عرض مشاركة واحدة
  #584  
قديم 21-06-2025, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,706
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الحشر
المجلد السادس عشر
صـ 5726 الى صـ 5735
الحلقة (584)





القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : آية 14]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني المنافقين الذين كانوا يتولّون اليهود ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، كما بينته آية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... [الحشر: 11] الآية. ما هُمْ مِنْكُمْ أي من أهل دينكم وملتكم، معشر المسلمين وَلا مِنْهُمْ أي من اليهود كقوله تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ [النساء: 143] ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ قال ابن جرير: وذلك قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (نشهد أنك رسول الله) وهم كاذبون غير مصدقين به. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي المحلوف عليه كذب بحت.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : الآيات 15 الى 16]
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً أي وقاية وعصمة لأنفسهم فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي فحالوا بأيمانهم عن حكم الله في أمثالهم، وهو القتل، إراحة للمؤمنين من فسادهم. أو فصدّوا الناس في خلال أمنهم وسلامتهم عن الإيمان وثبوطهم عنه. فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أي مذلّ لهم في الآخرة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : الآيات 17 الى 19]
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19)
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي من عذابه شيئا ما، كما كانوا يفتدون بذلك في الدنيا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ أي في الدنيا كاذبين مبطلين، إشارة إلى مرونهم على النفاق، ورسوخهم فيه، حتى لدى من لا تخفى عليه خافية. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أي من النفع أو من الحق أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ أي فيما يحلفون عليه في الدارين اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ أي استولى عليهم حتى صار الكذب والفساد ملكة لهم فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أي بتسويل اللذات الحسية، والشهوات البدنية لهم، وتزيين الدنيا وزبرجها في أعينهم، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أي أتباعه في الفساد.
والإفساد. أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ أي للسعادة في الدارين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : آية 20]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أي في أهل الذلة، لأن الغلبة لله ولرسوله. كما قال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : آية 21]
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أي حزب الشيطان المحادّين إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ أي قويّ على إهلاك من حادّه ورسله، عزيز فلا يغلب في قضائه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (58) : آية 22]
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي شاقّهما وخالف أمرهما. أي لا تجد قوما جامعين بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين موادّة
أعداء الله ورسوله. والمراد بنفي الوجدان نفي الموادّة. على معنى أنه لا ينبغي أن يتحقق ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه، والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم، والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم.
وزاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أي آباء الموادّين والضمير في كانُوا لمن حاد الله ورسوله. والجمع باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد فيما قبله، باعتبار لفظها. أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أي فإن قضية الإيمان هجر المحادين أُولئِكَ إشارة إلى الذين لا يوادّونهم كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي أثبته فيها وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي بنور وعلم ولطف حيّت به قلوبهم في الدنيا. وأشار إلى ما لهم في الآخرة، بقوله وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الناجحون الفائزون بسعادة الدارين.
تنبيهات:
الأول- من أشباه هذه الآية قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] الآية. وقال تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة: 24] .
الثاني- قال ابن كثير: قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية لا تَجِدُ قَوْماً ... إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر. وفي أبي بكر الصديق، همّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير، وفي عمر قتل قريبا له من عشيرته يومئذ أيضا. وفي حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتيبة يومئذ. انتهى.
وقد بينا مرارا، أن المراد بسبب النزول في مثل ذلك، صدق الآية على هؤلاء، وما أتوا به من التصلب في دين الله، في مقابلة المفسدين، ولو كانوا من أقرب الأقربين.
قال ابن كثير: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في
أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم. وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول الله! هل تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأقتله، وتمكن عليّا من عقيل، وتمكن فلانا من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين.
الثالث- قال ابن كثير: في قوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى، عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم.
الرابع- يفهم من قوله تعالى حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وقوله في آية أخرى لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1] ، أن المراد بهم المحاربون لله ولرسوله، الصادّون عن سبيله، المجاهرون بالعداوة والبغضاء. وهم الذين أخبر عنهم قبل بأنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. فتشمل الآية المشركين وأهل الكتاب المحاربين المحادّين لنا، أي الذين على حدّ منا، ومجانبة لشئوننا، تحقيقا لمخالفتنا، وترصدا للإيقاع بنا. وأما أهل الذمة الذين بين أظهرنا، ممن رضي بأداء الجزية لنا وسالمنا، واستكان لأحكامنا وقضائنا، فأولئك لا تشملهم الآية، لأنهم ليسوا بمحادّين لنا بالمعنى الذي ذكرناه، ولذا كان لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وجاز التزوج منهم، ومشاركتهم، والاتجار معهم، وعيادة مرضاهم. فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم يهوديّا، وعرض عليه الإسلام فأسلم- كما رواه «1» البخاري-.
وعلى الإمام حفظهم والمنع من أذاهم، واستنقاذ أسراهم، لأنه جرت عليهم أحكام الإسلام، وتأبد عهدهم، فلزمه ذلك، كما لزم المسلمين- كما في (الإقناع) و (شرحه) -.
وقال ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) في الرد على المتنطعين الذين لا تطيب نفوسهم بكثير من الرخص المشروعة: ومن ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجيب من دعاه، فيأكل طعامه. وأضافه يهوديّ بخبز شعير وإهالة سنخة. وكان المسلمون يأكلون من أطعمة أهل الكتاب. وشرط عمر رضي الله عنه ضيافة من مر بهم من المسلمين وقال: أطعموهم مما تأكلون. وقد أحل الله عز وجل ذاك في كتابه. ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال: أين هو؟ قالوا في الكنيسة، فكره دخولها، وقال لعليّ رضي الله عنه: اذهب بالناس. فذهب عليّ
(1)
أخرجه في: المرضى، 11- باب عيادة المشرك، حديث رقم 714، عن أنس.

بالمسلمين، فدخلوا، وجعل عليّ رضي الله عنه ينظر إلى الصورة.
وقال: ما على أمير المؤمنين، لو دخل وأكل!
انتهى.
والأصل في هذا قوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 8- 9] ، قال السيد ابن المرتضى اليمانيّ في (إيثار الحق) : عن الإمام المهديّ محمد بن المطهّر عليه السلام أن الموالاة المحرمة بالإجماع، هي أن تحب الكافر لكفره، والعاصي لمعصيته، لا لسبب آخر، من جلب نفع أو دفع ضرر، أو خصلة خير فيه. وسيأتي في أول سورة الممتحنة زيادة على هذا إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الحشر
قال المهايميّ: سميت به لدلالة إخراج اليهود عنده، على لطف الله وعنايته برسوله وبالمؤمنين، وقهره وغضبه على أعدائهم. وهو من أعظم مقاصد القرآن.
وكان ابن عباس يقول: سورة بني النضير.
روى البخاري «1» عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟
قال: سورة بني النضير.
وعنه قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: سورة بني النضير. وهم قوم من اليهود. وهي مدنية. وآيها أربع وعشرون، بلا خلاف.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2)
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تقدم القول في تأويل نظيره.
ثم أشار إلى بيان بعض آثار عزته تعالى، وإحكام حكمته، إثر وصفه بالعزة القاهرة، والحكمة الباهرة على الإطلاق، بقوله: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
(1)
أخرجه في: التفسير، سورة الحشر، 1- باب الجلاء من أرض إلى أرض، حديث رقم 1869.

يعني بني النضير من اليهود مِنْ دِيارِهِمْ أي مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة، لطفا بهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ أي لأول الجمع لقتالهم. يعني أخرجهم تعالى بقهره لأول ما حشر لغزوهم. والتوقيت به إشارة إلى شدة الأخذ الرباني لهم، وقوة البطش والانتقام، بقذف الرعب في قلوبهم، حتى اضطروا لأول الهجوم عليهم، إلى الجلاء والفرار، كما يأتي.
ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا أي لشدة بأسهم ومنعتهم، فصار آية لكم، لأنه من آثار سنته تعالى في إذلال المفسدين وقهرهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أي من بأسه فَأَتاهُمُ اللَّهُ أي عذابه، وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا أي لم يظنوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي أنزله إنزالا شديدا فيها، لدلالة مادة (القذف) عليه، كأنه مقذوف الحجارة.
قال القاشاني: أي نظر بنظر القهر إليهم فتأثروا به، لاستحقاقهم لذلك، ومخالفة الحبيب ومشاقته ومضادته، ولوجود الشك في قلوبهم، وكونهم على غير بصيرة من أمرهم، وبينة من ربهم، إذ لو كانوا أهل يقين ما وقع الرعب في قلوبهم، ولعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور اليقين، وآمنوا به فلم يخالفوه.
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ أي كيف حل بالمفسدين ما حل ونزل بهم ما نزل، لتعلموا صدق الله في وعده ووعيده.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحشر (59) : الآيات 3 الى 4]
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (4)
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ أي الخروج من أوطانهم لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا أي بالقتل والسبي، كما فعل بإخوانهم بني قريظة. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ذلِكَ أي الجلاء والعذاب بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا أي خالفوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فيما نهاهم عنه من الفساد، ونقض الميثاق. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي له في الدنيا والآخرة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]