عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 06-05-2025, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,167
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة






محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس – أعلا م وقدوات أثروا في تاريخ الأمة – الشيخ المحِّدث: محمد ناصر الدين الألباني .. المحاضرة 6


ألقاها: الشيخ عبدالله الألباني
تحت شعار: (أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة)، أطلق «قطاع العلاقات الإعلام والتدريب» بجمعية إحياء التراث الإسلامي (منتدى تراث الرمضاني الخامس) الذي بدأت فعالياته يوم الاثنين 3 رمضان 1446هـ، الموافق 3 مارس 2025م، واشتمل المنتدى لهذا العام على العديد من المحاضرات التي، يلقيها مشايخ من داخل الكويت وخارجها، وذلك عبر البث المباشر (زووم), ويأتي منتدى هذا العام ليسلط الضوء على جهود العلماء والأئمة الأعلام في حفظ الدين ونشره، مع بيان أثرهم في توجيه الأمة نحو الصراط المستقيم، هؤلاء الأعلام الذين وقفوا سدًّا منيعًا في وجه التحريف والبدع، فبيّنوا للناس أصول الدين، ودعوا إلى التمسك بالكتاب والسنة، مجتهدين في تعليم الأحكام، وبيان الحلال والحرام، ونشر قيم الإسلام السمحة.
الشيخ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-
  • كان الإمام الألباني نموذجًا فريدًا استطاع بهمته وسعة علمه وغزارة فهمه إحياء علم الحديث وتجديده والقيام بمشروعات كبيرة لبيان صحيح الحديث من ضعيفه وثابته من موضوعه
  • وُلد الألباني في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا في سنة 1333هـ 1914م في أسرة كريمة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي فقد كان والده الحاج نوح من كبار علماء الحنفية في ألبانيا
  • بعد الاستقرار في دمشق تعلم الإمام الألباني من والده مهنة تصليح الساعات وأتقنها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها وكان يحمد الله على تعلُّمها لأنها ساعدته على طلب العلم
  • هاجر الألباني بصحبة والده إلى دمشق الشام للإقامة الدائمة فيها بعد أن تغيرت الأحوال في ألبانيا وتوجهت نحو الحضارة الغربية العلمانية والسعي لإلغاء اللغة العربية
  • تعلم الألباني في مدرسة الإسعاف الخيرية اللغة العربية وبرع فيها حتى تفوق على كثير من أقرانه رغم أنه لم يكن يتقن أي شيء منها عندما دخل دمشق
  • أتم الألباني -رحمه الله- حفظ القرآن الكريم على يد والده الحاج نوح وكان والده هو شيخه الأول كما درس عند صديق والده الشيخ سعيد البرهاني وقرأ عليه بعض الكتب الحنفية وكتب اللغة العربية
  • بدأ توجه الألباني نحو الحديث وعلومه في العشرين من عمره ونصر السنة النبوية متأثرًا بأبحاث مجلة المنار للسيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى والتحقيق العلمي الذي كان ينشر بالمجلة
  • أول كتاب ألّفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله هو كتاب: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)، وهذا الكتاب هو ما حمله على ألا يصلى في مسجد بني أمية؛ لأن مسجد بني أمية بالحرم يوجد فيه قبر
حديثنا اليوم عن الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- رحمة واسعة، وكما هو واضح من النسبة أن أصله من ألبانيا، واسم الشيخ كاملا: محمد ناصر الدين نوح آدم نجاتي الألباني، ويعد الشيخ -رحمه الله- أحد أبرز علماء الحديث البارزين المتفردين في علم الجرح والتعديل، حتى أصبح حُجَّة في مصطلح الحديث. ولد الشيخ -رحمه الله- عام 1333هـ الموافق 1914م في مدينة (أشقودرة) عاصمة دولة ألبانيا آنذاك، عن أسرة فقيرة متدينة، يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعًا للناس يعلمهم ويرشدهم.
هاجر والد الشيخ إلى دمشق للإقامة الدائمة فيها، بعد أن اتجهت ألبانيا نحو الحضارة الغربية العلمانية، وجده ممن عرف بحب الدين والتمسك به، وفي هذا الوقت كانوا يسعون في ألبانيا إلى إلغاء اللغة العربية؛ فطلبوا منه أن يؤذن باللغة الألبانية بدلاً من اللغة العربية! فرفض وعزم على الهجرة من ألبانيا.
موقف مهم
وقبل أن أكمل لابد أن أعرّج على موقف مهم أدلل به على أهمية وحدة الدول العربية والإسلامية، ففي عام 1907 خرج جدي للحج على البغال من ألبانيا إلى صربيا إلى بلغاريا ثم إلى اسطنبول، وهناك ركبوا القطار الحديدي الحجازي، وساروا بالقطار أربعة آلاف كيلومتر من إسطنبول إلى المدينة المنورة مرورًا ببلدان كثيرة، وطيلة هذه المسافة لم يسألهم أحد عن بطاقة مدنية ولا جواز سفر ولا أي شيء، فلقد كان الناس أمة واحدة، فلما حج ورأى حرَّ مكة ولم يكن آنذاك لا مرواح ولا تكييفات، وقد وجد عند مروره بالشام أن مناخ الشام مناسب أكثر من مناخ مكة والمدينة فعزم على الهجرة إلى الشام.
نظرة صائبة
ولما علم الناس بأن الشيخ نوح عازم على الهجرة إلى الشام، قالوا له: إلى أين يا شيخ؟ فقال: أنا مهاجر إلى الشام، فقالوا: أخائف على نفسك من الكفر؟! قال لا، لست خائفًا على نفسي إنما أخشى أن يكفر أولادي، وكانت بالفعل نظرة صائبة، والشيخ ناصر الدين أشار إليها حينما خرّج الحديث «ستكون هجرة بعد هجرة»، وأولها هجرة إبراهيم -عليه السلام- إلى الشام بعد العراق وما حدث له من أمر الحرق بالنار، والله أنجاه منها، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.
ثناؤه على والده
وكان الشيخ الألباني -رحمه الله- يثني على والده ثناءً عطرا في تعليقه على هذا الحديث في السلسلة الصحيحة، وعندما وطئت أقدامهم أرض الشام، ما كان عندهم أموال؛ فسكنوا بالأربطة في الأوقاف التي كانت مُعدة لطلاب العلم، ولكن جدي -رحمه الله- كان قد سافر إلى النمسا وتعلم مهنة الساعات، وأتى إلى الشام وفتح محلا مقاربا لجامع التوبة؛ فصار عنده دخل، واشترى دارًا واستقل فيها، وأولاده كانوا بمدارس الإسعاف الخيري يعني للفقراء، تخرج فيها الشيخ محمد ناصر الدين بالصف الخامس وبعدها علّمه والده الفقه الحنفي.
الشيخ عبدالله آدم الألباني
طلبه للعلم
نظرًا لأن والده -رحمه الله- كان له رأي خاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية، ووضع للشيخ ناصر -رحمه الله- منهجًا علميا مركزًا، علمه -من خلاله- القرآن الكريم، والتجويد، والنحو والصرف، وفقه المذهب الحنفي، وقد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي وبعض كتب اللغة والبلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس العلامة بهجة البيطار وندواته ، كما أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنة وقتاً جيداً للمطالعة والدراسة، وهيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.
بدايات اهتمامه بعلم الحديث
بدأ اهتمام الشيخ بعلم الحديث بعد أن تعرف على مجلة المنار حينما كان عند بائع الكتب والمجلات القديمة فوجد مجلة المنار هذه فاشتراها، وكان هناك بحث وقتها عند الشيخ محمد رشيد رضا على كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي، وكان من المتعارف عليه بالشام في تلك الأيام أن كل طالب علم لابد أن يمتلك هذا الكتاب، وكانوا من شدة الغلو في الكتاب يقولون عنه: «من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء»، وكان البحث الذي كتبه الشيخ محمد رشيد رضا على العمل الذي قام به الإمام زين الدين العراقي، فقد حقق هذا الكتاب وحقق أحاديثه وأخرج كتابا أسماه المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بما في تخريج كتاب الإحياء من الأخبار.
اهتمام الشيخ بكتاب الإحياء
وكان عندنا في تلك الأيام مكتبتان تابعتان للكتب الدينية: مكتبة أحمد وحمدي عبيد، ومكتبة هيثم القصيباتي وأولاده، فذهب الشيخ محمد ناصر الدين -رحمه الله- مع الأوراق التي كان يكتب فيها أحاديث عند هيثم القصيباتي وسأله على كتاب الإحياء بتعليق الشيخ العراقي فوجده، وكان ثمنه خمسا وعشرين ليرة أي أكثر من خمسة وعشرين دينارا، فما كان عنده قدرة للشراء فقال له صاحب المكتبة: أنا أعيرك الكتاب ولكن إذا جاء رقيب، عليك أن تعيد الكتاب، فبدأ بنسخ الكتاب وكان خطه في بدايات طلب العلم في تلك الأيام جميلا، فنسخ الكتاب في ألفين وخمس وعشرين صفحة، وهذا الكتاب موجود لمن يريد رؤيته في جناح الشيخ الألباني بالجامعة الإسلامية؛ لأنه عندما توفي الشيخ الألباني كان من وصيته أنه أوصى بكتبه سواء ما كان منها مطبوعا أم كان بخط يده إلى الجامعة الإسلامية التي كان لي فيها ذكريات في الدعوة إلى الله. ففي تلك الأيام وقبل أن يتعرف الشيخ على هذا الكتاب - كتاب المغني- كان كل أحد يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول حديثا بصرف النظر عن أنه صحيح أو ضعيف أو حسن، هذا التقسيم لم يكن موجودا أبدا، ولذا كان مكتوبا على باب المحراب بالمسجد الأموي الكبير الحديث الموضوع: «إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام»، يعني حتى لا تصلي تحية المسجد! فلما طلع -رحمه الله- بموضوع الحديث الصحيح والضعيف والموضوع وغيره، وبعد تقريبا عشرين سنة -مكرهين- اضطروا أن يغيروا ذاك الحديث ويضعوا الحديث الصحيح «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت، فقد لغوت».
إمام الحديث بالجامع الأموي
وفي تلك الأيام في سوريا كان الشيخ بدر الدين الحسن إمام الحديث بالجامع الأموي، وكان تحت قُبة النَّسْر أو قبة الرصاص الكبرى لحرم الجامع الأموي، وهي أكبر قبة في الجامع، فكانوا كلهم يجلسون في الحلقة تحت تلك القبة، فكان الشيخ بدر الدين يروي الحديث بالإسناد منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يمر على أكثر من ستين طبقة حتى يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر شاق جدا لا يستفيد منه العامي الآن؛ لأن الرجال من هنا إلى ابن حجر العسقلاني هؤلاء في حكم المجهول بالنسبة لهم، ولم يعد لدينا هذه الطبقة من نقاد الحديث الذين كانوا يرون الرواة ويعطون كل واحد ما يستحق من الوثوقية أو الضعف أو التدليس أو غيره. فعندما درس هذا الكتاب، وتبين له صدق ما قال الشيخ زين الدين العراقي: بأنّ الإمام أبا حامد بضاعته في الحديث مزجاة، فكان كل حديث يمر عليه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعه في كتاب إحياء علوم الدين، فهو مليء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإمام الحافظ الذهبي لما ترجم لأبي حامد ذكر هذا الكلام في سير أعلام النبلاء.
أول كتاب ألّفه الشيخ -رحمه الله-
أول كتاب ألّفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- هو كتاب: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)، وهذا الكتاب هو ما حمله على ألا يصلى في مسجد بني أمية؛ لأن مسجد بني أمية بالحرم يوجد فيه قبر يقال: إنه قبر سيدنا يحيى -عليه السلام-، أما الجامع الأموي في حلب فيوجد فيه قبر سيدنا زكريا -عليه السلام-؛ إذ كان الناس يعتقدون أن الدعاء عند القبر مستجاب أكثر من أي مكان آخر. وحينما بُني المسجد الذي بناه الخليفة الوليد بن عبدالملك، لم يكن فيه قبر، ولكن فيما بعد حدث زلازل وخراب فلما هموا بإعادة بناء المسجد عثروا على حجر مكتوب فيه بالعبري فأحضروا أحد اليهود قال: يقول الله: إنه هنا قبر يوحنا المعمداني يعني يحيى -عليه السلام-، فقاموا ببناء هذا الضريح. وهنا نلاحظ أن علماء الحديث في هذا الوقت ومنهم الشيخ بدر الدين، ما كانوا يرون غضاضه في وجود قبر أبدا، رغم أنك تقرأ في الصحيحين أحاديث كثيرة جدا يحذر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من بناء المساجد على القبور أو إدخال القبور في المسجد، ومنها أنه لما عادت أم سلمة وأم حبيبة من رحلة الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة، سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهم الأشياء التي رأوها هناك بالحبشة، قالوا رأينا من جملة ما رأينا كنيسة يقال لها ماريّا فذكرتا من زخرفتها وتصاويرها؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أولئك شرار الخلق الذين كان إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا له تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى». عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبْلَ أنْ يُتوفَّى بخمسِ ليالٍ خطَب النَّاسَ فقال : ( أيُّها النَّاسُ إنَّه قد كان فيكم إخوةٌ وأصدقاءُ وإنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أنْ أتَّخِذَ منكم خليلًا ولو أنِّي اتَّخَذْتُ مِن أمَّتي خليلًا لَاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا إنَّ اللهَ اتَّخَذني خليلًا كما اتَّخَذ إبراهيمَ خليلًا وإنَّ مَن كان قبْلَكم اتَّخَذوا قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ فلا تتَّخِذوا قبورَهم مساجدَ فإنِّي أنهاكم عن ذلك )، لذلك تقول عائشة -رضي الله عنها- وتعلل دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرتها مخافة أن يتخذها الناس مزارا أو عيدا فيما إذا كان بارزا، ولولا ذاك لأبرز قبره ولكن خشية أن يتخذه الناس مسجدا، وبعد كتاب تحذير الساجد جاء كتاب (صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -) الذى ألفه الشيخ -رحمه الله- سنة 1373هـ الموافق 1953م، وأخذ هذا الكتاب شهرة كبيرة، وطُبع وتُرجم للغات الهندية والأوردية والإنجليزية والفرنسية، ثم ترجمه الشباب فيما بعد للغة الألبانية؛ فكتب الله له القبول وانتشر الكتاب جدا.
كتاب الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-
وفي سنة 1959م في الصيف، جاء كتاب من الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- موجه للشيخ الألباني -رحمه الله- قال فيه: إنه -بحمد الله تبارك وتعالى- أُنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهذه الجامعة سوف تُعنى باستقدام الطلاب من خمسة وستين بلدًا إسلاميا، يدرسون فيها العقيدة والتوحيد والحديث وفقه الحديث وغيرها، ونحن نختارك لتكون أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية، وإذا كنت ترى من يعاونك في ذلك وذكروا شخصين: الشيخ عصام العطار -رحمه الله-، والشيخ: سعيد الطبّاع -رحمه الله-، فإذا كنت ترى معاونتهم فمن الممكن أن نتعاقد معهم. ووقت أن أرسل الشيخ ابن باز الكتاب قرأه الشيخ ناصر علينا، وكنت وقتها شابا صغيرا وقد رحب أصحاب الشيخ ناصر الدين الكبار بهذه الخطوة مثل الشيخ عبدالرحمن الألباني -رحمه الله- وقد مات بالرياض، والشيخ: عبدالرحمن النحلاوي وغيرهم ممن قرأ عليهم الكتاب، فقال له الشيخ عبدالرحمن إذا كانت الدعوة ستنتشر في خمسة وستين دولة فإن قبولك للدعوة أفضل رغم أنه يعز علينا ذهابك، وهكذا أرسل الرد بالموافقة وسافر ودرّس بالجامعة الإسلامية.
حال الشيخ بالجامعة
من عادة أساتذة الجامعة أنه بين كل حصة وحصة يذهب الأساتذة لغرفة الاستراحة، أما الشيخ الألباني -رحمه الله- لم يكن كذلك، إنما كان يلحقه الطلاب عندما يخرج من الصف، وفى تلك الأيام لم تكن الطرقات بالجامعة معبدة بعد، بل كان بها كثبان رملية فكان يجلس على كثيب من الكثبان ويلتف حوله الطلاب ويسألونه أسئلة فيجيب عنهم، فيأتي مراقب الدوام ويقول هذا هو الدرس الحقيقي، فكان له قبول كبير من الطلاب آنذاك. المهم أنه درس من نهاية العام 1959م إلى نهاية 1962م، وكنا مازلنا بالصيف وقتها، فجاء كتاب الشيخ عبدالعزيز ابن باز بأن الجامعة الإسلامية قررت عدم تجديد العقد، وأنت داعٍ إلى الله في أي بلد كنت فيها، فاستقر به الحال بالمحل الخاص به؛ لأن كتبه في تلك الأيام لم تكن معروفة بعد، فكان يعيش من عمله في محل الساعات.
لقاؤه بالشيخ زهير شاويش
-رحمه الله-
بعد أن استقر في محل الساعات مر عليه الشيخ زهير شاويش -رحمه الله-، فألقى عليه السلام وسأله عما يفعل؟ فأجابه أنه يعمل بالمحل، فقال له: هناك الكثير ممن يعملون في الساعات، ولكن لا يوجد مثلك في علم الحديث، فعرض عليه العمل عنده في المكتب الإسلامي براتب، فأخبره بعدم استطاعته بالعمل في المكتب الإسلامي لأنه بالمكتبة الظاهرية، والمكتبة الظاهرية فيها من نفائس المخطوطات ما الله به عليم، واتفقوا على أن يظل بالمكتبة الظاهرية ويعمل أسبوعا واحدا بالشهر لصالح المكتب وثلاثة أسابيع لمشاريعه، ويأخذ راتبه.
قصة المكتبة الظاهرية
كان الشيخ الألباني -رحمه الله- يداوم في المكتبة الظاهرية وهي مكتبة حكومية، وعطلتها الثلاثاء وليس الجمعة، فكان يذهب في الصباح من الثامنة حتى الواحدة، ومن الواحدة إلى الرابعة فترة الغداء، ثم من الرابعة إلى الثامنة مساءً، وتتعطل في الأعياد القومية والوطنية، فلما كانت المكتبة تُعطل يُعطل معها، لكن يشاء الله أن يتغير مدير المكتبة ولما أراد التعرف على فريق العمل الذي يعمل تحت إدارته، عقد اجتماعا للموظفين، وسأل هل يوجد أحد إجازة أو مريض فأجابوا بالنفي. فسألهم عن شيخ كبير في غرفة تحت الدرج لم يأتِ! فقالوا هذا هاوٍ وليس موظفا حكوميا، فتعجب! وقال لهم: أنا أريده، فطلبوه فجاء، وسأله ماذا تعمل؟ فمن جملة ما قاله له: إنه وضع فهارس لما تحتويه المكتبة من كتب، لم يكن يعرفون من قبل ماذا يفعلون، فقام بهذا العمل وحده. فتعجب المدير أنه من ضمن مائة وخمسين عاملا هو من قام بهذا العمل بمفرده، فسأله كيف تداوم؟ قال أداوم بالدوام الرسمي، فسأله تحب تدرس أكثر؟ قال: نعم، فقال: يا أبا فهد أعط الشيخ مفتاح الباب الكبير، وكانت المكتبة بناء قديما حجريا، فأعطوه المفتاح فصار يصلي الفجر ويذهب إلى المكتبة وما عاد مقيدا بالعطلة ولا الأعياد ولا أي شيء، ثم إذا تعب بعد العشاء يرجع ويغلق المكتبة، فهذه كانت نقطة تحول كبيرة في عمله؛ لأنه ازداد وضاعف العمل والإنتاج، وهنا بدأ في عمل السلسلتين، وقد بدأ بالسلسلة الضعيفة، ثم بالصحيحة.
دروس الشيخ
بالنسبة لدروس الشيخ -رحمه الله- كان عنده درسان، درس يوم الثلاثاء في الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، ويوم الجمعة كان الروضة الندية للشيخ الصديق حسن خان، ولما انتهى منه بدأ بفقه السنة للسيد سابق، وكان الشيخ -رحمه الله- يتجه إلى الشمال اللاذقية وحلب وحمص وحماه كل بداية شهر قمري يذهب يُدرّس فيها، وكان يحضر بعض الإخوة من الأردن دروس الشيخ، وقد خطب أحد هؤلاء الشباب ابنة الشيخ الكبيرة وتزوجها، فصار له موطئ قدم في الأردن، فصار يذهب إلى عمّان كل شهر مرة، بسبب الحرية النسبية، فالأردن تشبه الكويت من ناحية الحرية الدينية، وكان -رحمه الله- يُدرّس بالبيت، وقد أتاه الطلاب من كل البلاد العربية ولا سيما دول الخليج من السعودية ومن قطر والكويت ومن هنا وهناك ويسألونه، وهذه الأسئلة هي التي حفظها الشيخ أحمد أبو ليلى الأثري، فهذا الشيخ سبحان الله! حفظ فيه تراث الشيخ الألباني بالحقبة الأردنية، بينما بالحقبة الشامية لم يتوفر الحفظ؛ بسبب عدم وجود شرائط الكاسيت في تلك الأيام، والشرائط التي سجلها أبو ليلى الأثري تصل إلى 910 أشرطة تقريبًا، التي أفرج عنها وإلا فهو عنده أشرطة أكثر، ثم صار يفرج عنها ابنه فيما بعد وكان اسمه ثائر أبو ليلى، وكان كل فترة وفترة يخرج من الأشرطة القديمة التي لم يكن أخرجها مع الدفعة الأولى الكبيرة.
وفاة الشيخ الألباني -رحمه الله-
أصيب الإمام الألباني -رحمه الله- في آخر عمره بمرض السرطان في أمعائه، وظل المرض يشتدُّ عليه حتى توفي الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- بعد عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة عام 1420هجرية، الموافق الثاني من أكتوبر عام 1999 ميلادية، وبدأ أقرباء الإمام الألباني بتجهيزه للدفن، وطار خبر وفاته كل مطار، وتوافد طلبة العلم لحضور جنازته، وتنفيذًا لوصية الإمام الألباني تم تجهيزه على وجه السرعة، وحمل إلى المقبرة، فإذا بآلاف الناس تنتظره للصلاة عليه، رغم أنه لم يمضِ على وفاته إلا ساعات قليلة، وصلى عليه الشيخ محمد إبراهيم شقرة، ودفن الإمام الألباني في مقبرة جبل الهملان ، وبجانب الشيخ الألباني دُفن تلميذه البار الشيخ علي الحلبي الذي مات في فترة كورونا، وبذلك غاب قمر من أقمار أمتنا، ومات مجدد الزمان ومحدِّث العصر، ولكن بقي علمه ومنهجه ومؤلفاته تدرس إلى قيام الساعة، ومات الإمام ولكنه سقانا بعلم يسد الثغور.


اعداد: الفرقان





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]