عرض مشاركة واحدة
  #600  
قديم 21-06-2025, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله




تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ القلم
المجلد السادس عشر
صـ 5886 الى صـ 5895
الحلقة (600)





القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : الآيات 18 الى 19]
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي مع كونهم أشد منهم عددا وعددا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي نكيري تكذيبهم. وذلك بإنزال العذاب بهم، ودحر باطلهم.
قال القاضي: هو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتهديد لقومه المشركين.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي باسطات أجنحتهن في الجوّ عند طيرانها، وَيَقْبِضْنَ أي ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن، وقت، للاستظهار.
ولتجدده عبر عنه بالفعل، إشارة إلى أنه أمر طارئ على الصف. يفعل في بعض الأحيان للتقوّي بالتحريك. كما يفعله السابح في الماء، يقيم بدنه أحيانا، بخلاف البسط والصف، فإنه الأصل الثابت في حالة الطيران، ولذا اختير له الاسم.
ما يُمْسِكُهُنَّ أي في الجو إِلَّا الرَّحْمنُ أي المفيض لكلّ ما قدّر له، حسب استعداده بسعة رحمته. ومنه ما دبر للطيور من بنية يتأتى منها الجري في الجوّ.
إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ قال القاشاني: أي فيعطيه ما يليق به، ويسوّيه بحسب مشيئته، ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته، ثم يهديه إليه بتوفيقه.
ثم بكّت تعالى المشركين، بنفي أن يكون لهم ناصر غيره سبحانه، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 20]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ أي معشر المشركين يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أي إن أراد بكم سوءا، فيدفع عنكم بأسه. إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أي من ظنهم أن أربابهم تنفع أو تضرّ. أو أنها تقرّبهم إلى الله زلفى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 21]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ يعني المطر ونحوها بَلْ لَجُّوا أي تمادوا فِي عُتُوٍّ أي عناد وطغيان وَنُفُورٍ أي شراد عن الحق واستكبار، مع وضوح براهينه، فأصرّوا على اعتقاد أنهم يحفظون من النوائب، ويرزقون ببركة آلهتهم، وأنهم الجند الناصر الرازق، مكابرة وعنادا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 22]
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تمثيل للضالين والمهتدين. و (المكب) هو المتعثر الذي يخرّ على وجهه لو عورة طريقه، واختلاف سطحه ارتفاعا وانخفاضا. والذي يمشي سويّا هو القائم السالم من العثار، لاستواء طريقه، واستقامة سطحه.
قال القاضي: والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين، والدينين بالمسلكين.
ولعل الاكتفاء بما في الكبّ من الدلالة على حال المسلك، للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا. أي: فلذلك ذكر المسلك في الثاني دون الأول.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : الآيات 23 الى 26]
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
قُلْ هُوَ أي المستحق للعبادة وحده، وسلوك صراطه الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي العقول والإدراكات قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي باستعمالها فيما خلقت له قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلقكم فيها لتعبدوه، وتقوموا بالقسط الذي أمر به وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي للجزاء وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي الحشر أو الفتح على رسوله وظهور دينه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في الإنذار به، والترهيب منه قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي بيّن الحجة على ما أنذركم به، من زهوق باطلكم إذا جاء أجله. وأما تعيين وقته، فليس إليّ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 27]
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
فَلَمَّا رَأَوْهُ أي: ما وعدوا به من العذاب، وزهوق باطلهم زُلْفَةً أي: قريبا، أو ذا زلفة، أي قرب سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي ظهر عليها آثار الاستياء من الكآبة والغم والانكسار والحزن وَقِيلَ أي لهم تبكيتا هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ أي تطلبون وتستعجلون به، من الدعاء، أو تدّعون أن لا بعث، من (الدعوى) .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 28]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ كان كفار مكة يتربصون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ريب المنون، تخلصا من دعوته وانتشارها، فأمر أن يقول لهم ذلك. أي أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين، أو رحمنا بتأجيل آجالنا وانتصارنا، فمن يجيركم من عذاب أليم قضى الله وقوعه بكم لكفركم؟.
قال ابن كثير: أي خلصوا أنفسكم، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإنابة، والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذبنا الله أو رحمنا، فلا مناص لكم من عذابه ونكاله الواقع بكم. والمعني بالعذاب: إما الدنيوي، وهو خزيهم بالانتصار عليهم، ودحور ضلالهم. أو الأخروي، وهو أشد وأبقى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 29]
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29)
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا أي اعتمدنا في أمورنا، لا على ما تتكلون عليه من رجالكم وأموالكم. فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي في ذهاب عن الحق، وانحراف عن طريقه منا ومنكم، إذا جاء نصر الله والفتح في الدنيا، ونشأته الثانية في الأخرى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (67) : آية 30]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً أي غائرا لا تناله الدلاء، أو ذاهبا في الأرض فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ؟ أي جار ظاهر سهل التناول.
قال الرازي: المقصود تقريرهم ببعض نعمه تعالى، ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر. أي: أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض، فمن يأتيكم بماء معين؟ فلا بد وأن يقولوا: هو الله. فيقال لهم حينئذ: فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلا، شريكا له في العبودية. وهو كقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ؟ [الواقعة: 68] ، أي بل هو الذي أنزله وسلكه ينابيع، رحمة بالعباد، فله الحمد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة القلم
وتسمى سورة القلم. وهي مكية. وآيها اثنتان وخمسون.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
ن بالسكون على الوقف: اسم للحرف المعروف، قصد به التحدي. أو اسم للسورة، منصوب ب (اذكر) أو مرفوع خبرا لمحذوف وَالْقَلَمِ أي الذي يخطّ به وَما يَسْطُرُونَ أي يكتبون. و (ما) مصدرية أو موصولة. وقوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ جواب القسم، قصد به تكذيب المشركين في إفكهم المحدث عنه بآية: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر: 6] .
قال الزجاج: (أنت) هو اسم (ما) ، و (بمجنون) الخبر. وقوله: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ كلام وقع في البين. والمعنى: انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما يقال: أنت بحمد الله عاقل، وأنت بحمد الله فهم. ومعناه: أن تلك الصفة المحمودة إنما حصلت، والصفة المذمومة إنما زالت، بواسطة إنعام الله ولطفه وإكرامه. فالباء في بِنِعْمَةِ متعلقة بمعنى النفي المدلول عليه ب (ما) والباء في بِمَجْنُونٍ زائدة.
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً أي ثوابا على أذى المشركين، واحتمال هذا الطعن، والصبر عليه غَيْرَ مَمْنُونٍ أي غير منقوص ولا مقطوع.
قال ابن جرير: من قولهم (حبل منين) إذا كان ضعيفا، وقد ضعفت منته، أي:
قوته. أو غير ممنون به عليك، زيادة في العناية به صلى الله عليه وسلم، والتنويه بمقامه.
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال ابن جرير: أي أدب عظيم. وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.
قالت عائشة «1» : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن
.
أي كما هو في القرآن.

قال الرازي: وهذا كالتفسير لقوله بِنِعْمَةِ رَبِّكَ والدلالة القاطعة على براءته مما رمى به، لأن الأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والفصاحة التامة، والعقل الكامل، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة، كانت ظاهرة منه. وإذا كانت ظاهرة محسوسة فوجودها ينافي حصول الجنون. فكذب من أضافه إليه وضل، بل هو الأحرى بأن يرمى بما قذف به.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (68) : الآيات 5 الى 7]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ أي أولئك الجاحدون المتفوهون بتلك العظيمة.
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أي المجنون. والباء مزيدة. أو الفتنة والفتون ذهابا، إلى أن المصدر يجيء على زنة المفعول والباء أصلية بمعنى (في) . أي: من كوشف بأسرار العلوم، وأوتي جوامع الكلم، أم من حجب عما في نفسه من آيات الله والعبر، وفتن بعبادة الصنم. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ أي: عن طريق الحق الذي أمر به، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي بمن اتبع الحق، وسلك سبيله، فسيجزي الفريقين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (68) : الآيات 8 الى 16]
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ أي بآيات الله، وما جاءهم من الحق.
قال الزمخشري: تهييج وإلهاب على معاصاتهم.
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ أي: ودوا لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيمالئونك- رواه ابن جرير عن مجاهد- ثم قال: أي: لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه:
(1)
أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين، حديث رقم 139.

وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ [الإسراء: 74- 75] ، وإنما هو مأخوذ من الدهن، شبه التليين في القول بتليين الدهن.
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ أي: كثير الحلف. قال الزمخشري: وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف، ومثله قوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [البقرة:
224] . مَهِينٍ أي: حقير الرأي والتمييز.
هَمَّازٍ أي: عيّاب طعان. قال ابن جرير: والهمز أصله الغمز. فقيل للمغتاب: هماز، لأنه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون، وذلك غمز عليهم.
مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ أي نقّال لحديث الناس بعضهم في بعض، للإفساد بينهم.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أي بخيل بالمال، ضنين به. والخير المال. أو صادّ عن الإسلام.
مُعْتَدٍ أي: على الناس، متجاوز في ظلمهم أَثِيمٍ كثير الآثام.
عُتُلٍّ أي جاف غليظ. دعيّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أي: دعيّ ملصق في النسب، ليس منهم. أو مريب يعرف بالشر. قال ابن جرير: ومعنى (بعد) في هذا الموضع معنى (مع) .
وقال الشهاب: الإشارة لجميع ما قبله من النقائص، لا للأخير فقط. وهي للدلالة على أن ما بعده أعظم في القباحة. ف (بعد) هنا ك (ثم) الدلة على التفاوت الرتبيّ، كما مر في قوله: بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم: 4] .
أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قال الزمخشري: متعلق بقوله وَلا تُطِعْ يعني: ولا تطعه مع هذا المثالب، لأن كان ذا مال. أي: ليساره وحظه من الدنيا. ويجوز أن يتعلق بما بعده، على معنى لكونه متمولا مستظهرا بالبنين، كذب بآياتنا.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا أي: تقرأ عليه آيات كتابنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي:
هذا مما كتبه الأولون، استهزاء به، وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله.
وقوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ عدة منه تعالى بغاية إذلاله، بعد تناهي كبره وعجبه وزهوه وعتوه. تقول العرب: وسمته بميسم السوء: يريدون أنه ألصق به من العار ما لا يفارقه. قال جرير:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث، جدعت أنف الأخطل
قال الزمخشري: الوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه،
لتقدمه له، ولذلك جعلوه مكان العز والحميّة، واشتقوا منه (الأنفة) وقالوا: الأنف في الأنف، وحمى أنفه، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه. فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة، لأن السمة على الوجه شين وإذالة، فكيف بها على أكرم موضع منه؟ ولقد وسم العباس أباعره في وجوهها،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرموا الوجوه
، فوسمها في جواعرها. وفي لفظ (الخرطوم) استخفاف به واستهانة، لأن أصل الخرطوم للخنزير والفيل. وقيل: سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يبين بها عن سائر الكفرة، كما عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة بان بها عنهم. انتهى.
تنبيه:
قيل: عنى بالآية الأخنس بن شريق. قال ابن جرير: وأصله من ثقيف، وعداده في بني زهرة. أي: لأنه التحق بهم حتى كان منهم في الجاهلية. ولذا سمي زنيما للصوقه بالقوم، وليس منهم وقيل: هو الوليد بن المغيرة، ادعاه أبو بعد ثماني عشرة من مولده.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]