عرض مشاركة واحدة
  #610  
قديم 22-06-2025, 06:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ القيامة
المجلد السادس عشر
صـ 5988 الى صـ 5997
الحلقة (610)






القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 3 الى 4]
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ عليه، وهو لتبعثنّ. قال القاشانيّ: المراد بالقيامة، هاهنا، الصغرى، لهذه الدلالة بعينها.
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أي بلى! نجمع عظامه، قادرين تسوية بنانه التي هي أطراف خلقته وتمامها، على صغرها ولطافتها، وضم بعضها إلى بعض، فكيف بكبار العظام؟!
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : آية 5]
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ أي ليدوم على الفجور، فيما يستقبله من الزمان، ولا يثنيه عنه شيء، ولا يتوب منه أبدا.
قال الشهاب: أَمامَهُ ظرف مكان، استعير هنا للزمان المستقبل، فيفيد الاستمرار والضمير للإنسان، أو ليوم القيامة. وقيل الدوام والاستمرار، لأنه خبر عن حال الفاجر، بأنه يريد ليفجر في المستقبل. على أن إرادته وحسبانه هما عين الفجور. وفي إعادة المظهر ما لا يخفى من التهديد ونعي قبيح ما ارتكبه، وأن الإنسانية تأباه. وقيل: حمله على الاستمرار ليصح الإضراب، ويصير المعنى بل يريد الإنسان أن يستمر على فجوره، ولا يتوب، فلذا أنكر البعث.
وقال القاشانيّ: أي ليدوم على الفجور بالميل إلى اللذات البدنية، والشهوات البهيمية، غارزا رأسه فيها، فيما بين يده من الزمان الحاضر والمستقبل، فيغفل عن القيامة لقصور نظره عنها، وكونه مقصورا على اللذات العاجلة، وفرط تهالكه عليها، واحتجابه بها عن الآجلة، سائلا عنها، متعنتا مستبعدا إياها، كما قال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 6 الى 13]
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
كَلاَّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أي متى يكون؟ استبعادا وهزؤا. والجملة استئناف أو حال أو تفسير لقوله (يفجر) ، أو بدل منه والاستئناف بيانيّ، كأنه قيل: لم يريد الدوام على الفجور؟ قيل: لأنه أنكر البعث واستهزأ به فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ أي تحير ودهش. أي لما أتى من أمر الله. قال مجاهد: أي عند الموت. وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي ذهب ضوؤه وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أي جمع بينهما في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما. وقيل: إنها يجمعان ثم يكوران، كما قال جل ثناؤه إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1] ، قال ابن زيد: جمعا فرمي بهما في الأرض. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أي الفرار. أي يطلب مهربا ومحيصا لدهشته، أو يقول قول الآيس لعلمه بأنه لا قرار حينئذ. كَلَّا ردع له عن طلب المفر، لا وَزَرَ أي لا ملجأ.
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
أي مستقر العباد، من نار أو جنة. أي مفرض إليه لا إليه لا إلى غيره مستقرهم، أو استقرار أمرهم، والحكم فيهم يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ
أي
من عمله الذي يوجب نجاته وثوابه، من الخيرات والصالحات، وَأَخَّرَ
أي منه ففرط وقصر فيه ولم يعمله.
قال الشهاب: بِما قَدَّمَ
كناية عما عمل، وما أَخَّرَ
ما تركه ولم يعمله.
وهو مجاز مشهور فيما ذكر. أو ما قدمه، ما عمله، وما أخره، عمل من اقتدى به بعده عملا له، كأنه وقع منه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 14 الى 15]
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
قال القاشاني: أي حجة بينة، يشهد بعمله، لبقاء هيئات أعماله المكتوبة عليه في نفسه، ورسوخها في ذاته، وصيرورة صفاته صور أعضائه، فلا حاجة إلى أن ينبأ من خارج.
قال الشهاب: بَصِيرَةٌ
مجاز عن الحجة الظاهرة. أو بَصِيرَةٌ
بمعنى بينة، وهي صفة لحجة مقدرة. وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها يبصر بها، فالإسناد مجازيّ.
أو هي بمعنى دالة مجازا. أو هو استعارة مكنية وتخييلية. والْإِنْسانُ
مبتدأ، وبَصِيرَةٌ
خبره، وعَلى
متعلق به. والتأنيث للمبالغة، أو لكونه صفة (حجة) .
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
أي ولو ألقى أعذاره مجادلا عن نفسه بكل معذرة. وفيه إشارة إلى أن ما عليه المشركون من الشرك وعبادة الأوثان، وإنكار البعث، منكر باطل، تنكره قلوبهم، وأنهم في دفاعهم يجادلون بالباطل. ولا غرو أن ينكر القلب ما تدفعه الفطرة السليمة، والدين دين الفطرة.
قال الشهاب: شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به، فيكون فيه تشبيه لذلك بالماء المرويّ للعطش.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 16 الى 19]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجلة، مخافة أن يتفلت منك. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
أي في صدرك، وإثبات حفظه في قلبك، بحيث لا يذهب عليك منه شيء. وَقُرْآنَهُ
أي أن تقرأه بعد فلا تنسى فَإِذا قَرَأْناهُ
أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام،
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أي كن مقفيا له ولا تراسله. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي بيان ما فيه، إذا أشكل عليك شيء من معانيه، أو أن نبيّنه على لسانك.
تنبيهات:
الأول- ما ذكرناه في تأويل الآية هو المأثور في الصحيحين وغيرهما.
ولفظ البخاري «1» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّك شفتيه إذا أنزل عليه، فقيل له لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
يخشى أن يتفلت منه إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
أن نجمعه في صدرك وَقُرْآنَهُ
أن تقرأه فَإِذا قَرَأْناهُ
يقول أنزل عليه فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
أن نبيّنه على لسانك. زاد في رواية: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قرأه.
قال ابن زيد: أي لا تكلم بالذي أوحينا إليك، حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به. يعني: أن هذه الآية نظير قوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114] .
قال ابن كثير: وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد أن هذه الآية نزلت في ذلك، وأنها تعليم من الله عزّ وجلّ لرسوله، كيفية تلقيه الوحي.
الثاني- ذكروا في مناسبة وقوع الآية معترضة في أحوال القيامة- على تأويلهم المتقدم- وجوها:
منها- تأكيد التوبيخ على ما جبل عليه الإنسان- والمرء مفتون بحب العاجل- حتى جعل مخلوقا من عجل. ومن محبة العاجل، وإيثاره على الآجل، تقديم الدنيا الحاضرة على الآخرة، الذي هو منشأ الكفر والعناد، المؤدي إلى إنكار الحشر والمعاد. فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه، على آكد وجه. وهذه مناسبة تامة بين ما اعترض فيه وبينه. قاله الشهاب.
ومنها- أن عادة القرآن، إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد، حيث يعرض يوم القيامة، أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا، كما قال في الكهف: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف: 49] ، إلى أن قال:
(1)
أخرجه البخاري في: الوحي، 4- حدثنا موسى بن إسماعيل، حديث رقم 5.

وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ [الإسراء: 89] الآية. وقال في طه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه: 102] ، إلى أن قال فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114] .
ومنها- أن أول السورة لما نزل إلى قوله: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل، وحرّك به لسانه من عجلته خشية من تفلته، فنزلت لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
إلى قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدأ به.
قال الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة، فتشاغل الطالب بشيء عرض له فقال له: ألق إليّ بالك، وتفهّم ما أقول. ثم كمل المسألة فمن لا يعرف السبب يقول: ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة، بخلاف من عرف ذلك- قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) -.
الثالث- استدلوا على التأويل السابق بقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، كما هو مذهب الجمهور لما تقتضيه ثُمَّ من التراخي. وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب، وتبعوه.
وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له، وظهوره على لسان، فلا!.
قال الآمدي: يجوز أن يراد بالبيان الإظهار، لا بيان المجمل. يقال (بان الكوكب إذا ظهر) قال: ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه، ولا اختصاص بالأمر المذكور دون بعض.
وقال أبو الحسين البصري: يجوز أن يراد البيان التفصيلي، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي، فلا يتم الاستدلال. وتعقب باحتمال إرادة المعنيين: الإظهار والتفصيل وغير ذلك، لأن قوله بَيانَهُ جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك- قاله الحافظ في (الفتح) -.
وجوز القفال أن تكون ثُمَّ للترتيب في الإخبار. أي ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه، فلا تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب. وضعفه الرازي بأنه ترك للظاهر من غير دليل.
الرابع- ما قدمناه من معنى قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
إلخ، وما استفيد
منه، وما قيل في مناسبته لما قبله، كله إذا جرى على المأثور فيها. وحاول القفال معنى فقال كما نقله عنه الرازي-: إن قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
ليس خطابا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة: 13] ، فكان ذلك حال ما ينبأ بقبائح أفعاله، وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: 14] . فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف، وسرعة القراءة، فيقال له لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة، أن نجمع أعمالك عليك، وأن نقرأها عليك، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه، بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال. ثم إن علينا بيان أمره، وشرح مراتب عقوبته.
وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية: أن المراد منه أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله، على سبيل التفصيل. وفيه أشد الوعيد في الدنيا، وأشد التهويل في الآخرة.
ثم قال القفّال: فهذا وجه حسن، ليس في العقل ما يدفعه، وإن كانت الآثار غير واردة به. انتهى.
ونقل الشهاب أن بعضهم ارتضى هذا الوجه، وقدمه على الوجه السابق.
وزعم الحافظ ابن حجر أن الحامل على هذا الوجه الأخير هو عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة. أي ولما بيّن الأئمة المناسبة التي أثرناها عنهم، لم يبق وجه للذهاب إلى هذا الوجه الأخير، مع أن هذا الوجه- هو فيما يظهر- فيه غاية القوة والارتباط به قبله وما بعده، مما يؤثره على المأثور، الذي قد يكون مدركه الاجتهاد، والوقوف مع ظاهر ألفاظ الآية. ومما يؤيده ما أورد عليه أن ابن عباس لم ير النبيّ صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ البعث النبوي، ولم يكن ابن عباس ولد حينئذ. ولا مانع- كما قال ابن حجر- أن يخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك بعد، فيراه ابن عباس، أو يخبر به، فيكون من مراسيل الصحابة- والله أعلم-.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 20 الى 25]
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ أي الدنيا العاجلة، بإيثار شهواتها. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ
أي بالإعراض عن الأعمال التي تورث منازلها، أو تنسون الآخرة ووعيدها، وهول حسابها وجزائها. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ أي حسنة جميلة من النعيم إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أي مشاهدة إياه، ترى جمال ذاته العلية، ونور وجهه الكريم، كما وردت بذلك الأخبار والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي كالحة، لجهامة هيئاتها، وهول ما تراه هناك من الأهوال، وأنواع العذاب والخسران. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أي داهية تفصم فقار الظهر، لشدتها وسوء حالها ووبالها. وشتان ما بين المرتبتين! ويظهر أن في عود الضمير من بِها إلى الوجوه- مرادا بها الذوات- شبه استخدام. ولم أر من نبه عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 30]
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)
كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها، وإن لم يجر لها ذكر، لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:
أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر
قال الرازي: يكنى ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد ابن الصمة:
ورب عظيمة دافعت عنها ... وقد بلغت نفوسهم التّراقي
ونظيره قوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: 83] . وَقِيلَ مَنْ راقٍ
قال ابن جرير: أي وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا. أي فالاستفهام بمعنى الطلب لراق أو طبيب. وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأسا من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة.
لطيفة:
قال الواحدي: إن إظهار النون عند حروف الفم لحن. فلا يجوز إظهار نون مَنْ
في قوله: مَنْ راقٍ
.
وروى حفص عن عاصم إظهار النون في قوله: مَنْ راقٍ

وبَلْ رانَ قال أبو علي الفارسي: ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي:
والوجه أن يقال قصد الوقف على مَنْ
وبَلْ فأظهرهما. ثم ابتدأ بما بعدهما.
وهذا غير مرضي من القراءة. انتهى.
نقله الرازي.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ أي وأيقن الذي قد نزل ذلك به، أنه فراق الدنيا والأهل والمال. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أي التوت ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكها.
وقيل: هما ساقاه، إذا التفتا في الكفن. وقيل: الساق عبارة عن الشدة، كما مر في سورة (القلم) . والتعريف للعهد أيضا.
قال الشهاب: فإن قلت: ما مرّ هو الكشف عن الساق، ووجه ظاهر، لأن المصاب يكشف عن ساقه، فكيف ينزل هذا عليه؟
قلت: الأمر كما ذكرت، لكنه شاع فيه، ففهم ذلك من الساق وحده، حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع- كما أشار إليه الراغب- انتهى.
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ أي سوقه إلى حكمه تعالى.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]