
05-06-2025, 05:56 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,511
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
الحديث 24: ((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي))
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث.
• المعنى الإجمالي للحديث.
• المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبةالأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي كلُّكم ضالّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهدكم، يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسُكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا، فليحمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه))[1].
عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلِمه صلى الله عليه وسلم، واشتمل على بعض قواعد الدين؛ منها: تحريم الظلم، والدعاء بالهداية، وإثبات بعض صفات الله، وبعض الآداب الأخرى.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- تحريم الظلم: بكل أشكاله وأنواعه؛ وهو نوعان:
الأول: ظلم العبد لنفسه: كمن يشرك بالله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، أو من يتجاوز حدود الله بعصيانه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1].
الثاني: ظلم العبد غيره: كقوله تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا))، ومن أبشع أنواع الظلم في وقتنا احتلال اليهود لأرض فلسطين، والتنكيل بأهلها قتلًا وتشريدًا وتهجيرًا، وأسوأ منه خذلان المسلمين لإخوانهم، والاكتفاء بموقف المتفرج؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه))[2].
ومن أكل أموال الناس بالباطل فقد ظلمهم؛ كمن يسرق، أو يغش في السلعة، أو يقبض رشوةً، أو يعاملهم بالربا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29].
ومن يعتدِ على المسلمين بإزهاق أرواحهم بالقتل، أو الضرب، أو الاعتداء على أعراضهم بالتشهير، أو الغِيبة، أو قذف المحصنات المؤمنات؛ فقد ظلمهم.
ومن يؤذِ جاره بأي نوع من أنواع الأذى، فقد ظلمه، ومن قطع رحِمه وأقاربه، فقد ظلمهم؛ قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22].
ألَا فاتقوا الله - عباد الله - في حقوق المسلمين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا - عبادَ الله - إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقِره، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقِر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمُهُ، وماله، وعِرضُه))[3].
وتشبَّهوا بالله ربكم في عدله؛ حيث حرَّم الظلم على نفسه؛ فقال: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾ [يونس: 44]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاللهم إنا نعوذ بك أن نَظلم أو نُظلم، أو نَجهل أو يُجهل علينا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فنستفيد كذلك:
2- غِنى الله المطلق عن خلقه، وافتقار العباد إلى مولاهم: ويدل على ذلك في الحديث أمور؛ منها:
• حاجتنا إلى هداية الله: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم))، فالله تعالى يوفق من يشاء؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]؛ ولذلك نطلب الهداية منه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6].
• حاجتنا إلى إطعامه ورزقه: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم))، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6].
• حاجتنا إلى كسوته ولِباسه: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي كلكم عارٍ، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسُكم))، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ﴾ [النحل: 81].
• حاجتنا إلى مغفرته: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم))، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
• لا تنفعه عبادتنا ولا تضره معصيتنا: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي، فتنفعوني...))، فالمنتفع حقيقةً بالطاعة هو العبد، لأن الله يرحمه ويعطيه الجزاء الأوفى على عبادته، والمتضرر من المعصية هو العاصي، لأنه هو من سيصلى نارًا ذات لهب؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
فاجتهدوا – إخواني - في العبادة، واعلموا أن الله يحصي لكم أعمالكم، ثم يوفيكم إياها يوم القيامة، فمن وجد خيرًا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.
فاللهم إنا مفتقرون إلى هدايتك فاهدنا، وإلى رزقك فارزقنا، وإلى رحمتك فارحمنا، وإلى مغفرتك فاغفر لنا، اللهم يسر حسابنا، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، رقم: 2577.
[2] رواه أحمد في المسند، رقم: 30.
[3] رواه مسلم، رقم: 2564.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|