عرض مشاركة واحدة
  #575  
قديم 20-05-2025, 03:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

استئذان المرأة من زوجها عند خروجها في كل مرة
السؤال إذا طلبت الزوجة من زوجها أن يأذن لها إذنا عاما، فهل الأفضل لها أن تستأذنه في كل خروج تعظيما لحقه وإشعارا لمكانه؟
الجواب لا شك أن المرأة الصالحة إذا أحسنت التبعل لزوجها، وكانت على أتم أحوال الأدب؛ فهذا أكمل لدينها، (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) المرأة الصالحة الدينة دائما تخشى الله عز وجل في حق بعلها، فحينما تجده يكرمها أو يأذن لها في أمر واحتاجت إلى هذا الأمر مرة ثانية مع وجود الإذن المسبق، وعلمت أنه لا يضجر، وإنما أرادت أن تجله وتوقره؛ فإن هذا قربة، ولها المثوبة من الله عز وجل على ما فعلت، وهكذا كل من له حق وفعلت فعلا معه إجلالا له؛ لأنك ما فعلت هذا إلا تعظيما وإكراما، فالمرأة أمرت بإكرام زوجها، والله عز وجل يقول: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف:189] المرأة سكن للرجل، والزوج إذا نظر إلى امرأته وفية، كريمة، صالحة، كلما مكنها من أمر تأدبت معه، وكانت على الكمال في الانتفاع بإذنه؛ فإن هذا يزيد من محبتها، ولا شك أن كل زوجة ستعاشر زوجها سيشهد أمام الله بخيرها وشرها.
وهذا كمال وفضل، ولا تفعل هذا إلا المرأة الصالحة الدينة الكاملة الفاضلة، تستأذن زوجها مع وجود الإذن، لكن بشرط أن لا يضجر الزوج من ذلك، ولا يحدث عنده نوع من الكراهية، والمرأة فطنة تدرك هذه الأمور، ويذكر بعض مشائخنا -رحمة الله- عليهم مثلا في تأدب طلاب العلم مع مشائخهم، وتأدب الصغار مع الكبار، وتأدب الولد مع والده أنه إذا وثق الوالد في ولده فأسند إليه أمرا، فرجع الولد إلى والده وسأله كيف يفعل؟ وماذا يأتي؟ وماذا يصنع؟ أعظم والده ذلك منه، ودله على كمال عقله وفضله ونبله، مع أنه يمكن أن يقوم بالأمر، لكنه قصد من هذا إشعار والده أنه ما زالت له ولاية عليه، وأنه وإن كان يثق أنه سيقوم بالأمر فإنه لا يزال محتاجا إليه، هذا هو الشعور النفسي، وهو مرتبة الكمال والفضل، ولا يحرص على معالي الأمور ومكارم الأخلاق على أتم وجوهها إلا مؤمن صالح ومؤمنة صالحة.
المرأة تحرص غاية حرصها على طلب مرضاة الله عز وجل بمثل هذا، وهذه أمور قد يراها الإنسان يسيرة، ولكنها عند الله كبيرة، الأدب لا يضر صاحبه، بل ينفعه ويكرمه ويجله، وخاصة مسائل تعظيم شعائر الله عز وجل.
المرأة المؤمنة حينما يأذن لها زوجها، وترجع مرة ثانية وتأخذ منه الإذن مع وجود الإذن العام، أو تعلم أنه يرضى بالشيء، ومع ذلك تأتي وتقول له: هل أفعل أو لا أفعل؟ حينما تفعل هذا أمام أولادها ماذا سيكون له من الأثر؟ ولذلك كم من امرأة صالحة كانت تحت يد أم تخاف الله عز وجل وتتقيه وتحسن الأدب مع زوجها؛ وصلت إلى مراتب الكمال بما رأت من تصرفات أمها مع أبيها، وهذا هو البيت المسلم الكامل الفاضل.
والمسائل النفسية مهمة جدا، المرأة لما تستأذن من زوجها له آثار طيبة، حتى كان بعض العقلاء الحكماء من كبار السن يوصي أولاده بقوله: لا تأذن إذنا عاما، وقل لامرأتك: إذا أرادت أن تستأذن أن تستأذن أمام أولادها وبناتها، حتى يتعلم أهل البيت الاستئذان، والإجلال لذي الحق، وما عرفنا بيوت المسلمين إلا على هذا الأثر، ولا قامت بيوت المسلمين إلا على هذا الإكرام من النساء الصالحات، وهذا والله لا ينقص المرأة أبدا، وأعداء الإسلام يحرصون كل الحرص على قطع مثل هذه المعاني، ويقولون: المرأة حرة في نفسها فلا تستأذن الرجل، وهذا كله اعتداء لحدود الله، وتمرد على الشريعة، وتمرد على مكارم الأخلاق الفاضلة؛ لأنهم يريدون المرأة كالرجل سواء بسواء والله يقول: {وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران:36] وما أخبر الله عنه -وهو أصدق القائلين- فلن يستطيع أحد أن يرده كائنا من كان، فإن الرجل ليس كالأنثى، ولو شاب الغراب؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا حكم في أمر لا يمكن لأحد أن يعقب حكمه، {يحكم لا معقب لحكمه} [الرعد:41] .
فالمرأة حينما تأتي أمام أولادها وتقول: هل أخرج؟ يتعلم كل من في البيت أنه لا يخرج إلا بإذن الوالد، ولذلك كم من أطفال صغار نظروا إلى أمهاتهم وهن لا يخرجن إلا بالإذن، فأصبح الابن يتربى على الإذن، فنشأ البيت كله تحت قيادة الأب، ورعاية الأب، مع أم صالحة دينة وفية كريمة ذات خلق وذات فضل، فصلحت الأسرة، وقد كانت بيوت المسلمين على هذا، وقوة الأمة الإسلامية تكون بقوة البيت المسلم وتماسكه واعترافه بقيام الرجل على المرأة.


وهذا الأدب فيه سمو وعلو للمرأة؛ لأن المرأة بفطرتها وخلقتها لا يمكن أن تصلح إلا بهذا، ولتنظر إلى أي بيت تكون فيه المرأة راعية لنفسها متمردة على بعلها تجده -والعياذ بالله- أشقى البيوت، تجده بيتا مدمرا، والله لو جلسوا على المتاع الوفير، وأحسنوا فيما هم فيه من نعيم الدنيا؛ لكن صدورهم في ألم وشقاء وعناء لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ لأن المرأة إذا رأتها ابنتها لا تستأذن، وتخرج متى شاءت، خراجة ولاجة متى أرادت، متمردة على بعلها؛ تمردت هي على أبيها غدا، وتمرد الابن على أبيه غدا، وأصبح البيت بدون قائد وبدون راعي، والله عز وجل جعل الرجل راعيا في بيته، وجعله قائما على أهله وولده {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم:6] ولذلك تجد المرأة المسلمة تربي أبناءها وبناتها من الصغر ومنذ نعومة أظفارهم على الأدب، فلا يخرج الولد من عند الباب حتى يستأذن والده، وحق لها أن لا تموت حتى ترى حسن الأثر لمثل هذه الآداب والأخلاق في أولادها؛ لأن المرأة لو ربت أولادها على هذا الشعور النبيل الفاضل استقام أمر البيت، وتجد الآن -ما شاء الله ولا قوة إلا بالله- رجلا كاملا في رجولته، لكن ما إن يدخل بيت أبيه إلا عاد على حاله أيام الصغر، وفاء وحفظا للعهد الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (حفظ العهد من الإيمان) ، فيدخل البيت وإذا به تحت والده، حتى أن بعضهم يقول: والله إنه كبر والدي، وهو في آخر عمره، وما زالت في هيبة والدي التي أعرفها في الصغر؛ لأن الأم كانت ممسكة بزمام البيت، وكانت محافظة على فرض هذا الشعور، ولله درها من أم، ولا يمكن أبدا أن تستقيم أمور البيوت ولا الحياة الزوجية إلا بمثل هذا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد - يعني: وهي تذهب إلى الصلاة لا بد أن تستأذن- فلا يمنعها) ويقول: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فإذا كانت في الطاعات تستأذن، فكيف في أمور الدنيا؟ فلا شك أن خروج المرأة لا بد فيه من الإذن، ولا بد أن تراعي الأكمل والأفضل في هذا.
والإنسان إذا حرص دائما على مراتب الكمال، كمل الله عز وجل أموره في كل شيء، حتى وأنت في إدارتك ووظيفتك مع من هو أكبر منك وأعلى منك، تتأدب، فإذا بالقلوب تجمع على محبتك، والظنون السيئة تبتعد عنك؛ وهذا من حسن ما جعله الله لأهل الإيمان من الود، فإنه لما كملت أخلاقهم وكمل إيمانهم بحسن الخلق جعل الله لهم المحبة في الخلق، وذلك قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم:96] أي: سيجعل الله لهم الود، وهو: خالص الحب، لكن بماذا؟ بفضله سبحانه ثم بالإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وأكملهم خلقا، والمرأة المؤمنة إذا كمل خلقها كملت محبتها، وعندها تصبح المرأة ناجحة، وتصبح المرأة ممسكة بزمام الأمور، بعد كبر الأبناء والبنات؛ ترى حسن العاقبة والأحوال.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرمنا بهذه الأخلاق، وأن يهدي شباب المسلمين وشاباتهم إلى التمسك بها والعمل بها، والله تعالى أعلم.
كيفية الإيجاب والقبول لمن تولى طرفي عقد الزواج بالوكالة
السؤال إذا تولى رجل طرفي عقد الزواج -كأن يكون وليا للمرأة ووكيلا للزوج- فكيف يكون الإيجاب والقبول؟
الجواب هذه المسألة خلافية بين العلماء رحمهم الله، بعض أهل العلم يرى أنه يمكن أن يكون شخص واحد كافيا في طرفي العقد، وحينئذ لا يشترط الإيجاب والقبول؛ لأن العقد يقوم على الصيغة قولا وفعلا، فإذا انتفى وتعذر أن تكون الصيغة بالقول بأن يخاطب نفسه ويقول: بعت واشتريت، انتقلت إلى الفعل؛ لأنه بمجرد أن يأخذ الشيء المبيع ويقبضه، فقد انتقل إلى ملكه، مثلا: يأخذ العشرة آلاف ريال ليشتري بها سيارة من الأيتام، فيضعها في رصيد الأيتام ثم يقبض السيارة فحينئذ قد تم العقد، فيكون الفعل منزلا منزلة القول، فإذا تعذر القول انتقل إلى الفعل، كما هو الحال في المعاطاة ونحوها، والله تعالى أعلم.
حكم جمع المسافر للصلاة بدون قصر
السؤال هل يجوز للمسافر أن يجمع بدون قصر؟
الجواب المسافر لا شك أن الله عز وجل رخص له قصر الصلاة، فإذا أتم الصلاة أمكنه أن يجمع، مثلا: جاء إلى مكة مسافرا، وطاف بالبيت، وأقيمت صلاة الظهر وهو يريد أن يسافر إلى الطائف، فلما صلى الظهر مع الإمام أربع ركعات؛ أقام صلاة العصر وصلاها ركعتين، فإنه أتم الصلاة الأولى، أو العكس، يتم الصلاة الثانية، مثل أن يقيم لصلاة الظهر ويصليها قصرا، وبعد سلامه يصلي العصر مع الإمام، فقد أتم الثانية، أو يدخل مع جماعة فاتتهم صلاة الظهر فأتموا، ثم تأتي مجموعة ثانية تصلي الظهر تامة فيصلي معهم بنية العصر، فصليت مع الجماعة الأولى الظهر ثم أردت أن تصلي العصر فجاءت جماعة ثانية فصليت معهم لتكسب أجر الجماعة، هذا كله لا بأس به، فتكون جمعت بين الصلاتين ولم تقصر لا الأولى ولا الثانية، أو جمعت بين الصلاتين فقصرت الأولى ولم تقصر الثانية أو العكس كله جائز، لكن لو يقصد ذلك وهو مسافر، فيتم الظهر ويتم العصر فهذا خلاف السنة، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر) .
فلا ينبغي للمسلم أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وعليه التزام السنة، والحرص على صلاة العصر والظهر والعشاء مقصورة، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يوجد العذر، مثل أن يصلي وراء مقيم متم، والله تعالى أعلم.
تقديم الحضور مبكرا للصف الأول على صلاة السنة في البيت
السؤال من كان يؤدي ركعتي الفجر في بيته ولا يأتي المسجد إلا على الإقامة حرصا منه على السنة، ولكن يفوته الصف الأول في الغالب، فهل في ذلك حرج؟
الجواب لا، الأفضل أن يبكر إلى المسجد، ويصلي تحية المسجد، وينال فضيلة الصف الأول؛ لأن القاعدة عند العلماء أن فضائل الفرائض مقدمة على فضائل النوافل، فصلاة النافلة في البيت هذا بالنسبة لفضيلة النافلة (صلوا في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) هذا الوجه الأول للتفضيل.
الوجه الثاني: أن الفضيلة المنفصلة عن ذات الصلاة والفضيلة المتصلة بذات الصلاة إذا تعارضتا قدمت الفضيلة المتصلة بذات الصلاة، والصف الأول فيه فضيلة المكان للصلاة، فتقدم على الفضيلة المنفصلة عن الصلاة، ولذلك قالوا: لو كنت عند ركوبك للسيارة تدرك الصف الأول، وتدرك تكبيرة الإحرام أو تدرك التأمين، ولو مشيت على قدميك لا تدرك ذلك، فاركب السيارة وهذا أفضل؛ لأنك تدرك فضيلة الصف الأول وفضيلة التأمين وهما فضيلتان متصلتان بالصلاة، بخلاف فضيلة المشي للصلاة فإنها فضيلة منفصلة عن الصلاة، وإذا تعارض المتصل والمنفصل قدم المتصل على المنفصل، فهذه كلها قواعد للتفضيل أشار إليها العلماء في كتب القواعد، فأنت تقدم في هذه الحالة ما تقدم، لكن تنوي في قرارة قلبك أنه لولا أنك تريد الصف الأول وفضيلة الصف الأول لصليتها في بيتك حتى يكتب الله لك أجر السنة، والله تعالى أعلم.
حكم تحجيج الزوج لزوجته
السؤال إذا كان الزوج مستطيعا فهل يلزمه أن يحجج زوجته؟
الجواب ليس على الزوج أن يحجج زوجته، ولكن الأفضل والأكمل أن يفعل ذلك، فإن حج الزوجة ليس من الأمور المتعلقة بالزوجية، ولكن لا شك أنه إذا احتسب الأجر عند الله عز وجل وحججها فإن الله يأجره، وينبغي للأزواج أن يحرصوا على ذلك، وأن يعينوا أزواجهم على الحج وعلى ذكر الله وطاعة الله عز وجل لما في ذلك من زيادة الخير والبر لهم، وإذا صلحت المرأة أصلح الله بصلاحها أمور البيت وصلحت لبعلها، وكان أول من يرى أثر صلاحها زوجها وأولادها، فعلى الزوج أن لا يقصر في مثل هذا، وعليه أن يحتسب الثواب عند الله وليحمد الله جل جلاله أن رزقه امرأة تريد منه أن يعينها على طاعة ربها، فإذا فعل ذلك شكر الله عمله وبارك ماله وأحسن له العاقبة، والله تعالى أعلم.
الفرق بين: (عام مخصوص) و (عام مضاف إلى الخصوص)
السؤال هل هناك فرق بين عام مخصوص وعام مضاف إلى الخصوص؟
الجواب عام مخصوص أي: دخله مخصص، ودخله التخصيص، أي: جاء نص خاص يخص هذا العموم، تقول: هذا عام وهذا خاص، سواء اختص بصحابي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أو اختص بشخص آخر توفرت فيه الصفات، مثلا يقول الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282] لما قال الله تعالى: (( فرجل وامرأتان )) وقال: (( واستشهدوا شهيدين من رجالكم )) دل ذلك على أن الأصل في الشهادة العدد؛ فلا يقبل الشاهد الواحد، ومع ذلك قبل عليه الصلاة والسلام شهادة خزيمة وحده، فعندنا عام وعندنا خاص، فهذا العام الذي ورد من الشرع خصه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصحابي، فجعل شهادته كشهادة رجلين، فهذا لا نعتبره لكل الأمة، فلا تكفي شهادة واحد في الأحكام، ولا يقبل القاضي شهادة الواحد وحده، وإنما يقضي بشهادة رجل مع امرأتين، أو شهادة رجل مع رجل، أو شهادة رجل مع اليمين في أمور الأموال، وما يتعلق بها كما سيأتي -إن شاء الله- في باب القضاء، فنقول: قضية خزيمة خاصة، والأصل في العام أن يبقى على عمومه، ولكنه عام دخله التخصيص على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصحابي، فهذا تخصيص يختص بعينه.
وهناك تخصيص عمومي في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، مثلا: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتحية المسجد، وورد عنه أنه نهى عن الصلاة بعد صلاة العصر، والجمهور يرون أن الأمر بتحية المسجد عام، والنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر خاص تعلق بالوقت والزمان، فيقولون: يصلي تحية المسجد في سائر الأوقات إلا في الأوقات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا عام دخله التخصيص، فيقولون: هذا العموم يفعل في كل وقت إلا في هذه الحالة الخاصة التي استثناها الشرع.
أما بالنسبة لعام أريد به الخصوص، فيأتي اللفظ عاما في كتاب الله عز وجل لكن المراد به الخصوص، فيختلف عن الأول، الأول عام شامل لجميع الأمة، فلما أمر بتحية المسجد فهو أمر لجميع الأمة بصلاة تحية المسجد، لكن قد يأتي أمر لا يريد به الله عز وجل العموم، وإنما يريد به طائفة معينة مثل: قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} [النور:32] (( أنكحوا )) كلنا مأمور أن ينكح، لكن هل أنا مأمور بهذا الأمر؟ إنما يؤمر به من عنده هذا الشيء، فحينئذ نقول له: أنكح الأيامى الذين عندك والصالحين من عبادك وإمائك، فعنده رقيق وانطبق عليه هذا الأمر، فهذا عام أريد به خاص، وأريد به طائفة مخصوصة، ولا يراد به العموم لكل الأمة؛ لأنه لا يمكن أن يكون لكل أحد عبد أو أمة حتى ينكحها أو ينكحه.
فيكون النص عاما ويراد به الخاص، ويكون خاصا ويراد به العموم، ويأتي عام فيدخله التخصيص، ويأتي عام مراد به طائفة معينة خاصة، والنصوص يعمل بها على حسب ما دلت عليه الأدلة، ما لم تقم القرينة أو الدليل على التخصيص أو إرادة العموم، والله تعالى أعلم.
حكم طلب الزوجة الطلاق لأدنى مشكلة
السؤال بمجرد حصول أدنى مشكلة بين الزوجين تطلب المرأة فورا الطلاق، فهل يجوز لها ذلك؟
الجواب لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير ما بأس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة ذلك كما في الصحيح، وورد فيه الوعيد الشديد وهو أن (الجنة على المرأة حرام إذا سألت الطلاق من غير ما بأس) -نسأل الله السلامة والعافية- فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل.
وأما بالنسبة للمشاكل الزوجية فالواجب على المرأة أن تصبر، وأن تحتسب عند الله عز وجل الثواب، وكل إنسان إذا ضاع حقه وأهينت كرامته، وأذل في عزه، واعتدي على ماله؛ فليحتسب أمره عند الله عز وجل، فإن الله نعم المولى ونعم النصير، والمرأة لا يرد حقها الطلاق، ولا يرد حقها هدمها لبيتها وأذيتها لأطفالها، فلتعلم المرأة أنها إذا سألت زوجها الطلاق أنها تهدم بيتا من بيوت المسلمين، ولتعلم أنها إذا سألت الطلاق أنها تدمر أسرة من أسر المسلمين، والله سائلها عن ضياع أبنائها وفلذات كبدها، وعليها أن تكون قوية تستعصم بربها، وكم من صعاب ذللت وهموم تبددت ومشاكل وغموم أزيلت بالثقة بالله جل جلاله، فإن الله نعم المولى ونعم النصير، خاصة للمرأة لأنها ضعيفة، وضعفها موجب لرحمة الله عز وجل لها، ولعظيم شأن المرأة، ولكثرة المظالم التي تقع عليها؛ أخبر الله عز وجل أنه يسمع شكواها من فوق سبع سماوات، وهذا ليس خاصا بالمرأة، بل هو سبحانه يسمع كل شكوى، ويجيب ويكشف كل بلوى، فهو سبحانه وتعالى منتهى الشكوى، وكاشف الضر والبلوى، جل جلاله وتقدست أسماؤه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم) .
وعلى المرأة أن تعلم أنها مهما فعلت مع زوجها فأجرها على الله، وكل إنسان يضع هذا الاعتقاد وهذا الشعور في قلبه يزول عنه عناء الدنيا ونكدها، إياك أن تفعل أي حسنة وتنتظر من أحد ثوابا أو جزاء عليها غير الله جل جلاله، وطن نفسك على ذلك، ليس لك إلا ربك، ولا أرحم بك من الله جل جلاله، عود نفسك على ذلك فتستريح من هموم الدنيا كلها، كل هذا ثقة بالله وحده، ولذلك ما من أحد يعلق قلبه بغير الله إلا عذبه الله بذلك التعلق.
ومن هنا قد تجد المرأة تكافح وتكابد وهمها أن ترضي زوجها دون أن يكون ف يبالها رضا الله عز وجل، فيأتي اليوم الذي يوليها ظهره فيكفر معروفها وينسى فضلها فتصدم بذلك، ولكنها إذا وطنت قلبها بالاستعانة بالله وأصبحت في جميع حركاتها وسكناتها تلتمس أول ما تلتمس مرضاة الله، وإذا أحسنت لبعلها تفكر أول شيء هل هذا الإحسان الذي تريد أن تقوم به والسرور الذي تدخله عليه هل هو يرضي الله أو لا يرضيه؟ فإن كان يرضي الله فعلته، وإن كان لا يرضي الله تركته، ولا تبالي بأحد كائنا من كان، ووالله ما وطنت نفسها على ذلك إلا جعل الله ضيق الدنيا عليها سعة، وأسعدها في نفسها وولدها وبعلها، ولو طلقها زوجها أو فارقها أبدلها الله خيرا منه.
ولا يمكن أن تستقيم حياة المرأة بل حياة كل عبد إلا بهذا الأساس، ولذلك أي إنسان يقوم بشيء يجامل به أهل الدنيا أو ينتظر به من أهل الدنيا شيئا إلا عذبه الله به، وبكى طويلا وبكى مريرا وتقرح قلبه وشقيت نفسه؛ فمن يريد غير الله عز وجل فقد خاب وخسر، فإن كان يطلب الغنى أذله الله بالفقر، وإن كان يطلب الكرامة ألبسه الله المهانة، فلا كرامة إلا بالذلة بين يدي الله، ولا عزة إلا بالذلة بين يدي الله عز وجل، ولا استغناء إلا بالله الذي لا تنفد خزائنه، فعلى المرأة دائما أن توطن نفسها على ذلك، وليس عند كل مشكلة تصيح في وجه زوجها: طلقني طلقني، هذا ليس من العشرة بالمعروف، وليس من شيمة المرأة المؤمنة.
الطلاق لا يذكر في بيت مؤمنة، أبدا، بل تصبر وإن رأت خيرا حمدته، وقالت: الفضل كله لله، قيل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما ابتليت ورأت الشدة والكرب وضاقت عليها الأرض بما رحبت في أعز شيء تملكه المرأة بعد دينها وهو عرضها، قذفت وأوذيت رضي الله عنها وأرضاها، فلما أوحي إليه عليه الصلاة والسلام ببراءتها، وبشرها عليه الصلاة والسلام بذلك، وبدت أسارير وجهه تبرق عليه الصلاة والسلام من الفرح بنصر الله لوليته المؤمنة؛ وبعد أن انتهت الآيات قيل لها: اشكري رسول الله، قالت: لا والله، بل أشكر الله، أول شيء وجهت وجهها لله سبحانه الذي كان معها نعم المولى ونعم النصير، فرسول الأمة جلس بين يديها وقال: (يا عائشة -كما في الصحيح- إن كنت أذنبت ذنبا فتوبي إلى الله واستغفريه) فتنة عظيمة، وشهر عظيم مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الأسى والبلاء مما يجده عليه الصلاة والسلام في عرضه؛ لأنه أمر ليس بالهين، ومع ذلك ثبتت أم المؤمنين ذلك الثبات العظيم، الذي دل على أنها موقنة بربها، والشيء من معدنه لا يستغرب، فأبوها صديق الأمة رضي الله عنه وأرضاه، الذي باع نفسه وماله وأهله كله لمرضاة الله جل جلاله، وهذا كله لا يكون إلا بكمال التوحيد وكمال الإخلاص {ومن يعتصم بالله} [آل عمران:101] من يعتصم من الرجال أو من الإناث أو من الأقوياء أو من الضعفاء {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران:101] سلوة الدنيا وسرورها وبهجتها وحبورها كله مطلوب بالثقة بالله جل جلاله، فالمرأة دائما تعود نفسها على هذا، فإذا جاءت المشاكل وواجهت زوجها بما يكره هنا تزداد المشكلة، فالمرأة تحسن التبعل لزوجها وتقوم على خدمته، وبعض الأزواج -أصلحهم الله- قد يكون فظا، وقد يكون غافلا عن بيته، وعلى كل مؤمن أن يتقي الله ويفكر في زوجته وهي بين أربعة جدران تغسل ثوبه، وتكنس بيته، وترعى صغيره، وتقوم على شئونهم؛ حتى يستطيع أن يعاملها بما تستحقه، وأن يكافئ معروفها، فيكون برا وفيا لها، فإذا كان الرجل جاهلا بهذه الأمور فصاح في وجهها واستفزها وآذاها، فخرجت منها هذه الكلمات، فلا ينبغي لها هذا؛ لأنها تعلم علم اليقين أنها تعامل الله سبحانه وتعالى ولا تعامل زوجا فقط، فإذا فعلت ذلك أنعم الله عيشها وأقر عينها وأسعدها في نفسها وبيتها، وجعل لها حسن العاقبة.
وعلى الرجل المؤمن دائما أن يقوي صلته بالله جل جلاله، فإذا فعل ذلك فقد نعم عيشه وطابت حياته ولما ينتظره عند الله عز وجل أعظم وأجل؛ لأن القلوب إذا عاملت ربها أعظم جزاءها كما قال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا} [الأنفال:70] .
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا كمال الإيمان به، وصدق الالتجاء إليه، وصدق المحبة والرغبة فيما عنده، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]