عرض مشاركة واحدة
  #467  
قديم 20-05-2025, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,312
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون... ﴾


تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 63].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾.

بيَّن الله - عز وجل - في الآيات السابقة خلقه لعيسى عليه السلام من أم بلا أبٍ، ثم شرع في هذه الآيات في إبطال عقيدة النصارى في تأليه عيسى - عليه السلام - وزعْمهم أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.

قوله: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ﴾ «إنَّ»: للتوكيد، و«مثل» بمعنى شبه، أي: إن شبه عيسى في خلق الله تعالى له من أم بلا أب.

﴿ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: في تقدير الله تعالى وحكمه وفي الواقع ونفس الأمر.

﴿ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾: الكاف: للتشبيه، أي: كشبه آدم.

﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾: بيان وتفسير لقوله: ﴿ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾؛ أي: كمثل آدم في خلق الله تعالى له ﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾ بلا أمٍّ ولا أبٍ، ووجهُ الشبه بين آدم وعيسى أن كلًّا منهما في خلقه خرقٌ للعادة، فآدمُ خُلِقَ من غير أبوين، وعيسى خُلِقَ من غير أب.

والضمير في ﴿ خَلَقَهُ ﴾ يعود إلى آدم.

﴿ مِنْ تُرَابٍ ﴾؛ أي: ابتدأ خلقَه من تراب، وصوَّر جسده من تراب.

﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ﴾: أي: كُن بشرًا حيًّا سويًّا كامل الخلق روحًا وجسدًا.

﴿ فَيَكُونُ﴾؛ أي: فيكون بشرًا بمجرد قوله - عز وجل -: «كن» من غير تخلف ولا تأخُّر؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 47].

قوله تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾؛ قال ابن القيم[1]: «فأخبر تعالى أن عيسى نظير آدم في التكوين بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الذي تعلق به وجود سائر المخلوقات، وهو مجيئها طوعًا لمشيئته وتكوينه، فكيف يستنكر وجودَ عيسى من غير أب من يُقر بوجود آدم من غير أب ولا أمٍّ، ووجود حواء من غير أُم، فآدم وعيسى نظيران يجمعهما المعنى الذي يصح تعليق الإيجاد والخلق به».

وقوله: ﴿ فَيَكُونُ﴾ دون أن يقول: «فكان» لاستحضار صورة تَكَوُّنِهِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9]».

﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ «الحق»: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: ذلك أو هذا الحق من ربك.

﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾: في محل نصب على الحال، أي: حال كونه من ربك.

و﴿ الحق ﴾: الشيء الثابت خبرًا كان أو حكمًا، فإن وصف به «الخبر» كان معناه: «الصدق» وإن وصف به «الحكم» كان معناه: «العدل»؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 33]، أي: ثبتت كلمةُ ربِّك.

﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: هذا الذى قص عليك في أمر عيسى وخلقه، هو الحق من ربك الذي لا حق غيره، ولا صحيح سواه.

﴿ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ الفاء: رابطة لجواب شرط مقدر، و«لا»: ناهية، و«تكن»: مجزوم بها وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الواو؛ لأن أصله «تكون».

و﴿ الممترين ﴾: جمع «ممتري» والامتراء: الشك والريب، أي: فلا تكن من الشاكين المرتابين فيما جاءك من الحق من ربك، وهو نهي له صلى الله عليه وسلم ونهي لأمته من باب أَولى وأَحرى، كما أن فيه تعريضًا بأهل الامتراء والشك من النصارى وغيرهم.

قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾.

ذكر الله - عز وجل - في الآيات السابقة شأن عيسى عليه السلام وأَمْر خَلْقه، وأن مثله في خلقه عند الله كمثل آدم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يباهل من حاجه في أمر عيسى عليه السلام وخَلْقه، بعد بيان الحق له من النصارى وغيرهم.

قوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ﴾ «الفاء»: عاطفة، و«من»: شرطية، و﴿ حَاجَّكَ ﴾: فعل الشرط، أي: فمن جادلك وخاصمك، وسمَّى ذلك محاجة؛ لأن كل واحد من المتجادلين يدلي بحجته ليغلب الآخر ويخصمه، ومنه الحديث: «حاج موسى آدم»[2].

﴿ فيه ﴾ الضمير يعود على عيسى عليه السلام، أي: فمن حاجك في شأن عيسى وخلقه، وفيما جاءك فيه من الحق من ربك بالحجج الباطلة، وأنكر أن يكون الله خلقه من أم بلا أبٍ، وادَّعى أنه ابن الله تعالى كما قالت النصارى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، قالوا: لأنه خلق من غير أب وتكلم في المهد، وقالوا: أنه الله؛ لأنه يحيي الموتى ويُبرئ المرضى، ويخلق من الطين كهيئة الطير ويخبر بالمغيبات.

كما قالوا: إنه ثالث ثلاثة؛ لأن الله تعالى يقول: خلقنا وقضينا وقدَّرنا وأنجينا، قالوا: لو كان واحدًا لقال: خلقت وقدرت وأنجيت... إلخ.

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾: «مِنْ» في قوله: ﴿ مِنْ بَعْدِ ﴾ تدل على المهلة بين مجيء العلم والأمر بالمباهلة؛ لإقامة الحُجة أولًا بالعلم والبيان والإعذار منهم.

و«ما»: موصولة، أي: من بعد الذي جاءك من العلم من الله تعالى بالوحي ببيان شأن عيسى - عليه السلام - وبيان ذلك لهم فكابروا وعانَدوا.

﴿ فقُلْ ﴾: جواب شرط «مَنْ»، والفاء: رابطة لجواب الشرط لأنه جملة طلبية.

﴿ تَعَالَوْا﴾ أي: هلُموا وأقبِلوا وائتوا، وجاء بضمير الجمع باعتبار معنى «مَنْ» في قوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ ﴾؛ لأن معناها الجمع.

﴿ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ﴾؛ أي: نُحْضِر نحن أبناءنا وتُحْضِرون أنتم أبناءكم، ونحضر نساءنا وتحضرون أنتم نساءكم، أي: يحضر كل منا الأبناء والزوجات لشهود الملاعنة.

﴿ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: ونَحضر نحن وأنتم.

وهؤلاء هم أعز ما يكون عند الإنسان في الدنيا، نفسه، وأبناؤه، وزوجاته.

﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ «ثم»: للتراخي الرتبي، و«الابتهال» افتعال من البهل، وهو: الدعاء باللعن، أي: ثم نلتعن، ويُطلق الابتهال على الاجتهاد في الدعاء، ولهذا سُمِّيَ اللعن ابتهالًا لأنه اجتهاد في الدعاء.

﴿ فَنَجْعَلْ ﴾ «الفاء»: عاطفة، أي: فَنُصَيِّر ﴿ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾، ﴿ لَعْنَتَ ﴾: مفعول به أول لـ«نجعل»، ولفظ الجلالة ﴿ الله ﴾ مضاف إليه.

﴿ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ جار وجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لـ«لنجعل» أي: فتجعل لعنة واقعة على الكاذبين، أي: فندعوا بإيقاع لعنة الله على الكاذبين.

و﴿ لَعْنَتَ اللَّهِ ﴾؛ أي: طرده وإبعاده عن رحمته وجنته.

﴿ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾؛ أي: على الكاذبين منا أو منكم.

وفي دعوتهم إلى المباهلة إلجاء لهم أن يعترفوا بالحق أو يكفُّوا، ودعوة إنصاف لا يدعو لها إلا من كان واثقًا أنه على الحق.

قال ابن كثير[3]: «وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران - أن النصارى حين قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة ردًّا عليهم».

وقد أشفق هؤلاء الوفد من النصارى من الملاعنة، فلم يقدموا عليها وخافوا الهلكة والاستئصال إن هم لاعَنوا، فعدَلوا إلى المصالحة ودفع الجزية، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرسل معهم رجلًا أمينًا يحكم بينهم في أشياء اختلفوا فيها في أموالهم، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله إن كان نبيًّا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا، فقال: «لأبعثَنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ»، فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح»، فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أمين هذه الأمة»[4].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال أبو جهل: إن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال: فقال: لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تمنوا الموت، لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين باهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا»[5].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.

قوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾: الإشارة لما ذُكِرَ في شأن عيسى عليه السلام، فهو تأكيد لما قصه الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام، ولهذا أُكدت هذه الجملة بثلاثة مؤكدات: «إنَّ» واللام، وضمير الفصل «هو» في قوله: ﴿ لَهُوَ ﴾.

كما أن في ضمير الفصل «هو» حصرًا للحق في هذا القصص دون سواه.

و﴿ القصص ﴾: مصدر قصَّ يقص قصًّا وقصصًا، ويُحتمل أن يكون هذا مصدرًا بمعنى «الفعل»، وأن يكون مصدرًا بمعنى «اسم المفعول»؛ أي: إن هذا لهو المقصوص الحق، والقصص تتبُّع الوقائع والإخبار عنها شيئًا بعد شيء على ترتيبها، ومنه: «قص الأثر»، وهو اتِّباعه.

و﴿ الحق ﴾: صفة للقصص، أي: القصص الثابت الصحيح الصدق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار والقصص، وعدلًا في الأحكام؛ أي: إن هذا الذي ذكره الله في شأن عيسى عليه السلام هو القصص الحق، لا ما تقصه كتب النصارى وعقائدهم.

﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ﴾: لما أكد عز وجل أن ما قصه بشأن عيسى حق نفى أن يكون إله غير الله ردًّا على النصارى في تأليههم لعيسى- عليه السلام.

قوله: ﴿ وَمَا مِنْ ﴾ الواو: عاطفة، و﴿ وَمَا ﴾: نافية، و﴿ من ﴾ زائدة من حيث الإعراب ومؤكدة للنفي من حيث المعنى، للتنصيص والاستغراق في النفي.
﴿ إله ﴾؛ أي: معبود بحق.

﴿ إِلَّا اللَّهُ﴾ «إلا»: أداة حصر، أي: وما من معبود بحق إلا الله تعالى وحده، لا إله غيره، ولا رب سواه، فهو - عز وجل - وحده المألوه المعبود بحق محبةً وتعظيمًا.

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: الجملة كسابقتها مؤكَّدة بـ«إنَّ» واللام وضمير الفصل «هو».

و﴿ الْعَزِيزُ﴾: اسم من أسماء الله تعالى يدل على أنه - عز وجل - ذو العزة التامة بأقسامها الثلاثة: عزة القوة، وعزة القهر والغلبة، وعزة الامتناع.

﴿ الْحَكِيمُ﴾: اسم من أسماء الله - عز وجل - يدل على أنه الحاكم ذو الحكم التام بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، ويدل على أنه سبحانه «المحكم» المتقن لكل ما قدَّر وشرع ذو الحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية.

قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾.

قوله: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: التولي: الإعراض بالقلوب والأبدان، أي: فإن تولوا وأعرضوا ونكصوا عن المباهلة وعن اتباع الحق.

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾؛ أي: فإن الله ذو علم واسع بالمفسدين، أي: فإنما هم مفسدون؛ لأنهم إنما قصدوا المعاندة والمكابرة، ولم يتطلبوا الحق، والله عليم بالمفسدين، وأظهر في موضع الإضمار فلم يقل: «عليم بهم»؛ لوصفهم بالمفسدين وتسجيل ذلك عليهم، وليعم هذا الوصف بالإفساد كل مَن تولَّى عن اتباع الحق، ولإظهار عموم علمه - عز وجل - بجميع المفسدين من هؤلاء وغيرهم، وفى ذلك تحذيرٌ ووعيدٌ وتهديدٌ لمن تولَّى عن الحق.

[1] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 500).

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4738)، ومسلم في القدر- حجاج آدم وموسى عليهما السلام (2652)، وأبو داود في السنة (4701)، والترمذي في القدر (2134)، وابن ماجه في المقدمة (80)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] في «تفسيره» (2/ 40).

[4] أخرجه البخاري في المغازي (4380)، وأخرجه مختصرًا مسلم في فضائل الصحابة (2420)، والترمذي في المناقب (3796)، وابن ماجه في المقدمة (135).

[5] أخرجه أحمد (1/ 248).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]