الموضوع: السنن الإلهية
عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم يوم أمس, 12:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الإلهية

السنن الإلهية ( 40) إجابة الدعاء


عادة إمامنا المكوث في المسجد بين المغرب والعشاء، يبحث مسألة في مكتبة المسجد، يقرأ ورده اليومي، يقضي حاجة أحدهم، يعطي درسا لمجموعة من المصلين.
قررت أن أجالسه بعد صلاة مغرب يوم الأربعاء، وقد بدأ المجلس بسؤال من (أبي راشد).
- كيف نوفق بين قول الله -تعالى-: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (النمل:٦٢)، وبين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر» (صحيح الترغيب).
- لا تعارض يا أبا راشد، بين سنن الله -عز وجل- الثابتة أنه يجيب المضطر إذا دعاه؛ ولذلك ذكر الله -عز وجل- هذه السنة ضمن آيات تبين انفراده -سبحانه- بأمور، وذلك في قوله -سبحانه-: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (النمل). في تفسير (ابن عاشور): «جعل الله -سبحانه- إجابة المضطر إذا دعاه من حقه الخاص الذي لا يشاركه فيه أحد، كخلقه السماوات والأرض، وإنزال المطر وإنبات الشجر، وجعل الأرض قرارا، وغيرها من الأمور التي انفرد بها بشهادة الخلق جميعا مؤمنهم وكافرهم» (انتهى بتصرف).
فهذه سنة ماضية، نافذة، وذلك أن المضطر هو الذي انقطعت به الأسباب، حينها يلجأ صادقا إلى الله -عز وجل-، فيستجيب الله -تعالى- له، وذكر الله -عز وجل- ذلك في آيات كثيرة من كتابه، مثل:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} (الإسراء:67)، وقوله -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (يونس:22-23).
وفي سورة النعكبوت: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:65).
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (الفلك:32).
لاحظ أنهم في جميع الأحوال {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}، مع أنهم كانوا على الكفر! فيستجيب الله لهم.
وهذا كان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل، فقد فرّ من مكة بعد أن فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - وركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فنادى عكرمة اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص (توحيد الله)، لا ينجيني في البر غيره، ورجع وأسلم، وللقصة تفصيل.
استفسر أبو راشد:
- هل تعني بأن الله -عز وجل- يجب دعوة المضطر، ويكشف ما فيه من شدة فورا؟!
- نعم، هذا إذا دعا بإخلاص ويقين، أما السنة الإلهية العامة في إجابة الدعاء فهي ما ورد في قوله -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60)؛ ولذلك ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه». وقال ابن القيم -رحمه الله- في (عدة الصابرين): «فمن أعطي منشور الدعاء أعطي الإجابة، فإنه لو لم يُرد إجابته لما ألهمه الدعاء».
- وكذلك قول الله -تعالى- بعد أيام الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).
- أحسنت يا (أبا محمد)، كان رابعنا في المجلس، جاسم وكنيته (أبو محمد).
يقول ابن تيمية -رحمه الله- في اقتضاء الصراط المستقيم: فمن دعاه موقنا أن يجيب دعوة الداعي إذا دعاه أجابه، وقد يكون مشركا وفاسقا فإنه -سبحانه- هو القائل: {إِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يونس:12)، وهو القائل -سبحانه-: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} (الاسراء: 67)، وهو القائل -سبحانه-: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} (الانعام: 40-41).
ولكن هؤلاء الذين يستجاب لهم لإقرارهم بربوبيته وأنه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه إذا لم يكونوا مخلصين له الدين في عبادته ولا مطيعين له ولرسوله كان ما يعطيهم بدعائهم متاعا في الحياة الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]