عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-05-2025, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,365
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [318]
الحلقة (350)



شرح سنن أبي داود [318]

للأسير أحكام في الشريعة الإسلامية تنبئ عن حرصها على مصلحة العباد وتحقيق الخير لهم، فمن ذلك ما يتعلق بقتل الأسير إن رأى الإمام ذلك، ومنها ما يتعلق بإطلاق سراحه بفداء أو بغير فداء حسب ما يراه الإمام. ومن الأحكام المتعلقة بهذا الباب رد السبي بعد إسلام أهليهم، وما يعوض به صاحب الحظ من السبي إن بقي على طلب حقه، ونحو ذلك من الأحكام الشرعية الدالة على عظمة الإسلام وشريعته.

قتل الأسير صبراً


شرح حديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعد أسره في بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الأسير صبراً. حدثنا علي بن الحسين الرقي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً فقال له عمارة بن عقبة : أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فقال له مسروق : حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وكان في أنفسنا موثوق الحديث- (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار) فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ]. أورد أبو داود [باب في قتل الأسير صبراً]. وقتل الأسير صبراً هو أن يحبس أو يمسك ثم يقتل، فالقتل صبراً يكون بحبس من كان حياً وإمساكه حتى يقتل، سواء أكان إنساناً أم حيواناً، وكذلك حبس البهائم حتى تموت هو من القتل صبراً. قوله: [ (أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً فقال له عمارة بن عقبة ..) ]. أي: أراد الضحاك بن قيس وكان أميراً أن يستعمل مسروقاً في عمل من الأعمال، فقدح فيه عمارة بن عقبة وقال: أتستعمل شخصاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فمسروق قابله بأن قال فيه قولاً مقابل ما قاله فيه، فقال: [ حدثنا عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك قال: (من للصبية -والصبية منهم عمارة هذا-؟ قال: النار) فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فكل منهما قدح في الآخر. وما أدري عن صحة قضية اتهام مسروق بما اتُهم به وما ذكره في حقه عمارة بن عقبة ، لكن قصة عقبة بن أبي معيط وقول النبي صلى الله عليه وسلم له جاء في هذا الإسناد وفي هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فما قيل في حق عقبة ثابت بهذا الإسناد. قوله: [من للصبية] يعني: إذا قتلتني فمن يكون للصبية؟! أي: عمارة وإخوانه. فقال: [ (لهم النار) ]. واختلف في تفسير قوله: [ (لهم النار)] فمن العلماء من قال: معناه: لهم الضياع. أي: لهم الضياع بسبب ضياعه هو. ومنهم من قال غير ذلك، حيث قالوا: هذا من أسلوب الحكيم، أي: لك النار ودع أمر الصبية فإن الله تعالى كافلهم. ومعلوم أن أبناء المشركين حكمهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني: إذا ماتوا وهم صغار فإنهم يمتحنون يوم القيامة والله أعلم بما كانوا عاملين، لكن من كبر منهم وأسلم يختلف حكمه. وعمارة مع كونه مسلماً قابله مسروق بأن قال فيه ما قال، ولكن الأمر يحتمل أن يكون المقصود أباهم وليس الذين أسلموا من أولاده.

تراجم رجال إسناد حديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعد أسره في بدر


قوله: [ حدثنا علي بن الحسين الرقي ]. علي بن الحسين الرقي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ]. عبد الله بن جعفر الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبيد الله بن عمرو ]. هو عبيد الله بن عمرو الرقي ، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال له مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قتل الأسير بالنبل


شرح حديث النهي عن القتل صبراً بالنَّبل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الأسير بالنبل. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن تعلي قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً. قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) فوالذي نفسي بيده! لو كانت دجاجة ما صبرتها. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ]. أورد أبو داود [ باب في قتل الأسير بالنبل ] يعني حكمه. وهو أنه يقتل بالنبل أو بأي وسيلة يحصل بها القتل. قوله عن ابن تعلي : [ غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً ]. الأعلاج قيل: هم الكفار من العجم -أي: من غير العرب- وقيل غير ذلك. قوله: [ فأمر بهم فقتلوا صبراً ] يعني أنهم أمسكوا حتى قتلوا. قوله: [ قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) ]. هذا محل الشاهد، أي: كون القتل كان بالنبل. قوله: [ فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) ]. سبق أن مر في الترجمة السابقة ذكر القتل بالصبر، وأن ذلك سائغ، ولعل هذا الذي سمعه أبو أيوب كان قبل، أو أنه القتل الذي يكون فيه إيذاء للمقتول، ومعلوم أن هذا إذا لم يكن عن طريق المقابلة والقصاص، أما إذا كان قتله بالطريقة التي قتل بها فإن ذلك سائغ، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عرفنا فيما مضى أن التمثيل لا يجوز ولكن من مثل يجوز أن يمثل به. فالمحذور هو أن يتخذ المقتول غرضاً ثم يرمى بالنبل، فيكون في ذلك تعذيب له، أما إمساكه وقتله فهو جائز كما فعل بعقبة بن أبي معيط ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) فيبدو أن النهي عن القتل صبراً إنما هو إذا كان فيه تعذيب. قوله: [ فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها ]. يعني كونها تمسك ثم ترمى، وإنما تقتل قتلاً بالسكين أو بأي شيء يزهقها في الحال، فقد يكون المقصود به تعذيبها بالقتل. قوله: [ فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ]. أي: أعتق أربع رقاب عن الذين قتلهم صبراً.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن القتل صبراً بالنبل


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن تعلي ]. هو عبيد بن تعلي الطائي ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ فبلغ ذلك أبا أيوب ]. هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
المن على الأسير بغير فداء


شرح حديث عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من المشركين أرادوا قتله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المن على الأسير بغير فداء. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلماً، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ.. [الفتح:24] إلى آخر الآية ]. أورد أبو داود باباً في المن على الأسير بغير فداء. وهذه إحدى التراجم المتعلقة بأحكام الأسرى، والأسرى وردت أحاديث بقتلهم، ووردت أحاديث باستعبادهم، ووردت أحاديث بالمن عليهم، وكل ذلك ثابت، والأمر يرجع إلى الإمام، فما رأى فيه المصلحة من هذه الأمور فإنه يفعله، وبذلك يكون التوفيق بين هذه الأحاديث، فما دام أنه قد ثبت جميعها فإنه يرجع الأمر إلى الإمام، فيفعل ما يرى فيه المصلحة من القتل أو الأسر أو المن بدون فداء أو المن مع فداء. وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه ثمانون رجلاً من جبال التنعيم عند صلاة الفجر يريدون قتله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم سلماً، أي: أسرهم، ثم إنه منَّ عليهم بدون أن يأخذ منهم شيئاً، فأنزل الله تعالى الآية: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح:24]، فالله تعالى كف أيديهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لم يتمكنوا مما أرادوه من قتله صلى الله عليه وسلم وقتل أصحابه، وأيضاً كف أيدي المؤمنين عنهم فلم يقتلوهم بعد أن ظفروا بهم. فالحديث فيه شاهد للترجمة، وهي المن على الأسير بغير فداء.

تراجم رجال إسناد حديث عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من المشركين أرادوا قتله


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود .

شرح حديث: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسارى بدر: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) ]. أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى -أي: الأسرى من الكفار فشفع فيهم- لأطلقتهم له) ]. يعني: أطلقت سراحهم من أجله ومن أجل شفاعته، وهذا يدل على المن من غير فداء، ويدل على ما ترجم به المصنف من المن بغير فداء؛ لأنه قال: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) ] يعني: وقبلت شفاعته فيهم. وقوله: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً) ] ليس فيه اعتراض على القدر، بل معناه: لو أنه حصل كذا وكذا لكان كذا وكذا. يعني أن هذا الشخص لو كان حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لقبلت شفاعته. فليس فيه شيء يتعلق بالاعتراض على القدر أو ما إلى ذلك. وإنما الاعتراض على القدر هو كقول الكافرين كما حكى الله تعالى عنهم: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] فهذا هو الذي فيه اعتراض على القدر. وأما ما جاء في الحديث هنا فليس هو من هذا القبيل، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة). أي: لو كان الذي سبق مني كله أمامي لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. وهذا ليس تمنياً، وإنما إخبار عن أنه لو كان حصل كذا لكان كذا وكذا. والمطعم بن عدي هو والد جبير بن مطعم ، وكان هو الذي أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأجاره لما قدم من الطائف، وأنزله في جواره ومنع الكفار من إيذائه، فمن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة في حقه لأنه قد أحسن إليه، فهو سيقبل شفاعته لو شفع فيهم، وهذا فيه تنويه بالعمل الذي قام به المطعم بن عدي ، وهو الذي يقول فيه الشاعر: ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداً من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً أي: لو كان أحد يبقى بسبب العمل المجيد الذي حصل منه لبقي مطعم بن عدي الذي أمن الرسول صلى الله عليه وسلم وحماه من الكفار عند قدومه من الطائف. ويذكر هذا البيت النحويون في شواهد النحو في عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حيث لم يسبق للضمير مرجع، وإنما عاد على متأخر لفظاً ورتبة، والأصل أن الضمير يعود على متقدم. وهنا جاء الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، حيث قال: أبقى مجده الدهر مطعماً أي: أبقى مجد مطعم مطعماً . فجاء الضمير متقدماً على مرجعه، بخلاف الأصل وهو أن الضمير يعود على متقدم، وهنا عاد على متأخر لفظاً ورتبة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ]. الزهري قد مر ذكره، ومحمد بن جبير بن مطعم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. أبوه هو جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكان من أسباب إسلامه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال: فكاد قلبي أن يطير عند ذكر قوله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36]، فأدخل الله عليه الإسلام ودخل في الإسلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان من أسباب دخوله سماعه القرآن.
فداء الأسير بالمال


شرح حديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر ونزول العتاب في ذلك


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فداء الأسير بالمال. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا أبو نوح قال: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67] إلى قوله: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ [الأنفال:68] من الفداء، ثم أحل لهم الله الغنائم) . قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع. قال أبو داود : اسم أبي نوح : قراد ، والصحيح عبد الرحمن بن غزوان ]. أورد أبو داود [ باب في فداء الأسير بالمال ] . فمن الأحكام المتعلقة بالأسير أنه يقتل أو يؤسر ويستعبد أو يمن عليه بدون فداء أو يمن عليه بمال، فيطلق سراحه في مقابل الفدية أو بمفاداته بغيره، بأن يكون أسير من المسلمين عند الكفار فيطلق في مقابله أسير من الكفار عند المسلمين، فهذا عن طريق المفاداة، والمفاداة تكون بالمال وبغير المال، تكون بالمقابلة وتكون بالمال. وهنا ترجم بالمفاداة بالمال، وأنه يدفع مقداراً من المال فيطلق سراحه ويخلى سبيله في مقابل المال الذي دفعه، وقد عرفنا أن الأمر يرجع في ذلك إلى الإمام وما يرى فيه من المصلحة، فله أن يقتل، وله أن يأسر ويستعبد، وله أن يمن بفداء، وله أن يمن بغير فداء، والفداء إما أن يكون بالمال أو بالأسرى. قوله: [ (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]) ] كان هذا خلاف ما أشار به عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار عليه بعض الصحابة بأخذ الفداء وأشار عليه عمر بعدم أخذ الفداء، فنزل القرآن موافقاً لما رآه عمر ولما أشار به رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحاصل أن الحديث يدل على أخذ الفداء والمن على الأسرى في مقابل مال يبذل منهم. قوله: [ (ثم أحل لهم الله الغنائم) ]. أي: سواء كانت من المال أم من النساء والذرية أم من الكفار الذين يأسرونهم وبعد ذلك يأخذون منهم الفداء، كما قال الله عز وجل: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4] وهذا يكون من جملة الغنائم، أعني الفداء. كما أن الأسرى لو بقوا ولم يمن عليهم في مقابل مال يكونون عبيداً، وهم حنيئذٍ مال، فإذا اختير أن يخلى سبيلهم في مقابل مال يبذلونه فإن ذلك لا بأس به، ولكن المنع كان في أول الأمر، وبعد ذلك أحلت الغنائم، والله عز وجل قال: (( حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً )).

تراجم رجال إسناد حديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر ونزول العتاب في ذلك


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو نوح ]. هو عبد الرحمن بن غزوان ، ولقبه قراد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ أخبرنا عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سماك الحنفي ]. هو سماك بن الوليد الحنفي ، ليس به بأس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثني عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع ]. أي: ما حاجتك باسمه؟ فاسمه شنيع، أي: موصوف بأنه شنيع، وليس المعنى أن اسمه هو شنيع، بل المقصود أنه موصوف بأنه شنيع، وذلك لأنه لقب بـ(قراد)، والقراد هو الذي يعلق بآذان البهائم ويمتص دمها فيؤذيها.

شرح حديث: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي قال: حدثنا سفيان بن حبيب قال: حدثنا شعبة عن أبي العنبس عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة) ]. ومعناه أن فيه المفاداة بالمال، وأن الفداء كان أربعمائة للشخص الواحد. والألباني صحح الحديث، ولكنه ضعفه بالتحديد والتقدير، والثابت أنه فاداهم بمال، فضعفه من أجل التقدير، وإلا فإنه قد ثبت من أوجه مختلفة أنهم يفادون بمال، ولكن التضعيف من أجل التحديد والتقدير فقط.

تراجم رجال إسناد حديث: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة)


قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ]. عبد الرحمن بن المبارك العيشي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا سفيان بن حبيب ]. سفيان بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العنبس ]. أبو العنبس مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي الشعثاء ]. هو جابر بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]