عرض مشاركة واحدة
  #513  
قديم 14-05-2025, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





حكم الوصية للملائكة أو للبهائم أو للميت
قال رحمه الله: [ولا تصح لملك وبهيمة وميت] .
فلا تصح الوصية لملك، كأن يقول مثلا: هذه الألف لجبريل، فلا تصح الوصية، وهذا من الأمور المبتدعة التي يفعلها أهل الجهل، مثلما يقول بعضهم: وهبت ثواب قراءتي وصلاتي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا يقال له: أنت وصلاتك وعبادتك كلها في ميزان حسنات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى جعل له أجر الأمة كلها، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له أجره) ، فذلك تحصيل حاصل.
وقد قرر الأئمة رحمهم الله أن هذا من الأمور المستحدثة على المسلمين، فالثواب حاصل، ومقام النبي صلى الله عليه وسلم أعلى وأرفع من أن تتصدق عليه بحسنة ذكر أو طاعة، فمقامه بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه أجل وأكرم عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود من هذا: أنه لا يوصى لملك، ولا لبهيمة، فمثلها لا يملك؛ لأنه يتعذر هذا الإيصال، وهكذا إذا كانت لمبهم، كقوله: أوصي لرجل؛ قال طائفة من العلماء: لا تصح؛ لأنه لا يمكن الإيصال، فمن هو هذا الرجل؟ لا يمكن تعيينه، ففي هذه الحالة يتعذر الإيصال إلى الملك، والمبهم يتعذر التعيين ما لم يعين هو، والأصل يقتضي أن تكون الوصية واضحة، وأن تكون بينة معلومة.
وقوله: (وبهيمة) ، كقوله: أوصي لبهيمة، مثلما يقع عند أهل الكفر والعياذ بالله، فيترك ورثته عالة يتكففون الناس، ويوصي بملايينه لكلبه، نسأل الله السلامة والعافية! وصدق الله جل جلاله حيث يقول: {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [الفرقان:44] ، فبمجرد ما يخرج الإنسان عن الدين ويترك شرع ربه؛ فإنه ينزل إلى مستوى أحط من البهيمة: {إن هم إلا كالأنعام} [الفرقان:44] ، وليس هذا فقط: {بل هم أضل سبيلا} [الفرقان:44] ، فهم أضل سبيلا وأضل فكرا، وهل من عنده عقل يوصي لبهيمة؟! فالكلب عندهم -أكرمكم الله- أحب وأكرم من صلة القرابة؛ لأنها مجتمعات مدمرة منحطة، ولو مدحت وأثني عليها ووضعت في السماء، لكن هذا كله خلاف الحقيقة، ولذلك من أراد الحقيقة والجوهر فلينظر إلى عظمة هذا الدين، وعظمة هذا الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فهو العز والكرامة.
فالوصية للكلاب وللبهائم لا يفعلها إلا إنسان ليس عنده عقل، ولو وصى لبهيمة لم تصح، والوصية للكلاب ولدور الكلاب ولدور الحيوانات لا تصح.
لكن في بعض الأحيان يقول بعض العلماء: إذا جعل قدرا من بستان أو من طعام عنده صدقة على بهائم المسلمين، أو علفا لدواب المسلمين، أو علفا لدواب الجهاد في سبيل الله ونحو ذلك، فهذا اغتفره العلماء رحمهم الله، وله وجهه.
لكن أن نقول: هذه العشرة آلاف أعطوها الكلب الفلاني، أو ضعوها في رصيده -والعياذ بالله- في البنك، فهذا لا يصح في شريعة الله عز وجل، والشريعة قد أعطت كل ذي حق حقه.
ولذلك يصرف المال في وجهه، لكن عند العلماء إشكال فيما إذا وصى مثل هذه الوصايا، فهل تبطل الوصية من أصلها، أم أنه ينظر إلى جهة يمكن أن تصحح بها الوصية، فتصرف لضعفة المسلمين ولفقرائهم؟ نقول: هذا فيه تفصيل عند أهل العلم رحمهم الله باختلاف أنواع الوصايا، ومن أمثلتها: الوصية إلى ما لا نفع فيه، أو الوصية إلى ما فيه ضرر، فلا تجوز الوصية إلى دور فيها محرمات، فهل تبطل الوصية من أصلها أو تصرف، فبدلا من أن تذهب إلى دور المحرمات تذهب إلى دور المساجد وإلى دور العلم؟ اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا وصي بها -مثلا- إلى طوائف ضالة، أو إلى ملل أو نحل، كأن: وصى بماله -والعياذ بالله- في المساهمة في بناء الكنائس، أو طبع التوراة أو الإنجيل، فلا تصح؛ لأنها وصية بضلال، فيقولون: إنه قد يكون جاهلا ويظن أن الطاعة في مثل هذا، فننظر إلى الطاعة الحقيقية فنصحح وصيته؛ لأن القاعدة: أن الإعمال أولى من الإهمال.
ومن أهل العلم من قال: تبطل الوصية من أصلها ولا تصحح، فعند العلماء هذا التفصيل في هذه المسألة.
وهكذا لو وصى لميت فلا يصح؛ لأن الوصية يشترط فيها القبول، والميت يتعذر منه القبول.

حكم من وصى لحي وميت يعلم موته أو يجهله
قال رحمه الله: [فإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي] .
إذا وصى الموصي فقال: هذه عشرة آلاف من ثلثي، تعطون زيدا خمسة آلاف وعمرا خمسة آلاف، وهو يعلم أن زيدا قد مات، فحينئذ لا تصح لزيد؛ لكن هل يأخذ عمرو الخمسة أم العشرة كاملة؟ قال بعض العلماء كما اختاره المصنف: تصرف العشرة آلاف كلها لعمرو؛ لأنه لما كان يعلم أن زيدا قد مات فكأنه يقول: اصرفوها كلها لعمرو.
ولكن هذا فيه نظر، والأقوى ما ذكره بعض العلماء: أنه إذا كان يعلم موته، فنبقى على الأصل مادام ميتا؛ لأنه ربما كان يعلم موته ونسي -ذهل أو غفل- فتكون كالوصية للميت الذي لا يعلم موته، ولأنه عين وحدد، والمعين لا يصرف إلى غيره؛ لأن فائدة التعيين الحصر والقصر بذلك الذي سمى، فلما كان الذي سماه وعينه ممن تبطل الوصية بالنسبة له، بطلت في حقه، وبقيت في حق غيره صحيحة.
قال رحمه الله: [وإن جهل فالنصف] .
قوله: (وإن جهل) أي: جهل موته، يعني فلا يدري هل هو حي أم ميت، فقال لهم: أعطوا زيدا خمسة آلاف وعمرا خمسة آلاف، ولا يدري هل زيد حي أو ميت، ثم تبين أن زيدا كان ميتا؛ فحينئذ يصرف النصف لعمرو، فالمصنف يختار التفصيل.
والصحيح: أنه لا تفصيل، فالنصف لعمرو في كلتا المسألتين، أي: هو لعمرو في حال علمه بموت زيد لاحتمال أن يكون نسي، ولعمرو في حال عدم علمه أو جهله بالحال أو شكه في حياته؛ لأنه قد عين، وفائدة التعيين صرف الحق لمن عين له.

حكم من وصى بماله لابنيه وأجنبي
قال رحمه الله: [وإن وصى بماله لابنيه وأجنبي، فردا وصيته فله التسع] .
من المعلوم أنه إذا وصى بالمال كله فلا يصح إلا في حدود الثلث، فمعنى ذلك: أن الوصية باطلة في الثلثين وصحيحة في الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له سعد: (أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا) ، فدل على أن المال كله لا تصح الوصية به إلا في حدود الثلث، فإذا صحت في حدود الثلث فهنا قد سمى المصنف ثلاث جهات، الجهتان الأوليان: ابناه زيد وعمرو مثلا، والجهة الثالثة: الأجنبي، وليكن عليا، فزيد وعمرو يستحقان ثلثي الثلث، والأجنبي -الذي هو علي- يستحق ثلث الثلث؛ لأن الوصية بطلت في الثلثين وصحت في الثلث.
فمثلا: لو كان عندك تسعة آلاف ريال، وأوصيت بجميع التسعة آلاف ريال لهؤلاء الثلاثة، فنقول: ليس من حقك أن تعتدي على حقوق الورثة وتوصي بالتسعة آلاف كاملة، بل تصح وصيتك في ثلاث آلاف، وتبطل في ستة آلاف، والستة آلاف تقسم ميراثا شرعيا حكم الله سبحانه وتعالى به من فوق سبع سماوات، ويعطى كل ذي حق حقه.
وابناه من الوارثين، يعني: ابناه ذكرا في الثلث الذي سنصحح الوصية به، فابناه زيد وعمرو لما كانا ابنين له فلا وصية لوارث؛ فبطلت أيضا في الابنين، ولا يستحقان إلا أن يجيز الورثة، وتبقى الوصية لعلي الأجنبي، فيستحق ألف ريال، والألف ريال بالنسبة للتسعة آلاف ريال -التي هي أصل المال- هو التسع، فقال رحمه الله: (صحت في التسع) أي: أعطي علي -الأجنبي- تسع ماله؛ لأنها لم تصح في الثلثين؛ لأنها زيادة على القدر الذي أباحه الله في الوصية، ولم تصح في زيد وعمرو وهما ابناه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) ، فبقيت ثلاثة آلاف قسمت بين الابنين والأجنبي، فبطلت في حق الابنين، وذلك بألفين، وصحت في حق الأجنبي، وذلك بألف ريال، وهي تعادل تسع ماله.
الأسئلة




حكم الوصية بالدفن في مكان معين
السؤال هل يشرع أن يوصي الشخص أن يدفن ببلد ما، أو مكان معين، وإذا شق ذلك على الورثة فهل لابد من إنفاذ الوصية؟
الجواب لا بأس أن يوصي بدفنه في مكان معين أو في بلد معين، ما دام أنه في ذلك البلد، وفي هذا تفصيل.
فإذا كان -مثلا- في نفس البلد، وليس هناك حرج ولا مشقة على الورثة في تنفيذ وصيته، فلا بأس، وقد أثر عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنهم وصوا في دفنهم، فتارة يوصي بأن يدفن في مكان لا يعلم به أحد؛ كالرجل الصالح والعالم يخاف الفتنة، أو كان بين أناس يعظمونه وهو يخاف الفتنة، فيأمر أن يغيب في مكان لا يطلع عليه أحد، كأن يخاف -نسأل الله السلامة والعافية- أن يغلوا فيه، كما أثر عن علي رضي الله عنه أنه وصى أن يدفن في داره بالكوفة، فدفن ليلا وغيب قبره؛ لأنه كان هناك من يعتقد -والعياذ بالله- أنه إله، ويعظمونه، فخاف من عبادته وتعظيمه.
فإذا وجدت مقاصد شرعية بالتعيين فلا بأس، ومثل أن يكون في موضع يعلم أن هذا الموضع عرضة للسيل، وأن قبره قد يكشف، فقال: إذا أنا مت فادفنوني في موضع كذا، أو في المقبرة الفلانية.
أو يكون هناك مقبرة تدفن على السنة، ومقبرة لا تراعي السنة، فيقول: ادفنوني في المقبرة التي تراعي السنة، أو يكون هناك مقبرة فيها لحد ومقبرة فيها شق، فيختار ما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام من مقبرة اللحد، فيقول: إذا أنا مت فأوصي أن يكون دفني في القبور التي فيها لحد، ونحو ذلك من المقاصد الشرعية، وهذا من حق الإنسان، وهو من الوصية المشروعة.
لكن التكلف في الانتقال من بلد إلى بلد، هذا لا يجوز؛ لتعطيل الميت من أجله، ولذلك ثبت في حديث شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) .
فتعطيل الجنائز وتأخيرها من أجل نقلها ونحو ذلك لا ينبغي، وقد يصل إلى درجة الحرمة، خاصة إذا أدى إلى تعفن الميت وتفسخه وتضرر من يحمله، وتأذي المصلين عليه في المسجد، فهذه أمور لا بد أن توضع في البال، وأعظم من هذا أن يشق، ثم بعد ذلك يحنط من أجل يظل فترة طويلة.
فكل هذه الأمور ينبغي اتقاؤها والبعد عنها؛ لأنها مخالفة لشرع الله؛ لما فيها من الاعتداء على حرمة المسلم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة عند ابن ماجة أنه قال: (كسر عظم المؤمن ميتا مثل كسره حيا) ، أي: في الإثم، فللميت حرمة، ولا يجوز تعطيل الجنائز حتى يحضر ولده، أو يحضر فلان أو فلان، مجاملة له أو عاطفة، فالميت إذا مات فإنه يسرع بتجهيزه وتكفينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (أسرعوا بالجنازة) ، فهذا أمر يقتضي المبادرة، لكن لو وجدت حالات ضرورية تؤدي إلى تأخير دفنه، مثل أن يراد أن يعرف سبب وفاته، أو وجدت أمور مهمة لابد من الاطلاع عليها في سبب وفاته، فهذه أحوال استثنائية تؤخر بقدر الضرورة والحاجة.
وعلى كل حال: التوسع في هذا الأمر وتأخير الجنائز من أجل نقلها إلى أماكن أخر بوصية أو غيرها لا تشرع عند تأثر جثة الميت، وهذا -كما ذكرنا- مخالف للأصل الذي دلت عليه السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

حكم دفع صداق الزوجة المتبقي بعد موت الزوج
السؤال هل بقية الصداق للزوجة يعتبر دينا يجب سداده مباشرة؟
الجواب هذا حق لازم يجب دفعه ويعتبر دينا، فإنه إذا مات الزوج فإنه وذمته مرهونة لزوجته حتى يؤدي مهرها كاملا.
وهنا مسألة مهمة في السؤال وهي: أن من مات حلت ديونه، وهذه قاعدة مهمة، فلو كان عليه أقساط من البنك مؤخرة، أو كان عليه أقساط لمن يدينه مؤجلة، فقد حلت ديونه، أي: يجب سدادها فورا؛ لأن روحه تبقى مرهونة، قال صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن مرهونة بدينه) ، والمرهون هو: المحبوس، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر:38] أي: محبوسة، وقال بعض العلماء: محبوسة عن النعيم حتى يؤدى عنه الدين، ولذلك قال أبو قتادة رضي الله عنه لما توفي الأنصاري وعليه ديناران -كما في الصحيح- قال: (فلم يزل يلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: هل أديت عنه؟ فأقول: لا بعد، لا بعد، حتى لقيني ذات يوم فقال: هل أديت عنه؟ فقلت: نعم.
فقال: الآن بردت جلدته) ، مع أن أبا قتادة رضي الله عنه قد تحمل عنه الدين.
وبعض الورثة يقول: أنا أتحمل عن والدي، وكأنه يظن أنه قد انتقلت الذمة إليه، مع أنه لا تبرأ ذمة الميت حتى يؤدى دينه حقيقة؛ لأن أبا قتادة تحمل، وقال: هما علي يا رسول الله! ثم كان يسأله عن قضائه، فلما، قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: (الآن بردت جلدته) ، وهذا يدل على عظم أمر الدين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين، سارني به جبريل آنفا) .
فالمهر دين، ويجب على الزوج أن يسدده، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) ، فإذا قال لها: صداقك نصفه معجل ونصفه بعد سنة أو بعد سنتين، أو إذا أنا مت، فهذا يجب الوفاء به عند أجله، ولا يجوز التأخير، خاصة إذا كان قادرا على السداد؛ لأنه ظلم، وما دام أن المرأة قد أعطته حقه فينبغي عليه أن يعطيها حقها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) ، فإذا كان هذا بين البهائم فكيف يكون بين الآدميين؟! وهذه حقوق لا يجوز التساهل فيها.
وكذلك ينبغي أن ينبه على الورثة أن كل شخص من القرابة له دين على الميت والقريب، فالأفضل والأكمل أن يأخذوا الدين ويعطوه للقريب، ولا يحرجوه بقولهم: أتسامح الميت أم لا؟ فكل إنسان قد يستحي، والمرأة قد تجامل، لكن عليك أن تعطيها مالها في يدها، وتعطيها إرثها واستحقاقها كاملا، ثم هي أدرى، فقد تسامح، وقد يكون فضلها في أخذ هذا المال والتصدق به على أقرباء أولى من زوجها، فهي أدرى بمالها، وهذا حق من حقوقها، فلا ينبغي التضييق على الزوجات في ذلك، ولا منعهن مما جعل الله لهن، والله تعالى أعلم.

حكم إحرام المقيم بمكة للعمرة من بيته
السؤال إذا أحرم المقيم للعمرة من بيته ولم يخرج إلى الحل، فما حكم عمرته؟
الجواب العمرة صحيحة إذا قام بها على وجهها، ولكن عليه دم؛ لأن ميقات المكي أن يخرج في العمرة إلى الحل، وأن يجمع بين الحل والحرم؛ لأنه في الحج يجمع بين الحل والحرم، ولذلك صح في الحج أن يحرم من بيته، وأما بالنسبة للعمرة فلا يحرم إلا من الحل، والدليل على ذلك: ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله عنها: (لما سألته صلى الله عليه وسلم أن تحرم بعمرة، فأمر عبد الرحمن أن يعمرها من الحل) ، وهذا واضح الدلالة؛ لأن عائشة رضي الله عنها أنشأت العمرة بمكة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) .
أولا: هذه الزيادة مختلف في كونها مرفوعة أو موقوفة؛ لكن حديث عائشة مرفوع، فيقدم المرفوع الذي لا شك في رفعه على المختلف في رفعه.
ثانيا: قوله: (حتى أهل مكة يهلون من مكة) عام مخصص؛ لأن حديث عائشة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عباس متقدم على حديث عائشة، ولذلك يؤخذ بآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه بتخصيص العموم في قوله إذا صح مرفوعا: (حتى إن أهل مكة يهلون من مكة) ، فـ عائشة لا نستطيع أن نقول بأنها آفاقية؛ لأن بعضهم يقول: إذا كان المكي آفاقيا فإنه يخرج إلى الحل، وإذا كان من أهل مكة فلا يخرج، وفي الحقيقة: أن هذه التفصيلات لا نعرف لها أصلا.
ولذلك أوصي كل طالب -خاصة في هذا الزمان، وأشدد عليه في الوصية- أنه إذا كان يريد أن يتقي الله ويأخذ علما بحق على منهج السلف؛ فعليه أن يعرف كل قول يقال به الآن هل هو قول قال به أئمة العلم أم لا؟ ولا نريد من أحد ممن ينتسب إلى العلم -سواء في زماننا أو من المتأخرين- أن يأتينا بشيء من عنده، فالعلم هو الأثر والاتباع، وهذا هو السير على منهج السلف الصحيح، وإذا جاء أحد يتكلم في فهم حديث فنقول له: هل هذا الفهم فهم منك أنت باجتهادك ونظرك، والأمة منذ أربعة عشر قرنا لم تفهم؟ فحينئذ هذا لك، وتتولى تبعته أمام الله سبحانه وتعالى، وهو خروج عن سواد الأمة الأعظم.
ولذلك كان بعض العلماء يقول: إذا اختلف العلماء في فهم النص على قولين، ومضت على ذلك القرون المفضلة، فإنه لا يجوز استحداث فهم جديد خارج عن هذا الفهم؛ لأنه لا يعقل أن القرون المفضلة كلها تقول: إما كذا أو كذا، ويأتي هذا ويفهم فهما آخر، ولا شك أن هذا هو سبيل المؤمنين، فإذا مضت القرون المفضلة كلها على هذا السبيل فقد استبان أن الحق إما في هذا أو في هذا، فإذا جاء يحدث قولا ثالثا خرج به عن سواد الأمة، سواء كان من متأخري المتأخرين أو من متقدمي المتأخرين، ونحن أمة يرتبط أولها بآخرها، قديمها جديد، وجديدها قديم، بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نريد جديدا من عندنا.
والمشكلة: أنه ليس عندنا ضبط للأصول، ولا ضبط لقواعد الفهم؛ لأن أبسط ما ينبغي أن يكون في الإنسان الذي يجتهد -وهو ليس بالبصير بالقاعدة التي يدل عليها الشاهد- هو الورع.
فإذا كان الشخص ليس عنده ورع إلى درجة أن يأتي ويجتهد، فهذه مصيبة، فأساس الاجتهاد الحق هو الورع، ولذلك لا تجد أحدا من أئمة الاجتهاد ودواوين العلم السابقين الذين فتح عليهم في فهم الاجتهاد إلا وقد قام علمه على الورع، وانظر إلى أئمة الإسلام، تجدهم أئمة في الورع، وبهذا استقامت أمور الفهم لهم؛ لأن من تورع فتح الله عليه، ومن قال فيما لا علم له: الله أعلم؛ ورثه علم ما لم يعلم، وفتح الله عليه {وعلمك ما لم تكن تعلم} [النساء:113] .
فالإنسان الذي يأتي بالأفهام من عنده، ويأتي ويخترع في الأحاديث، ويجلس طلاب العلم يتناقشون في أحاديث ويأتون فيها بأفهام جديدة، وكل يوم يأتينا فهم جديد، فبعض طلاب العلم يقول كذا، وبعضهم يقول كذا يا أخي! من هذا الذي يقول؟ ومن هذا الذي نصب نفسه ليتكلم في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟! كان بعض العلماء يقول: (حق على من يفسر كلام الله أو يؤول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقل نفسه بين الجنة والنار) ، نريد الشيء الذي قاله العلماء، نريد شيئا مبنيا على أصل صحيح وحجة ومحجة تلقى الله عز وجل بها راضيا مرضيا عنك، أما أن نأتي بأفهام وحجج جديدة لا أصل لها، فهذا لا ينبغي.
أما حديث عائشة فهو واضح، ودلالته واضحة، حيث إنها أنشأت عمرتها من مكة، ولا أعرف أحدا من أهل العلم من المتقدمين يقول: إن هذا خاص بـ عائشة.
وأقولها من الآن: على كل طالب -والطالب خاصة الذي يدرس في الفقه، والذي يريد أن يعلم الناس- أن يتقي الله عز وجل ويعرف كل قول -حتى ولو كان مني- هل قال به أحد من أهل العلم ممن مضى وعنده دليل وحجة أم لا؟ وهذا هو العلم، وهذا الذي يوصى به طلبة العلم، وهذه هي النصيحة لله ولدينه وشرعه، من كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تكون الأفهام واضحة، فلا يشوش على علم السلف بعلم الخلف الذي لا أصل له، ولا يشوش على هذه المحجة الواضحة التي ورثتها الأمة جيلا بعد جيل، ورعيلا بعد رعيل، واجتهادات العلماء تحتاج إلى من يضبطها فضلا عن أن نأتي أيضا باجتهادات وآراء جديدة، واليوم يجتهد البعض في مسائل واضحة في الأحكام، وغدا -والعياذ بالله- قد يدخلون في العقيدة وفي صميم الدين، فيحدثون ما لم يكن عليه أئمة الإسلام فيضلوا ويضلوا، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعصمنا من الزلل.

الضابط في الترويح يوم العيد
السؤال ما هو الضابط في الترويح على الأهل والقرابة في أيام الأعياد والمناسبات؟
الجواب إن الله تبارك وتعالى جعل يومي عيد الفطر والأضحى يومين من أيام الإسلام، وعيدين لأهل هذه الملة، وجعلهما يوم فرحة وسرور، يوسع المسلم فيهما على نفسه وعلى أهله وولده، وعلى إخوانه المسلمين، حتى شرع الله زكاة الفطر من رمضان طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين.
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس: (أغنوهم عن السؤال يوم العيد وليلته) ، فهذا يدل على أن المقصود هو التوسعة؛ حتى يشهد الناس الفرح والسرور المأذون به شرعا في هذا اليوم المبارك الذي أتموا فيه ركنا من أركان الدين، ووفقهم الله عز وجل لصيام هذا الشهر الذي فرض عليهم صيامه، وشكرا لله عز وجل على توفيقه لهم على قيام ما استطاعوا أن يقوموه من هذا الشهر المبارك، فالفرحة والسرور أول ما تنبغي أن تكون فرحة بنعمة الله، وأن تكون فرحة برحمة الله التي هي أحق أن يفرح بها وأن يفرح فيها.
وهذه الفرحة تكون حينما يستشعر الإنسان كيف مضت عليه هذه الثلاثون يوما؛ فيفرح أن الله وفقه لصيامه، ولو شاء الله جل جلاله لأصابه المرض فما استطاع أن يصوم، ولو شاء الله جل جلاله لأصابته فتنة في دينه فما استطاع أن يصوم، ولو شاء الله جل جلاله أن يبتليه في هذه العبادة بشيء يفسد عليه أجره، ويحبط عليه عمله، لما أعجز الله عن ذلك شيء.
إذا: يحس الإنسان أن الله وفقه لهذا الخير في ثلاثين يوم أو تسعة وعشرين يوما؛ فيكون به في فرحة وغبطة أن الله استكمل له شهره، فيسأل الله عز وجل ويحسن الظن بالله أن يكمل له أجره، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فإذا به يصبح يوم العيد فرحا مسرورا بنعمة الله؛ لأن الله يعطي الدنيا من أحب ومن كره، ولكن الدين والتوفيق للدين لا يعطيه إلا لمن أحب، والله أعلم حيث يجعل هذه البركات والخير؛ لأن الإسلام كله بركة، ولذلك وصف الله القرآن بأنه مبارك، فمن التزم أوامره وسار على نهجه فقد أصاب بركة الإسلام وخيره وطهره وعفته.
فإذا أصبح في يوم العيد، أصبح وقلبه معلق بالله جل جلاله، مليء بالفرح والسرور، فهذا أول ما ينبغي، فإذا استقر هذا الفرح في القلب وجب عليه أن يشكر، فلهج لسانه بالذكر والشكر، فقال بملء قلبه ولسانه: الله أكبر {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} [البقرة:185] .
هذه هي الفرحة الأولى التي دل عليها كتاب الله من فوق سبع سماوات، وهي أن يمتلئ قلبك بتوحيده والبراءة من الحول والقوة، وسؤال الله جل جلاله أن يجعل هذا الشهر في ميزان حسناتك فتلقاه أمامك، فإذا بالله جل جلاله يضاعف أجر الصوم، حتى قال الله جل جلاله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .
فإذا شعر الإنسان أنه سيثاب ويكافأ من الله؛ فرح فرحا شديدا برحمة الله جل جلاله بعد فرحه بتوفيق الله، ولذلك شرع الله التكبير إكبارا له سبحانه، وشرع التكبير بمجرد مغيب شمس آخر يوم من رمضان، فيقول المسلم: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) شكرا لله وثناء عليه وتمجيدا له وإعظاما لنعمته.
فإذا شكر الله عز وجل وابتدأ بتوحيد الله؛ فتح الله عليه بركات ذلك اليوم وخيره وطهره.
ومن أعظم الفرحة في يوم العيد: فرحة الاجتماع، فقد شرع الله عز وجل الاجتماع في هذا اليوم بصلاة العيد، حتى إن المرأة الحائض والمرأة ذات الخدر التي أمر بسترها ولزومها لبيتها تخرج إلى صلاة عيد الفطر، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، وقال: (أما الحيض فليعتزلن الصلاة وليشهدن الخير ودعوة المسلمين) ، فيشهدن الخير في هذا اليوم المبارك.
فالضوابط كلها منحصرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتذكر المسلم وهو خارج لصلاة عيد الفطر كيف خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإنه لم يخرج مختالا ولا فخورا، ولا أشرا ولا بطرا، ولا غرورا، إنما خرج لله وفي الله، خرج خاشعا متخشعا متذللا لربه سبحانه وتعالى في ذلك اليوم، وخرج -كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- حين بدا حاجب الشمس، فما وصل إلى المصلى إلا وقد ارتفعت الشمس، فابتدأ أولا بالصلاة -عليه الصلاة والسلام- ثم بعد ذلك خطب فذكر الناس ووعظهم، وأمر النساء بالصدقة، ثم أذن للأمة بكل ما فيه توسعة وخير ما لم يكن من الحرام، أو فيه إسراف في المباح، وهذا هو شرع الله، فشرع الله هو الوسطية، ولما قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا} [الأعراف:31] نقلنا من تعذيب النفوس بالجوع والعطش والرهبنة، وقال: {ولا تسرفوا} [الأعراف:31] ، ثم منعنا وحجزنا عن الغلو في ذلك، كما هو عمل أهل الترف.
فنحن نقول: افرحوا، فليس يوم العيد بيوم حزن ولا نكد ولا نحس؛ بل يفرح المسلم؛ ولكن يفرح برحمة الله عز وجل وبنعمته، ولا يغلو في فرحه إلى الوقوع في المحرمات.
لقد وسع عليه الصلاة والسلام، ومن دلائل توسيعه: أنه لما رأى أهل الحبشة وهم يلعبون بالسلاح في داخل المسجد فما أنكر عليهم ذلك، رغم أنه المسجد الذي شعت منه أنوار الرسالة، والذي تفجرت فيه ينابيع الحكمة، وهو المسجد الذي دوت في جنباته آيات التنزيل، وهو الذي كانت فيه مواقف الصدق -قولا وعملا واعتقادا- من تلك الأمة المصطفاة المجتباة، هذا المسجد المطهر المشرف المكرم الذي شرفه الله، وجعل الصلاة فيه بألف صلاة، وإذا بهم يلعبون فيه!! فانظر إلى عزة الإسلام وإلى مرونته المنضبطة، وليست مرونة منفلتة، فيوم الفرحة يوم فرحة، ويوم الشدة يوم شدة، ويوم العبادة يوم عبادة.
أصبح عليه الصلاة والسلام يوم العيد والأحباش يعلبون بالحراب، وبالأمس كان البكاء والخشوع والخضوع والاستكانة والتهجد بين يدي الله جل جلاله يا لعظمة هذا الدين! دين مرن منضبط في مرونته، ليس بدين لعب، ولا دين عبادة برهبانية يجلس الإنسان فيها دهره كله وهو لازم معتكفه.
إنها أيام مضت، وعشر ليال انقضت، هي مدرسة لأولي العزائم الصادقة والنفوس الأبية المؤمنة المستجيبة لله جل جلاله، حتى إن قائدها وخيرها صلوات الله وسلامه عليه كان يدخل في المعتكف من أجل أن يتفرغ لعبادة ربه سبحانه وتعالى، ويصبح يوم العيد وإذا بالناس يلعبون في المسجد: المسجد بالأمس مليء بالعبادة واليوم يلعبون فيه! فجاء عمر ليحصبهم، فنهاه وزجره، وقال: (هذا يوم عيدنا) ، يوم عيد للإسلام والمسلمين، ويوم فرحة لأولياء الله الذين ظمئت أحشاؤهم، وجاعت أمعاؤهم، وتفطرت أقدامهم وهم منتصبون في جوف الليل بين يدي الله جل جلاله ركعا وسجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا.
فإذا بذلك المسجد يصبح محلا للفرح والسرور؛ لكنه فرح منضبط، فلا يستطيع أحد أن يتهم هذا الدين بالتضييق، ولا يستطيع أحد أن يطعن في هذا الدين؛ وإذا برسول الأمة عندما رأى أهل الحبشة يأذن لهم، ولم ينقم عليهم ذلك.
ولا يقف الأمر عند هذا؛ بل عندما دخل بيته فإذا بحبه وزوجه عائشة رضي الله عنها وأرضاها تسأله أن تنظر إليهم، فما منعها من النظر، ولا قال لها: لا تنظري، فما منعها من شيء يدخل السرور عليها، وهذا بشرط أمن الفتنة؛ لأن الحبشة كانت الفتنة فيهم مأمونة، ولا ينبغي لأحد أن يقول: يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال، ويستدل بهذا الحديث؛ لأن قوله ذلك يصبح غلوا في الفرح لتفرح المرأة ولكن بشرط ألا يكون هذا الفرح فتنة للأهل والولد؛ لأن في ذلك مخالفة لشرع الله، وهذه الحواجز والقيود يقصد بها صلاح الدين والدنيا والآخرة.
فقامت تنظر، وما قال لها: أنا رسول الأمة، وانتظري حتى يأتي أخوك ويقف لك، لم يقل لها ذلك، بل وقف عليه الصلاة والسلام على قدميه رسول الأمة صلى الله عليه وسلم الذي وقف بين يدي الله جل جلاله راكعا ساجدا يبتغي فضلا من ربه ورضوانا، ويشتري رحمة ربه بإدخال السرور على أهله بالوقوف على قدميه الشريفتين، وقف عليه الصلاة والسلام، ووقفت من ورائه، تقول رضي الله عنها: (وأنا أنظر إليهم من ورائه) ، وهذه هي الحشمة والعفاف، فقد كانت رضي الله عنها على حشمة وعفاف، فكانت تفرح أيضا، ويدل هذا على أن المرأة تفرح لكن بشرط أن تكون محتشمة، عفيفة، رزانا، حصانا، متحفظة.
فقالت رضي الله عنها: (وأنا أنظر إليهم من خلفه) ، وما قالت: أنظر من خلف الباب، بل من وراء النبي صلى الله عليه وسلم، وحينئذ فإن المرأة المؤمنة بدلا من أن تذهب إلى الفرح بغيبة محرمها، عليها أن تبحث عن محرمها حتى يصونها ويحفظها، وهذه أم المؤمنين رضي الله عنها تحرص على ذلك.
ثم تقول رضي الله عنها: (فيقول لي: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد.
فيقول: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد) ، ثم تقول رضي الله عنها وأرضاها: (فاقدروا قدر الصبية الجهلاء) ، ومعناه: أنها أخذت -كما يقولون- راحتها واستجمام قلبها، وفي هذا دليل على أمور: أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها في الفرحة، فدل هذا على أن من السنة في يوم العيد أن تحدث فرحة لأهلك، ومن الفرحة: أن تأخذهم إلى مكان تتسع وتنشرح فيه صدورهم، والمؤمن دائما يكون عاقلا، وقد كان من مشايخنا وأهل الفضل والعلماء في بعض الأحيان يدخلون السرور حتى بطريق غير مباشر، فالزوجة إذا كانت تستحي من زوجها وتألف ولدها، فيأمر ولدها أن يأخذها، فعليك دائما أن تحرص على إدخال السرور عليهم؛ لأنك إذا وسعت على أهلك وسع الله عليك، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتوسعة على بيوت المسلمين حينما وقف عليه الصلاة والسلام.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتوسعة بفضول النظر؛ لأن اللعب من الفضول، والنظر إلى اللعب من الفضول فأذن بذلك؛ لكنه بشرط أمن الفتنة والمحافظة.
ثالثا: وهذه وقفة تحتاج إلى أن نتأملها ف




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]