شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [348]
الحلقة (380)
شرح سنن أبي داود [348]
النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياتهم وبعد مماتهم، وقد جاء بما فيه صلاح الناس في دينهم ودنياهم، ومن ذلك أنه كان يقضي دين من مات ولم يترك وفاءً، وكان يكفل اليتامى، وكان يقسم الأرزاق بين المسلمين مما أفاء الله عليه ومن الغنائم.
أرزاق الذرية
شرح حديث: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أرزاق الذرية. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في أرزاق الذرية، أي: الأولاد الصغار الذين هم غير مكتسبين، ويحتاجون إلى من ينفق عليهم، والمقصود من ذلك رزقهم من بيت المال إذا مات والدهم، ولم يخلف لهم مالاً، فإنهم يرزقون من بيت المال، وهذا هو المقصود من هذه الترجمة في هذا الباب الذي هو: كتاب الإمارة والخراج والفيء. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلأهله) يعني: لورثته، ولا يكون لبيت المال. وقوله: (ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) يعني: من ترك ديناً وليس له مال، فإنه يكون قضاؤه من بيت المال، وكذلك من ترك ضياعاً، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، والمقصود بالضياع: الأولاد الذين لو تركوا لضاعوا، وهم بحاجة إلى رعاية فقال: (إلي وعلي) يعني: أنه يقوم بدفع ذلك الدين من بيت المال، ويقوم بالإنفاق على الذرية من بيت المال.
تراجم رجال إسناد حديث: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر ]. جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. محمد بن علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (من ترك مالاً فلورثته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً فإلينا) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (من ترك مالاً فلورثته) أي: يرثه ورثته، ولا يكون إلى بيت المال، (ومن ترك كلاً فإلينا) الكل يراد به: الدين والذرية، وقد سبق أن مر حديث في كتاب المواريث بهذا المعنى، فمن ترك ديناً وضيعة -وهم الأولاد الذين هم بحاجة إلى رعاية، ولو تركوا لضاعوا- فقضاء دينه ورزق ذريته من بيت المال.
تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك مالاً فلورثته)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأشجعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
شرح حديث: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله إلا أنه ما ذكر فيه الضيعة والضياع وإنما فيه: (ومن ترك ديناً فإلي) يعني: هو الذي يسدد دينه، وهذا الحديث مختصر، وليس فيه ذكر محل الشاهد في أرزاق الذرية، والرواية السابقة التي هي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فيها التنصيص على الذرية.
تراجم رجال إسناد حديث: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله مر ذكره.
خطورة الدين
في أول الأمر كان النبي عليه الصلاة والسلام يمتنع عن الصلاة على الميت المدين، ولعل هذا بسبب عدم وجود شيء يسدد منه أو أنه كان يفعل ذلك من أجل التحذير من الدين، ومن أجل أن ينفر الناس من الدين، حتى لا يتساهلوا في أمر الدين؛ لأن الإنسان إذا عرف خطورته وعظم شأنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين؛ يكون ذلك سبباً في نفرة الناس من التهاون بالدين، وقد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يغفر للشهيد كل شيء ثم قال: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، وهذا يدلنا على خطورة الدين. هذا، ويوجد فرق بين إلي وعلي في الحديث، فإلي يعني: أمرهم إلي والقيام بشئونهم إلي، وعلي يعني: أتحمل ما يلزمهم من المئونة.
متى يفرض للرجل في المقاتلة؟
شرح حديث: (أجاز ابن عمر في الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يفرض للرجل في المقاتلة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: متى يفرض للرجل في المقاتلة؟ يعني: متى يكون فرضه فرض المقاتلين، ويعطى مثلما يعطى المقاتلون؟ والمقصود أن ذلك يكون إذا بلغ، فإنه يكون حكمه حكم البالغين، فإذا كان مكلفاً بالغاً فإنه يكون حكمه حكم المقاتلة، ويفرض له كما يفرض لهم؛ لأنه صار من أهل الجهاد ومن أهل القوة والقتال، وإذا كان لم يبلغ فإنه لا يكون حكمه حكم المقاتلين. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه يوم الخندق وعمره خمس عشرة سنة فأجازه) يعني: اعتبره من جملة المجاهدين الذين يمكنون من القتال، ويكون لهم نصيب من الغنيمة على حسب أحوالهم، بالنسبة للفارس وبالنسبة للراجل. وفي هذا الحديث حذف بعض السنة؛ لأن غزوة أحد كانت سنة (3)، وغزوة الخندق كانت سنة (5) من الهجرة. وفي هذا الحديث دليل على أن البلوغ يكون بخمس عشرة سنة، وقد يكون قبل ذلك إذا وجد الاحتلام من الذكر أو الأنثى، أو وجد الحيض من الأنثى، وكذلك أيضاً إذا نبت الشعر الخشن حول القبل كما جاء في قصة بني قريظة وقتل من كان أنبت دون من لم يكن أنبت، ولكن إذا لم يحصل شيء من هذا قبل بلوغ خمس عشرة سنة، فإنه يكون بالغاً بمرور هذه المدة من الزمن.
تراجم رجال إسناد حديث: (أجاز ابن عمر في الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، و يحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني نافع ]. نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كراهية الافتراض في آخر الزمان
شرح حديث: (خذوا العطاء ما كان عطاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان. حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا سليم بن مطير شيخ من أهل وادي القرى قال: (حدثني أبي مطير : أنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالسويداء إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواءً وحضضاً، فقال: أخبرني من سمع رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم، فقال: يا أيها الناس! خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه) ]. أورد أبو داود (باب كراهية الافتراض في آخر الزمان) يعني: أخذ ما يفرض من العطاء، ولما ذكر فيما مضى الأخذ من العطاء وأنه يكون لمن جاء في الأحاديث، ذكر هذه الترجمة في الترك وعدم الأخذ من العطاء، فقال: كراهية الافتراض في آخر الزمان، والمقصود من ذلك إذا كان أخذ العطاء يترتب عليه مضرة على الإنسان في دينه، ويكون رشوة على أمر يتعلق بالدين بحيث يتنازل أو يقدم على شيء محرم لا يسوغ من أجل العطاء، فإذا كان ذلك فعلى الإنسان أن يمتنع من أخذه، هذا هو المقصود من الترجمة. قوله: [ أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم فقال: (يا أيها الناس! خذوا العطاء ما كان عطاءً) ]. هذا من جملة ما كان يعظ النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر به في حجة الوداع. وقوله: (ما كان عطاءً) يعني: ما دام أنه على وجه لا محذور فيه، يعني: كما كان يؤخذ فيما مضى. قوله: [ (فإذا تجاحفت قريش على الملك وكان عن دين أحدكم فدعوه) ]. يعني: إذا حصل الاختلاف والتنازع على الملك وتحصيله، (وكان -أي: العطاء- على دين أحدكم فدعوه) يعني: إذا كان العطاء في مقابل الدين أو في مقابل التهاون في أي شيء من أمر الدين، أو كون الإنسان يتنازل عن شيء واجب عليه من أجل هذا المال الذي أعطي إياه؛ فعند ذلك يترك، ولا يجوز الإقدام عليه وأخذه. وهذا الحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه ثلاث علل: فيه رجل لين الحديث، ورجل مجهول الحال، ورجل مبهم لا يعرف. قوله: [ حدثنا سليم بن مطير شيخ من أهل وادي القرى ]. يعني: شيخ من أهل وادي القرى، ووادي القرى بين المدينة والشام من جهة الشمال. قوله: [ حدثني أبي مطير أنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالسويداء: إذ أنا برجل قد جاء ]. أبوه هو مطير ، فمطير بدل من أبي، وقوله: بالسويداء هو موضع. قوله: [ إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواءً وحضضاً ]. الحضض هو: نوع من الدواء، وهذا الرجل هو المبهم الذي حدث عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (خذوا العطاء ما كان عطاء)
قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي الحواري ]. أحمد بن أبي الحواري ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سليم بن مطير ]. سليم بن مطير لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي مطير ]. مطير بن سليم وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن رجل أنه سمع ]. هذا رجل غير معروف. [ أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذا صحابي غير معروف، وقد جاء في بعض الروايات أنه يقال له: ذو الزوائد ، ولا يعرف اسمه.
متابعة محمد بن يسار لأحمد بن أبي الحواري
[ قال أبو داود : ورواه ابن المبارك عن محمد بن يسار عن سليم بن مطير ]. ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن يسار صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و النسائي ، وأبو داود لم يخرج له، وهنا ذكره في إسناد معلق وليس في حديث متصل. وسليم بن مطير مر ذكره.
شرح حديث: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا سليم بن مطير من أهل وادي القرى عن أبيه أنه حدثه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأمر الناس ونهاهم ثم قال: (اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، ثم قال: إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها، وعاد العطاء -أو كان- رشاً فدعوه)، فقيل: من هذا؟ قالوا: هذا ذو الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه ]. هذا الطريق فيه تسمية الصحابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو ذو الزوائد ، ولا يعرف اسمه، وإنما يعرف بهذا اللقب، وحديثه أخرجه أبو داود . قوله: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها وعاد العطاء أو كان رشاً فدعوه) هذا مثل الذي قبله: (خذ العطاء ما كان عطاءً فإذا كان على دين أحدكم فدعوه) يعني: إذا كان العطاء من أجل التنازل عن شيء من أمر الدين بأن يوافق الإنسان على أمر لا يسوغ، فعليه أن يترك هذا العطاء؛ لأنه يكون رشاً: جمع رشوة، وذلك إذا صار في مقابل كون الإنسان يأتي بشيء يخل بدينه بأن يوافق على أمر باطل أو يحسن أمراً باطلاً أو ما إلى ذلك مما فيه نقص في دين الإنسان.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها..)
قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سليم بن مطير عن أبيه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. سليم بن مطير عن أبيه مر ذكرهما. وقال هنا: سمعت رجلاً، وفي الرواية السابقة قال: سمعت رجلاً يحدث عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
تدوين العطاء
شرح حديث: (إعقاب بعض الغزية بعضاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تدوين العطاء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - حدثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أن جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم، وكان عمر رضي الله عنه يعقب الجيوش في كل عام، فشغل عنهم عمر ، فلما مر الأجل قفل أهل ذلك الثغر، فاشتد عليهم وتواعدهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا عمر ! إنك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إعقاب بعض الغزية بعضاً ]. أورد أبو داود (باب في تدوين العطاء) يعني: أن أهل الأعطيات الذين يعطون من الفيء يكتبون ويسجلون في ديوان حتى يعرف كل واحد منهم واستحقاقه، ووصوله إليه أو عدم وصوله إليه، وهذا إنما يتأتى بالكتابة والتدوين، وعمر رضي الله عنه هو أول من دون الدواوين، وذلك أنه في زمانه رضي الله عنه كثرت الفتوحات وكثر الغزو، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وكثر المجاهدون، فصار الأمر يحتاج إلى التدوين حتى يعرف الجيوش، ومن يرسل، ومن يؤخر، ومن يقدم. أورد أبو داود حديث جماعة من الأنصار أنهم كانوا في زمان عمر على ثغر من الثغور، وكان يعقب الجيوش بمعنى أنهم يجلسون مدة ثم يرسل أناساً مثلهم يقومون مقامهم ويعود الأولون، فكان من عمر رضي الله عنه أن غفل أن يرسل أناساً مكانهم، وانتهى الأجل ولم يرسل إليهم أحداً، فجاءوا وتركوا المكان فغضب عليهم عمر وتوعدهم وهم من الصحابة، فقالوا: إنك غفلت عنا وتركت الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعقاب الجيوش، والمدة التي خصصت لنا قد أكملناها، ولم يأت الذين يخلفوننا ويقومون مقامنا؛ فرجعنا. ووجه إيراد الحديث في الترجمة أن هذا إنما يعرف عن طريق الديوان، يعني: كونه يذهب أناس ويأتي أناس، فهذا معناه أنهم مسجلون ومدونون، فهؤلاء لهم هذه النوبة ويجلسون كذا شهر، ثم يأتي مكانهم غيرهم ويبقون لمدة كذا شهر، فهذا هو وجه إيراد الحديث في الترجمة من جهة تدوين العطاء. وقوله: وتواعدهم أي: هددهم ووبخهم. والثغر هو المكان الذي يكون على حدود بلاد المسلمين، ويكون فيه أناس يرابطون ويسدون ذلك الثغر حتى لا يتسلل الأعداء إلى بلاد المسلمين، فيكونون مرابطين في تلك الثغور يدافعون ويحمون بلاد المسلمين من أن يتسلل إليها أعداؤهم.
تراجم رجال إسناد حديث: (إعقاب بعض الغزية بعضاً)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، ويقال: له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].