المراقبة والقدوم إلى الله (8)
د. عبدالسلام حمود غالب
المراقبة في الإسلام هي حالة من الوعي الدائم بأن الله سبحانه وتعالى يراقب كل أفعالنا وأقوالنا وخواطرنا. إنها شعور داخلي يجعلنا نخشى الله ونستحي منه، ويحفزنا على فعل الخير وتجنب الشر.
المراقبة هي مفتاح القرب من الله والوصول إلى رضاه وجنته، وهي طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
فالشعور بمراقبة الله لنا هو حالة روحية عميقة تجعل الإنسان يستشعر وجود الله في كل لحظة، وأن الله مطلع على كل ما يفعله ويقوله ويفكر فيه، وهذا الشعور له تأثير كبير في سلوك الإنسان وأخلاقه، ويجعله يسعى دائمًا إلى فعل الخير وتجنب الشر.
أهمية المراقبة:
القرب من الله: المراقبة هي منزلة عظيمة في الدين، وهي طريق للتقرب إلى الله وكسب رضاه.
تهذيب النفس: تساعد المراقبة على تهذيب النفس وتزكيتها، وتجعلنا أكثر وعيًا بأخطائنا وسعيًا لتصحيحها.
تحقيق الإحسان: المراقبة هي جزء من الإحسان، وهو أعلى مراتب الدين؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
الوقاية من المعاصي: عندما يكون الإنسان مراقبًا لله، فإنه يخشى أن يراه الله، وهو يفعل ما يغضبه، فيتجنب المعاصي والذنوب.
زيادة الإيمان: المراقبة تزيد من إيمان الإنسان وتجعله أكثر خشية لله ومحبة له؛ لعلمه برقابة الله عليه في كل وقت.
كيفية تحقيق المراقبة:
العلم بأن الله رقيب: يجب أن يكون الإنسان على يقين بأن الله يراه ويسمعه ويعلم كل ما في قلبه.
التفكر في أسماء الله وصفاته: التفكر في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ مثل: الرقيب والشهيد والعليم والخبير، يزيد من شعور الإنسان بالمراقبة.
المحاسبة: محاسبة النفس على الأفعال والأقوال والخواطر، وتصحيح الأخطاء والتوبة إلى الله.
ذكر الله: ذكر الله الدائم؛ مثل: التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار، يزيد من شعور الإنسان بالمراقبة.
الدعاء: الدعاء إلى الله بأن يرزقنا المراقبة، ويجعلنا من عباده المخلصين.
تدبُّر القرآن والسُّنَّة: بتدبر القرآن الكريم والسنة النبوية، يتعرف العبد على عظمة الله وجلاله، وهذا يزيد من شعوره بالمراقبة.
الصحبة الصالحة: مصاحبة الأخيار الذين يذكرون الله ويخشونه؛ لأنهم يعينون المرء على طاعة الله ومراقبته.
* وردت أقوال كثيرة للعلماء في المراقبة، ومن أبرزها:
ابن القيم:
"المراقبة: دوام علم العبد، وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه".
"والمراقبة: هي التعبد بأسمائه: الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير. فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة".
*الحارث المحاسبي:
"المراقبة في ثلاثة أشياء: مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهم والخواطر".
وقيل: المراقبة "علم القلب بقرب الله تعالى".
إبراهيم الخواص:
"المراقبة: خلوص السر والعلن لله عز وجل".
ذو النون:
"علامة المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله".
الجريري:
"أمرنا هذا مبني على فصلين: أن تلزم نفسك المراقبة لله، وأن يكون العلم على ظاهرك قائمًا".