حُكم زواج المِسْيار
عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
مِسْيار في اللُّغة: كلمة بمعنى المشي والسير.
وهي كلمة عامية دارجة في بعض دول الخليج يقصد بها المُرور وعدم المُكث الطويل.
أما زواج المِسْيار في الاصطلاح فلم يتعرض له الفُقهاء القدامى تعريفًا وإنما تعرضوا له مضمونًا.
فمن حيث المعنى والمضمون هو زواج قديم كان يُسمى "زواج النهاريات" وهو: أن يشترط الزوج أن تكون علاقته بزوجته في النهار؛ حرصًا على مبيته عند زوجته الأولى في الليل.
أما تعريفه في الاصطلاح المُعاصر: فهو زواج يقوم على إبرام عقد شرعي مُكتمل الشُّروط والأركان بين رجل وامرأة يتفقان فيه على العيش معًا إلا أن المرأة تتنازل فيه عن بعض حُقوقها الشرعية مثل المبيت والسكن والنفقة والقسم لها إن كان مُتزوجًا غيرها ونحو ذلك.
وقد يشترط فيه الزوج على زوجته عدم الذهاب إليها إلا في أوقات مُعينة أو لا يعلم أهله بهذا الزواج.
ومن خلال هذا التعريف نجد أن زواج المِسْيار يقوم على إعفاء الزوج من واجب السكن والنفقة والتسوية في المبيت والقسم بينها وبين زوجته الأُخرى؛ والغرض من ذلك هو أن الزوجة تريد رجلًا يعفها ويحصنها بدلًا من أن تبقى في سن مُعينة بلا زوج فتُوافق على هذا الزواج بشُروطه التي يشترطها الزوج؛ لأن نصف الزوج أو ثلثه أو ربعه أفضل من لا زوج.
من صور زواج المِسْيار: أنه إذا كان الرجل يُكثر من التنقُّلات والسفريات فإنه يترك أهله وزوجته في بلده ويتزوَّج في البلد الذي ينزل فيه لحاجته للزواج من امرأة أُخرى.
ولعلَّ هذا المعنى رُوعي في تسميته بذلك لكون الزوج يُكثر الضرب في الأرض، فلا يسكن عند أهله على وجه الاستقرار؛ وإنما يحُلُّ عليهم كالزائر تبعًا لظُروفه ومُقتضيات عمله وأشغاله.
وغالبًا هذا الزواج لا يتم توثيق هذا العقد في المحاكم الشرعية؛ بل يكون زواجًا عُرْفيًّا.
وفيه يسير الرجل ويذهب إلى بيت المرأة وليست المرأة هي التي تسير إليه، وفيه لا يمكث الزوج عندها غالبًا فترة طويلة.
هذا الزواج هو ظاهرة اجتماعية انتشرت في العُقود الأخيرة ببعض الدول الإسلامية والعربيةوالخليجية خاصة.
فهو نازلة من النوازل الاجتماعية التي تتعلق بالزواج؛ لأنه لم يكن موجودًا أو معروفًا عند الفُقهاء المُتقدمين بصيغته الحالية وباسمه الحالي؛ لأن الزواج قديمًا كان سهلًا وميسرًا ولم تكن هنالك عوائق مادية ولا اجتماعية كالتي نراها في وقتنا الحاضر، ولأن النساء لم يكن لهن أموال خاصة إلا ما حُزْنَه عن طريق الميراث في الغالب؛ ولذلك لم ينتشر زواج المِسْيار؛ لأنه لا مال لديها حتى تتنازل عن بعض حُقوقها.
أما في وقتنا الحاضر فقد كثرت عوائق الزواج وكثرت المُطلقات والأرامل بالإضافة إلى أن المرأة أصبح لديها مال أو مورد خاص بها.
العلاقة بين المعنى اللُّغوي والمعنى العُرفي لهذا الزواج هي على النحو التالي:
1- السير وهو السفر؛ لأن من صُور هذا النكاح أن تكون الزوجة في بلد يُسافر إليه الزوج ويكون الزوج في الأصل مُقيمًا مع زوجة أُخرى في بلد آخر.
2- التيسير والتخفيف؛ لأن الزوجة تتنازل وتخفف عن زوجها من بعض حُقوقها كحقها في المهر أو النفقة أو المسكن أو المبيت؛ لأن الزوج له ظُروف خاصة تقتضي مثل هذا التخفيف لارتباطه بأكثر من زوجة، ولكثرة سفره وترحاله من بلد إلى بلد.
هناك أسباب عديدة أدت إلى ظُهور هذا النوع من الزواج وانتشاره في بعض البلاد منها ما يتعلق بالنساء، ومنها ما يتعلق بالرجال، ومنها ما يتعلق بالمُجتمع، ومن ذلك ما يلي:
1- ازدياد العُنوسة في صُفوف النساء بسبب انصراف الشباب عن الزواج لغلاء المُهور وتكاليف الزواج أو بسبب كثرة الطلاق أو الترمل، فلمثل هذه الأحوال ترضى بعض النساء بأن تكون زوجةً ثانيةً أو ثالثةً وتتنازل عن بعض حُقوقها.
2- احتياج بعض النساء للبقاء في بُيوت أهاليهن؛ إما لكونها الراعية الوحيدة لبعض أهلها، أو لكونها مُصابة بإعاقة ولا يرغب أهلها بتحميل زوجها ما لا يطيق، ويبقى على اتصال معها دون مَلَلٍ أو تكلُّف، أو لكونها عندها أولاد ولا تستطيع الانتقال بهم إلى بيت زوجها، ونحو ذلك من الأسباب.
3- رغبة بعض الرجال من المُتزوجين في إعفاف بعض النساء لحاجتهن لذلك أو لحاجته للتنوع والمُتعة المُباحة دون أن يُؤثر ذلك في بيته الأول وأولاده.
4- رغبة الزوج أحيانًا في عدم إظهار زواجه الثاني أمام زوجته الأُولى؛ لخشيته مما يترتب على ذلك من فساد العشرة بينهما.
5- كثرة سفر الرجل إلى بلد مُعين ومُكثه فيه لمُدة طويلة، ولا شك أنَّ بقاءه فيه مع زوجة أحفظ لنفسه من عدمه.
6- حاجة الرجل الفطرية إلى أكثر من زوجة فهناك كثير من الرجال لا تكفيهم امرأة واحدة ولديهم شبق شديد ورغبة جامحة وليست عنده قُدرته على تحمُّل ما يستلزم الزواج الآخر من مهر ونفقة وسُكنى ونحو ذلك فيلجؤون إلى زواج المسيار.
7- رغبة بعض الرجال بزيادة الاستمتاع فقد تكون الزوجة الأُولى كبيرة في السِّنِّ أو مشغولة بأولادها وبيتها ولا يجد الرجل عندها رغبته فيتزوج مسيارًا.
8- عدم رغبة بعض الرجال في تحمل مزيد من الأعباء والتكاليف.
إيجابيات زواج المِسْيار:
1- يُسهم في حل مُشكلات بعض العوانس والأرامل والمُطلقات وصواحب الظُّروف الخاصة كما يسهم في إعفاف الرجل.
2- يُسهم في حُلول بعض المشاكل المالية لبعض الرجال الذين لا يستطيعون القيام بأعباء الزواج.
3- يُسهم في مساعدة الشباب الذين يرغبون في الزواج ولا يملكون تكاليف الزواج الباهظة.
4- يتوافق مع ظُروف كثير من النساء كمن لديها ثروة من المال وعندها الرغبة في الزواج خوفًا من الوقوع في الحرام وهي تعلم عدم رغبة المُجتمع في التعدُّد فتلجأ إلى إغراء الرجل والتنازل عن بعض حُقوقها مُقابل زواجها.
سلبيات زواج المِسْيار:
1- تشريد الأطفال فلو اتفق الطرفان على إتيان المرأة مرة في الأسبوع أو الشهر فهذا فيه تقصير وتشريد للأولاد.
2- تهميش دور الرجل حيث تصير المرأة هي التي لها سُلطة القوامة.
3- تشجيع الرجال على عدم تحمل المسئولية وترغيبهم في هذا النوع من الزواج فقط.
4- تشجيع النساء على عدم الارتباط بالحياة الأسرية.
القول الراجح: أن هذا الزواج إذا استوفى شُروطه وأركانه فإنه عقد صحيح.
زواج المِسْيار يترتب عليه كل الحُقوق المُترتبة على عقد الزوجية من حيث النسل والإرث والعِدة والطلاق واستباحة البضع والسكن والنفقة وغير ذلك من الحُقوق والواجبات إلا أن الزوجين قد ارتضيا واتفقا على أن تتنازل فيه الزوجة عن بعض حُقوقها الشرعية مثل المبيت أو السكن أو النفقة.
أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سُبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زلل فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، والله الموفِّق وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.