عرض مشاركة واحدة
  #578  
قديم 21-06-2025, 06:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الحديد
المجلد السادس عشر
صـ 5666 الى صـ 5675
الحلقة (578)







القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (56) : الآيات 83 الى 85]
فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85)
فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ أي النفس، لدلالة الكلام عليها الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ أي حالة نزعه، أو تنتظرون لفظه النفس الأخير. والخطاب لمن حول المحتضر: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ قال جمهور السلف: يعني ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة. أو لا تدركون كنه ما يقاسيه. وبعضهم فسر القرب بالعلم والقدرة. وتقدم بسط الأقوال، وترجيح الأول في تفسير آية وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ، في سورة (ق) فرجع إليه فإنه مهم.
وهذه الجملة معترضة، أو حالية كالتي قبلها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (56) : الآيات 86 الى 96]
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90)
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي غير مجزيين يوم القيامة. أو مملوكين مقهورين. من (دانه) أذله واستعبده. تَرْجِعُونَها أي تردّون النفس إلى مقرها عند بلوغها الحلقوم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في أنكم غير مسوسين، مربوبين مقهورين.
يعني أنكم مجبرون عاجزون تحت قهر الربوبية، وإلا لأمكنكم دفع ما تكرهون أشد الكراهية، وهو الموت. فَأَمَّا إِنْ كانَ أي الميت مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي السابقين من الأصناف الثلاثة المذكورة في أول السورة فَرَوْحٌ أي فله راحة وَرَيْحانٌ أي رزق طيب، أو شجر ناضر يتفيأ ظلاله وَجَنَّةُ نَعِيمٍ أي يتنعم فيها مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ قال ابن كثير: أي تبشرهم الملائكة بذلك. تقول لأحدهم: سلام لك، أي لا بأس عليك أنت إلى سلامة، أنت من أصحاب اليمين.
وقال قتادة وابن زيد: سلم من عذاب الله، وسلّمت عليه ملائكة الله، كما قال عكرمة: تسلم عليه الملائكة، وتخبره أنه من أصحاب اليمين. وهذا معنى حسن.
ويكون ذلك كقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ الآيات [فصلت: 30] . انتهى.
وقال الرازي: في السلام وجوه:
أولها- يسلم به صاحب اليمين، على صاحب اليمين كما قال تعالى من قبل:
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الواقعة: 25] .
ثانيها- فَسَلامٌ لَكَ أي سلامة لك من أمر خاف قلبك منه، فإنه في أعلى المراتب. وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه، إذا كان يخدم عند كريم: كن فارغا من جانب ولدك، فإنه في راحة.
ثالثها- أن هذه الجملة تفيد عظمة حالهم، كما يقال: فلان ناهيك به، وحسبك أنه فلان. إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد الفضل. انتهى.
ثم قال الرازيّ: والخطاب بقوله: لَكَ يحتمل أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وحينئذ فيه وجه. وهو ما ذكرنا أن ذلك تسلية لقلب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنهم غير محتاجين إلى شيء من الشفاعة وغيرها. فسلام لك يا محمد منهم، فإنهم في سلامة وعافية، لا يهمك أمرهم. أو فسلام لك يا محمد منهم، وكونهم ممن يسلم على محمد صلى الله عليه وسلم دليل العظمة، فإن العظيم لا يسلم عليه إلا عظيم. انتهى.
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ أي بآيات الله الضَّالِّينَ أي الجائرين عن سبيله. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أي ماء انتهى حرّه. فهو شرابه وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي إحراق بالنار إِنَّ هذا أي المذكور من أحوال الفرق الثلاثة وعواقبهم لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أي حقيقة الأمر، وجلية الحال، لا لبس فيه ولا ارتياب. والإضافة إما من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الحق اليقين: كما يقال: دار الآخرة. والدار الآخرة أو بالعكس، أي اليقين الحق. أو من إضافة العام للخاص، أي كعلم الأمر اليقين. فالإضافة حينئذ لامية، أو بمعنى (من) .
تنبيه:
في (الإكليل) : استدل بالآيات هذه على أن الروح بعد مفارقة البدن، منعّمة أو معذّبة، وعلى أن مقر أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكافرين في النار.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي نزهه عما يصفونه به من الأباطيل، وما يتفوهون به من الأضاليل، قولا وعملا.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحديد
سميت به لأنه ناصر لله ولرسوله في الجهاد، فنزل منزلة الآيات الناصرة لله ولرسوله، على أنه سبب لإقامة العدل، كالقرآن. وأيضا أنه جامع للمنافع، فأشبهه أيضا، فسميت سورة ذكر فيه، بذلك- أفاده المهايمي-.
وهي مدنية على الأصح، بل قال النقاش: إنها مدنية بإجماع المفسرين، ونظم آياتها. وما تشير إليه، يؤيده قطعا.
وآيها تسع وعشرون.
روى الإمام أحمد «1» عن عرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد. وقال: إن فيهنّ آية أفضل من ألف آية. وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي
.
قال ابن كثير: والآية المشار إليها في الحديث هي- والله أعلم- قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ الآية. لما سيأتي بيانه- والله أعلم.

(1)
أخرجه في مسنده 4/ 128.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (57) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أظهر كل موجود تنزيهه عن الشريك والولد، وكل ما لا يليق به، وآذن بانفراده في ألوهيته، وتدبيره وعلمه وقدرته. فإن من شاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها، على حال من الترتيب والإحكام، وربط الأسباب بالمسببات، واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غاياته- فبالضرورة يقضي بأن هذا الترتيب المحكم هو أثر خالق واحد، مدبر لنظامه، مريد لسيرة في سننه، كما بسطناه في (دلائل التوحيد) . وَهُوَ الْعَزِيزُ أي القويّ الذي يقهر كل ما في السموات والأرض الْحَكِيمُ أي الذي رتب نظام كل موجود على ترتيب حكمي.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (57) : آية 2]
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي سلطانهما، ونفوذ الأمر فيهما يُحْيِي وَيُمِيتُ أي يوجد ما يشاء من الحيوان والنبات كيفما شاء، ويميته بعد بلوغه أجله فيفنيه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي تام القدرة، فلا يتعذر عليه شيء أراده من إحياء وإماتة وغيرهما.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (57) : آية 3]
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
هُوَ الْأَوَّلُ أي السابق على كل موجود، من حيث إنه موجده ومحدثه وَالْآخِرُ أي الباقي بعد فناء كل شيء وَالظَّاهِرُ أي وجوده بالأدلة الدالة عليه.
وقال ابن جرير. أي الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه وَالْباطِنُ أي باحتجابه بذاته وماهيته. أو العالم بباطن كل شيء. قال ابن جرير: أي الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي تام العلم، فلا يخفى عليه شيء.
وقد روى الإمام أحمد «1» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: اللهم! رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. أنت الأول فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن ليس دونك شيء. اقض عنا الدين. وأغننا من الفقر- ورواه مسلم «2» وغيره-
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (57) : آية 4]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قال القاشاني: أي من الأيام الإلهية، وقيل المعهودة- والله أعلم- ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال ابن جرير: أي هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبّرهن وما فيهن، ثم استوى على عرشه فارتفع عليه وعلا. يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أي من خلقه كالأموات والبذور والحيوانات وَما يَخْرُجُ مِنْها أي كالزروع وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أي من الأمطار والثلوج والبرد والأقدار والأحكام وَما يَعْرُجُ فِيها أي من الملائكة والأعمال وغيرها. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ قال ابن جرير: أي وهو شاهد لكم، أينما كنتم، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سماواته السبع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية
(1)
أخرجه في المسند 2/ 381.

(2)
أخرجه في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 61.

في سورة الحديد والمجادلة، في آيتيهما، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم. وقالوا:
هو معهم بعلمه. وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله. وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: هو على العرش وعلمه معهم، وهكذا عمن ذكر معه. وقد بسط الإمام أحمد الكلام على المعية في (الرد على الجهمية) . ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في هاتين الآيتين، وجاء خاصّا كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
[النحل: 128] ، وقوله:
إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] ، وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة:
40] ، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء، لكان التعميم يناقض التخصيص، فإنه قد علم أن قوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أراد به تخصيصه وأبا بكر، دون عدوّهم من الكفار. وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ خصهم بذلك دون الظالمين والفجار. وأيضا، فلفظ المعية، ليست في لغة العرب، ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى، كما في قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح: 29] ، وقوله فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 146] ، وقوله: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] ، وقوله: وَجاهَدُوا مَعَكُمْ [الأنفال: 75] ، ومثل هذا كثير. فامتنع أن يكون قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ، يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق. وأيضا، فإنه افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به. وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وبيّن أن لفظ المعية في اللغة، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة، فهو إذا كان مع العباد، لم يناف ذلك علوّه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه. فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان. ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد. انتهى.
وقال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي رضي الله عنه في كتاب (ذم التأويل) :
فإن قيل: فقد تأولتم آيات وأخبارا، فقلتم في قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ أي بالعلم، ونحو هذا من الآيات والأخبار، فيلزمكم ما لزمنا؟
قلنا: نحن لم نتأول شيئا، وحمل هذه اللفظات على هذه المعاني ليس بتأويل
لأن التأويل صرف اللفظ عن ظاهره، وهذه المعاني هي الظاهر من هذه الألفاظ، بدليل أنه المتبادر إلى الإفهام منها. وظاهر اللفظ هو ما يسبق إلى الفهم منه، حقيقة كان أو مجازا. ولذلك كان ظاهر الأسماء العرفية، المجاز دون الحقيقة، كاسم الرواية والظعينة وغيرهما من الأسماء العرفية، فإن ظاهر هذا، المجاز دون الحقيقة، وصرفها إلى الحقيقة يكون تأويلا يحتاج إلى دليل وكذلك الألفاظ التي لها عرف شرعيّ، وحقيقة لغوية، كالوضوء والطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج، إنما ظاهرها العرف الشرعيّ دون الحقيقة اللغوية. وإذا تقرر هذا، فالمتبادر إلى الفهم من قولهم (إن الله معك) أي بالحفظ والكلاءة. ولذلك قال الله تعالى فيما أخبر عن نبيّه إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] ، وقال لموسى إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] ، ولو أراد أنه بذاته مع كل أحد لم يكن لهم بذلك اختصاص، لوجوده في حق غيرهم، كوجوده فيهم، ولم يكن ذلك موجبا لنفي الحزن عن أبي بكر، ولا علة له. فعلم أن ظاهر هذه الألفاظ هو ما حملت عليه، فلم يكن تأويلا. ثم لو كان تأويلا فما نحن تأوّلناه، وإنما السلف رحمة الله عليهم، الذين ثبت صوابهم، ووجب اتباعهم، هم الذين تأوّلوه. فإن ابن عباس والضحاك ومالكا وسفيان وكثيرا من العلماء قالوا في قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أي علمه. ثم قد ثبت بكتاب الله، والمتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف، أن الله تعالى في السماء على عرشه، وجاءت هذه اللفظة مع قرائن محفوفة بها دالة على إرادة العلم منها، وهو قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [المجادلة: 7] ، ثم قال في آخرها إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فبدأها بالعلم، وختمها به، ثم سياقها لتخويفهم بعلم الله تعالى بحالهم، وأنه ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ويجازيهم عليه، وهذه قرائن كلها دالة على إرادة العلم، فقد اتفق فيها هذه القرائن، ودلالة الأخبار على معناها، ومقالة السلف وتأويلهم. فكيف يلحق بها ما يخالف الكتاب والأخبار ومقالات السلف؟ فهذا لا يخفى على عاقل إن شاء الله تعالى، وإن خفي فقد كشفناه وبيّنّاه بحمد الله تعالى. ومع هذا لو سكت إنسان عن تفسيرها وتأويلها لم يخرج ولم يلزمه شيء، فإنه لا يلزم أحدا الكلام في التأويل إن شاء الله تعالى.
انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي فيجازيكم عليه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]