عرض مشاركة واحدة
  #611  
قديم 22-06-2025, 07:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ القيامة
المجلد السادس عشر
صـ 5998 الى صـ 6007
الحلقة (611)






القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (75) : الآيات 31 الى 40]
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)
فَلا صَدَّقَ أي بالدين والكتاب. أو صدق ماله، أي ما زكاه وَلا صَلَّى أي الصلاة التي هي رأس العبادات، التي سها عنها. وَلكِنْ كَذَّبَ أي بدل التصديق وَتَوَلَّى أي بدل الصلاة التي بها كمال التوجه إلى الله تعالى: ثُمَّ أي مع هذه التقصيرات في جنب الله تعالى: ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أي يتبختر في مشيته.
وأصله (يتمطط) أي يتمدد، لأن المتبختر يمد خطاه.
تنبيهات:
الأول- الضمير في الآيات للإنسان المتقدم في قوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ.
الثاني- قال الرازي: إنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه، وفيما يتعلق بدنياه. أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين،
ولكن كذب به. وأما ما يتعلق بفروع الدين فهو أنه ما صلى، ولكنه تولى، وأعرض.
وأما ما يتعلق بدنياه، فهو أنه ذهب إلى أهله يتمطى ويختال في مشيته.
الثالث- دلت الآية على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة، كما يستحقهما بترك الإيمان.
الرابع- قال الرازي: قال أهل العربية: (لا) هاهنا في موضع (لم) فقوله: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى أي لم يصدق ولم يصلّ، وهو كقوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد: 11] ، أي لم يقتحم.
وكذلك ما روي «1» : أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا استهل. قال الكسائيّ: لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها، حتى تتبعها بأخرى، إما مصرحا بها، أو مقدرا. أما المصرح، فلا يقولون لا عبد الله خارج، حتى يقولوا ولا فلان، ولا يقولون مررت برجل لا يحسن، حتى يقولوا ولا يجمل. وأما المقدر فهو كقوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد: 11] ، ثم اعترض الكلام فقال: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ، وكان التقدير: لا فك رقبة ولا أطعم مسكينا، فاكتفى به مرة واحدة. ومنهم من قال: التقدير في قوله: فَلَا اقْتَحَمَ أي أفلا اقتحم، وهلا اقتحم. انتهى. أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى أي ويل لك مرة بعد مرة. دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه وأذلاء متكررا متضاعفا.
وقيل: المعنى بعدا لك. فبعدا في أمر دنياك، وبعدا لك فبعدا في أمر أخراك- حكاه الرازي عن القاضي- ثم قال: قال القفال: هذا يحتمل وجوها.
أحدها- أنه وعيد مبتدأ من الله للكافر.
والثاني- أنه شيء قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم لعدوه- يعني أبا جهل- فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك.
والثالث- أن يكون ذلك أمرا من الله لنبيه بأن يقولها لعدو الله، فيكون المعنى: ثم ذهب إلى أهله يتمطى، فقل له يا محمد: أولى لك فأولى، أي احذر،
(1)

أخرجه البخاري في صحيحه في: الطب، 46- الكهانة، حديث رقم 2269، عن أبي هريرة، ونصه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها الذي في بطنها. فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة: عبد أو أمة. فقال ولي المرأة التي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهلّ، ومثل ذلك بطل؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهّان
.

فقد قرب منك ما لا قبل لك به من المكروه. انتهى. والأظهر هو الأول.
لطيفة:
تفسير أَوْلى لَكَ ب (ويل لك) قال الشهاب: هو محصل معناه المراد منه، فإنه مثله، فيرد للدعاء عليه، أو للتهديد والوعيد.
وعن الأصمعي أنها تكون للتحسر على أمر فات.
هذا هو المعنى المراد بها. وأما الكلام في لفظها فقيل: هو فعل ماض دعائي من (الولي) واللام مزيدة. أي أولاك الله ما تكرهه. أو غير مزيدة، أي أدنى الهلاك لك. وقريب منه قول الأصمعي: إن معناه قاربه ما يهلكه أن ينزل به. واستحسنه ثعلب.
وقيل: إنه اسم وزنه (أفعل) من الويل، فقلب. وقيل فعلى، ولذا لم ينون.
ومعناه ما ذكر، وألفه للإلحاق لا للتأنيث. وعلى الاسمية هو مبتدأ، و (لك) الخبر.
وقيل: إنه اسم فعل مبنيّ، ومعناه وليك شر بعد شر.
ونقل الزمخشري عن أبي عليّ أنه علم لمعنى الويل، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل. وقيل عليه: إن الويل غير متصرف، ومثل (يوم أيوم) غير منقاس، ولا يفرد عن الموصوف. وادعاء القلب من غير دليل، لا يسمع، وعلم الجنس خارج عن القياس. فما ذكر بعيد من وجوه عدة. وقيل: الأحسن أنه أفعل تفضيل خبر لمبتدأ يقدر كما يليق بمقامه. فالتقدير هنا: النار أولى لك. يعني: أنت أحق بها، وأهل لها. انتهى.
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أي: هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يجازى، مع أنه الإنسان الذي أودع العقل وعلّم البيان، وغرز في طبعه أن يعيش مجتمعا، وخص من المواهب ما فضل على غيره. فمن تمام الإحسان إليه إنقاذه من حيرته، وإعلامه بسبيل هدايته، وأن لا يترك خابطا في متائه جهالته، وقد كان ذلك بفضل الله ونعمته، كما أشار لذلك بقوله:
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى أي يصبّ في الرحم.
ثُمَّ كانَ عَلَقَةً أي دما فَخَلَقَ أي قدّر أعضاءه فَسَوَّى أي سوى تلك الأعضاء لأعمالها وعدّلها.
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ أي الصنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي لبقاء نوعه، يعمر الدنيا إلى الأجل الذي كتبه وقدره.
أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى أي فيوجدهم بعد مماتهم لعمارة الآخرة.
وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحانك، فبلى- رواه أبو داود عن رجل من الصحابة.
ورواه أيضا عن أبي هريرة بلفظ: من قرأ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فانتهى إلى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى فليقل: بلى. ورواه الإمام أحمد والترمذي
أيضا- والله أعلم-.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]