عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25-05-2025, 02:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,373
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. من روائع الأوقاف القرآنية


  • اتجهت الجهود الصادقة من أبناء الأمة جيلا بعد جيل للعناية بالقرآن العظيم وسَخَّرت جُلّ علومها ومعارفها في سبيل ذلك
جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».
ذكر ابن مرزوق أنه وقف على المصحف المذكور في قبة الشراب بالحرم المكي، وقال: «وقد رأيت بمكة -شرفها الله- المصحف الذي بعثه أبو يعقوب بخط ابن حسن، وكان وجهه محلى بالذهب المنظوم بالجواهر النفيسة، فانتزع ما عليه، وبقي في قبة الشراب يقرأ فيه احتساباً، وقد قرأت فيه في أعوام».
كما أن السلطان أبا الحسن المريني (ت 752 هـ) بعث إلى الحرم المكي مصحفًا كتبه بيده، وتولى تنميقه وتذهيبه مشاهير الوراقين كما تولى ضبطه وتهذيبه أكابر القراء، بينما تفنن مهرة الصناع في تغشية وعائه بصفائح الذهب وترصيعه بالجواهر واليواقيت (واتخذ له أصونة الجلد المحكمة الصنعة المرقوم أديمها بخطوط الذهب ومن فوقها غلائف الحرير الديباج وأغشية الكتان).
شراء أوقاف على القراء
ولم يكتف السلطان أبو الحسن ببعث هذا المصحف، بل شفع ذلك بمبلغ مالي قدر بستة عشر ألف وخمسمائة دينار ذهب لشراء الضياع بالمشرق لتحبيسها على القراء في المصحف، وذكر ابن الوردي في تاريخه في أثناء حوادث عام 747هـ (أن أبا الحسن كتب من مدة قريبة بخطه ثلاثة مصاحف، ووقفها على الحرمين الشريفين وعلى حرم القدس) ثم أضاف بأن أبا الحسن جهز مع المصاحف الثلاثة عشرة آلاف دينار اشترى بها أملاكاً في الشام ووقفت على القراء والخزنة للمصاحف المذكورة.
بعث السلطان عبدالله بن إسماعيل إلى المسجد النبوي ثلاثة وعشرين مصحفا بين كبير وصغير كلها محلاة بالذهب مرصعة بالدر والياقوت، ومن جملتها المصحف الذي يقال بأن عقبة بن نافع نسخه من المصحف العثماني.
وقف المصاحف
خطاب الضرير المتوفي بدمشق سنة 968 هـ، كان أحد الفقراء المهتمين بوقف المصاحف، فكان «إذا حصل له شيء من الدراهم اشترى به مصحفا ووقفه»، وكان محمد ابن أحمد بن حسن العينتابي وهو من أهل القرن التاسع، خطاطاً مجيداً كتب لنفسه ولغيره. وقد وقف مجموعة من المصاحف بخطه.
وقف حفظ القرآن الكريم
هناك وقف للصبيان الذين يحفظون شيئًا من القرآن الكريم يسمعونه كل يوم خميس ويأخذون دراهم استنهاضاً لهممهم، وتفريجًا لقلوبهم، تمثل دور الكتب صروحًا فكرية وحضارية في التاريخ الإسلامي، وهي ذات رسالة سامية تتمثل في التشجيع على نشر العلم والفكر، ولم يقتصر دور الكتب على أنها أماكن تحفظ فيها آلاف الكتب، بل كانت مراكز علمية تعقد فيها المجالس والدروس، وكان طلاب العلم يقصدونها من كل حدب وصوب، للأخذ من أمنائها أو العلماء فيها.
فقد وقف رمضان بن إلياس وقفه على قراءة القرآن العظيم في الجامع العمري الكبير في غزة، ووقف ابن مزهر مزرعة جادور بالقدس على قراءة القرآن بالصخرة المشرفة، وخصص الغرس خليل بن الشهابي جزءاً من وقفه لرجل يقرأ القرآن عقيب صلاة الفجر بالجامع الجديد، وحددت وقفية عائشة الرومية خمسة قراء يقرؤون القرآن بالصخرة الشريفة كل يوم بعد العصر جزأين كاملين من القرآن الكريم في تربة الواقف.
إضافة إلى القرآن الكريم فقد نال الحديث الشريف نصيبا من وقفياتهم؛ إذ وقف مقبل الحسامي وقفه على من يقرأ صحيح البخاري في شهر رجب وشعبان ورمضان في كل يوم خميس واثنين بجامع صفد المحروسة، وخصص أولاد الزيني أمير حاج جزءاً من وقفيتهم لشيخ له سند متصل بالإمام البخاري يقرأ في كل يوم في شهر رجب وشعبان ورمضان من صحيح البخاري ما تيسر.
توفير الألواح للكتابة
في المغرب أوقاف كانت لتوفير الألواح التي يكتب عليها التلاميذ القرآن الكريم، أو الأقلام والإنارة وعطاء لمعلمي القرآن الكريم.
العناية بالقرآن الكريم وخدمته
العناية بالقرآن العظيم والاشتغال به وخدمته والسعي إلى إيصال رسالته للعالمين كافة، يعد من أجل الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى رب الأرض والسموات، وهي من أفضل الطاعات التي يُنفق المسلم الصادق في سبيلها الأعمار والأوقات، ويَبذل من أجلها كل غال ونفيس؛ فقد اعتنى المسلمون منذ فجر التاريخ وانبثاق نور الوحي على ربوع العالم بالقرآن الكريم عناية كُبرى، شملت جميع نواحيه وأحاطت بكل ما يتصل به من علوم ومعارف.
وكان لهذه العناية والرعاية آثارها المباركة الطيبة في حياة الناس عموما والمسلمين خصوصا، وقد أفاد منها كل مظهر من مظاهر النشاط الفكري والعملي عرفه الناس في حياتهم، وتأسست على هديه المبارك وفي ضوء تعاليمه الرفيعة أمة عظيمة، صدّرت كل خير للإنسانية، وأقامت حضارة شامخة أفادت البشرية؛ فلله دُر هذا الكتاب العظيم الذي أحيا الله به أمة من العدم.
وقد اتجهت الجهود الصادقة والقلوب المخلصة من أبناء هذه الأمة جيلا بعد جيل للعناية بالقرآن العظيم تلاوة وحفظا، وكتابة وتفسيرا، ومُدارسة وتدبرا، وتعلما وتعليما، وسَخَّرت الأمة جُلّ علومها ومعارفها لخدمة القرآن؛ إذ لا يكاد يُوجد علم من العلوم التي اشتغل بها المسلمون في تاريخهم الطويل إلا كان الباعث عليه هو خدمة القرآن العظيم من ناحية ذلك العلم.
وفي إطار اهتمام الأمة بالقرآن العظيم أقام بعض المخلصين من أبنائها هيئات ومؤسسات لتحفيظ القرآن، وتدبر القرآن؛ إلا أنه لم تقم حتى الآن مؤسسة أو هيئة مُتخصصة في ترجمة تفسير القرآن الكريم
ولم يتوقف عطاء الأمة تجاه القرآن العظيم وخدمته والاعتناء به وبدراساته وعلومه عند هذا الحد؛ بل تجاوزه إلى التنافس في كتابته بأحسن ما تفتقت عنه عبقرية الفنان العربي المُسلم من خطوط هي آية في الجمال والفن والإبداع، وتسابقت الدول والحُكام -حتى الطُّغاة المُتجبرين الفاسدين منهم- فضلا عن أهل الخير في الأمة إلى طباعته على أجود ما تكون الطباعة؛ فانتشرت طبعات المصحف الشريف في كل مكان، وتبارت الدول والحكومات حتى الأنظمة التي تُحارب أحكام وشريعة القرآن العظيم في تقديم الطبعات الفاخرة لكتاب الله -جل وعلا-، وهذا من فضل الله العظيم على أمة الإسلام، فقد تكفل الحق -سبحانه وتعالى- بحفظ كتابه الكريم؛ فقال -جل شأنه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.



اعداد: عيسى القدومي






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]