شرح حديث قصة فداء أبي العاص بن الربيع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب رضي الله عنها في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها أدخلتها بها على أبي العاص ، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها. فقالوا: نعم. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ عليه -أو وعده- أن يخلي سبيل زينب إليه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه ورجلاً من الأنصار فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن كفار قريش لما أرسلوا بالفداء لأسراهم، وكان ممن أُسِروا أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت في فداء زوجها، وكان الذي أرسلته فيه قلادة كانت لها من أمها خديجة أعطتها إياها لما أدخلت على أبي العاص ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، حيث تذكر زواجها وكون تلك القلادة كانت لأمها خديجة ، وكونها حزنت حين أسر زوجها وأرادت خلاصه، فالنبي صلى الله عليه وسلم رق لها وقال: [ (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها) ]. أي: زوجها الذي هو أبو العاص . قال: [ (وتردوا عليها الذي لها) ]. أي: الذي دفعته من القلادة وغيرها. فأجاب إلى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن يطلقوه من غير فداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه بأن يفي بالذي طلب منه، وهو أن يرسل زينب إليه إلى المدينة. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار وقال: [ (كونا ببطن يأجج) ] وهو موضع قريب من مكة. قال: [ (حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) ]. يعني: كونا معها صاحبين لها في الطريق. وهذا يدل على جواز سفر المرأة من غير محرم إذا كانت برفقة مأمونة إذا كان هناك ضرورة إلى ذلك، وهنا الضرورة موجودة، وذلك لأنها كانت في مكة مع الكفار، وزوجها كان كافراً، وطلب منه أن يرسلها وقد أرسلها، فدل على أنه إذا حصلت ضرورة فالمرأة يمكن أن تسافر مع رفقة أمينة، ولا يتوسع في ذلك فتسافر المرأة من غير محرم بحجة هذا الذي قد حصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). وعلى هذا فالذي حصل هو من قبيل أن الضرورات تبيح المحظورات، وسفر النساء بدون محرم هو من الأمور التي جاءت الشريعة بتحريمها والمنع منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكل ذلك صيانة للمرأة من أن تتعرض لما لا تحمد عقباه عليها في عرضها وفي نفسها.
تراجم رجال إسناد حديث قصة فداء أبي العاص بن الربيع
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يحيى بن عباد ]. هو يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه عباد ]. هو عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها. والحديث صحيح.
شرح حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم سبي هوازن إلى أهلهم بعد مجيئهم مسلمين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي مريم حدثنا عمي -يعني سعيد بن الحكم - قال: أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب قال: وذكر عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنه أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إما السبي وإما المال. فقالوا: نختار سبينا. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنى على الله، ثم قال: أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل. فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس وكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم قد طيبوا وأذنوا) ]. أورد أبو داود باباً في فداء الأسير بالمال، وأورد تحت هذه الترجمة عدة أحاديث. ثم أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومعه مروان بن الحكم -والعمدة على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه- أن وفد هوازن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرد عليهم المال والسبي، أي: النساء والذرية والمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يرد عليهم، ولكنه لم يرد عليهم كل شيء، وإنما خيرهم بين رد المال أو رد السبي، فاختاروا أن يرد عليهم السبي. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن هناك شيئاً يخصه وهناك شيئاً يخص غيره، وأن كلاً قد أخذ نصيبه، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (معي من ترون) ] يعني: من السبي، والذي هو لي هو لكم. وتنازل عنه وتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الذين عند غير النبي صلى الله عليه وسلم فقد قام في الناس وذكرهم وتكلم فيهم وقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أراد منكم أن يتنازل بدون مقابل فليفعل، ومن لم تسمح نفسه بذلك وأراد أن يبقي على حقه ولا يتنازل عن حقه فنحن سنعوضه عنه في أول ما يفيء الله به علينا). ومعناه أن من سمحت نفسه انتهى أمره، ومن كان متمسكاً بحقه فإنه يؤخذ منه السبي ويرد ولكنه يعوض عنه أول ما يحصل الفيء بعد ذلك، فتعالت الأصوات بقولهم: (طيبنا)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري من طيب ومن لم يطيب؛ لأن الأصوات ظهرت من هنا ومن هنا، فلم يعرف من طيب ومن لم يطيب، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ] يعني الرؤساء، فكل رئيس ينفرد بالجماعة الذين يرأسهم ثم يأخذ رأيهم في ذلك ويعرف من سمح ومن لم يسمح ومن وافق ومن لم يوافق، فبعد ذلك جاء العرفاء بعد أن اجتمعوا بمرءوسيهم وأخبروا بأنهم طيبوا، وأنهم قد وافقوا وتنازلوا عن حقهم لما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. قوله: [ ذكر عروة بن الزبير أن مروان و المسور بن مخرمة أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إما السبي وإما المال)]. معنى قوله: [ (معي من ترون) ] أي: الذي يخصني والذي هو نصيبي من السبي هو لكم. يعني أنه متنازل عنه، ولكن الذي عند غيره أراد أن يستأذن الناس فيه، فاستأذنهم وكانت النتيجة أن أذنوا، فرد إليهم سبيهم صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وأحب الحديث إلي أصدقه) ] يعني أنه يقول ويصدق ويعد ويفي، أي: فأنا أقول لكم وأصدق فيما أقول وأعدكم وأفي بما أعد به. قوله: [ (فقالوا: نختار سبينا) ]. لأنهم خيروا بين المال والسبي، فاختاروا السبي، وهو أن يرجع إليهم نساؤهم وأولادهم فيكونون طلقاء ولا يكونون سبياً وأرقاء، فهذا هو الذي فضلوه، وتركوا المال في سبيل الحصول على السبي الذي هو النساء والذرية. قوله: [ (فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنى على الله ثم قال: أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل) ]. معنى قوله: [ (من أحب أن يطيب ذلك فليفعل) ] أي: أن ينزل عن حقه بدون مقابل فليفعل. قوله: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ]. أي: من كان منكم يريد أن يبقى على حظه من السبي ولا يتنازل عنه فنحن سنرجع لهم السبي لأننا وعدناهم بذلك، ولكن هذا الذي لم يتنازل سنعطيه بدلاً عن حقه من أول ما يفيء الله علينا. قوله: [ (فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله) ]. معناه أنه كان الاجتماع كبيراً، وخرجت الأصوات بقولهم: [ طيبنا ذلك لهم يا رسول الله ]، ولم يعرف من وافق ومن لم يوافق؛ لأنها قد تكون الأصوات ممن وافق، ومن لم يوافق قد يكون ساكتاً ما قال شيئاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يقف على الحقيقة بالنسبة لكل فرد فقال: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ]. وهذا فيه دليل على اتخاذ العرفاء والرؤساء على أفراد الجيش، بحيث يكون لكل جماعة مرجع يرجعون إليه، ثم هؤلاء المراجع يكون مرجعهم أمير الجيش، وهو المرجع للجميع، ولكن الواسطة بينه وبين سائر الناس هؤلاء الرؤساء الذين هم العرفاء، والذين يعرفون من تحتهم ومن تحت رياستهم، فيأتون بأخبارهم ويبلغونهم الأمور التي يحتاجون إلى تبليغها، فهؤلاء يقال لهم: العرفاء. وأما حديث: (لابد للناس من عريف والعريف في النار) فإنه لو ثبت محمول على ما يتعلق بالشر، وأما الحديث الذي بين أيدينا فقد ثبت فيه اتخاذ العرفاء من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فيما يتعلق بالخير، وهو أمر تقتضيه الحاجة، لاسيما مع كثرة الناس. وكذلك يقال في حديث (لا تكن لهم شرطياً ولا جابياً ولا عريفاً) فهو محمول على كون ذلك في أمور الشر والظلم التي لا تجوز، وأما في الخير فقد دل على الجواز الحديث الذي معنا. ثم إن الشاهد من الحديث للترجمة بفداء الأسير بالمال قوله صلى الله عليه وسلم: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ] حيث جعل صلى الله عليه وسلم فكاك أولئك الأسرى بمقابل بدلهم من فيءٍ آخر يبذل لمن لم يرد أن يتنازل عن حقه بغير عوض. قوله: [ (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم قد طيبوا وأذنوا) ]. معناه أنهم كلهم قد وافقوا، وتبين أن الجميع قد وافقوا على ما أراده منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد نزلوا عن حقهم بدون مقابل.
تراجم رجال إسناد حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم سبي هوازن إلى أهلهم بعد مجيئهم مسلمين
قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي مريم ]. هو أحمد بن سعد بن أبي مريم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عمي ]. هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الليث بن سعد ]. الليث بن سعد ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: وذكر عروة بن الزبير أن مروان و المسور بن مخرمة أخبراه ]. عروة هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومروان هو ابن الحكم ، وهو الخليفة، قال عنه الإمام أحمد : لا يتهم في الحديث. وقال الحافظ : لا تثبت له صحبة، وعليه فيكون الحديث من قبله مرسلاً، ولكن معه المسور بن مخرمة ، وهو صحابي، فيكون متصلاً من أجل المسور بن مخرمة، وقد قال عروة بن الزبير : مروان لا يتهم في الحديث. وعروة هو الراوي عن مروان هنا. وعلى كل حال فالعمدة ليست عليه، وإنما هي على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، فهو الصحابي الذي يروي ذلك، وأما رواية مروان فهي من قبيل المرسل؛ لأنه ليس بصحابي. ومروان بن الحكم أخرج له البخاري وأصحاب السنن. والمسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم برد نساء هوازن وأبنائهم إلى أهلهم بعد إسلامهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه في هذه القصة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن مسك بشيء من هذا الفيء فإن له به علينا ست فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا. ثم دنا -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال: يا أيها الناس! إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا -ورفع أصبعيه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط. فقام رجل في يده كبة من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك. فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها. ونبذها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في قصة وفد هوازن ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يرد إليهم سبيهم، وأنه قال: [ (فمن مسك بشيءٍ من هذا الفي) ] يعني: من تمسك بحقه ولم يطب نفساً بالتنازل عنه [ (فإن له به علينا ست فرائض من أول شيءٍ يفيئه الله علينا) ] والفرائض هي الإبل، قيل: الفرائض في الأصل هي فرائض الصدقة، لأنها تؤخذ منها فريضة الصدقة، فأطلق على الإبل بأنها فرائض وإن كان بعضها ليس من قبيل الصدقة، وكأنه بهذا يريد أن يعوض بمال؛ لأن الذي سيرد هو السبي وليس المال؛ لأن المال لم يستأذن في إرجاعه، والرسول صلى الله عليه وسلم خيرهم بين المال وبين السبي فاختاروا السبي، فكان الحديث كله عن السبي، فكأنه سيعوض من تمسك بحقه بعوض، سواءٌ كان من السبي من فيءٍ قادم أم من الفرائض. قوله: [ (إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا -ورفع أصبعيه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) ]. يعني: هذا هو الذي يحل لي من المغانم، وهو مردود عليكم، فهذا الخمس ينفق النبي صلى الله عليه وسلم على أهله منه، والباقي يجعله في مصالح المسلمين من عدة الجهاد وغير ذلك، وهذا هو معنى قوله: [ (مردود عليكم) ]. فالخمس ليس مختصاً به صلى الله عليه وسلم، وإنما يأخذ منه حاجته وحاجة أهله، وقد جاء في الحديث: [ (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) ] يعني قوته وقوت أهله يكون من ذلك، والباقي بعد حاجته وحاجة أهله مردود على المسلمين ومصروف في مصالح المسلمين. قوله: [ (فأدوا الخياط والمخيط) ]. قيل: الخياط هو الخيط، والمخيط هو الإبرة. يعني: أدوا كل شيء ولو كان شيئاً قليلاً، ولا يأخذ الإنسان شيئاً لا يستحقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الوبرة ليس له منها إلا الخمس، ولا يستحق إلا الخمس، فيقال لغيره: أدوا الخياط والمخيط؛ لأن كل ذلك من الغنائم ومن الفيء، ويقسم على من شرع أن يقسم عليهم. قوله: [ (فقام رجل في يده كبة من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي. فقال صلى الله عليه وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك. فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها. ونبذها) ]. معنى هذا أن رجلاً أخذ كبة من الغنيمة، وقال: إنه أراد أن يصلح بها برذعته. والبرذعة هي التي تجعل تحت الرحل؛ لأن الرحل يكون من الخشب، والبرذعة لينة، فتجعل بين جلد البعير وبين الخشب الذي هو الرحل الذي يكون عليه الراكب، فيلامس جلد البعير هذا الشيء اللين ثم يكون الرحل فوقه. فأراد الرجل أن يصلح هذه البرذعة التي هي تحت الرحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك) ] فسامح النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وحق بني عبد المطلب ولم يسامح في حق الناس، ولكن من أين لهذا الرجل أن يعرف مسامحة الناس له وهم كثيرون مستحقون لذلك؟! ولذلك قال: [ أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ] أي: ما دامت المسألة وصلت إلى هذا الحد، فكل له فيها نصيب وله أن يطالب بحقه، وحقه يجب أن يوصل إليه، وأن هذه الكبة من جملة الغنائم وتقسم كما يقسم غيرها فلا أرب لي فيها. ثم رماها. ومعنى قوله: [ فلا أرب لي فيها ] أي: لا حاجة لي فيها.
تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم برد نساء هوازن وأبنائهم إلى أهلهم بعد إسلامهم
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وفي (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان ويومه بشيء من العبادات
السؤال: هل ورد دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان أو يومه بشيء من العبادات؟
الجواب: ليس هناك دليل يخص ليلة النصف من شعبان ولا يوم النصف من شعبان بشيءٍ من العبادة، ولم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة في هذا الموضوع طبعت ضمن أربع رسائل تتعلق بليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج وبالمولد النبوي وبالرؤيا أو الوصية المنسوبة إلى أحمد خادم حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي مكذوبة كذباً واضحاً. وسمى هذه الرسائل الأربع (التحذير من البدع)، ومما ورد فيها أنه لم يثبت شيء فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان ولا بيومه.
سبب اختيار النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة مع رجل من الأنصار لحمل بنته زينب
من مكة إلى المدينة
السؤال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار أن يذهبا إلى بطن يأجج لصحبة زينب إلى المدينة، فهل يحتمل أن يكون سفرها مع زيد قبل إبطال التبني فيكون محرماً لها؟
الجواب: المحرمية -كما هو معلوم- إنما هي بالأنساب وليست بالتبني، والاحتمال قائم، ولكن الضرورة -كما هو معلوم- تبيح المحظورات، فالمرأة إذا كانت مضطرة إلى سفر بدون محرم مع رفقة مأمونة كأن كانت بين الكفار فأفلتت منهم فمثل هذا لا بأس به، ويدخل تحت قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، ولكن الأصل باق على ما هو عليه، وأن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.
حكم العادات الشعبية في ليلة النصف من شعبان
السؤال: لبعض الناس عادات شعبية في ليلة النصف من شعبان، فهل تدخل في مسألة البدعة؟
الشيخ: لا تخصص ليلة النصف من شعبان بعادات، لا فيما يتعلق بالكبار ولا فيما يتعلق بالصغار، فالسنن يؤخذ بها، والبدع يحذر منها، سواء أكانت من صغار أم من كبار، والصغار يؤدبون وينشئون على اتباع السنة.
حكم سفر الزوجة بدون محرم إلى زوجها حين لا يقدر على تكاليف سفرها
السؤال: إذا أراد طالب أن يأتي بزوجته إلى مقر دراسته خارج بلده، ولكن لم يستطع بسبب قلة المال، فهل يجوز للزوجة أن تسافر بدون محرم على اعتبار أن هذا من الضرورات؟
الجواب: ليس هذا من هذا القبيل، بل تبقى امرأته عند أهلها، وإذا تمكن من أن يأتي بها فذاك وإلا فليذهب لزيارتها ويجلس عندها فترة ويرجع. وأما أن يقال: إن مثل تلك حالة ضرورة فإنه عندئذ ستقول كل امرأة: إنها في حال ضرورة. ثم لا يبقى للحديث عمل.
حكم اصطياد السمك في سدود الحرم المائية
السؤال: هل يشمل تحريم الصيد في الحرم السمك؛ إذ إن في بعض سدود الحرم المائية أسماكاً؟
الجواب: لا بأس بذلك، فالمحذور هو صيد البر الذي يأكل من الشجرة، ولهذا منع من قطع الشجر ومن قطع الحشيش -وهو النبات الرطب-، ولعل من حكمة ذلك أن يكون للصيد الذي يدخل الحرم قوته ومرعاه الذي يرتعي فيه، حيث يكون آمناً عنده قوته وعنده رزقه."