عرض مشاركة واحدة
  #548  
قديم 15-05-2025, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,421
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي



شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب النكاح)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (430)

صـــــ(1) إلى صــ(8)





شرح زاد المستقنع - مقدمة كتاب الطلاق [1]
شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق وجعل فيه حكما عظيمة، وجعله وسيلة لدفع الضرر اللاحق بالزوج أو الزوجة أو عليهما معا، ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
والتلفظ به هزلا أو مزاحا موجب لوقوعه، ولقد اعتنى أهل العلم بكتاب الطلاق لعموم البلوى به، فحرروا مسائله وأحكامه، وأنزلوا فيه الأحكام التكليفية الخمسة، وبينوا الأحكام المتعلقة بمن يصدر منهم لفظ الطلاق، فإنه قد يصدر من الصبي والمجنون والسكران والمكره.
تعريف الطلاق والأدلة على مشروعيته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الطلاق] كتاب الطلاق من الكتب المهمة في الفقه، وهو مما تعم به البلوى، وقد جعل الله الطلاق موجبا لحل قيد النكاح ورفع عصمته، وبين أحكام الطلاق في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل من حكمته وكمال علمه سبحانه وتعالى، جعل الطلاق حلا للمشاكل، وقطعا للنزاعات ودفعا لمفاسد الخصومات.
وفي هذا الطلاق مصالح عظيمة مع كونه يشتمل على الضرر والفرقة بين الزوجين؛ لكنه يشتمل على مصالح إذا وقع في موقعه، وراعى فيه الزوج ما ينبغي عليه مراعاته في مثله من مثله.
وكتاب الطلاق يجعله العلماء -رحمهم الله- بعد مسائل النكاح؛ لأن الطلاق يوجب رفع العصمة، والمناسبة بين كتاب الطلاق وباب الخلع الذي انتهى منه المصنف واضحة ظاهرة، وقد سبق وأن ذكرنا أن الحنابلة رحمهم الله يقدمون باب الخلع على باب الطلاق، وبعض العلماء يؤخر الخلع عن الطلاق ويجعل الخلع بعد الطلاق.
وقوله رحمه الله: (كتاب الطلاق) الطلاق: أصله التخلية، ومنه قولهم: طلقت الناقة إذا خليت وحل وثاقها، فأصل الطلاق التخلية والإرسال.
وأما في الاصطلاح: فهو حل قيد النكاح بلفظ مخصوص، وقيل: رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص، وهذا اللفظ المخصوص سيأتي أنه صريح لفظ الطلاق أو كنايته بالنية المعتبرة.
وقد شرع الطلاق بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما دليل الكتاب: فآيات منها قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة:229] ، وقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} [الأحزاب:49] ، وقوله سبحانه وتعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة:230] ، إلى غير ذلك من الآيات التي دلت على مشروعية الطلاق.
وكذلك ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلاق كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حينما طلق امرأته وهي حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق) .
وكذلك أجمعت الأمة على مشروعية الطلاق، وأنه مباح وجائز على تفصيل بين العلماء رحمهم الله.
الحكم والمقاصد الشرعية في الطلاق
قال أهل العلم: إن في الطلاق حكما عظيمة، فالله سبحانه وتعالى شرع للزوج إذا وصلت الحياة الزوجية إلى مقام لا يحتمل، وحصل الضرر على الزوج أو الزوجة أو عليهما معا من البقاء في النكاح أن يطلق، وجعل هذا الطلاق ثلاثا، فجاءت الشريعة بالوسطية، فكان أهل الجاهلية في القديم يتخذون من الطلاق وسيلة لأذية النساء، فكان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى تقارب الخروج من العدة فيراجعها، ثم يطلقها طلقة ثانية، ويتركها حتى تكاد تخرج من عدتها فيراجعها ولا يقربها ولا يعاشرها، إنما يفعل بها ذلك إضرارا: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة:231] ، {فتذروها كالمعلقة} [النساء:129] ، فكانوا يجعلونها كالمعلقة، لا زوجة ولا مطلقة، فكانوا يضارون بالطلاق، فجعله الله ثلاثا.
وانظر إلى حكمته سبحانه وتعالى وكمال علمه جل جلاله، حينما جعل الطلاق على هذا الوجه، قالوا: لأن الحياة الزوجية إذا وصلت إلى ضرر يوجب الطلاق فإما أن يكون من الرجل أو المرأة، فالرجل يقدم على الطلاق فيطلق الطلقة الأولى، ففي الطلقة الأولى إما أن يكون الخطأ من الرجل أو يكون من المرأة، أما إذا كان منهما فلا إشكال، وفي الحالة الثانية: فإن الغالب أن الرجل إذا طلق الطلقة الأولى أن يتعقل ويذوق مرارة الطلاق، ويعرف هذه المرارة فيحن إلى زوجته إذا كان ظالما ومسيئا، فيشعر بقيمة الزوجة عند الفراق لها، فيحن لها فيراجعها، فأعطاه الله الرجعة، فإن رجع إليها رجع لها بعقل غير عقله الذي كان معه، ويرجع إليها ببصيرة أكمل من بصيرته في حاله الأولى، فإذا رجعت إليه ربما أخطأت هي، فإذا أخطأت عليه في هذه الحالة فإنه سيطلقها الطلقة الثانية، فأعطوا أيضا مهلة ثالثة، فإذا زادت عن الثالثة فلا وجه، فتصبح الحياة فيها نوع من الإضرار، وربما استغل الرجال الطلاق للإضرار بالمرأة، لذلك حدده الله عز وجل بثلاث تطليقات.
فالطلقة الأولى لأن الخطأ إما أن يكون منه أو منها؛ فإن تكرر الخطأ منه في الثانية والثالثة، فلن تعود إليه حتى تكون عند زوج غيره، فإذا عاشرت زوجا غيره وطلقها الطلقة الثالثة أدبه الشرع بأن تكون فراشا لغيره، فيكتوي بنار الغيرة ويتألم ويتأوه، فإن كانت هذه المرأة عاقلة حكيمة ووجدت زوجا أصلح من الزوج الأول وبقيت معه وحمدت الله على السلامة من الأول، فعندها يكتوي الأول وينال عاقبة ظلمه وإضراره.
فإن تزوج امرأة ثانية؛ فإنه يتأدب ولا يقدم على الطلاق ولا يهجم عليه؛ لأنه يخاف أن يحصل له مثل ما حصل مع الأولى، وإن نكحت هذه الزوجة زوجا أضر منه وطلقها ثلاثا فتحل للأول؛ فإن عادت للأول عادت وهي تحمد ضرره وقالت: هذا أرحم من سابقه، فصبرت عليه، ثم هو يعود لها بنفس غير النفس التي كان عليها.
فإذا: تقييد الطلاق بالثلاث فيه حكم عظيمة؛ ثم إن الله سبحانه وتعالى من حكمته أن جعل الطلاق مخرجا من المشاكل، فإن الحياة الزوجية لا تخلو من وجود المشاكل، إما بسبب اختلاف طبائع الناس، طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، أو تكون باختلاف الطبائع ممن يحيط بالزوج والزوجة كأهله وقرابته وأهلها وقرابتها، وحينئذ تنشأ المشاكل بسبب هذا الاختلاف والتضاد، فيكون الطلاق حلا لهذه المشاكل؛ لأن كلا منهما يمضي لسبيله، ويلتمس عشيرا يحسن إليه ولا يسيء، ويكرمه ولا يهينه، ويكون منه ما يقصد من النكاح.
أما لو بقيت المرأة عند زوجها، ولم يكن للزوج مخرج بطلاقها فلا شك أنه أمر عظيم، فلربما اطلع الرجل من امرأته -والعياذ بالله- على خيانة، أو على وقوع في حرام، أو يكون يطلع منها على أخلاق رديئة، تنتقل إلى أولاده وذريته، فلو أن الشرع ألزمه ببقائها، فإن هذا غاية الضرر على الرجال، ولترك الكثير الزواج خوفا من هذا؛ لأن المنهج التشريعي في شرع النكاح أن نقول: يبقى إلى الأبد، أو نقول: يبقى مؤقتا، فأما بقاؤه مؤقتا ففيه إضرار بالرجل والمرأة كما في نكاح المتعة، وقد ذكر العلماء الضرر فيه، وأما كونه يبقى إلى الأبد، فإنه في حال وجود المشاكل والأضرار يبقى النكاح مفسدة بدل أنه مصلحة، فينقلب من المصالح إلى المفاسد والشرور.
فالوسط أن يبقى النكاح إلى الأبد، ولكن يرتفع إذا وجد موجب ارتفاعه وذلك بالطلاق.
ثم هذا اللفظ -لفظ الطلاق- عظم الشرع أمره، وألزم المكلف أن يحذر منه، فحتى لو تلفظ به هازلا أو مازحا؛ فإنه يؤاخذ بهذا اللفظ، ويعاقب بمضي الطلاق عليه، فلو أن رجلا قال لرجل يمزح معه: امرأتي طالق، فإنها طالق ولو قصد الهزل، وكذلك لو جلس مع امرأته فأحب أن يمزح معها وقال هازلا: أنت طالق أو طلقتك أو أنت مطلقة فإنه يمضي عليه الطلاق، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق) ، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: (أربع جائزات إذا تكلم بهن: النكاح والطلاق والعتاق والنذر) ، فهذا يدل على عظم شأن الطلاق، ولذلك ينبغي للمسلم ألا يستعجل في الطلاق وأن يتريث فيه.
وقد نص العلماء رحمهم الله على كراهية الطلاق إذا لم يكن من حاجة، وأنه كالمخرج عند إعياء الحيل، وإذا تعب الزوج ولم يستطع علاج مشاكله، فإن الطلاق يكون مخرجا من هذه المشاكل، وعلاجا لهذه الأضرار، أما إذا كان من دون حاجة فقد نصوا على كراهيته وبغضه في هذه الحالة.
وقوله رحمه الله: (كتاب الطلاق) من عادة العلماء في كتاب الطلاق أن يبينوا أركانه، فيبينوا أولا من الشخص الذي يملك الطلاق وله حق الطلاق؛ لأن الطلاق قد يصدر من الأهل وقد يصدر من غير الأهل، كأن يصدر من صبي صغير، أو مجنون أو سكران أو مكره، فيبحثون مسائل الشخص الذي هو أهل للطلاق.
كذلك أيضا يبحثون الركن الثاني، وهو لفظ الطلاق وصيغته، فيبينون ألفاظ الطلاق الصريحة، وألفاظ الطلاق الكناية، وألفاظ الطلاق التي تعتبر من السنة، وألفاظه البدعية، ثم كذلك يبينون الألفاظ المعلقة والمنجزة إلى غير ذلك من مباحث الصيغ.
وكذلك أيضا يبين العلماء محل الطلاق وهي المرأة التي وقع عليها الطلاق؛ فإن الطلاق قد تواجه به المرأة التي هي زوجة المطلق، وقد تواجه به أجنبية كأن يقول: إن تزوجتك فأنت طالق، وأيما امرأة تزوجتها فهي طالق، وأيما امرأة أعقد عليها فهي طالق، وقد يعمم وقد يخصص هذا المحل.
وقد اعتنى العلماء رحمهم الله ببيان المحل الذي يرد عليه الطلاق ويحكم بصحة الطلاق إن ورد عليه، كذلك أيضا اعتنى العلماء رحمهم الله في باب الطلاق ببيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته من حيث السنة والبدعة، فيقولون: هذا طلاق سني لما وافق السنة، كأن يطلق المرأة المدخول بها في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة فإنه يكون طلاقا سنيا، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه، وأثر عن علي أيضا: (لا يطلق أحد للسنة فيندم) .
فيبينون الطلاق المشروع الذي شرعه الله وبينه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي ينبغي للمسلم أن يلتزمه، وكذلك يبينون الطلاق البدعي والآثار المترتبة عليه كطلاق المرأة الحائض حال حيضها، وطلاق الثلاث بلفظ واحد، وهل يقع أو لا يقع، كل هذا يعتني به العلماء رحمهم الله في كتاب الطلاق، وبعد أن يبينوا الطلاق يشرعون في بيان آثار الطلاق، وهو باب العدة وباب الرجعة، فيعتنون ببيان مسائل العدد ومسائل الرجعة، وكل ذلك اعتنى به المصنف -رحمه الله برحمته الواسعة- وكذلك إخوانه من العلماء، رحمهم الله أجمعين.
ثبوت الأحكام التكليفية الخمسة في الطلاق
قال رحمه الله: [يباح للحاجة ويكره لعدمها] في بداية الطلاق يرد
السؤال ما حكم الطلاق؟ إذ هو مشروع، لكن هل هو مباح أو مشروع مع الكراهة أو هو مستحب أو واجب؟ هذه المسألة فيها تفصيل.
ولذلك قال بعض العلماء: الطلاق تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فيكون مباحا لوجود الحاجة، كرجل لم يرتح لامرأته ونفر منها ومن أخلاقها وطباعها فاحتاج إلى الطلاق؛ فإنه يكون مباحا له أن يطلق، وإن صبر وتحمل فهو أفضل: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} [النساء:19] ، وقد تكون المرأة بذيئة اللسان، أو عصبية المزاج، فيتضرر بهذه العصبية ويحدث عنده نوع من الضيق، ويكون محتاجا للطلاق لكي يتخلص من هذا الضيق ومن هذا الضغط الذي يجده من عشرته لامرأته، فهو محتاج، فمثل هذا يباح له الطلاق، والمباح مستوي الطرفين، لا ثواب ولا عقاب، فلا أجر له إن طلق، ولا إثم عليه إن طلق.
قوله: (ويكره لعدمها) كأن تكون عنده امرأة مستقيمة وهو مرتاح معها وأراد أن يطلق، فيقال له: الطلاق في حقك مكروه، وقال بعض العلماء: إنه يحرم إذا كان فيه ضرر على المرأة في هذه الحالة إذا لم يكن له حاجة، وكما أن المرأة لا يجوز لها أن تسأل الطلاق من زوجها من دون بأس؛ كذلك لا يجوز للرجل أن يطلق من دون بأس.
وقد تكون الحاجة التي تبيح الطلاق ماسة، كأن يكون الرجل عنده أربع نسوة وهو شديد الشهوة، وأكثر نسائه كبيرات في السن، فأراد أن يطلق واحدة لكي يتزوج فيحصن نفسه عن الحرام، فهذا محتاج وعنده حاجة فيباح له، ونحو ذلك من المسائل.
قال رحمه الله: [ويستحب للضرر] كالمرأة التي تضر بزوجها، فتؤذيه بلسانها وكلامها، فتضرر الرجل منها من ناحية أذيتها له، أو أذيتها لقرابته كأخواته أو بناته من المرأة السابقة أو نحو ذلك، فهذا كله مما يوجد فيه الضرر عليه وتوجد بسببه الحاجة، فيشرع له أن يطلق، ويكون الطلاق مستحبا، أي: مندوبا إليه، والسبب في ذلك: أن الشرع قصد رفع الضرر، فإذا كان بقاؤها فيه ضرر، وتطليقها يدفع هذا الضرر، فإن دفع الضرر مستحب شرعا، فالوسائل تأخذ حكم مقاصدها.
كذلك يكون الطلاق مستحبا ومندوبا إليه، وذلك فيما إذا كان الرجل ضعيفا والمرأة شابة، ولم يعطها حقها الذي يحفظها به من العفة، ويشعر أنه مضيق عليها ومقتر لها، وأنها إذا عاشرت غيره فإن ذلك أرحم بها وأرفق، فيكون مستحبا له أن يدفع الضرر عنها، وهكذا إذا كانت عندها بعض المعاصي التي لا توجب الحكم بوجوب طلاقها؛ فإنه يكون مستحبا؛ لأنه ربما نقلت هذه المعاصي إلى ذريتها وولده.
قال رحمه الله: [ويجب للإيلاء] ويجب الطلاق إذا كان طلاقا مبنيا على الإيلاء، فالرجل الذي حلف أنه لا يطأ أهله أو لا يطأ زوجته ومضى على حلفه أربعة أشهر وهو لم يقربها، وحلف على أربعة أشهر فأكثر، فإنه يوقفه القاضي عند تمام المدة، ويقول له: أنت بالخيار بين أمرين، إما أن تكفر عن يمينك وتطأ زوجتك؛ فحينئذ لا إشكال، وإما أن تطلق الزوجة، وتبقى على يمينك من أنك لا تطؤها، أما أن تمتنع من فراشها أكثر من أربعة أشهر فلا: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} [البقرة:226 - 227] .
فيخيره بين الأمرين.
فهذا النوع من الطلاق يسميه العلماء: طلاق الإيلاء، وسيأتينا في باب الإيلاء، والإيلاء من آلى الرجل إذا حلف، فهو طلاق منبن على حلفه اليمين أنه لا يطأ زوجته، فحينئذ يكون الطلاق واجبا.
كذلك يكون الطلاق واجبا إذا كانت المرأة فيها سوء وضرر، أو فيها فساد، وأمره أبوه أو أمرته أمه بتطليقها فوجب عليه البر؛ لأنه ليس في المرأة مانع يمنع من طلاقها وهناك أمر من الوالد، والأصل بر الوالدين، خاصة إذا كانت المرأة سيئة أو تقع في الحرام وتؤذي الوالدين، وبقاؤها فيه أذية للوالدين، فقال الوالد: يا بني طلق امرأتك؛ فإنه يجب عليه طلاقها برا لوالده ولوالدته، كما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه أن يطلق زوجته، وكما أمر إبراهيم عليه السلام إسماعيل أن يطلق زوجته، وكل ذلك ثابت وصحيح.
قال رحمه الله: [ويحرم للبدعة] يكون الطلاق حراما إذا كان طلاقا مخالفا للشرع، كطلاق المرأة الحائض، فإن طلاق المرأة الحائض مجمع على تحريمه، وأنه طلاق بدعة يأثم إن فعله، فلو قال رجل لامرأته وهي حائض: أنت طالق؛ فقد ارتكب الحرام، وأثم لتلفظه بالطلاق في هذه الحال، فهو طلاق محرم، أو كأن يطلق في طهر قد مس المرأة فيه، فإن طلق المرأة في طهر جامعها ومسها فيه، فإنه يعتبر طلاقا للبدعة؛ لأن الله يقول: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله} [الطلاق:1] ، فقوله: (فطلقوهن لعدتهن) أي: طلقوهن لقبل عدتهن، وقبل العدة، أي: استقبال العدة، وهذا إنما يكون في طهر لم يجامعها فيه، فإن طلقها في طهر جامعها فيه فإنه طلاق محرم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]