حكم شراء الكفن وجهاز الموت حال الحياة
السؤال إن في كتابة الوصية تذكير العبد برحيله من الدنيا، فهل من السنة أيضا أن يشتري أكفانه ويضعها عنده، وكذا ما يحتاج إليه من الجهاز للموت؟
الجواب هذا الأمر في الحقيقة فيه تفصيل: فإن كان الشخص يخاف من المال الحرام، ومن الكفن بمال حرام؛ فإنه يحتاط، وله الحق أن يوصي، ولذلك وصى أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه في كفنه ألا يكون فيه مال فيه شبهة، فإذا كان الإنسان يخاف من المال الحرام، أو هناك أقرباء له، وأعمالهم مشبوهة، وتجارتهم فيها حرام، وفيها كسب حرام، واحتاط فاشترى كفنه، فلا شك أن هذا فيه خير كثير له، وفيه سلامة له وعافية، فمثل هذا لا بأس به.
وأما إذا كان الأمر على سعة فالأمر فيه على سعته، فلا داعي أن يضيق على نفسه، أو يعين له كفنا معينا، لكن ليس هناك من بأس، وقد أثر حتى عن بعض السلف الصالح رحمهم الله في قضية الكفن أنهم اختاروا لأنفسهم أكفانهم وألزموا بها، ولا بأس في ذلك، لكن المعول أن يكون كسب الكفن من حلال لا من حرام، والله تعالى أعلم.
حكم وضع المحتدة للصبغة أو الإثمد على العينين للضرورة
السؤال امرأة توفي عنها زوجها، وهي تشتكي عينيها، فهل يجوز أن تضع فيها صبغة أو إثمدا يسكن هذا الألم، مع أنها كبيرة في السن؟
الجواب الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الزينة بالنسبة للمرأة المحتدة، ولما اخبرته المرأة أن ابنتها تشتكي عينيها قالت: (أفنضمدها بالصبر؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا) ، ومنعها من ذلك؛ لأنه فيه زيادة التجمل، واغتفر بعض العلماء الدواء الذي لا زينة فيه، فإذا تيسرت القطرة التي لا زينة فيها فلا إشكال؛ لأنه يوجد البديل الذي لا زينة فيه، وأما إذا كان الدواء يشتمل على تزين، ويوجد هناك دواء لا زينة فيه، فلا شك أنه يتعين ما لا زينة فيه، ومن هنا وجود القطرات التي يمكن وضعها والتداوي بها تغني عن مثل هذا، والله تعالى أعلم.
الوصية بكتب العلم ووقفها
السؤال هل الكتب لطالب العلم تعتبر من الأموال فلا يزاد عن الثلث فيما لو أراد أن يوقفها على طلاب العلم ونحو ذلك؟
الجواب أما من حيث الأصل فالكتب أموال، وتأخذ حكم التركة، فلو ترك كتبا من بعده فتقيم هذه الكتب، فلو كانت بستة آلاف وأوصى بثلثها؛ فإن وصيته تنفذ في الثلث، ولا تنفذ فيما زاد إلا بإذن الورثة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، أما الكتب فإنها مال، ومن أفضل المال وأطيبه.
لكن بالنسبة لقضية وقفية الكتب ينبغي أن يكون الإنسان بعيد النظر في الوصية، فإذا كانت الوصية بكتب فينبغي أن يضع في حسبانه أن الكتب تحتاج إلى أماكن توضع فيها، وتحتاج إلى قيم يقوم عليها، وهذا أمر يحتاج إلى احتياط، فلا يحمل الورثة ما لا يطيقون من بعد موته، ولا يلزمهم بشيء يعلم أنهم لا يقومون به، أو لا يستطيعون القيام به فيدخل عليهم الإثم، ولا ينصح لهم.
فإذا كانت الكتب يمكن وقفيتها، ووضعها في أوقاف عامة، مثل المدارس التي يحتاج فيها إلى وجود المكتبات، أو الجامعات والمكتبات العامة، فهو أفضل، والمهم أنه يحتاط ويضع في حسبانه الأمور اللازمة لوقفية المكتبات، ولا يحرج ورثته، ويحملهم ما لا يطيقون، الأمر الذي قد يفضي بهم إلى الإثم والعقوبة، والله تعالى أعلم.
حكم من نسي صلاة الفجر إلى ما بعد العشاء
السؤال من تذكر أنه لم يصل صلاة الفجر، وهو قد صلى العشاء، فهل يعيد صلاة الفجر فقط أم يعيد من صلاة الفجر إلى العشاء على الترتيب؟
الجواب هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله: فقالت طائفة من أهل العلم: يجب الترتيب، ولا تصح العشاء إذا لم يصل المغرب، وبناء على هذا القول: يلزمه أن يعيد الفجر ثم الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا القول هو الذي دل عليه دليل الكتاب والسنة.
أما دليل الكتاب: فإن الله تعالى يقول: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء:103] ، فنص سبحانه على تأقيت الصلاة، والتأقيت هو التحديد.
وبناء على ذلك: لا تصح الظهر إلا بعد الفجر، ولا تصح العصر إلا بعد الظهر، ولا تصح المغرب إلا بعد العصر، ولا تصح العشاء إلا بعد المغرب، كما رتبها الله عز وجل.
وأما السنة: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: أنه لما شغل يوم الخندق -قبل شرعية صلاة الخوف- عن الصلوات، ففاتته صلاة العصر؛ صلى العصر ثم المغرب ثم العشاء، فراعى الترتيب عليه الصلاة والسلام، مع أن الوقت الذي صلى فيه كان محتاجا إلى تدارك وقت المغرب؛ لأنه أتاه عمر رضي الله عنه وقد غربت الشمس فقال: (يا رسول الله! والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، قوموا بنا إلى بطحان ... ) .
يقول: (حتى كادت الشمس تغرب) ، ومعناه: أنه بعدها صلاها غابت الشمس مباشرة، فاحسب حساب وضوئه وصلاته للعصر -أعني عمر - ثم مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا بنا إلى بطحان) .
ومن يعرف المدينة يعرف أن الثغر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يناضل فيه المشركين، ويرميهم بالنبل، بعيد عن بطحان، فهناك مسافة بين الجبهة التي كان فيها الرمي وبين بطحان بما لا يقل عن ربع ساعة تقريبا، إذا نزل الإنسان من طرف الثغر الذي كان يرامي ويراشق فيه المشركين -صلوات الله وسلامه عليه- وهو سفح جبل سلع الشمالي الغربي، فنزل عليه الصلاة والسلام وقال: (قوموا بنا إلى بطحان) ، فنزل إلى بطحان، وتوضأ من بطحان ثم صلى، قال الراوي: (فصلى العصر والمغرب والعشاء) .
فلا شك أنه كان محتاجا إلى تدارك وقت المغرب؛ لأن أقل ما فيه أنه سيدرك آخر وقت المغرب؛ فكونه عليه الصلاة والسلام يبدأ بالعصر قبل المغرب، مع أن المغرب يخشى فواتها، يدل على لزوم الترتيب، وهذا هو الأصل، وهو القول الصحيح إن شاء الله في هذه المسألة، أن من نسي صلاة فإنه يعيدها ويعيد ما بعدها من الصلوات؛ لأنه لا تصح صلاة إلا وهي مرتبة على التي قبلها.
وهناك قول يغتفر الترتيب ويصحح الصلاة البعدية إذا نسي القبلية، فيصلي القبلية ولو صلى بعدها الصلوات، والصحيح ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
السنة في التعزية
السؤال ما هي السنة في التعزية والجلوس لها؟
الجواب أولا: تعزية المسلم لأخيه المسلم جبر لخاطره، ومواساة له في مصابه، يثبت الله بها قلبه، ويسدد بها لسانه، ويشرح بها صدره، فكم من كلمات طيبات مباركات من المؤمنين والمؤمنات، في الحوادث والملمات، دفعت عن أهلها هموما وغموما، لا يعلمها إلا الله عز وجل، فالمسلم يحتاج إلى تعزية أخيه ومواساته.
وخاصة في حال فقد العزيز من والد أو والدة أو أخ أو أخت أو ابن أو بنت، فيواسي المسلم أخاه المسلم، فيذكره بما عليه السنة في المصيبة من الاسترجاع، وسؤال الله عز وجل حسن الخلف، وحسن العوض.
ويذكره بأن الله سبحانه وتعالى فيه عوض عن كل فائت، فلو زالت الدنيا عن العبد، فإن الله تعالى إذا تأذن له بحسن الخلف سيعوضه خيرا منها عاجلا أو آجلا، وكم من مصائب وكوارث ومتاعب عادت على أهلها بكل خير في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فأول ما ينبغي عليه أن يثبت قلب أخيه.
ثانيا: إذا جاء في التعزية يراقب حال أخيه فإن رآه على سنة ثبته عليها، وإن رأى منه خطأ أو تقصيرا أو بدعة أو ضلالة ذكره بالله، ونصحه، فأمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر، وحذره من معصية الله عز وجل في عزائه من إحداث القراء وإحداث البدع في البيوت، والمبالغة في وضع الكراسي ووضع الأنوار على البيوت، مما قد يكون في بعض الأحيان من أموال اليتامى والقصار، ففيه اعتداء على الأموال التي أمر الله بحفظها لأهلها، أو الإتيان بالقراء أو الذبائح، أو إطعام أهل العزاء، ونحو ذلك من الأمور المنكرة التي ما أنزل الله بها من سلطان، التي أحدثها الناس بمحض أهوائهم، وجارى بعضهم بعضا محاباة.
فينبغي تذكير الناس في مثل هذا، وينبغي على طلاب العلم أن ينصحوا، وعلى أئمة المساجد أن يذكروا، فكلمة الحق منهم غالبا مسموعة، وألا يجامل الناس في مثل هذا، فإذا كان المبتدع لم يجامل في بدعته، ولم يخف منك، فينبغي عليك وأنت على الحق وعلى السنة ألا تجامل، وألا تخاف منه؛ بل تبدي له الحق وتقول له: يا أخي! هذا لا يجوز، وهذا فيه اعتداء على السنة.
ولو أن العزاء يذكر فيه الناس بعضهم بعضا بالسنة، ويحذر بعضهم بعضا من البدعة؛ لأحييت سنن المرسلين ولأميتت بدع المضلين، ولكن السكوت على مثل هذه المنكرات، ومجاراة الناس فيها، كل ذلك جرأ أهل الباطل على باطلهم، فلا ينبغي لطلاب العلم، ولا للأخيار ولا للصالحين أن يسكتوا عن مثل هذا.
وكذلك يسن في التعزية أن يتفقد الإنسان ما يحتاج إليه الميت بعد موته؛ فإذا كانت هناك أمور يوصي ورثته بها مما فيه خير في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم فإنه يأمرهم بها.
وليس هناك لفظ معين في العزاء، فكل شيء قاله مما يجبر به كسر أخيه المسلم فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الناس بكلمة معينة.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب) ، فهذا وقع قبل موت الغلام، كما هو معلوم ومعروف من سياق القصة، قاله لأنها أرسلت إليه أن اشهد؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (فمرها فلتصبر ولتحتسب) .
فهذا ليس بإلزام بلفظ العزاء، لكن لو قاله الإنسان لأخيه فهو على سنة وخير؛ لأنه لفظ يتضمن المعاني المقصودة: (إن لله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب) ، وهذا شيء طيب، وكلام مناسب، يناسب الصدمة ويناسب الحال؛ لكن لا نستطيع أن نفرضه على الناس، ونقول: لا يقول أحد عند العزاء إلا هذا، بحيث لو جاء أحد يقول لأخيه: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، فنقول له: هذا بدعة.
ولو كان هناك لفظ مخصوص لما سكت الكتاب والسنة عنه؛ لكن لما ترك الناس لما يكون فيه جبر للخاطر، ومواساة له، فكل كلام تقوله تجبر به خاطر أخيك، وتجبر به كسره؛ فإنه مما فيه الخير له ومن البر والصلة، وأنت مأجور عليه.
وإذا اخترت الوارد -كما ذكرنا- فهذا أفضل، لكنه ليس بلازم وفرض على الإنسان أن يقوله، وأيا ما كان فينبغي الحرص على السنة، وأمر الناس بها، ودلالتهم عليها في التعزية وغيرها، والأمور التي يفعلها الناس مما يكون منها في مقام العبادات يتوقف فيه على الوارد، وما يكون منها خارجا عن العبادات فإنهم لا يلزمون بما ليس بلازم.
فإذا أراد أن يعزي القرابة فيبدأ بكبيرهم وذي الحق منهم، ويبدأ بمن هو أعظم مصيبة؛ كأولاد الميت ونحو ذلك، يبدأ بهم لأن الحق لهم آكد، وقد جاء لحق فيبدأ به، قال العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح من حديث عتبان حينما قال له: (إني أريدك أن تأتي إلى بيتي فتصلي في مكان أتخذه مصلى) فلما دخل البيت -بيت عتبان -، كان أول ما كلمه قال: (أين تحب أن أصلي لك؟) .
فقالوا: إن في هذا الحديث دليلا على أن من جاء لأمر فيبدأ به قبل كل شيء، وكان عتبان قد ذبح وأعد طعاما، وصنع طعاما، فقبل أن يطعم النبي صلى الله عليه وسلم طعامه بدأ بالشيء الذي جاء من أجله.
فلما كان المقصود هو التعزية وجاء من أجل التعزية، فإنه يبدأ بأحق الناس بالتعزية، وهم أقرباؤه كالوالدين، والمرأة تبدأ بالوالدة، وأولاد الميت، فيبدأ بذي الحق، ثم بعد ذلك الأقرب فالأقرب.
وما يحدث من الناس في بعض الأحيان أنك ترى الكبير يرتب بعضهم بعضا، فيقف الكبير ثم من بعده الصغير، فإن هذا قد اغتفره العلماء والمشايخ، وقد أدركنا أهل العلم لا ينكرون في مثل هذا؛ لأنك لا تستطيع أن تأتي بين أمة على القبر في بعض الأحيان يصلون إلى ألف شخص فتظل تبحث عن قرابة الميت.
فلابد أن تعرف قرابة الميت، فحينما يصطفون ويعرف كبيرهم، ويعرف ذو الحق منهم، فهذا أمر وسع فيه العلماء، وما أدركنا أحدا من مشايخنا رحمة الله عليهم يشدد في هذا؛ لأنهم لا يقصدون به العبادة، ولا يقصد به شيء معين للتعبديات.
لكن من البدعة والحدث وضع الأيدي على الأكتف، فإن هذا شيء ليس له أصل، بل تسلم عليه وتصافحه، فالمصافحة هي السنة، وتأمره بالصبر واحتساب الأجر، وكذلك تعزي أكثرهم ألما، ومن ترى فيه الحزن أكثر تشد عليه وتذكره أكثر، فهذا أمر ينبغي مراعاته أثناء العزاء.
أما كونهم يجتمعون في بيت الميت فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعدون الجلوس في بيت الميت من النياحة، وهذا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان الناس قليلين، ويمكن أن تعزي الرجل وتراه في المسجد.
ولكن في زماننا توسع العلماء رحمهم الله من المتأخرين في مسألة حضورهم في بيت واحد؛ لأن ذلك أرفق على الناس، ومن الصعوبة بمكان -خاصة في الأزمنة المتأخرة- أن تنتقل بين عشرة أو عشرين بيتا -وهم قرابة الميت- في مدينة واحدة، وهذا لا شك أن فيه صعوبة عليهم، فإذا اجتمعوا في بيت أكبرهم، أو في بيت القريب الأقرب، وجاء الناس وعزوهم جميعهم في مكان واحد، فهذا لا بأس به، وقد خفف فيه بعض العلماء.
ولكن الجلوس لغير الحاجة، مثلما يقع من بعض الناس من الإتيان إلى أهل الميت وإطالة الجلوس عندهم، كل هذا من البدع والمحدثات، ولا شك أنه يترتب عليه ضرر لقرابة الميت، والمنبغي هو التخفيف عليهم والتوسعة عليهم.
وكذلك إحضار الطعام، والتكلف في الولائم، كل هذه من الأمور التي أحدثها الناس، إلا ما وردت به السنة عند الصدمة الأولى من صنع الطعام في اليوم الأول، فإن وافق الموت ظهرا صنع لهم طعام الغداء، وفي الحقيقة الذي يظهر هو جواز صنع طعام الغداء، أما طعام العشاء ففي النفس منه شيء، ويكون ذلك مرة واحدة؛ لأنه قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاما) ؛ لأن الإنسان يطعم في يومه.
والذي يظهر أنه في حدود الحاجة كالغداء، وأما أن يصنع الغداء ثم العشاء ثم الغداء في اليوم الثاني ثم العشاء، ويرتبون على ذلك ثلاثة أيام، فإن هذا من البدع والحدث، وما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك شدد الناس على أنفسهم، وضيقوا على أنفسهم في هذا، فكلفوها ما لا تطيق من الذبائح والولائم.
نسأل الله العظيم أن يرزقنا التمسك بالسنة، وأن يعيذنا من البدعة، والله تعالى أعلم.
حكم من ماتت وعليها صيام قضاء وصيام نذر
السؤال امرأة كانت إذا حاضت لا تقضي الصيام، وكانت لا تصوم أيضا، وعندما كبرت ندمت، وقالت: يا رب إن أبقيتني حية لأصومن ستة أشهر، فصامت منها شهرين ونصف، فما الحكم؟
الجواب إذا نذر المؤمن أو المؤمنة شيئا، وكان في ملكه ذلك الشيء؛ لزمه الوفاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، فأمر عليه الصلاة والسلام الناذر إذا كان نذره نذر طاعة أن يفي بنذره، فدل على لزوم النذر إذا التزمه الإنسان.
وإذا عجزت المرأة عن إتمام الصوم، ولم تستطع ذلك؛ فإنه لا وفاء في نذر لا يملكه الإنسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا عتق فيما لا يملك، ولا نذر فيما لا يملك) ، فإذا كان يتعذر عليها الصوم، أو حصل ما علقت عليه النذر بعد عجزها عن الصوم؛ فإنه يسقط عنها الصوم، وحينئذ يرى بعض العلماء أنه يسقط كلية، وبعضهم يرى أنه يلزمها أن تكفر؛ لأن نذرها انعقد.
ولا شك أنها إذا عجزت بالكلية، أو وافق وقت الوفاء عجزا كليا فإنه يسقط النذر على ظاهر السنة التي ذكرنا.
أما بالنسبة للصوم الذي تركته حينما كانت تحيض، فالصوم الذي تركته يجب عليها قضاؤه، وهو مقدم على نذرها، فتبدأ أول شيء بالصوم الذي فرضه الله عز وجل عليها وتبرئ ذمتها منه.
وأما الجهل فليس لها فيه عذر؛ لأن هذا مما يمكن السؤال عنه، والعذر بالجهل يكون في أحوال مخصوصة، ومسائل ضيقة جدا، أما شخص يأتي في ركن من أركان الإسلام، أو في أمر من أمور دينه فرض عليه أن يسأل عنه ويتعلمه، ثم لا يسأل ولا يتعلم، ثم يقول: كنت جاهلا؛ ثم نعذره بالجهل أبدا.
وذلك مثل شخص يأتي للحج والعمرة، فيفعل ما يشاء في عمرته، ويفعل ما يشاء في حجه، ثم يقول: لم أكن أعلم، فلا يقبل من ذلك؛ فإن الله قد فرض عليه أن يتعلم، وفرض عليه أن يسأل، وفرض عليه أن يرجع إلى أهل العلم: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43] ، فيقصر في الرجوع ثم نعطيه الرخصة، حاشا وكلا! ومثل هذا ليس بمعذور؛ بل هو مفرط، ومن فرط ألزم بعاقبة تفريطه، ومثل هذه المرأة تلزم بقضاء ما كان عليها من الصوم، وإن لم تستطعه تحديدا بنت على تقديرها، وحسبت كم أيام عادتها، ثم بعد ذلك تحسب السنوات التي كان عليها صيام من رمضان فيها، فتقضيها جميعها، والله تعالى أعلم.
من يقدم في الطاعة من الوالدين؟
السؤال في قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي: (أمك ثم أمك) ، يشكل علي هذا الحديث أني إذا دخلت على الوالدين فلا أدري من أبدأ بالسلام، وكذا لو اتصلت بالهاتف لا أدري من أطلب منهما، وأخشى لو ابتدأت بالأم أن أجرح الوالد، أو أن يشعر أن في ذلك انتقاصا له، فما الحل لهذا الإشكال؟
الجواب من حيث الأصل حق الأم أعظم من حق الأب، وهذا لا إشكال فيه، ولذلك اختار جمع من العلماء أنه لو مات والداه ولم يحجا وأراد أن يحج عنهما، فيبدأ بالأم قبل الأب؛ لعظيم حقها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لما سأله الرجل: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) .
فجعل حقه بعد حقها مرتبا ثلاثا، وعظم حقها بالتكرار ثلاثا، ولذلك جعلوا لها من الحق أضعاف ما للوالد، والواقع يصدق ذلك؛ فإنها حملته وهنا على وهن، وتحملت في حمله ووضعه وإرضاعه وفصاله ما لم يتحمله الأب، فعظم الله عز وجل حقها، فالأم أحق من هذا الوجه.
لكن ولاية الأب على البيت، وولايته على الأسرة، قد يكون هذا خاصا، بمعنى: أنك إذا دخلت في مكان فتنظر إلى ذي الحق، فالوالد في البيت حقه أقوى من حق الأم من جهة الولاية، ولذلك جعل الله الولاية للرجل على أهله، قال عليه الصلاة والسلام: (الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) ، أي: مسئول عن زوجته وأولاده؛ لأن الله جعل المرأة تبعا للرجل تقوم على شأنه، كما قال تعالى: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف:189] ، فالرجل له حق الولاية، ومن دخل في مجلس، أو دخل في مكان ابتدأ بذي الحق.
ولذلك إذا دخلت في مجلس؛ فالسنة أن تبدأ بذي الحق فتسلم عليه، وكذلك في الطعام والشراب تبدأ بذي الحق أولا؛ لأن إكرامه واجب، وحقه آكد، ثم تأخذ عن يمينه، فتجمع بين الفرض والسنة، أما أن يأخذ الإنسان مثلا بحديث خاص في قوله: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك) ، فهذا من ناحية الإحسان والبر والقيام والرعاية، لكن في الدخول في المجالس يبدأ بذي الحق، ولذلك ابتدئ به عليه الصلاة والسلام في المجالس، وكان يبتدأ بالتحية، وبالإجلال والإكرام صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن له حقا.
فإذا كان في مجلس فيه الوالد فحقه في الولاية آكد، وهذا الحق بالمناسبة، فإذا جئت إلى مجلس وسألت: من الذي يبدأ به السلام؟ فإنك تبدأ بمن له الولاية في المجلس، فإن كان مجلس علم فالولاية للعالم، وإن كان مجلس ولاية وسلطة، فتبدأ بصاحب تلك الولاية والسلطة، وإذا كان في مجلس سفر مثلا لثلاثة ركب فأكثر، وعليهم شخص هو المسئول عنهم، فالولاية له.
وقد أعطى الإسلام كل شي حقه، فتبدأ بذي الولاية، وتشرفه وتكرمه، وتقدمه على غيره، ثم بعد ذلك تسلم على الأم، وتأخذ بخاطرها، وتبرها كما أمرك الله عز وجل ببرها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.