24-قصَّة موسى في القرآن الكريم
بقلم : مجـْـد مكَّي
موقف السحرة من تهديد فرعون ووعيده
قال السَّحرة لفرعون حين هَدَّدهم بالقتل: ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(125) ﴾{الأعراف}
أي: إنَّا إلى ربِّنا راجعون، وإليه صائرون في الآخرة، وسيكون لنا النعيم الخالد، وهو يُعوِّضنا من أذاك.
﴿وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ﴾وما تكرهُ منَّا وتعيب علينا ـ يا فرعون ـ إلا أنْ آمنا بآياتِ ربِّنا لمَّا أتتنا.
﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126) ﴾{الأعراف} ربَّنا املأْ لنا مكيالاً من الصبر بمقدار ما نحتاج لتحمُّل العذاب، واصْبُبْه كلَّه علينا، حتى لا نتراجع عن الإيمان الذي هَدَيْتَنَا إليه، ونسألك أن تتوفَّانا حالةَ كوننا مُسلمين لك، مُسْتسلمين لأوامرك، ومطيعين لك فيها.
وقال تعالى في سورة طه: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(72) ﴾.
قال السَّحَرة لفرعون: لَنْ نُؤْثر حُجَجَك الواهية الضعيفة، ونظام حُكمك المُسْتبد الظالم، على ما جاءنا به موسى من البراهين العقليَّة، والآيات الإعجازيَّة الدالة على صدقه، ولن نختارك ونُفضِّلك ـ يا فرعون ـ على الله الذي خلقنا وأبدع إيجادنا على نظام الفطر، من العُمق الباطن الذي يحتوي خريطة وجودنا وصفاتنا، إلى الظاهر المطابق تماماً لما في الخريطة المستقرَّة في العُمْق، فأمْضِ بأمْرك ما أنت قاضيهِ علينا، ما أمرك وسلطانُك إلاَّ في هذه الحياة الدنيا، وسيزول عن قريب.
﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) ﴾واعلم ـ يا فرعون ـ إننا آمنَّا بربنا وخالقنا ومالكنا ومربينا بنعمه؛ ليغفرَ لنا بإيماننا ما سلف من خطايانا، وليغفر لنا أيضاً ما أكْرَهْتَنَا عليه من تعلُّم السحر وعمله، إذ جَلَبْتنا بالقسْر من مختلف المدائن المصريَّة، وَفَرضْتَ علينا أن نعدَّ وسائلنا السحريَّة لمباراة موسى، وأن نمارس كفريَّات وشركيَّات لاستخدام كفرة الجنِّ ومرَدَتهم لمساعدتنا في أعمالنا السحريَّة، وإذا كنت ـ يا فرعون ـ تُطمعنا بخيراتك إذا عُدنا إلى دينك، وتُهدِّدنا بعذابك الشديد الباقي، إذا أصررنا على موقفنا، فعطاء الله خيرٌ من عطائك وأبقى، وعذابه أشدُّ من عذابك وأبقى.
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا(74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَا(75) ﴾ {طه}
إنَّ الشأن العظيم المُرْهب المُخيف: مَنْ يَأْت ربَّهُ كافراً، فإنَّ له بالاستحقاق المؤكَّد الذي لا مفرَّ منه، نارَ جهنَّم، لا يموتُ فيها فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياةً مريحة ينتفع بها، بل يكون في عذاب دائم مُتجدِّد مهما امتدَّ الزمن.
ومن يأتِ ربَّه بعد موته مؤمناً به، صادقاً في إسلامه، قد عمل الصَّالحات، فأولئك الفضلاء رفيعو المنـزلة لهم الدرجات الرفيعة العليَّة.