عرض مشاركة واحدة
  #597  
قديم 21-06-2025, 10:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله




تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ التحريم
المجلد السادس عشر
صـ 5856 الى صـ 5865
الحلقة (597)





القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التحريم (66) : آية 2]
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أي: شرع تحليلها- وهو حل ما عقدته- بالكفارة،. والتحلة، مصدر بمعنى التحليل. وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ أي: متولي أموركم وَهُوَ الْعَلِيمُ أي بمصالحكم الْحَكِيمُ أي: في تدبيره إياكم بما شرعه وحكم به.
تنبيهات:
الأول- قال ابن قدامة في (الروضة) . دلت الآية على أن حكم خطابه صلى الله عليه وسلم لا يختص به، لأنه لما عاتبه في تحريم ما أحل له قال عقيبه: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وابتدأ الخطاب بمناداته وحده، ثم تمّمه بلفظ الجمع بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ. والمسألة طويلة الذيل في الأصول.
(1)
أخرجه في: التفسير، سورة التحريم، 1- باب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، حديث 2072. وأخرجه مسلم في: الطلاق، حديث رقم 18.

الثاني- قال تقيّ الدين ابن تيمية: التحلة مصدر حللت الشيء تحليلا وتحلة، كما يقال: كرمته تكريما وتكرمه، وهذا المصدر يسمى به المحلل نفسه، الذي هو الكفارة فإن أريد المصدر، فالمعنى: فرض الله لكم تحليل اليمين، وهو حلها الذي هو خلاف العقد.
ولهذا استدل من استدل من أصحابنا وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز، بهذه الآية على التكفير قبل الحنث، لأن التحلة لا تكون بعد الحنث، فإنه بالحنث ينحل اليمين، وإنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لينحل اليمين، وإنا هي بعد الحنث كفارة، لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله. فإذا تبين أن ما اقتضت اليمين وجوب الوفاء بها، رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلا من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الآصار.
الثالث- شمل قوله تعالى: أَيْمانِكُمْ تحريم الحلال المذكور قبل، وهو الزوجة، لدخوله فيه دخولا أوليّا، بل كل يمين.
قال تقيّ الدين ابن تيمية في فتاويه: قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ نص عام في كل يمين يحلف بها المسلمون، أن الله قد فرض لها تحلة.
وذكره سبحانه بصيغة الخطاب للأمة، بعد تقدم الخطاب بصيغة الإفراد للنبيّ صلى الله عليه وسلم، مع علمه سبحانه بأن الأمة يحلفون بأيمان شتى: فلو فرض يمين واحدة ليس لها تحلة، لكان مخالفا للآية. كيف وهذا عام لم تخص فيه صورة واحدة، لا بنص ولا بإجماع، بل هو عام عموما معنويا، مع عمومه اللفظي؟ فإن اليمين معقود يوجب منع المكلف من الفعل، فشرع التحلة لهذه العقدة مناسب لما فيه من التخفيف والتوسعة. وهذا موجود في اليمين بالعتق والطلاق، أكثر منه في غيرهما من أيمان نذر اللجاج والغضب: فإن الرجل إذا حلف بالطلاق ليقتلن النفس، أو ليقطعن رحمه، أو ليمنعن الواجب عليه من أداء أمانة ونحوها، فإنه يجعل الطلاق عرضة ليمينه، أن يبرّ ويصلح بين الناس، أكثر مما يجعل الله عرضة، ثم إن وفي بيمينه، كان عليه من ضرر الدنيا والدين ما قد أجمع المسلمون على تحريم الدخول فيه. وإن طلق امرأته، ففي الطلاق أيضا من ضرر الدين والدنيا ما لا خفاء به. وأيضا فإنه تعالى قال: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وذلك يقتضي أنه ما من تحريم لما أحل الله، إلا والله غفور لفاعله، رحيم به، وأنه لا علة تقتضي ثبوت ذلك التحريم. لأن قوله لأي شيء استفهام في معنى النفي والإنكار والتقدير، لا سبب لتحريمك ما أحل الله لك، والله غفور رحيم، فلو كان الحالف
بالنذر والعتاق والطلاق على أنه لا يفعل شيئا لا رخصة له، لكان هنا سبب يقتضي تحريم الحلال، ولا يبقى موجب المغفرة والرحمة على هذا الفاعل.
ومما يوضح عمومه أنهم قد أدخلوا الحلف بالطلاق في عموم
حديث «1» : من حلف فقال إن شاء الله، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك، فأدخلوا فيه الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والحلف بالله
.
وهذه الدلالة تنبيه على أصول الشافعي وأحمد ومن وافقهما في مسألة نذر اللجاج والغضب. فإنهم احتجوا على التكفير فيه بهذه الآية، وجعلوا قوله تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ كفارة أيمانكم عاما في اليمين بالله واليمين بالنذر.

ومعلوم أن شمول اللفظ لنذر اللجاج والغضب في الحج والعتق ونحوهما، سواء.
فإذا قيل: المراد بالآية اليمين بالله فقط، فإن هذا هو المفهوم من مطلق اليمين، ويجوز أن يكون التعريف بالألف واللام والإضافة في قوله: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة: 89] ، وتَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ منصرفا إلى اليمين المعهودة عليهم، وهي اليمين بالله، وحينئذ فلا يعلم من اللفظ إلا المعروف عندهم، والحلف بالطلاق ونحوه لم يكن معروفا عندهم. ولو كان اللفظ عامّا، فقد علمنا أنه لم يدخل فيه اليمين التي ليست مشروعة، كاليمين بالمخلوقات، فلا يدخل الحلف بالطلاق ونحوه، لأنه ليس من اليمين المشروعة
لقوله «2» : (من كان حالفا فليحلف بالله وإلّا فليصمت)
وهذا سؤال من يقول: كل يمين غير مشروعة، فلا كفارة لها ولا حنث.
فيقال: لفظ اليمين شمل هذا كله، بدليل استعمال النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء اسم اليمين في هذا كله.
كقوله صلى الله عليه وسلم: النذر حلف
.
وقوله الصحابة لمن حلف بالهدي بالعتق: كفر يمينك. وكذلك فهمه الصحابة من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ولإدخال العلماء ذلك في
قوله صلى الله عليه وسلم «3» : من حلف فقال إن شاء الله، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك
.
ويدل على عمومه في الآية أنه سبحانه قال: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ فاقتضى هذا أن نفس تحريم الحلال يمين، كما استدل به ابن عباس.

(1)
أخرجه أبو داود في: الأيمان والنذور، 9- باب الاستثناء في اليمين، حديث رقم 3262، عن ابن عمر.

(2)
أخرجه البخاري في: الأدب، 74- باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأوّلا، حديث رقم 1298، عن ابن عمر.

(3)
أخرجه أبو داود في: الأيمان والنذور، 9- باب الاستثناء في اليمين، حديث رقم 3262، عن ابن عمر.

وسبب نزول الآية إما تحريمه العسل، وإما تحريمه مارية القبطية. وعلى التقديرين فتحريم الحلال يمين على ظاهر الآية، وليس يمينا بالله، لهذا أفتى جمهور الصحابة، كعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وغيرهم.
أن تحريم الحلال يمين مكفرة، إما كفارة كبرى كالظهار، وإما كفارة صغرى كاليمين بالله. وما زال السلف يسمون الظهار ونحوه يمينا.
وأيضا فإن قوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. إما أن يراد به لم تحرم بلفظ الحرام. وإما لم تحرمه باليمين بالله تعالى ونحوها. وإما لم تحرمه مطلقا، فإن أريد الأول والثالث، فقد ثبت تحريمه بغير الحلف بالله تعالى، ثم فيعم، وإن أريد به تحريمه بالحلف بالله، فقد سمى الله الحلف بالله تحريما للحلال. ومعلوم أن اليمين بالله لم يوجب الحرمة الشرعية. لكن لما أوجبت امتناع الحالف من الفعل، فقد حرمت عليه الفعل تحريما شرطيّا، لا شرعيّا. فكلّ يوجب امتناعه من الفعل، فقد حرمت عليه الفعل فيدخل في قوة قوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ وحينئذ فقوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ لا بد أن يعم كل يمين حرمت الحلال، لأن هذا حكم ذلك الفعل، فلا بد أن يطابق صوره، لأن تحريم الحلال هو سبب قوله:
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وسبب الجواب إذا كان عامّا كان الجواب عامّا، لئلا يكون جوابا عن البعض دون البعض، مع قيام السبب المقتضي للتعميم.
وقال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) الذين أوجبوا كفارة اليمين بالتحريم أسعد بالنص من الذين أسقطوها. فإن الله سبحانه ذكر تحلة الأيمان عقيب قوله:
لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. وهذا صريح في أن تحريم الحلال قد فرض فيه تحلة الأيمان، إما مختصا به، وإما شاملا له ولغيره، فلا يجوز أن يخلي سبب الكفارة المذكورة في السياق عن حكم الكفارة، ويتعلق بغيره، وهذا ظاهر الامتناع.
وأيضا فإن المنع من فعله بالتحريم، كالمنع منه باليمين، بل أقوى. فإن اليمين، إن تضمن هتك حرمة اسمه سبحانه، فالتحريم تضمن هتك حرمة شرعه وأمره، فإنه إذا شرع حلالا فحرمه المكلف، كان تحريمه هتكا لحرمة ما شرعه.
ونحن نقول: لم يتضمن الحنث في اليمين هتك حرمة الاسم، ولا التحريم هتك حرمة الشرع، كما يقوله من يقوله من الفقهاء، وهو تعليل فاسد جدّا، فإن الحنث إما جائز، وإما واجب، أو مستحب. وما جوز الله لأحد البتة أن يهتك حرمة اسمه، وقد شرع لعباده الحنث مع الكفارة.
وأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم «1» أنه إذا حلف على يمين، ورأى غيرها خيرا منها كفر عن يمينه، وأتى المحلوف عليه. ومعلوم أن هتك حرمة اسمه تبارك وتعالى، لم يبح في شريعة قط، وإنما الكفارة كما سماها الله تعالى، تحلة. وهي تفعلة من (الحل) ، فهي تحل ما عقد به اليمين ليس إلا. وهذا العقد، كما يكون باليمين، يكون بالتحريم. وظهر سر قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، عقيب قوله:
لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
وقال رحمه الله فيه، قبل: أما من قال إنه يمين مكفرة بكل حال، فمأخذ قوله أن تحريم الحلال من الطعام والشراب واللباس يمين يكفر بالنص والمعنى وآثار الصحابة، فإن الله سبحانه قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ... الآية. ولا بد أن يكون تحريم الحلال داخلا تحت هذا الفرض، لأنه سببه، وتخصيص محل السبب من جملة العامّ، ممتنع قطعا، إذ هو المقصود بالبيان أولا، فلو خص لخلا سبب الحكم عن البيان، وهو ممتنع. وهذا استدلال في غاية القوة. فسألت عنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فقال: نعم! التحريم يمين كبرى في الزوجة، كفارتها كفارة الظهار، ويمين صغرى فيما عداها، كفارتها كفارة اليمين بالله. قال وهذا معنى قول ابن عباس وغيره من الصحابة ومن بعدهم: إن التحريم يمين يكفّر.
وقال رحمه الله في (أعلام الموقعين) : لا يجوز أن يفرق بين المسلم وبين امرأته بغير لفظ لم يوضع للطلاق ولا نواه، وتلزمه كفارة يمين حرمه لشدة اليمين، إذ ليست كالحلف بالمخلوق التي لا تنعقد، ولا هي من لغو اليمين، وهي يمين منعقدة، ففيها كفارة يمين.
ثم قال في المذهب الثالث عشر: إنه يمين يكفره ما كفر اليمين على كل حال. صح ذلك أيضا عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء ومكحول وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور، وخلق سواهم رضي الله عنهم. وحجة هذا القول.
ظاهر القرآن، فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال، فلا بد أن
(1)

أخرجه البخاري في: الأيمان والنذور، 18- باب اليمين فيما لا يملك وفي المعصية وفي الغضب، حديث 1476، عن أبي موسى الأشعري. ونصه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين، فوافقته وهو غضبان فاستحملناه. فحلف أن لا يحملنا. ثم قال: والله! إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها.
يتناوله يقينا، فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها، ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله.
وقال في (زاد المعاد) : لا فرق بين التحريم (في غير الزوجة) بين الأمة وغيرها عند الجمهور، إلا الشافعي وحده، فإنه أوجب في تحريم الأمة خاصة، كفّارة اليمين، إذ التحريم له تأثير في الأبضاع عنده، دون غيرها: وأيضا فإن سبب نزول الآية تحريم الجارية، فلا يخرج محل السبب عن الحكم، ويتعلق بغيره. ومنازعوه يقولون: النص علق فرض تحلة اليمين بتحريم الحلال، وهو أعمّ من تحريم الأمة وغيرها، فتجب الكفار حيث وجد سببها. وقد تقدّم تحريره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التحريم (66) : آية 3]
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ هي حفصة في قول الرواة: ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والشعبي والضحاك- كما نقله ابن جرير- حَدِيثاً وهو تحريم فتاته في قولهم. قال ابن جرير: أو ما حرم على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحلّه له، وقوله: لا تذكري ذلك لأحد.
فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أي أخبرت بالسرّ، صاحبتها كما تقدم، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أي أطلعه على تحديثها به، عَرَّفَ بَعْضَهُ أي عرّفها بعض ما أفشته معاتبا وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ أي بعض الحديث تكرّما، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ أي الذي لا تخفى عليه خافية.
تنبيه:
في (الإكليل) : في الآية أنه لا بأس بإسرار بعض الحديث إلى من يركن إليه من زوجة أو صديق، وأنه يلزمه كتمانه. وفيها حسن المعاشرة مع الزوجات، والتلطّف في العتب، والإعراض عن استقصاء الذّنب.
وحكى الزمخشريّ عن سفيان قال: ما زال التغافل من فعل الكرام.
ثم أشار تعالى إلى غضبه لنبيّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التحريم (66) : آية 4]
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي إلى الحق. وهو ما وجب من مجانبة ما يسخط رسوله. وقد صح عن ابن عباس أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن المتظاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عائشة وحفصة.
وفي خطابهما، على الالتفات من الغيب إلى الخطاب، مبالغة، فإن المبالغ في العتاب يصير المعاتب مصرودا بعيدا عن ساحة الحضور. ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ أي تتظاهرا وتتفقا على ما يسوؤه، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ أي متظاهرون على من أراد مساءته، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟ ولما كانت الملائكة أعظم المخلوقات وأكثرهم، ختم الظهراء بهم ليكون أفخم في التنويه بالنبيّ صلوات الله عليه، وعظم مكانته، والانتصار له، إذ هي هنا بمثابة جيش جرار، يملأ القفار، يتأثر أميره وقائده، ليحمل على عدوّه ومناوئه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التحريم (66) : آية 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ أي خاضعات لله بالطاعة مُؤْمِناتٍ أي مصدّقات بالله ورسوله قانِتاتٍ أي مطيعات لما يؤمرن به تائِباتٍ أي من الذنوب لا يصررن عليها عابِداتٍ أي متعبّدات لله، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن، حتى صارت ملكة لهن سائِحاتٍ قيل: معناه صائمات- وسننبه على ما فيه- ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً.
اعلم أن في توصيف المبدلات بهذه الصفات، تعريضا بوجوب اتصاف الأزواج بها، لا سيما أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد من (سائحات) صائمات أو مهاجرات.
وقد قدمنا في سورة التوبة في تفسير (السائحون) أن الحق فيه هو المعنى الحقيقيّ،
لعدم ما يمنع منه، ولا يصار إلى المجاز إلا لمانع. ولذا قال بعض المحققين: إنه يستفاد من هذه الآية مشروعية السياحة للنساء، كما هي كذلك للرجال، فمعنى قوله تعالى سائِحاتٍ مسافرات، سواء كان السفر لهجرة أو اطلاع على آثار الأمم البائدة. وقد خصصت السنة عموم سفرهن بكونه مع زوج أو محرم لهن، حفظا لهن.
ثم قال: كأن الذي دعا البعض لتفسير (السائحات) بالصائمات، أو بخصوص المهاجرات، تصوره أن السياحة في البلاد لا تناسب طبيعة النساء المأمورات بالحجاب، وكأنه يفهم من الحجاب أنه الحبس المؤبد، أو كأن الهواء نعمة مخصوصة بغير النساء، أو كأنهن لم يخلقن إلا لسجون البيوت التي ربما تكون أنكى من أعمق سجون الجناة، أو كأنهن لم يخلق لهن من هذه الدنيا الرحيبة سوى بيت واحد؟! وأما قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: 29] ، فكأنه مخصوص بالرجل، أو كأن الآيات الآمرة بالسير للنظر والعبرة والإحاطة والخبرة، نازلة من السماء ليس للأمة جميعا، بل للنصف منها، وهو الرجال. وحاشا أن يكون ذلك! أين هديه صلى الله عليه وسلم في سفره مع أزواجه؟ فقد كان يقرع بينهن، فأيتهن خرجت قرعتها خرج بها، وسافرت معه. وقد صار ذلك شريعة معمولا بها في الدين. وهكذا صح «1» أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم بصفية أردفها خلفه وهو مع الركب.
وبالجملة فالسياحة في القرآن الكريم ليست ترمي إلى غاية واحدة، بل إلى عدة غايات وفوائد:
أولا- إدراك المعقولات، والإحاطة بعظات المسموعات، كما نتعلمه من آية أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] .
ثانيا- الوقوف على أحوال الأمم البائدة، وما لهم من جليل الآثار الداعية للاعتبار، كما نتعلمه من قول الكتاب الحكيم: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ، كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ [غافر: 21] ، وقوله:





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]