
10-05-2025, 02:10 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,657
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (340)
صـ 385 إلى صـ 394
وسلم -، وما قاله أصحابه، فتارة يقول: رآه بفؤاده متبعا لأبي ذر ; فإنه روى بإسناده عن أبي ذر - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بفؤاده [1] .
وقد ثبت في صحيح مسلم: «أن أبا ذر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه» [2] . ولم ينقل هذا السؤال عن غير أبي ذر. وأما ما يذكره بعض العامة من أن أبا بكر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [3] :" نعم رأيته "، وأن عائشة سألته، فقال:" لم أره "فهو كذب، لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يجيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقا، فهو منزه عن ذلك [4] ."
(1) ذكرت في تعليقي على كلام مماثل لابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" 8/42 أنني بحثت عن حديث أبي ذر رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد "مسند أبي ذر في الجزء الخامس من طبعة الحلبي" ، فلم أجده. وقلت: "ولعل الإمام أحمد رواه في غير المسند" . والحديث رواه ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" (تحقيق الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله ط. القاهرة 1387 1968) ص 208 ونصه: "حدثنا أحمد بن منيع غير مرة، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا منصور وهو ابن زاذان، عن الحكم، عن يزيد بن الرشك عن أبي ذر في قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى قال: ثنا هشيم، قال: أنبأ منصور، عن الحكم، عن يزيد بن الرشك عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينه" .
(2) سبق هذا الحديث فيما مضى 2/636 - 637
(3) و: سأله فقال.
(4) انظر كتاب الشريعة للآجري بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله ط. السنة المحمدية 1369 1950 ص 491 - 497 (وانظر تعليقات الشيخ محمد حامد) ، وانظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 197 - 230 وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 433 - 447 تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري ط. السعادة 1358
فلما كان أبو ذر أعلم من غيره اتبعه أحمد، مع ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رآه بفؤاده مرتين [1] . وتارة يقول أحمد: رآه. فيطلق [2] اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب (* اتباعا للحديث، وتارة يستحسن قول من يقول: رآه. ولا يقول بعين ولا قلب *) [3] ، ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين باشروه عنه أنه قال: رآه بعينه، وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال في كتاب "السنة" وغيره [4] .
وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: "رآه بعينه" ، بل الثابت عنه إما الإطلاق، وإما التقييد بالفؤاد.
وقد ذكر طائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى [5] ومن اتبعه عن أحمد ثلاث روايات في رؤيته تعالى: إحداها: أنه رآه بعينه، واختاروا ذلك. وكذلك اختاره الأشعري وطائفة. ولم ينقل هؤلاء عن
(1) روى مسلم في صحيحه 1/158 - 159 (كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى) أثرين عن ابن عباس: الأول عن ابن عباس: رآه بقلبه والثاني، عن أبي العالية عن ابن عباس قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى) [سورة النجم: 11] (ولقد رآه نزلة أخرى [سورة النجم: 13] قال: رآه بفؤاده مرتين، وذكر الترمذي في سننه 5/70 (كتاب التفسير سورة النجم) أثرا عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رآه بقلبه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن" ، وجاء الأثر بنفس المعنى في المسند (ط. المعارف) 3/294 عن ابن عباس، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه: "ونسبه السيوطي في الدر المنثور 6/124 أيضا للطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات" .
(2) ح، ب: ويطلق.
(3) ما بين النجمتين ساقط من (ح) .
(4) لعل كلام أحمد وروايته لحديث أبي ذر بالإسناد رواه عنه الخلال في كتاب "السنة" .
(5) ن: كالقاضي أبي بكر، وهو تحريف.
أحمد لفظا صريحا بذلك، ولا عن ابن عباس، ولكن المنقول الثابت عن أحمد من جنس النقول الثابتة عن ابن عباس: إما تقييد الرؤية بالقلب، وإما إطلاقها، وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن أحمد ولا عن ابن عباس.
وأما من سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الإمام أحمد اتفاق السلف على أنه لم يره أحد بعينه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت»" [1] ، وهذا لبسطه موضع آخر.
وإنما المقصود هنا أن كثيرا من السالكين يرد عليه من الأحوال ما يصطلمه [2] ، حتى يظن أنه هو الحق، وأن الحق فيه، أو أن الحق يتكلم على لسانه، أو أنه يرى الحق، أو نحو ذلك، وإنما يكون الذي يشاهدونه ويخاطبونه هو الشيطان، وفيهم من يرى عرشا عليه نور، ويرى الملائكة
(1) في صحيح مسلم 4/2245 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد) . قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال: "إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله، أو يقرؤه كل مؤمن" . وقال: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت" . وجاء الحديث في: سنن الترمذي 3/345 (كتاب الفتن، باب ما جاء في الدجال) ، وفيه: "تعلمون أنه لن يرى. . الحديث. وقال الترمذي:" هذا الحديث حسن صحيح "."
(2) قال القاشاني في كتاب "اصطلاحات الصوفية" (تحقيق د. محمد كمال جعفر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981) ص 30 "الاصطلام" : هو الوله الغالب على القلب، وهو قريب من الهيمان ". وقال ابن عربي في رسالة "اصطلاحات الصوفية" ص 240: " الاصطلام: نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه "."
حول العرش، ويكون ذلك الشيطان، وتلك الشياطين حوله، وقد جرى هذا لغير واحد.
[فصل الكلام على محبة الله تعالى]
(فصل)
وقد اعترف طوائف بأنه يستحق أن يحب، وأنكروا أنه يحب غيره إلا بمعنى الإرادة العامة، فإن محبة المؤمنين لربهم أمر موجود في القلوب [1] والفطر، شهد به الكتاب والسنة، واستفاض عن سلف الأمة وأهل الصفوة، واتفق عليه أهل المعرفة بالله.
وقد ثبت أن التذاذ المؤمنين يوم القيامة بالنظر إلى الله أعظم لذة في الجنة، ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه. وهو الزيادة»" [2] .
وفي حديث آخر رواه النسائي وغيره: "«أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة» [3]" .
(1) ن: القلب.
(2) سبق الحديث فيما مضى 3/166
(3) سبق الحديث والتعليق عليه فيما مضى 2/114 - 115، 3/166 - 167
فقوله في الحديث الصحيح: "«فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه»" يبين أن اللذة الحاصلة بالنظر إليه أعظم من كل لذة في الجنة، والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله، وذكر محامده، وآلائه، وعبادته، من اللذة ما لا يجده بشيء آخر.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«جعلت قرة عيني في الصلاة»" [1] ، وكان يقول: "«أرحنا بالصلاة يا بلال»" [2] وفي الحديث: "«إذا مررتم"
(1) هذا جزء من حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه ونصه: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" ، وهو في سنن النسائي 7/58 - 60 (كتاب عشرة النساء، باب حب النساء) ، وأوله: "حبب إلي من الدنيا. . الحديث وهو في المسند (ط. الحلبي) 3/128 - 119 - 285 وأضاف السيوطي في" الجامع الصغير "أن الحديث في المستدرك للحاكم وفي السنن للبيهقي، وصحح الألباني الحديث في" صحيح الجامع "3/87 وقال في تعليقه على" مشكاة المصابيح "للتبريزي 2/669 (ط. المكتب الإسلامي دمشق 1381 1961) :" وقد اشتهرت على الألسنة زيادة أخرى وهي "ثلاث" ولا أصل لها في شيء من طرق الحديث، بل هي مفسدة للمعنى كما لا يخفى ". وانظر ما ذكرته عن الحديث وعن الزيادة في" جامع الرسائل "2/118 - 119"
(2) ح، ر، و: أرحنا بها يا بلال. والحديث عن رجل من الصحابة في سنن داود 4/406 (كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة) ونصه: عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال رجل - قال مسعر: أراه من خزاعة: ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها" . والحديث بهذه الألفاظ في: المسند (ط. الحلبي) 5/364 ثم جاء الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث السابق ونصه: عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن محمد بن الحنفية، قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" . والحديث بهذه الألفاظ في المسند (ط. الحلبي) 5/371 وصحح الألباني الحديث في "مشكاة المصابيح" 1/393 وفي "صحيح الجامع الصغير" 6/284
برياض الجنة فارتعوا ". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال:" مجالس الذكر» "[1] . ومن هذا الباب قوله:" «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» "[2] ; فإن هذا كان أعظم مجالس الذكر."
والمنكرون لرؤيته من الجهمية والمعتزلة تنكر هذه اللذة، وقد يفسرها من يتأول [3] الرؤية بمزيد العلم على لذة العلم به، كاللذة التي في الدنيا بذكره، لكن تلك أكمل.
وهذا قول متصوفة الفلاسفة والنفاة، كالفارابي، وكأبي حامد، وأمثاله، فإن ما في كتبه من "الإحياء" وغيره من لذة النظر إلى وجهه هو بهذا المعنى [4] ، [والفلاسفة تثبت اللذة العقلية، وأبو نصر الفارابي
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في سنن الترمذي 5/194 (كتاب الدعوات، باب منه) ، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس) والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/150"
(2) الحديث عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه في البخاري 2/61 (كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر) ، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/23 (كتاب فضائل المدينة، باب حدثنا مسدد عن يحيى. . .) وزاد ومنبري على حوضي 8/121 (كتاب الرقاق، باب في الحوض) 9/105 (كتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. .) ، سنن الترمذي 5/376 - 377 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل المدينة) ، والحديث في سنن النسائي والموطأ والمسند.
(3) ن: من ينكر.
(4) يتكلم الغزالي على لذة النظر إلى الله تعالى في "الإحياء" 14/62 - 76 فيقول: 14 "62 اعلم أن اللذات تابعة للإدراكات" ، ويفصل القول في هذه النقطة، ثم يقول 14/64: "وبهذا يتبين أن العلم لذيذ، وأن ألذ العلوم العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وتدبيره في مملكته من منتهى عرشه إلى تخوم الأرضين. فينبغي أن يعلم أن لذة المعرفة أقوى من سائر اللذات أعني لذة الشهوة والغضب. إلخ ثم يقول 14/70:" اعلم أن المدركات تنقسم إلى ما يدخل في الخيال. . . وإلى ما لا يدخل في الخيال، كذات الله تعالى وكل ما ليس بجسم، كالعلم والقدرة وغيرهما. . إلى أن يقول 14/71 "ووافى استحقاق الجنة، وذلك وقت مبهم. .، لأن فيه يتجلى الحق سبحانه وتعالى، فيتجلى له تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى ما علمه كانكشاف تجلي المرآة بالإضافة إلى ما تخيله، وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية. ." .
وأمثاله [1] من المتفلسفة يثبت الرؤية لله، ويفسرها بهذا المعنى] [2] .
وهذه اللذة أيضا ثابتة بعد الموت، لكنهم مقصرون في تحقيقها، وإثبات غيرها من لذات الآخرة، كما هو مبسوط في موضعه.
وأما أبو المعالي، وابن عقيل، ونحوهما فينكرون أن يلتذ أحد بالنظر إليه. وقال أبو المعالي: يمكن أن يحصل [3] مع النظر إليه لذة ببعض
(1) م: الفارابي وأبي حامد وأمثاله، ويقول الدكتور إبراهيم مدكور في كتابه "في الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيق ص 35 - 36 ط. عيسى الحلبي 1367 - 1947" لعل أخص خصائص النظرية الصوفية التي قال بها الفارابي إنها قائمة على أساس عقلي فليس تصوفه بالتصوف الروحي البحت الذي يقوم على محاربة الجسم والبعد عن اللذائذ لتطهر النفس وترقى في مدارج الكمال، بل هو تصوف نظري يعتمد على الدراسة والتأمل. . إلخ "، ويقول الفارابي في" كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة "ص 16 - 17 ط. مكتبة الحسين التجارية، الطبعة الثانية 1368 1948" وإذا كان الأول وجوده أفضل الوجود، فجماله فائت لجمال كل ذي الجمال، وكذلك زينته وبهاؤه، واللذة والسرور والغبطة إنما ينتج ويحصل أكثر بأن يدرك الأجمل والأبهى والأزين بالإدراك الأتقن والأتم، فإذا كان هو الأجمل في النهاية والأبهى والأزين، فإدراكه لذاته الإدراك الأتقن في الغاية وعلمه بجوهره العلم الأفضل. . لذة لا نفهم نحن كنهها ولا ندري مقدار عظمها إلا بالقياس والإضافة إلى ما نجده من اللذة عندما نكون قد أدركنا ما هو عندنا أكمل وأبهى إدراكا وأتقن وأتم. . إلخ "."
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
(3) و: أن نجعل.
المخلوقات من الجنة، فتكون اللذة مع النظر بذلك المخلوق [1] .
وسمع ابن عقيل رجلا يقول: أسألك لذة النظر إلى وجهك. فقال: هب أن له وجها أفتلتذ بالنظر إليه؟ ! .
وهذا ونحوه مما أنكر على ابن عقيل ; فإنه كان فاضلا ذكيا، وكان تتلون آراؤه في هذه المواضع ; ولهذا يوجد في كلامه كثير مما يوافق فيه قول المعتزلة والجهمية، وهذا من ذاك.
وكذلك أبو المعالي بنى هذا على أصل الجهمية الذي وافقهم فيه الأشعري ومن وافقه، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى وغيرهما: أن الله لا يحب ذاته، ويزعمون أن الخلاف في ذلك مع الصوفية.
وهذا القول من بقايا أقوال جهم بن صفوان، وأول من عرف في الإسلام أنه أنكر أن الله يحب أو يحب الجهم بن صفوان وشيخه الجعد بن درهم، وكذلك هو أول من عرف أنه أنكر حقيقة تكليم الله لموسى وغيره، وكان جهم ينفي الصفات والأسماء، ثم انتقل بعض [2] ذلك إلى المعتزلة وغيرهم ; فنفوا الصفات دون الأسماء.
وليس هذا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها [3] ، بل كلهم متفقون على أن الله يستحق أن يحب، وليس شيء أحق بأن يحب من الله سبحانه، بل لا يصلح أن يحب غيره إلا لأجله وكل ما يحبه المؤمن من طعام وشراب ولباس وغير ذلك لا ينبغي أن يفعله إلا ليستعين به على عبادته
(1) لم أجد هذا الكلام فيما بين يدي من مؤلفات الجويني، ولعله في كتاب من كتبه المفقودة.
(2) ر، ب، ح، ي: بعد.
(3) ح، ب: وأئمتهم.
سبحانه، المتضمنة لمحبته، فإن الله إنما خلق الخلق لعبادته، وخلق فيهم الشهوات ليتناولوا بها ما يستعينون به [1] على عبادته، ومن لم يعبد الله فإنه فاسد هالك، والله لا يغفر أن يشرك به فيعبد معه غيره، فكيف بمن عطل عبادته فلم يعبده البتة كفرعون وأمثاله؟ ! .
وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48] ، [والتعطيل ليس دون الشرك، بل أعظم منه، فالمستكبرون عن عبادته أعظم جرما من الذين يعبدونه ويعبدون معه غيره، وهو لا يغفر لهم، فأولئك أولى [2] ، وما من مؤمن إلا وفي قلبه حب الله] [3] ، ولو أنكر ذلك بلسانه.
وهؤلاء الذين أنكروا محبته من أهل الكلام - وهم مؤمنون - لو رجعوا إلى فطرتهم التي فطروا عليها، واعتبروا أحوال قلوبهم عند عبادته ; لوجدوا في قلوبهم من محبته ما لا يعبر عن قدره، وهم من أكثر الناس نظرا في العلم به وبصفاته وذكره، وذلك كله من محبته [4] ، وإلا فما لا يحب لا تحرص النفوس على ذكره إلا لتعلق حاجتها به ; ولهذا يقال: من أحب شيئا أكثر من ذكره.
والمؤمن يجد نفسه محتاجة إلى الله في تحصيل مطالبه، ويجد في قلبه محبة الله غير هذا، فهو محتاج إلى الله من جهة أنه ربه، ومن جهة
(1) ح: بها.
(2) و: أعظم.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .
(4) و: وذلك طريق محبته.
أنه إلهه، قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} ، فلا بد أن يكون العبد عابدا لله، ولا بد أن يكون مستعينا به ; ولهذا كان هذا فرضا على كل مسلم أن يقوله في صلاته.
وهذه الكلمة بين العبد وبين الرب، وقد روي عن [1] الحسن البصري - رحمه الله: أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع سرها في الأربعة، وجمع سر الأربعة في القرآن، وجمع سر [2] القرآن في الفاتحة، وجمع [3] سر الفاتحة في هاتين الكلمتين: [ {إياك نعبد وإياك نستعين} ] [4] ; ولهذا ثناها الله [في كتابه] [5] في غير موضع من القرآن، كقوله: {فاعبده وتوكل عليه} [سورة هود: 123] ، وقوله: {عليه توكلت وإليه أنيب} [سورة هود: 88] ، وقوله: {عليه توكلت وإليه متاب} [سورة الرعد: 30] ، وقوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [سورة الطلاق: 2 - 3] وأمثال ذلك.
وهم يتأولون محبته على محبة عبادته وطاعته.
فيقال لهم: فيمتنع في الفطرة أن يحب الإنسان طاعة مطاع وعبادته، إلا أن يكون محبا لله، وإلا فما لا يحب في نفسه [6] لا يحب الإنسان لا
(1) عن: ساقطة من (ح) ، (ب) .
(2) سر: ساقطة من (و) ، (ر) .
(3) و، ح، ر، ي: وجعل.
(4) ما بين المعقوفتين في (ح) ، (ر) ، (ب) فقط.
(5) في كتابه: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) .
(6) ح، ب: فما لا يحب لنفسه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|