبتوا ويعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. وقوله: (الجنة تحت ظلال السيوف)، هذا ليس مجازاً وإنما هو حقيقة، بمعنى أن الإنسان إذا مات وصل إلى الجنة، ومعلوم أن الإنسان عندما يموت إن كان من أهل الجنة فقد حصل له ما يحصل من الجنة، وإن كان بخلاف ذلك فإنه يحصل له ما يحصل من النار، وحديث البراء بن عازب يدل على ذلك، وأوله: (إذا كان العبد في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة ..) فما بين المؤمن وبين الاستفادة من الجنة ومن نعيمها إلا الموت؛ لأن من مات قامت قيامته، وصار إما في نعيم من نعيم الجنة، أو في عذاب من عذاب النار، والقبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة.
ما يدعى عند اللقاء


شرح حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يدعى عند اللقاء. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة فقال: باب ما يدعى عند اللقاء. أي: ما يدعى به عند اللقاء، والحديث الذي مر فيه ما يندرج تحت هذه الترجمة، في قوله: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) لأن هذا مما يدعى به عند اللقاء، ولكن أبا داود أورده من أجل كراهية تمني الموت الذي جاء في أوله، وهذا الحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة المراد به أن هذا من جملة الأدعية التي يدعى بها عند اللقاء. فأورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل). قوله: [ (اللهم أنت عضدي) ]. يعني: معتمدي ومستندي. قوله: [ (ونصيري) ]. يعني: ناصري ومؤيدي. قوله: [ (بك أحول) ]. يعني: أعمل كل ما يمكن أن يمكنني من حيل للوصول إلى معرفة الحق، وكذلك (وبك أصول) يعني: أفعل وأقدم وأتقدم، (وبك أقاتل) يعني: يقاتل لله ومن أجل الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المثنى بن سعيد ]. المثنى بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في دعاء المشركين


شرح حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دعاء المشركين. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال، فكتب إلي: (أن ذلك كان في أول الإسلام، وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث رضي الله عنها) حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في دعاء المشركين. وقد سبق نظير هذه الترجمة فيما مضى، وتلك الترجمة أورد فيها أنهم يدعون إلى الإسلام، وأورد في حديث بريدة بن الحصيب الذي فيه: (إذا لقيت عدوك المشركين فادعهم إلى ثلاثة خصال أو خلال وادعهم إلى الإسلام.. ثم إلى الجزية.. ثم قاتلهم) وهنا أورد نفس الترجمة، إلا أن تلك الترجمة في كونهم يدعون قبل القتال، وفي هذه الترجمة أنهم لا يدعون، وإنما يقاتلون بدون دعوة لهم، وذلك أن الدعوة في حق من لم تبلغهم متعينة، وأما من بلغتهم فإنها تكون مستحبة ولا تكون واجبة، لأن عندهم علم سابق بالشيء الذي يقاتل الناس عليه، والشيء الذي يغزون من أجله. فعلى هذا يكون معنى الترجمتين وإن كانتا بلفظ واحد: أن الترجمة الأولى في كونهم يدعون، وذلك في حال الوجوب حيث لم تصل إليهم الدعوة ولم تبلغهم، فيدعون إلى الشيء الذي يقاتلون عليه، وأما إذا بلغتهم الدعوة، وعرفوا أن المسلمين يغزون الكفار من أجل أن يدخلوا في دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فهنا لا تكون الدعوة واجبة ولكنها مستحبة، إن أتي بها فحسن وهو تأكيد، وإن لم يؤت بها فإن الأصل موجود من قبل. فالترجمة السابقة فيها حصول الدعوة، وأنه لا قتال قبل الدعوة، والترجمة اللاحقة فيها أن القتال يكون بدون دعوة؛ لأنه قد سبق أن حصلت الدعوة، فكان قتالهم ليس خالياً من الدعوة أصلاً، ولكن الدعوة موجودة من قبل فاكتفي بها، وإن أتي بها فهي مستحبة، أي: كونهم يدعون مرة أخرى. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عون أنه كتب إلى نافع مولى ابن عمر يسأله عن دعاء المشركين عند القتال يعني: هل يدعون أو لا يدعون، فكتب إليه أن هذا -أي: الدعاء- كان في أول الإسلام حيث كان الناس لا يعرفون البعثة والرسالة، فكان يقاتلهم صلى الله عليه وسلم ويغزوهم في بلادهم ويدعوهم، أما بعد ذلك فإنه حصل من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغار على بعض الجهات التي غزاها صلى الله عليه وسلم دون أن يدعوهم، وذلك لسبق الدعوة، ولوجود الشيء الذي يقاتلون من أجله عندهم من قبل، وهو الدخول في الدين الحنيف، وعدم دخولهم يسوغ قتالهم. قوله: [ (وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون) ]. يعني: على غرة وغفلة، وما أرسل إليهم أحداً يدعوهم لأن الدعوة موجودة من قبل، والعلم موجود عندهم من قبل، ولم يكونوا ممن لم تبلغهم الدعوة، بل بلغتهم الدعوة من قبل. قوله: (وهم غارون)، أي: في غفلة وغرة ونعمهم تسقى على الآبار. قوله: [ (فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم) ]. أي: قتل الذين يقاتلون، وسبى السبي الذين هم النساء والصبيان والذرية الذين ليسوا من أهل القتال. قوله: [ (وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث) ]. أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. لما كتب له بذلك يخبره بالحديث أسنده بعد ذلك فقال: حدثني بذلك عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش الذي هو في غزوة بني المصطلق. [ قال أبو داود : هذا حديث نبيل، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد ]. (هذا حديث نبيل) أي: جيد، من النبل وهو الجودة، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد، وكما هو معلوم أن الراوي لا يؤثر انفراده فإنه يكون حجة وعمدة، ومعلوم أن هناك أحاديث كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما جاءت من طريق واحد، وهي معتبرة، ومنها أول حديث في صحيح البخاري ، وآخر حديث في صحيح البخاري ، ففي فاتحة البخاري وخاتمته حديثان غريبان جاءا من طريق واحد، فالذي جاء في أول الصحيح حديث: (إنما الأعمال بالنيات) رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عن عمر : علقمة بن وقاص الليثي ، وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة : محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي : يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين، ثم بعد ذلك كثر الرواة بعد يحيى بن سعيد ، وهو من فوق يحيى بن سعيد كان غريباً، ما جاء إلا من طريق واحد. وآخر حديث في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، جاء من طريق أبي هريرة ، ورواه عن أبي هريرة أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ورواه أيضاً عنه آخر، ثم اتسع بعد ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور: بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن عون ]. وهو: عبد الله بن عون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كتبت إلى نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، وكان يتسمع، فإذا سمع أذاناً أمسك وإلا أغار) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح أي: في أول النهار، وقد سبق أن مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي بأن يكون القتال في أول النهار. فأورد هنا حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسمع فإذا سمع أذاناً فإنه يمسك)، أي: عن القتال؛ لأن هذا شعار الإسلام، ودليل على أن أهل البلد مسلمون فلا يغزوهم. والترجمة مناسبة للحديث في كونه لا توجد دعوة، وإنما استدل على إسلامهم أو عدم إسلامهم بالأذان، لأنه إذا رفع فيهم الأذان فمعناه أنهم قد أسلموا، وإذا لم يرفع الأذان فإنه يغير بدون دعوة، لكن كما هو معلوم أن الدعوة موجودة من قبل، وهو مثل حديث قصة بني المصطلق ومن جنسه، لأنه هنا قال: (وإلا أغار) أي: حيث لا يجد شعار الإسلام، وذاك ذكر أنه أغار عليهم وهم غارون.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. وهو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي.


شرح حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً) ]. أورد أبو داود حديث عصام المزني رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)، وهو مثل الذي قبله من جهة أنه إذا وجد شعار الإسلام وسمع الأذان، فإن ذلك يدل على إسلام القوم فلا يغار عليهم، وإن لم يكن كذلك فإنه يغار عليهم؛ لأنه ما وجد الشعار، ومعلوم أن هذا إنما كان بعد أن عرفت الدعوة وانتشرت وحصلت، فتكون الدعوة سابقة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان ]. سعيد بن منصور مر ذكره. و سفيان هو: ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق ]. عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عصام المزني ]. ابن عصام المزني وهو لا يعرف فهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. عصام ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. والحديث ضعفه الألباني ، لكنه بمعنى الحديث المتقدم مع زيادة ذكر المسجد.
ما جاء في المكر في الحرب


شرح حديث (الحرب خدعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المكر في الحرب. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع جابراً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب المكر في الحرب. يعني: كون المسلمين يمكرون بالكفار، بمعنى أنهم يأتون بالحيل التي تجعلهم لا يعرفون شيئاً عن أحوالهم وعتادهم وقوتهم، وهذا هو المقصود بالمكر. وأورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) والخدعة: المقصود بها المكر، يعني: كونهم يمكرون بهم حتى ينخدعوا بما يشاهدونه ويعاينونه؛ فيترتب على ذلك ضعفهم وهزيمتهم، أي: الكفار. ومن الأشياء التي هي خدعة في الحرب التورية التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أوردها أبو داود تحت هذه الترجمة وفي قصة غزوة تبوك، وأنه إذا كان يريد غزوة يوري بغيرها، حيث يخفي الأمر على الكفار، فلا يتهيئون ولا يستعدون للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (الحرب خدعة)

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو ]. سعيد بن منصور و سفيان مر ذكرهما. وعمرو هو ابن دينار المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث من الأسانيد العالية عند أبي داود لأنه رباعي.

شرح حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها وكان يقول: الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها..) ] وكان ذلك في غزوة تبوك. و كعب بن مالك رضي الله عنه معروف حديثه الطويل في غزوة تبوك، وفي ذكر التورية، وأنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإذا كان سيغزو إلى جهة الجنوب يسأل عن جهة الشمال، ويسأل عن الطرق والمياه في جهة الشمال، فالاستعداد موجود، فهم يستعدون للحرب، ولكن لا يعرفون الجهة، فهو يريد الجنوب فيسأل عن الطريق من جهة الشمال والمياه في جهة الشمال وغيرها، فالذي يسمع هذه الأسئلة يظن أنه سيذهب إلى جهة الشمال، فهذه من التورية والخدعة والمكر الذي يكون في الحرب. (كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)، وفي غزوة تبوك لم يور النبي صلى الله عليه وسلم، بل أعلن بأنه سيغزو الروم، واستنفر الناس ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى مكة عام الفتح أخفى ذلك، ولما حصل إرسال حاطب بن أبي بلتعة المرأة التي معها الكتاب أطلع الله نبيه على ذلك، وألحق بها من أتى بالكتاب، لأنه كان لا يريد أن يعلم أهل مكة أنه سيذهب إليهم، لكن في غزوة تبوك أعلن بأنه سيغزو، وأن الناس يستعدون لذلك، وذلك لأن المسافة بعيدة، والعدو كبير، والحر شديد، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يكون الاستعداد والتهيؤ الكامل لهذه الأسباب التي هي: بعد المسافة، وكثرة العدو، وقلة الظهر، وشدة الحر. والنبي لم يقل: إنني سأذهب إلى جهة الشمال، وهو يريد الجنوب، وإنما يسأل مجرد أسئلة، يريد أن يصرف الأنظار عن الجهة التي سيذهب إليها، فكان من يسمع الأسئلة يظنه سيذهب إلى الجهة التي يسأل عنها وهو سيذهب إلى جهة أخرى غيرها، فهذه هي التورية، وكان يقول: (الحرب خدعة)، أو خُدعة يعني: وهذه التورية من الخدعة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد يحتمل أن يكون ابن حساب ويحتمل أن يكون المحاربي لأن أبا داود روى عنهما جميعاً، وشيخهما محمد بن ثور رويا عنه جميعاً. أما محمد بن عبيد بن حساب الغبري فهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. و محمد بن عبيد المحاربي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعلى كل: الأمر دائر بينهما؛ لأن كلاً منهما تلميذ لابن ثور ، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وهو محتمل هذا وهذا، محمد بن عبيد المحاربي كوفي، و محمد بن عبيد بن حساب الغبري بصري. و محمد بن ثور صنعاني، من صنعاء دمشق أو صنعاء اليمن، وصنعاء دمشق هي قرية قريبة من دمشق يقال لها صنعاء، ولهذا يميزونها أحياناً بأن يقولوا: صنعاء دمشق، ولكن عند الإطلاق يراد صنعاء اليمن. [ حدثنا ابن ثور ]. محمد بن ثور ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، وتاب الله عليهم في قول الله عز وجل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118] وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان انفراد معمر بلفظ (الحرب خدعة) عن كعب


[ قال أبو داود : لم يجئ به إلا معمر يريد قوله: (الحرب خدعة)، بهذا الإسناد، إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ، ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. ثم قال أبو داود : لم يأت به، يعني قوله: (الحرب خدعة)، أما قضية التورية فهي معروفة في حديث جابر . فقوله: [ وكان يقول: (الحرب خدعة) ] لم يأت به إلا معمر بهذا الإسناد، وقد جاء لفظ: (الحرب خدعة) من حديث جابر الذي تقدم، ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهو ثابت، ولكن روايته في هذا الحديث فيها شيء؛ لأنها لم تأت إلا من هذا الطريق الذي هو طريق معمر ، والذين رووا حديث كعب بن مالك ما ذكروا: (الحرب خدعة)، فيحتمل أن تكون من كلام كعب يبين أن هذه التورية التي جاءت مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة وحديث جابر فهذا الذي جاء في حديث كعب هو من أمثلة الخدعة، أي: أنه يوري. قوله: [ إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ]. أي: الذي مر. قوله: [ ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. معمر مر ذكره، وهمام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

التورية ليست من الكذب

والتورية ليست من الكذب، وإنما هي صدق، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يذهب إلى جهة الجنوب يسأل عن أماكن في جهة الشمال، فأي كذب في هذا؟! ليس هناك كذب، وإنما فيه قطع الطريق أمام العدو بحيث إنه تصل إليه الأخبار معكوسة؛ لأنه قد يكون له جواسيس، فإذا علم بأن الأسئلة إلى جهة أخرى يأمن ولا يستعد، بسبب هذه التورية. وكونه يسأل عن جهة الشمال وهو يريد الجنوب ليس كذباً؛ لأنه يسأل عن الموارد والمسالك والطرق في الجهة المقابلة، وهذه تورية وهي صدق. وأحياناً تكون التورية بأن الإنسان يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فالمتكلم صادق فيما يقول؛لكن غيره فهم شيئاً آخر، مثل تورية أم سليم لأبي طلحة لما جاء وقد مات ابنه، ولكنها ما أرادات أن تزعجه فسأل عنه فقالت: إنه قد سكنت نفسه واستراح، ففهم أنه قد خف مرضه، وهي تريد أنه انتهى نفسه، وخرجت روحه، فكلامها صحيح، فهي تريد شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، وكذلك لفظ: (استراح) يفهم منه أنه حصلت له راحة وهدوء، وخف المرض عنه، وهي تريد أنه فاضت روحه، فالتورية يكون القائل فيها صادقاً في قوله، والذي يسمعه يفهم شيئاً آخر. كذلك ما يذكر عن بعض العلماء في فتنة خلق القرآن، فمنهم من امتنع من القول بخلق القرآن كالإمام أحمد ، ومنهم من ورى، ومن الذين وروا قال: أشهد أن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور هؤلاء كلهن مخلوقات. ويشير بأصابعه، يعني: الأربع هؤلاء مخلوقات، فهذه تورية، لأنه أراد الأصابع، وذاك يفهم أنه يريد الكتب السماوية، فالتورية ليست كذباً، فالإنسان صادق في قوله، ولكنه في بعض المواضع قد يفهم خلاف ما يريده الإنسان، فهو يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وتوجد أمثلة كثيرة للتورية جاءت في الأحاديث. ومن ذلك قصة غزوة بدر لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رجل فقال: من أين أنتم؟ قال: (نحن من ماء) فالكلام صحيح أنه من ماء. وأما الإكثار منها فإنه لا يصلح، فالإتيان بها لا يكون إلا عند الحاجة، أما كون الإنسان يأتي بها من غير حاجة فلا يصلح، أما إذا كان من حاجة كالإكراه أو ككون الإنسان يريد أن يتخلص من إنسان ابتلي به، فلا بأس أن يأتي بشيء يوري فيه، كالذي حصل من أم سليم مع أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما، أما كون الإنسان تكون عادته التورية من غير حاجة فهذا لا ينبغي.
ما جاء في البيات


شرح حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البيات. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الصمد و أبو عامر عن عكرمة بن عمار حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر رضي الله عنه فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت، قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليهم أبا بكر رضي الله عنه في غزوة من الغزوات. قوله: [ (فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم) ]. يعني: أنهم هاجموهم بالليل وهم بائتون وفي قصة بني المصطلق قال: (وهم غارون) وهنا قال: (وهم بائتون) يعني: هجموا عليهم في البيات، ومعلوم أن هذا بعد بلوغ الدعوة، وليس لمن لم تبلغهم الدعوة كما عرفنا. قوله: (وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت). يعني: هذا الشعار الذي بينهم ليعرف به بعضهم بعضاً، فهي كلمة يتواطئون عليها بحيث إن كل واحد يعرف صاحبه إذا كان في ظلام أو في اختلاط بأن يقول الكلمة فيعرف أنه من أصحابه حتى لا يقتل، فكان الواحد إذا لقي أحداً يقول: أمت أمت، وهذا قد سبق في باب الشعار، والشعار: علامة يتواطئون عليها، وقد مرت جملة أحاديث منها هذا الحديث الذي هو: (أمت أمت). قوله: [ قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين ]. يعني: سبع أسر.

تراجم رجال إسناد حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الصمد ]. عبد الصمد بن عبد الواحد ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو عامر ]. أبو عامر العقدي وهو عبد الملك بن عمرو ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار ، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا إياس بن سلمة ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]