عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-06-2025, 03:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,510
الدولة : Egypt
افتراضي النَّمَّامُ وَعَمَلُ السَّاحِرِ وَالشَّيْطَانِ

النَّمَّامُ وَعَمَلُ السَّاحِرِ وَالشَّيْطَانِ

محمد سيد حسين عبد الواحد



اَلْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ :
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ : أَبْغَضُ الْمَجَالِسِ مَجَالِسُ النَّمِيمَةِ .
الْعُنْصُرُ الثَّانِي : التَّرْهِيبُ مِنْ السَّعْيِ بِالنَّمِيمَةِ .
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ : أَعْجَبُ مَا قَرَأْتُ عَنْ النَّمِيمَةِ .
الْعَصْرُ الرَّابِعُ : مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا .
الْمَوْضُوعُ :
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ هَانِئٍ - مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه- قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَا تَبْكِي وَإذا وقفت على قبر بكيت ؟! فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
« الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ » نَسْأَلَ اللَّهُ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . .

أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ : إِنَّ أَحَدَ أَحَبِّ مَجَالِسِ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَعْظَمِهَا أَجْرًا ، وَأَقْوَاهَا أَثَرًا ( مَجَالِسُ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) غَايَةُ هَذِهِ الْمَجَالِسِ اَلتَّعَارُفُ ، وَالتَّآلُفُ ، وَالْعِبَادَةُ ، وَكَسْبُ الْحَسَنَاتِ ، وَمُدَارَسَةُ الْعِلْمِ النَّافِعِ . .
وَإِنَّ أَحَدَ أَبْغَضِ الْمَجَالِسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ( مَجَالِسُ ذِكْرِ النَّاسِ ) مَجَالِسُ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، مَجَالِسُ تَتَبُّعِ الْعَوْرَاتِ ، وَالْغَمْزِ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ ، وَاللَّمْزِ بِاللِّسَانِ ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ . .
قَالَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ] .
أُسُوءُ آفَاتِ الْمَجَالِسِ أَنْ تَقَعَ فِيهَا ( النَّمِيمَةُ ) ، وَأَنْ تُفْشَى فِيهَا الْأَسْرَارُ ، وَأَنْ يُنْقَلَ فِيهَا الْكَلَامُ مِنْ رَجُلٍ عَنْ رَجُلٍ ثَانٍ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ ، أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ عَنْ امْرَأَةٍ ثَانِيَةٍ إِلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى ، بِغَرَضِ إِحْدَاثِ الْوَقِيعَةِ , وَالشَّرِّ ، وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَالنَّمِيمَةُ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ . .
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : ". الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ » .
النَّاسُ يَجْمَعُونَ وَيَخْلِطُونَ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَبَيْنَ النَّمِيمَةِ ، وَكَأَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ مُتَرَادِفَتَانِ ، وَلَيْسَتَا كَذَلِكَ . .
الْغِيبَةُ لَيْسَتْ أُخْتًا لِلنَّمِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ تَجْتَمِعَانِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ أَقْبَحِ الذُّنُوبِ وَمِنْ أَسْوَءِ الصِّفَاتِ . .
لَكِنَّهُمَا تَفْتَرِقَانِ عَنْ بَعْضِهِمَا فِي كَوْنِ الْغِيبَةِ هِيَ : ذِكْرٌ لِعُيُوبِ النَّاسِ ، وَذِكْرٌ لِمَا يَكْرَهُونَ فِي غِيَابِهِمْ ، وَالْغِيبَةُ قَطْعًا مِنْ مَسَاوِئِ الصِّفَاتِ . .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «" أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : " ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ". قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : " إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ "» .
أَمَّا النَّمِيمَةُ فَهِيَ : مُسْتَوًى آخَرُ مِنْ الشَّرِّ ، هِيَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ . .
النَّمِيمَةُ هِيَ : السَّعْيُ بِالْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِغَرَضِ الْإِفْسَادِ بَيْنَ الْأَخِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ، وَبَيْنَ الِابْنِ وَبَيْنَ أَبِيهِ ، وَبَيْنَ الصَّاحِبِ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ . .
وَمِنْ هَذَا نَخْلُصُ إِلَى : أَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ مِنْ مَسَاوِئِ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَّا أَنَّ النَّمِيمَةَ أَقْبَحُ وَأَبْشَعُ وَأَسْوَءُ أَثَرًا . .
لِذَلِكَ لَمْ نَعْجَبْ حِينَ جَاءَ الْبَيَانُ النَّبَوِيُّ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَنَّ النَّاسَ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ بِسَبَبِ السَّعْيِ بِالنَّمِيمَةِ . .
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: « «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : « ثُمَّ إن رسول الله أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : " لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا "»
مَاذَا نَسْتَفِيدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ؟
نَسْتَفِيدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ : مِنْ بَيْنِ الْغَيْبِيَّاتِ الَّتِي نُؤْمِنُ بِهَا وَنَعْتَقِدُ فِيهَا كَ ( مُسْلِمِينَ ) الْإِيمَانُ بِنَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ . .

فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ مَلِكُ الْمُلُوكِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}}
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ "

نَسْتَفِيدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ : الْقَبْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ ، وَأَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يُفْتَنُونَ أَيْ ( يُسْأَلُونَ وَيُحَاسَبُونَ ) فِي قُبُورِهِمْ . .
قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ، فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ ..
فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : « " مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا. قَالَ : " مَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ ؟ " قَالَ : مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: " إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ "» .
مِنْ بَيْنِ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ عَدَمُ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ . .
نَسْتَفِيدُ أَيْضًا أَنَّ : مِنْ بَيْنِ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ التَّحْرِيشَ بَيْنَ النَّاسِ عَنْ طَرِيقِ النَّمِيمَةِ ، وَنَقْلِ الْكَلَامِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ »
وَنَسْتَفِيدُ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا : أَنَّ الْعُودَ الْأَخْضَرَ يَسْبَحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنَّ وُجُودَ الْعُودِ الْأَخْضَرِ عِنْدَ الْقَبْرِ رَحْمَةٌ بِأَصْحَابِ الْقُبُورِ , لِذَلِكَ أَخَذَ النَّبِيُّ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : " لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا "
نَسْتَفِيدُ مِنْ الْحَدِيثِ فَوْقَ ذَلِكَ أَنَّ : عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُصَدِّقَ كُلَّ مَا يَسْمَعُ ، فَرُبَّمَا كَانَتْ الْكَلِمَةُ الَّتِي نَقَلَهَا لَكَ أَحَدُهُمْ وِشَايَةً ، وَرُبَّمَا كَانَتْ نَمَا ، وَرُبَّمَا كَانَتْ دَسًّا ، وَرُبَّمَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهَا الْإِفْسَادَ بَيْنَ الْمُتَحَابِينَ ، فَلَا تُصَدِّقْ كُلَّ مَا تَسْمَعُ . .
لِذَلِكَ كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَأَنْ يَتَبَيَّنَ مِمَّا سَمِعَ حَتَّى لَا يَظُنَّ بِالنَّاسِ ظَنًّا سَيِّئًا ، وَحَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَى النَّاسِ حُكْمًا جَائِرًا . .
وَفِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ : {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}} .
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ :
مِنْ اعْجَبِ مَا قَرَأْتُ عَنْ ( النَّمِيمَةِ ) أَنَّ عَمَلَ النُّمَّامِ يُسَاوِي عَمَلَ السَّاحِرِ ، وَرُبَّمَا يَتَفَوَّقُ عَلَيْهِ فِي سُوءِ الْأَثَرِ .

الدَّلِيلُ :
حَدِيثُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضُّهُ ؟
الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ ( الْعَضْهَ ) هُوَ السِّحْرُ ، وَهُوَ الْكَذِبُ ، وَهُوَ الزُّورُ ، وَهُوَ الْبُهْتَانُ ، وَهُوَ الْإِفْسَادُ . .

وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ النَّمِيمَةُ ( عَضَّهْ ) أَيْ سِحْرًا ، لِأَنَّ عَمَلَ النُّمَّامِ مِنْ الْإِفْسَادِ ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَنَشْرِ الْعَدَاوَاتِ ، وَهَذَا يُمَاثِلُ عَمَلَ السَّاحِرِ بَلْ إِنَّ أَثَرَ النُّمَّامِ أَقْبَحُ ، وَأَبْشَعُ ، وَأَشَدُّ سُوءً . .
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضُّهُ ؟ قَالُوا بَلَى ، قَالَ : هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ "»
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَامِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ( يُفْسِدُ النُّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي شَهْرٍ )
وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ : ارْجِعُوا إِلَى الْخُصُومَاتِ وَالْمُشَاحَنَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ بَيْنَ النَّاسِ تَجِدُونَ أَصْلَهَا النَّمَّامَ الَّذِي نَقَلَ الْكَلَامَ ، وَدَسَّ السُّمَّ فِي الْعَسَلِ ، وَأَفْسَدَ مَا كَانَ بَيْنَ النَّاسِ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْعَدَاوَاتِ . .
لِذَلِكَ كَانَ النَّمَّامُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا فِي الْقَبْرِ ، وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . .
مِنْ أَشْهَرِ النَّمَامِينَ : الَّذِينَ أَتَى الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى ذِكْرِهِمْ : ( الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ) وَفِيهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ : {{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }}
وَمِنْ النَّمَامَيْنِ : ( امْرَأَةُ نُوحٍ وَامْرَأَةُ لُوطٍ ) وَفِيهِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا } قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : كَانَ مِنْ خِيَانَتِهِمَا السَّعْيُ بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ.
وَمِنْ النَّمَامِينَ أَيْضًا ( أُمُّ جُمَيْلٍ ) زَوْجَةُ أَبِي لَهْبٍ ، وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ }
ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ : أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ الْكَلَامَ وَتَنْقُلُهُ بَيْنَ النَّاسِ لِتُفْسِدَ بَيْنَهُمْ ، قَالَ مُجَاهِدٌ ( كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ) ، وسُمِّيَتْ النَّميمةُ حطبًا، لأنَّها تَنشرُ العداوةَ ، وتُشعلها ،وتُكبِّرُها بينَ الناسِ بِسُرعةٍ، كما أنَّ الحطبَ يُؤَجِّجُ النَّار ، ويُشعلها ، ويُوَسِّعُها.
مِنْ هُنَا جَاءَ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ :
يَأْمُرُ بِالتَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ ، وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ ، اَلَّتِي تَجْمَعُ وَلَا تُفَرِّقُ ، وَاَلَّتِي تَبْنِي وَلَا تَهْدِمُ ، وَنَهَى الْإِسْلَامُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ عَنْ كُلِّ خَبِيثٍ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْخِلَالِ ، وَعَلَى رَأْسِ الصِّفَاتِ الْخَبِيثَاتِ نَقْلُ الْكَلَامِ ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ . .

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : ". الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ »
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يَجْعَلَنَا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ مَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ :
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : لَابُدَّ وَأَنْ نَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الْمَجَالِسَ وَمَا يَكُونُ فِيهَا وَمَا يُقَالُ فِيهَا ( أَمَانَةٌ ) لَا يَجُوزُ خِيَانَتُهَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَ الْإِنْسَانُ كَلِمَةً سَيِّئَةً مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ . .

فَالنَّمِيمَةُ كُلُّهَا سَيِّئَةٌ ، النَّمِيمَةُ كُلُّهَا قَبِيحَةٌ ، وَآثَارُ النَّمِيمَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ سَيِّئَةٌ ، لَكِنْ تَبْقَى النَّمِيمَةُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ هِيَ الْأَسْوَءَ ، وَيَبْقَى السَّعْيُ بِالْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ لِإِفْسَادِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، أَوْ لِإِفْسَادِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ هُوَ الْأَقْبَحُ ، لِأَنَّ هَدْمَ الْأُسَرِ ، وَخَرَابَ الْبُيُوتِ ، وَتَشْرِيدَ الْأَطْفَالِ رُبَّمَا يَكُونُ مَرْهُونًا عَلَى كَلِمَةِ سُوءٍ يَسْعَى بِهَا أَحَدُهُمْ فَيُشْعِلُ بِهَا النَّارَ فِي الْبُيُوتِ الْآمِنَةِ .
لِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ " لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا ، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ " .
إِذَا كَانَ السَّاعِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ يُشَبَّهُ بِالسَّاحِرِ ، فَإِنَّ السَّاعِيَ بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ يُشَبَّهُ بِالشَّيْطَانِ ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ . .
الدَّلِيلُ : حَدِيثُ الصَّادِقِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
« إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ »

وَإِذَا كَانَ السَّاعِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَسْوَءَ مِنْ السَّاحِرِ ، فَإِنَّ السَّاعِيَ بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَسْوَءُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ وَسْوَسَةٌ ، أَمَّا عَمَلُ النُّمَّامِ فَهُوَ الْمُوَاجَهَةُ . .
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ النِّفَاقِ ، وَأَعْيُنَنَا مِنْ الْخِيَانَةِ ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنْ الْكَذِبِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ .
-------------------------------
- جَمْعُ وَتَرْتِيبُ الشَّيْخِ / مُحَمَّدِ سَيِّدِ حُسَيْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ .
- إِدَارَةُ اوقاف القناطر الخيرية.
- مديرية أَوْقَافِ الْقَلْيُوبِيَّةِ . مِصْرُ .









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]