عرض مشاركة واحدة
  #589  
قديم 21-06-2025, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله




تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الصف
المجلد السادس عشر
صـ 5776 الى صـ 5785
الحلقة (589)








تنبيهات:
الأول-
روى البخاري «1» عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر أليه من المؤمنات بهذه الآية. فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك، كلاما. ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة. ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك.
قال ابن حجر: أي لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة.
ثم
قال: وروى النسائي والطبري أن أميمة بنت رقيقة أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع. فقلن: يا رسول الله! ابسط يدك نصافحك. فقال: إني لا أصافح النساء.
ولكن سآخذ عليكن. فأخذ علينا حتى بلغ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فقال: فيما أطقتنّ واستطعتن، فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا
-

وفي رواية الطبري: ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة
-
وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب- أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي-.

وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح أنه كان يغمس يده في إناء، فيغمسن أيديهن فيه. انتهى.
والمعول على رواية البخاري الأولى لصحتها، وضعف ما عداها.
الثاني- روى مسلم «2» عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ كان منه النياحة.
(1)
أخرجه في: الطلاق، 20- باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي والحربي، حديث رقم 1310.

(2)
أخرجه في: الجنائز، حديث رقم 31.

ولفظ البخاري «1» عنها قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً. ونهانا عن النياحة.
وأخرج الطبري بسنده إلى امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا أن لا نعصيه في شيء من المعروف، ولا نخمش وجها. ولا ننشر شعرا، ولا نشق جيبا، ولا ندعو ويلا.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن يومئذ أن لا ينحن، ولا يحدثن الرجال إلا رجلا منكن محرما. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا نبيّ الله! إن لنا أضيافا وإنا نغيب عن نسائنا؟! فقال ليس أولئك عنيت.
الثالث- قال إلكيا الهراسي: يؤخذ من قوله تعالى: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أنه لا طاعة لأحد في غير المعروف. قال وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بمعروف وإنما شرطه في الطاعة، لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين.
وأصله مما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد. قال في هذه الآية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه، وخيرته من خلقه. ثم لم يستحل له أمر إلا بشرط. لم يقل وَلا يَعْصِينَكَ ويترك حتى قال فِي مَعْرُوفٍ فكيف ينبغي لأحد أن يطاع في غير معروف، وقد اشترط الله هذا على نبيه؟
ثم نبه تعالى في آخر السورة بما نبّه به في فاتحتها، من النهي عن موالاة محاربي الدين، تحذيرا من التهاون في ذلك، وزيادة اعتناء به، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الممتحنة (60) : آية 13]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي مسخوطا عليهم لمعاداتهم الحق، ومحاربتهم الصلاح، وعيثهم بالفساد. وهو عام في كل محارب.
ومنهم من خصه باليهود، لأنه عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم، واقتصر عليه الزمخشري. قال الناصر: قد كان الزمخشريّ ذكر في قوله، وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ إلى قوله: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [فاطر: 12] ، أن آخر
(1)
أخرجه في: الجنائز، 46- باب ما ينهى عن النوح والبكاء، حديث 694.

الآية استطراد. وهو فن من فنون البيان، مبوّب عليه عند أهله. وآية الممتحنة هذه ممكنة أن تكون من هذا الفن جدا، فإنه ذم اليهود، واستطرد ذمهم بذم المشركين، على نوع حسن من النسبة. وهذا لا يمكن أن يوجد للفصحاء في الاستطراد أحسن ولا أمكن منه. ومما صدروا به هذا الفن قوله:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس، وإن كان من جرم
وقوله:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
وقوله:
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
انتهى.
وكان وجه إيثاره الفرار من التأكيد إلى التأسيس، مع أن إرادة ما أريد بأول السورة منه، فيه من المحسنات البديعية ردّ العجز على الصدر، تذكيرا به وتفخيما، للعناية بشأنه. ولكل وجهة.
قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ أي من جزائها لجحدهم بها، ولذلك طغوا وبغوا وعاثوا. والجملة صفة ثانية كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ أي كما يئس من سلفهم من إخوانهم الكفار المقبورين. أي أنهم على شاكلة من قبلهم، وكلّ مؤاخذ بكفره. وقيل: المعنى كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا. ففيه وضع الظاهر موضع المضمر، تسجيلا لكفرهم، وبيانا لما اقتضى الغضب عليهم، ولما آيسهم. والأول أظهر.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الصفّ
وتسمى سورة (الحواريين) . وهي مدنية. ولا عبرة بقول إنها مكية، لأن آياتها المحرّضة على القتال تردّه، لأنه لم يشرع الجهاد إلا في المدينة. وآيها أربع عشرة آية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (61) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي أذعن لله كل خلقه العلوي والسفلي، وانقاد لتسخيره، ودل على ألوهيته وربوبيته. وتقدم بيانه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (61) : الآيات 2 الى 3]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال القاشاني: من لوازم الإيمان الحقيقي الصدق وثبات العزيمة. إذ خلوص الفطرة عن شوائب النشأة يقتضيهما.
وقوله: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ يحتمل الكذب، وخلف الوعد. فمن ادعى الإيمان وجب عليه الاجتناب عنهما بحكم الإيمان، وإلا فلا حقيقة لإيمانه. ولهذا قال:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ لأن الكذب ينافي المروءة التي هي من مبادئ الإيمان، فضلا عن كماله. إذ الإيمان الأصلي هو الرجوع إلى الفطرة الأولى، والدين القيّم. وهي تستلزم أجناس الفضائل بجميع أنواعها، التي أقل درجاتها العفة المقتضية للمروءة، والكاذب لا مروءة له، فلا إيمان له حقيقة. وإنما قلنا، لا مروءة له، لأن النطق هو الإخبار المفيد للغير معنى، المدلول عليه باللفظ. والإنسان خاصته التي تميزه عن غيره، هي النطق، فإذا لم يطابق الإخبار، لم تحصل فائدة النطق،
فخرج صاحبه عن الإنسانية، وقد أفاد ما لم يطابق من اعتقاد وقوع غير الواقع، فدخل في حد الشيطنة، فاستحق المقت الكبير عند الله، بإضاعة استعداده، واكتساب ما ينافيه من أضداده. وكذا الخلف، لأنه قريب من الكذب، ولأن صدق العزم وثباته من لوازم الشجاعة التي هي إحدى الفضائل اللازمة لسلامة الفطرة، وأول درجاتها. فإذا انتفت انتفى الإيمان الأصلي بانتفاء ملزومه، فثبت المقت من الله. انتهى.
لطيفة:
قال الزمخشري: هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه. قصد في كَبُرَ التعجب من غير لفظه. ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين. وأسند إلى أَنْ تَقُولُوا، ونصب مَقْتاً على تفسيره، دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص، لا شوب فيه، لفرط تمكن المقت منه. واختير لفظ (المقت) لأنه أشد البغض وأبلغه، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا، حتى جعل أشده وأفحشه.
و (عند الله) أبلغ من ذلك، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله، فقد تم كبره وشدته.
قال الناصر: وزائد على هذه الوجوه الأربعة وجه خامس، وهو تكراره لقوله:
ما لا تَفْعَلُونَ وهو لفظ واحد، في كلام واحد. ومن فوائد التكرار التهويل والإعظام.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (61) : آية 4]
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ قال القاشاني:
لأن بذل النفس في سبيل الله لا يكون إلا عند خلوص النفس في محبة الله، إذ المرء إنما يحب كل ما يحب من دون الله لنفسه. فأصل الشرك ومحبة الأنداد، محبة النفس. فإذا سمح بالنفس، كان غير محب لنفسه، وإذا لم يحب نفسه فبالضرورة لم يحب شيئا من الدنيا. وإذا كان بذله للنفس في اللهو وفي سبيله لا للنفس، كما قال- ترك الدنيا للدنيا- كانت محبة الله في قلبه راجحة على محبة كل شيء، فكان من الذين قال فيهم: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] ، وإذا كانوا كذلك يلزم محبة الله إياهم، لقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] ، انتهى.
تنبيهات:
الأول- في ذكر هذه الآية عقيب مقت المخلف دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار، فلم يفلوا. انتهى.
وأيده الناصر من الوجهة البيانية بأن الأول كالبسطة العامة لهذه القصة الخاصة، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:
1-
2]
، فالنهي العام ورد أولا. والمقصود اندراج هذا الخاص فيه، كما تقول للمقترف جرما معينا: لا تفعل ما يلصق العار بك، ولا تشاتم زيدا. وفائدة مثل هذا النظم، النهي عن الشيء الواحد مرتين، مندرجا في العموم، ومفردا بالخصوص. وهو أولى من النهي عنه على الخصوص مرتين فإن ذلك معدود في حيز التكرار، وهذا يتكرر مع ما في التعميم من التعظيم والتهويل. انتهى.

الثاني- في (الإكليل) : قال إلكيا الهراسي، يحتج بقوله تعالى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ في وجوب الوفاء بالنذر، ونذر اللجاج. قال غيره: والوعود. انتهى.
وقال ابن كثير: هو إنكار على من يعد وعدا، أو يقول قولا، لا يفي به. ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا، سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا. واحتجوا أيضا من السنة بما
ثبت في الصحيحين «1» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان.
ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ.
وقد روى الإمام أحمد «2» وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي، فذهبت لأخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله! تعال أعطك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرا. فقال: أما إنك لو لم تفعلي، كتبت عليك كذبة.
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود، وجب الوفاء به. كما لو قال لغيره: تزوج ولك عليّ كل يوم كذا. فتزوج. وجب عليه أن يعطيه مادام كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقا، وحملوا الآية على أنها نزلت حين
(1)
أخرجه البخاري في: الإيمان، 24- باب علامة المنافق، حديث رقم 31، عن أبي هريرة.

وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 107.
(2)
أخرجه في المسند 3/ 447.

تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض، نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 77] . وقال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ... [محمد: 20] الآية، وهكذا هذه الآية معناها كما قال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين، قبل أن يفرض الجهاد، يقولون:
لوددنا أن الله عز وجل دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان، ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.
وقيل: كان المسلمون يقولوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لأتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا، فلما كان يوم أحد، تولوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى شج وكسرت رباعيته، فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ روي ذلك عن مقاتل بن حيّان.
وقيل: نزل هذا توبيخا لقوم من المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون. يقولون: لو خرجتم خرجنا معكم، وكنا في نصركم، وفي وفي ... روي ذلك عن ابن زيد.
وكلّ المروي هنا مما تشمله الآية.
وقد روى الإمام أحمد «1» عن عبد الله بن سلام قال: تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فلم يقم منا أحد، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة- يعني سورة الصف- كلها.
ولفظ ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لو أرسلنا إلى رسول الله نسأله عن أحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ فلم يذهب إليه أحد منا، وهبنا أن نسأله عن ذلك. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر رجلا رجلا، حتى جمعهم، ونزلت فيهم هذه السورة- الصف- قال عبد الله بن سلام: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها.
(1)
أخرجه في المسند 5/ 452.

وفي رواية ابن أبي حاتم هذه فائدة جليلة: وهي أن قول الصحابي نزلت هذه السورة، بمعنى قرئت في الحادثة، كما بيّنته الرواية قبله. والروايات يفسر بعضها بعضا. وقد نبهنا على ذلك مرارا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]