عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 15-06-2025, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع القدوم إلى الله

وقفات مع القدوم إلى الله (15)


د. عبدالسلام حمود غالب




الصبر والقدوم إلى الله

الصبر والتقرب إلى الله مرتبطان ارتباطًا وثيقًا؛ حيث يعتبر الصبر وسيلة أساسية للتقرب إلى الله، بينما يعتبر التقرب إلى الله معينًا على الصبر.

الصبر هو: الحبس والكف؛ أي: حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وقيل أيضًا: الصبر: حبس النفس على فعل شيء أو تركه؛ ابتغاء وجهَ الله.

الصبر ليس مجرد تحمُّل الألم أو الضيق، بل هو مفهوم أعمقُ وأشمل، يتضمن عدة جوانب:
الصبر هو القدرة على تحمُّل المشاقِّ والابتلاءات بوعيٍ وإدراك، دون فقدان الأمل أو الاستسلام لليأس، ومواجهة التحديات بثبات ورجاحة عقل، مع الحفاظ على الهدوء والسَّكينة الداخلية، والتسليم المطلق لقضاء الله وقدره.

يتضمن الصبر قبولَ ما لا يمكن تغييره، والرضا بقضاء الله وقدره، دون تذمُّر أو شكوى، والتسليم بأن لكل شيء حكمة، وأن الصعاب قد تحمل في طيَّاتها فرصًا للنمو والتطور والنجاح.

الصبر ينمي القوة الداخلية والعزيمة، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على مواجهة الصعاب والتغلب عليها، والثقة بالنفس والقدرة على التحمل، والإيمان بأن الفَرَجَ قادم لا محالة.

الصبر فرصة للنمو الروحي والتقرب إلى الله؛ حيث يعزز الإيمان واليقين، ويجلب الأجر والثواب، ويعني الاستفادة من المحن لتقوية الصلة بالله، وتنمية الصفات الحميدة؛ مثل: الحِلم والتسامح، والإيثار وحب الخير للآخرين.

الصبر لا يتعارض مع الأمل والتفاؤل، بل هو يدعمهما، فلا شكَّ ولا ريب أن بعد العسر يسرًا، وأن الفرج قادم، حتى في أصعب الظروف.

الصبر هو قوة داخلية تمكِّن الإنسان من مواجهة الحياة بتوازن وثبات، والتعامل مع تحدياتها بحكمة ورضًا بما قسم الله، مع الإيمان بأن الخير كل الخير يكمن في كل ما يقدره الله للإنسان ويختاره.

أنواع الصبر:
يقول ابن القيم: "الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة".

الصبر على الطاعات: وهذا يتطلب صبرًا على مشقة العبادة والالتزام بها؛ فالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغيرها من الطاعات تحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس.

الصبر على اجتناب المعاصي والذنوب، وهذا يتطلب صبرًا على الشهوات والرغبات التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكابها والابتعاد عنها.

الصبر على الأقدار والابتلاءات: يبتلي الله عباده بأقدار مختلفة؛ مثل المرض، والفقر، والمصائب، ويتطلب التقرب إلى الله الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر على هذه الابتلاءات، فالصبر عاقبته خيرٌ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].

الصبر له ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة؛ ومن أهم هذه الثمرات:
نَيل محبة الله: قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].

معية الله: قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

نَيل الأجر العظيم: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

دخول الجنة: قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12].

ثمرات أخرى للصبر:
الصبر يكسب صاحبه قوةَ الإرادة والعزيمة.

الصبر يزيد من حكمة الإنسان ورجاحة عقله.

الصبر يقي الإنسان من الوقوع في اليأس والقنوط.

الصبر يُورث صاحبه الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره.

الصبر يُعين على التغلب على المشاكل النفسية والاجتماعية.

فالصبر هو سلاح المؤمن في مواجهة تحديات الحياة، وهو طريق الفوز بالدنيا والآخرة.

أقوال العلماء في الصبر:
يقول الغزالي: "الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية، لأن الطاعة هي المقصودة لذاتها، والمعصية هي المنهيُّ عنها".

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألَا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبرَ له".

قال عمر بن عبدالعزيز: "ما أنعم الله على عبدٍ نعمةً فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه".

يقول ابن القيم: "الصبر يوصل صاحبه إلى أعلى المقامات، وينال به رضا الله ومحبته".

يقول السعدي: "الصبر سبب لنَيل الأجر العظيم، والفوز بالجنة، ومعية الله ونصره".

يقول ابن القيم: "الصبر هو حبس النفس عن الجزع والتسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب".

الحسن البصري: "الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده".

يقول سفيان الثوري: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".

يقول عمر بن الخطاب: "خير عيشٍ أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]