عرض مشاركة واحدة
  #536  
قديم يوم أمس, 06:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,384
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


وقت دخول الصداق في ملكية المرأة
فقال رحمه الله: [وتملك المرأة صداقها بالعقد ولها نماء المعين قبل القبض وضده بضده] .
(ولها نماء المعين): ومعنى هذا: أنها تملك بالعقد.
إذا: عندنا جملتان: الجملة الأولى: قضية (تملك المرأة صداقها بالعقد) .
الدليل على ذلك: قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق، فإنه حينما توفي عنها زوجها قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بمهر المثل وهو لم يدخل بها بعد، فدل على أنه بمجرد العقد تصبح المرأة مالكة للمهر، والأصل الشرعي يقتضي صحة هذا.
وكما ورد الدليل الخاص في بيان انتقال الملكية إلى المرأة في حديث بروع، وصححه غير واحد من العلماء والأئمة رحمة الله عليهم، كذلك فإنه قد شهدت الأصول بصحة ذلك؛ لأن الشريعة أمرت بالوفاء بالعقود، فقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1] .
والعقد إيجاب وقبول، فإذا بذل الولي المرأة وبذل الزوج الصداق وتم الاتفاق بينهما فقد التزم كل منهما للآخر بما التزم به، فتصبح المرأة مالكة لصداقها بالعقد، ويصبح الرجل مالكا للانتفاع بالمرأة تدخل في عصمته بمجرد العقد، وسبق أن بينا أن عقد النكاح فيه مكارمة وفيه معاوضة.
المكارمة: بيناها.
والمعاوضة: ذكرناها في أكثر من مرة، خاصة حينما شرحنا عقود البيوع؛ فالمعاوضة في النكاح أن الرجل يستمتع بالمرأة، فيملك منافع البضع، والمرأة تملك المهر.
والله جعل المهر عوضا عن الاستمتاع فقال: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء:24] فإذا أثبتنا أن عقد النكاح يقوم على هذه المعاوضة، ووقع الإيجاب والقبول بين الزوج وبين ولي المرأة على هذه المعاوضة، وكان مستوفيا للشروط، فيجب على الرجل أن يفي بالتزامه ويجب على الولي أن يفي بالتزامه، والتزام الرجل أن يعطيها هذا الصداق.
فإذا: تملك المرأة صداقها بالعقد، وهذا نص عليه جمهور العلماء رحمهم الله، ويتفرع على هذا المسائل التي سيذكرها المصنف.
فالمرأة تملك الصداق؛ بمعنى أن لها حق المطالبة بالصداق من حيث الأصل ما لم يكن مؤجلا، على اختلاف صور الصداق واتفاق المتعاقدين على الصداق، فمنه معجل، ومؤجل قبل الدخول، ومؤجل بعد الدخول.
الشاهد أنها من حيث الأصل تملك، بمعنى: أن الصداق ثابت لها، فإن رضيت بتأخيره لم تملك مطالبته مقدما، وإن لم ترض بتأخيره وبتت فلا يدخل بها حتى يعطيها مهرها.
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة صداقها بعد موت زوجها، وألزم بإعطائها صداقها من زوجها المتوفى ولم يدخل بها، فلو كان الصداق موقوفا على قضية الاستمتاع لسقط في حال موت زوج بروع بنت واشق رضي الله عنها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب على ورثة زوج بروع أن يدفعوا لـ بروع حقها من الصداق، فدل على أنه مبني على العقد، وليس بمتوقف على الدخول إذا تم الإيجاب والقبول عليه.
والباء في قول المصنف (وتملك المرأة صداقها بالعقد) : سببية، أي: تملك المرأة صداقها بسبب العقد، فإذا تم العقد فإن هذا العقد يثبت لها ملكية الصداق.
حكم نماء المهر المعين غير المقبوض
قال رحمه الله: (ولها نماء المعين قبل القبض) نحن ذكرنا أنه إذا اتفق الطرفان على الصداق فأعطى الزوج صداق المرأة لوليها وقبضته، فلا إشكال، لكن الإشكال إذا لم يعطها الصداق، فحينئذ عندنا حالتان: الحالة الأولى: أن يكون الصداق معينا، والمعين أن يقول: هذه السيارة، أو هذه العمارة، أو هذه الشقة، هذا معين، حتى لو قال: هذه العشرة آلاف، فإنها معينة، فإذا عين سيارة أو عين أرضا أو عين عمارة أو عين دارا، واتفقا على ذلك، فإن هذا المعين ملك للمرأة.
فإذا ثبت أن المرأة تملك الصداق بالعقد، فحينئذ يكون الغرم على المرأة والغنم للمرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الضامن يملك الربح وكذلك يضمن الخسارة، فقال صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) فدل على أن من يضمن الخسارة يأخذ الربح.
فالمرأة إذا أثبتنا لها النماء والربح، فعليها الخسارة، فإذا قلت: إن المعين يصير إلى ملكية المرأة بالعقد، تقول: لها غنمه وعليها غرمه، بحيث إنه لو أصدقها عمارة، فسقطت وانهدمت، فإن خسارتها على المرأة، ولو أن العمارة زادت وربحت، فزيادتها للمرأة، لأنها دخلت في ملكيتها بسبب التعيين؛ لأن العقد إذا وقع على معين لا ينصرف إلى غيره ما دام هذا المعين موجودا.
والشرع ألزم المتعاقدين إذا تعاقدا على شيء أن يفي كل منهما بالتزامه، فلما التزم لها أن يعطيها هذه العمارة وجب عليه أن يعطيها هذه العمارة وثبتت لها، فإذا غلت كان نماء، وإذا رخصت كان غرما، ففي كلتا الحالتين تأخذ الغنيمة وتتحمل الغرم.
حكم تلف المهر المعين
قال رحمه الله: [وإن تلف فمن ضمانها إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمنه] وإن تلفت العين المعينة فإن الضمان على المرأة؛ مثلا: لو قال لها: هذه المائة شاة صداق لك، أو هذه المائة ناقة صداق لك، فقال وليها: قبلت، فحينئذ هذه المائة صداق معين، فإن نمت وتكاثرت فالفرع تابع لأصله، وإن تلفت من غير تعد فإنها تتحمل التلف، كما لو مات بعضها أو جاءت آفة سماوية، فأهلكت نصف المائة، فإنها تأخذ الخمسين ولا تستحق الرجوع.
فالمهر المعين يكون في ضمان الزوجة ولا يكون في ضمان الزوج، وعلى هذا فإنها تأخذ الربح وعليها الخسارة، فتتحمل كلا الأمرين؛ لأن الشريعة شريعة عدل، فلا يعقل أن الإنسان يأخذ الربح ولا يضمن الخسارة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عائشة رضي الله عنها في السنن: (الخراج بالضمان) ، وهذا الحديث -كما ذكر الأئمة- أجمع العلماء على معناه، وقد حكى الإمام أحمد رحمة الله عليه أنهم مجمعون ومتفقون على أن الخراج لمن يضمن الخسارة.
قوله: (إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمنه) .
(قبضه) يعني: قبض الصداق المعين.
(فيضمنه) أي: عليه ضمانه.
إذا أثبتنا أن هذه المائة شاة أو مائة ناقة تصبح ملكا للزوجة وتصبح في ضمان الزوجة، بحيث إنها لو نمت يكون النماء لها، ولو تلفت يكون التلف عليها، فلو أنها سألت الزوج أن يعطيها هذه الغنم فامتنع، فإنه حينئذ يكون قد غصبها حقها، ما لم يكن بينهم اتفاق بالتأجيل، لكن إذا استحقت المطالبة وطالبت بمعين، فمنعها وظلمها، فإنه يكون كالغاصب للمال، والغاصب يضمن، والمغصوب يكون نماؤه للمالك وخسارته على الغاصب، وفي هذه الحالة لطالب العلم أن لا ينظر لمسألة المهر، بل ينظر إلى القاعدة في الضمانات، وهكذا أي مسألة تأتي ولها أصل ينبغي أن ينتبه لأصل المسألة، فالمسألة عندنا في مهر المرأة: إن كان الزوج مكنها من الأخذ وقالت: اتركه عندك، كأن يكون مثلا: مائة رأس من الغنم، فلا تستطيع أن تأخذها وتقوم عليها، فقالت الزوجة: دعها عندك حتى أطالبك بها، فرضي بذلك، فإذا بقيت عند الزوج فإنها تبقى على ضمان الزوجة، إن حصل خير فلها وإن حصل شر فعليها، وهي التي تضمن في الوجهين، فتأخذ الربح وعليها الخسارة.
لكن لو منعها الزوج فطالبته الزوجة وقالت له: أعطني مهري، فقال لها: لا أعطيك الآن، وماطلها وتأخر في إعطائها، مع أن المهر مهرها والواجب شرعا أن يعطيها، فإذا قال: لا أعطيك، انتقلت يده إلى يد الضمان، وتصبح المسألة مفرعة على قاعدة الضمان، حيث خرجت المسألة إلى مسألة الغصب، فإذا قال: لا أعطيك، فإنه غاصب، والغاصب القاعدة فيه: أنه يضمن الخسارة وتلف المغصوب، ويكون الربح والنماء للمالك الحقيقي، وحينئذ لو سئلت عن المستثنى من قاعدة: الغنم بالغرم أو (الخراج بالضمان) كما ورد في الحديث تقول: مما يستثنى من ذلك: مسألة الغاصب، فإنه يضمن المغصوب ويكون الربح للمالك الحقيقي.
حكم تصرف المرأة في المهر المعين
قال رحمه الله: [ولها التصرف فيه وعليها زكاته] .
(ولها) أي: من حقها أن تتصرف في مهرها المعين قبل قبضه، كأن تتصدق به، قالت: هذه المائة رأس أجعلها صدقة، أو هذه المائة ناقة أنحرها للفقراء والمساكين، فهذا تصرف بالصدقة، أو قالت: هذه المائة ناقة وهبتها لأخي فلان، أو وهبتها لابن عمي فلان، أو أعطيها فلانا، فأعطته هبة أو صدقة، أو باعت المائة شاة إلى زيد من الناس، فإننا نصحح البيع.
وفي هذه الحالة قال رحمه الله: (ولها التصرف فيه) يعني: من حقها أن تتصرف في هذا المعين قبل قبضه.
(وعليها زكاته) وهذا من الغرم، فالمال مالها، والزكاة -كما تقدم معنا في كتاب الزكاة- متعلقة بالمالك الحقيقي، فهي مالكة لمالها، فعليها زكاته.
حكم النماء المنفصل في الصداق إذا طلق قبل الدخول
قال رحمه الله: [وإن طلق قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه حكما دون نمائه المنفصل] .
هذا محل إجماع: أن الصداق يتشطر إذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] فأثبت الله سبحانه وتعالى للزوج نصف المهر وللزوجة نصف المهر، وهذا ما يسميه العلماء بالتشطير.
أما إذا دخل بها فإن المهر يكون لها كاملا؛ لقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء:24] وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها) .
فإذا المهر له حالتان: - أن يتشطر ويكون للمرأة نصف المهر، إن وقع الطلاق قبل الدخول.
-
أن يكون لها المهر كاملا، إن وقع الطلاق بعد الدخول.

فإذا ثبت أن المرأة لها نصف المهر إن وقع الطلاق قبل الدخول، فحينئذ هذا المهر المعين لو كان له نماء فإن نصف المهر بنمائه يكون ملكا لها مادام أنه قد فرضه وسماه، وذلك لقوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة:237] فنص سبحانه وتعالى على نصف المفروض، والمفروض تملك المرأة أصله ونماءه المتصل.
والنماء المتصل مثل السمن، والزيادة بالصفات، والزيادة بالأجزاء، وسبق وأن ذكرنا في كتاب البيوع تفصيلات النماء المتصل والمنفصل في خيار العيب وفصلنا في ذلك.
قوله: (أو الخلوة) إذا خلا الرجل بالمرأة الخلوة التي يمكن فيها الزوج من وطء الزوجة ولم يطأ، فإنه يثبت لها المهر كاملا بتلك الخلوة، كما لو قال: أريد زوجتي، فجاء وليها ومكنه من الدخول بها، فدخل واختلى بها لكنه لم يصبها، فإنها لما مكنته من نفسها كان التقصير منه.
وحينئذ يكون حقها كاملا، كالأجير: إذا استأجرت شخصا ومكنك من نفسه أن يعمل عندك يوما كاملا ولم تطالبه بعمل، فإنه عند نهاية اليوم يستحق أجرته كاملة؛ لأن التفريط منك أنت، وأنت الذي تتحمل مسئولية عدم مطالبته بالعمل.
فالرجل هو الذي يتحمل مسئولية عدم الدخول بها، فهناك دخول حقيقي ودخول حكمي: الدخول الحقيقي: أن يدخل ويطأ ويصيبها ويستمتع بها.
والدخول الحكمي: أن يمكن من الدخول، ولا يكون هناك أي عائق من جهة المرأة يمنعه من إصابتها ولا يصيبها.
لكن لو أن وليها مكنه من الدخول واختلى بها، فأراد أن يصيبها، فدفعته ومنعته فإنها لا تستحق المهر كاملا؛ لأنه في هذه الحالة وإن دخل في الظاهر لكنه لم يدخل في الحقيقة؛ لأنها لم تمكنه من نفسها.
فإذا الدخول الحكمي شرطه أن لا يكون هناك مانع من المرأة يمنع من إصابته لها.
(فله نصفه حكما) أي: قهرا، وهذا من جهة انتفاء الخيار، كالحضانة ونحوها يحكم بها ولا خيار، وكذلك الوصايا من الميت تكون للموصى له حكما ولا يملك الخيار في إسقاطها.
(فله نصفه حكما) لأن الله سبحانه وتعالى نص على ذلك: {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] فيثبت هذا النصف له، والله عز وجل حكم بذلك من فوق سبع سماوات.
وله بعد ذلك أن يتنازل عن هذا النصف، وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] فقوله سبحانه: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] يعتبره علماء التفسير وعلماء الأصول من المشترك، وهو المتردد بين معنيين، لأن الاسم الموصول وصلته في قوله: {الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة:237] هو من الاشتراك بالأسماء الموصولة، وهو متردد بين شخصين إما أن يكون الذي بيده عقدة النكاح هو الولي، وإما أن يكون الزوج، فالولي بيده عقدة النكاح؛ لأنه هو الذي يوجب عن موليته وينشئ العقد عن موليته، والزوج أيضا بيده عقدة النكاح؛ لأنه يملك تطليق المرأة ويملك أيضا العقد على المرأة، فاختلف العلماء في ذلك، وإن كان الأقوى من جهة المقابلة: أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فيعفو الزوج عن النصف ويسامحها ويترك لها المهر كاملا، وذلك أقرب إلى التقوى وأعظم أجرا له.
حكم النماء المتصل بالصداق في حالة تشطير الصداق
قال رحمه الله: [وفي المتصل له نصف قيمته بدون نمائه] .
إذا أثبتنا أن النماء المتصل يكون تبعا للمرأة لأنها ملكت الأصل، فحينئذ يكون له نصف قيمة المهر دون النظر إلى نمائه المتصل.
فلو أنه جعل صداقها -مثلا- من الغنم مائة رأس، ونما هذا الغنم، فهذا النماء في المعين -وهو المائة شاة- ملك للمرأة؛ لأنه نماء حدث في ملكيتها، فهي التي قامت عليها وأعلفتها، فهذا النماء في ملكيتها.
في هذه الحالة إذا ثبتت الزيادة في ملكيتها فإن الزوج لا يملك إلا نصف المهر الذي أعطى، وليس نصف المهر الموجود حاليا الذي قيمته غالية؛ لأن المهر الموجود حاليا في ملكية المرأة، ونماؤه وزيادته حدثت في ملكية المرأة.
فمن العدل أن يرد له نصف ماله الحقيقي، فينظر إلى أصل المهر حينما أعطاها إياه وأوجبه لها دون نظر إلى وجود الزيادة، فلو كانت الرأس حينما أصدقها هذا المهر قيمتها خمسمائة ريال وبالزيادة صارت القيمة سبعمائة، فإننا نعطيه نصف المهر من قيمة الخمسمائة وليس من قيمة السبعمائة بالزيادة.
وهذه مسألة ذكرنا أن العلماء يذكرون فيها الأصل وما تفرع منه، فأنت إذا أثبت أن النماء المتصل في المعين يكون تابعا للمرأة فينبني على ذلك أنه إذا جاء يطالب بحقه فإنك ترده إلى الأصل، ولا ترده إلى عين فيها نماء.
اختلاف الزوجين في الصداق
قال رحمه الله: [وإن اختلف الزوجان أو ورثتهما في قدر الصداق أو عينه أو فيما يستقر به فقوله وفي قبضه فقولها] .
غالبا إذا اختلف الزوج والزوجة فبطبيعة الحال أن الزوجة تدعي الأكثر والزوج يدعي الأقل، فلا يختلفون غالبا إلا على هذا.
فالمرأة تقول: أصدقتني خمسين ألفا، والزوج يقول: بل أصدقتك أربعين ألفا، فدائما المرأة تطالب بالأكثر والرجل يطالب بالأقل؛ لأنه لو كان الأمر بالعكس فإنه سيعطيها وينتهي الإشكال, فإذا كانت المرأة تقول: أصدقتني خمسين، وهو يقول: لا، بل أصدقتك أربعين، فمن المدعي؟ ومن المدعى عليه؟
بيان المدعي والمدعى عليه في اختلاف الزوجين في قدر الصداق
سبق وأن ذكرنا أن المدعي من يوافق قوله الأصل أو العرف، فبعض العلماء يقول: القول قول الزوج -كما ذكر المصنف- لأن المرأة تطالبه بزيادة، فهي تدعي عليه؛ لأنه إذا قال الزوج: أصدقتك أربعين، والمرأة قالت: بل أصدقتني خمسين، فنحن متأكدون وعلى يقين أن المهر أربعون، واختلفنا في العشرة الآلاف الزائدة، فنحن نقول: الأصل واليقين أنها ليست على الزوج؛ لأن الأربعين متأكدون منها، وأما الزائد فتدعيه المرأة، فأصبحت المرأة مدعية والزوج مدعى عليه، وقلنا بأن المدعى عليه القول قوله، والمدعي يطالب بالبينة، فيقال للمرأة: أنت تستحقين أربعين، فأثبتي الزيادة؛ لأنا على يقين من الأربعين، والعشرة الزائدة نشك فيها.
فالمدعي من قوله مجرد من أصل أو عرف بصدق يشهد وقيل من يقول قد كان ادعى ولم يكن لمن عليه يدعى فالمرأة تقول: قد كان المهر خمسين، والزوج يقول: ما كان ولم يكن، فهو مدعى عليه، فالقول قول الزوج، وهذا وجهه.
اختلاف ورثة الزوجين في قدر الصداق
(أو ورثتهما) أي: يختلف ورثة الزوجين، وفي الحقيقة أن الشريعة وضعت للناس البينات والمعالم، وأمرتهم في الحقوق أن يكتبوا وأن يستشهدوا وأن يحتاطوا، وأن لا يضيعوا حقوقهم بالمجاملات.
فإذا كان عقد نكاح فلا ينبغي أن تترك الحقوق سائبة، بل ينبغي أن يستوثق بالشهادة ويستوثق بالكتابة وتحفظ حقوق الناس، فغالبا ما تقع المشاكل بين أولياء المرأة والرجل، أو ورثة المرأة وورثة الرجل، والسبب: التساهل بكتابة الحقوق، لأنه لو كان هناك كتابة وكان هناك استيثاق فلن يقع اختلاف؛ لأنهم إذا اختلفوا رجعوا إلى المكتوب ورجعوا إلى البينات التي عندهم فقطعت النزاع الذي بينهم.
فصورة المسألة: لو أن الزوجين وقع بينهما النكاح ثم توفي الزوج وتوفيت الزوجة، أو توفيت الزوجة والزوج والولي، فإلى من نرجع؟ والقول قول من؟ فأولياء المرأة يطالبون أولياء الرجل بخمسين ألفا، وأولياء الرجل يدعون أن المهر أربعون، فالقول قول من؟ نفس الحكم في الخلاف بين الزوجين، فإذا قلت: القول قول الزوج، فالقول قول أوليائه وورثته، فالفرع قائم مقام أصله، فإذا كان الزوجان حيين فالقول قول الزوج، وإذا كانا ميتين فالقول قول ورثة الزوج، ويصبح ورثة الزوجة مدعين لما هو أكثر، فلا يقبل منهم الأكثر إلا ببينات.
اختلاف الزوجين في تعيين الصداق
(أو عينه) أي: تعيين الصداق، فإنها إذا قالت: أصدقتني هذه السيارة، فقال: بل أصدقتك هذه السيارة، فالغالب أنه لا ينقلها إلا إلى ما هو أقل، وهي تدعي ما هو أكثر، فتكون نفس القضية السابقة، فالقول قوله.
اختلاف الزوجين فيما يستقر به الصداق
(أو فيما يستقر به) أي: هل يكون معجلا أو مؤجلا، ودائما إذا طولب الزوج بما هو زائد أو بما هو خلاف الأصل فالقول قوله؛ لأنه مدعى عليه.
بعض العلماء يقول في هذه المسألة: إذا اختلف الزوج والزوجة في قدر الصداق فإنه ينظر إلى الأشبه، أي أنه: يحتكم إلى العرف فيقول: إن وجدنا العرف يشهد بقول الزوجة فالقول قولها، وإن وجدنا العرف يشهد بقول الزوج فالقول قوله.
مثال ذلك: قالت: صداقي ثلاثون ألفا، قال: بل صداقك عشرون ألفا، وهي بكر، والعرف أن مثلها من الأبكار يزوجن بثلاثين، فالقول قولها؛ لأن العرف قد شهد بصدقه، فحينئذ يكون القول قولها.
لكن ضعف هذا القول ورجح قول المصنف ومن وافقه؛ لأنه ربما تراضى الزوجان على ما هو أقل.
اختلاف الزوجين في قبض الصداق وعدمه
(وفي قبضه) قال: أعطيتك المهر وقبضته، فقالت: ما أعطيتني، ولم أستلم المهر ولم آخذه، فاليقين أنها لم تأخذ، وقد تقدم في البيوع أنه حينما يقول البائع للمشتري: سلمتك البضاعة، يقول المشتري: ما استلمتها، فالقول قول المشتري؛ لأن البائع يدعي عليه، والأصل عندنا أن المشتري ما استلم حتى يثبت استلامه باليقين؛ لأن البائع إذا اعترف بأنه باع وأنه قبض الثمن فقد اعترف بأنه أصبح مدينا، فلا بد أن يثبت أنه أبرأ ذمته من دينه.
فإذا قالت الزوجة: لم تعطني مهري، فقال: بل أعطيتك، فالقول قول الزوجة حتى يثبت أن الزوج قد أعطاها؛ لأن القاعدة: أن اليقين لا يزال بالشك، والأصل بقاء ما كان على ما كان.
فالأصل أن الزوج مدين لزوجته بالمهر حتى يثبت أنه أبرأ ذمته من هذا الدين وأعطاها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]