عرض مشاركة واحدة
  #475  
قديم 26-06-2025, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,422
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (475)
صـ 215 إلى صـ 224






وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: "أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ" . قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ [1] . قَالَ: "يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ" .
قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ [2] . قَالَ: "أَفَعَنْ [3] مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي [4] ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»" [5] .
بَيَّنَ لَهُمْ أَوَّلًا: أَنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنَ نَبِيٍّ وَلَا أَبَا نَبِيٍّ، فَإِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ آزَرَ، وَهَذَا أَبُوهُ يَعْقُوبُ. وَكَذَلِكَ نُوحٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَوْلَادُهُ أَنْبِيَاءَ، وَهَذَا أَوْلَادُهُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ.
فَلَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا الْأَنْسَابَ، قَالَ لَهُمْ: فَأَكْرَمُ أَهْلِ الْأَنْسَابِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ فِي وَلَدِ آدَمَ مِثْلُ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ.
فَلَمَّا أَشَارُوا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، قَالَ: "«أَفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»" بَيَّنَ أَنَّ الْأَنْسَابَ كَالْمَعَادِنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَعْدِنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ.
(1)
ن: نَسَلُكَ.

(2)
ن: نَسَلُكَ.

(3)
م: فَعَنْ.

(4)
ن: تَسَلُونِي.

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/601.






وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُنْبِتُ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ الْفِضَّةَ. فَهَكَذَا مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْأَفَاضِلَ، كَانَ أَوْلَادُهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْمَفْضُولَ. لَكِنَّ هَذَا سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ وَلَيْسَ هُوَ لَازِمًا ; فَرُبَّمَا تَعَطَّلَتْ أَرْضُ الذَّهَبِ، وَرُبَّمَا قَلَّ نَبْتُهَا ; فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَرْضُ الْفِضَّةِ أَحَبَّ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَرْضٍ مُعَطَّلَةٍ. وَالْفِضَّةُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ قَلِيلٍ لَا يُمَاثِلُهَا فِي الْقَدْرِ.
فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْسَابِ [1] الْفَاضِلَةِ يُظَنُّ بِهِمُ الْخَيْرُ، وَيُكْرَمُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ أَحَدِهِمْ [2] خِلَافُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَظِنَّةِ. وَأَمَّا [مَا] [3] عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمَظَانِّ وَلَا عَلَى الدَّلَائِلِ، إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْمَظِنَّةِ.
فَلِهَذَا كَانَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ [4] . فَإِذَا قُدِّرَ [5] تَمَاثُلُ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ فِي التَّقْوَى، تَمَاثُلًا فِي الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أَحَدِهِمَا أَوِ ابْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي الْآخَرِ أَوِ ابْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ نَسَبِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّقْوَى كَانَ أَفْضَلَ لِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ.
وَلِهَذَا حَصَلَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، لَا لِمُجَرَّدِ الْمُصَاهَرَةِ، بَلْ لِكَمَالِ الطَّاعَةِ. كَمَا أَنَّهُنَّ لَوْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ لَضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ; لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ.
(1)
ن، س، ب: الْأَسْبَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)
س، ب: مِنْ أَحَدٍ.

(3)
مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(4)
م: أَزْكَاهُمْ.

(5)
قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .






فَإِنَّ ذَا الشَّرَفِ إِذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّقْوَى، كَانَ تَقْوَاهُ أَكْمَلَ مِنْ تَقْوَى غَيْرِهِ. كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا عَدَلَ كَانَ عَدْلُهُ أَعْظَمَ مِنْ عَدْلِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَصَدَ الْخَيْرَ قَصْدًا جَازِمًا [1] ، وَعَمِلَ مِنْهُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ كَامِلٌ [2] .
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "«إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا [3] مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ" . قَالُوا: وَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ»" [4] .
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: "«مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا»" [5] . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
(1)
ن، م: حَازِمًا

(2)
ن، م، س: أَجْرُ عَامِلٍ.

(3)
ن، س: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا، م: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالٌ.

(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 - 18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/923 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/103، 160، 300، 341. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1518 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنِ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) .

(5)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/2060 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/281 - 282 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ لُزُومِ السُّنَّةِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ) 5/149 كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِيمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/75 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/3.





وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْقُرْآنِ بِنَسَبِهِ أَصْلًا: لَا عَلَى وَلَدِ نَبِيٍّ، وَلَا عَلَى أَبِي نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى النَّاسِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَإِذَا ذَكَرَ صِنْفًا وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ; فَلِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، لَا لِمُجَرَّدِ النَّسَبِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ - ذَكَرَهُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 87] . فَبِهَذَا حَصَلَتِ الْفَضِيلَةُ بِاجْتِبَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا بِنَفْسِ الْقَرَابَةِ.
وَقَدْ يُوجِبُ النَّسَبُ حُقُوقًا، وَيُوجِبُ لِأَجْلِهِ حُقُوقًا، وَيُعَلِّقُ فِيهِ أَحْكَامًا مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ.
وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33] ، وَقَالَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، كَانَ هَذَا مَدْحًا لِهَذَا الْمَعْدِنِ الشَّرِيفِ، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ [1] ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 26] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 113] .
(1)
عِبَارَةُ: "لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ" سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .





وَفِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ لِلصَّحَابَةِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] .
وَقَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] .
وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] .
وَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] .
وَقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8 - 9] . وَقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] الْآيَةَ.
وَهَكَذَا فِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأُمَّةِ، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ وَالصَّالِحِينَ، وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ.
وَأَمَّا النَّسَبُ فَفِي الْقُرْآنِ إِثْبَاتُ حَقٍّ لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذُكِرُوا هُمْ فِي



آيَةِ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ لَهُمْ [1] بِمَا يُذْهِبُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرُهُمْ تَطْهِيرًا. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، وَمَحَبَّةُ أَهْلِهِ مِنْ تَمَامِ مَحَبَّتِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَنَّ أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُ أَحَدٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَلَا ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِهِ الْفَضِيلَةَ عِنْدَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَا تَفْضِيلُهُ عَلَى مَنْ يُسَاوِيهِ فِي التَّقْوَى بِذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَاصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَاكَ أَمْرٌ مَاضٍ، فَأَخْبَرَنَا بِهِ فِي [2] جَعْلِهِ عِبْرَةً لَنَا، فَبَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْمَدْحَ بِالْأَعْمَالِ.
وَلِهَذَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ وَذُنُوبِهِمْ وَعُقُوبَتِهِمْ، فَذَكَرَ فِيهِمُ النَّوْعَيْنِ: الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ.
وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ أَنَّ النَّسَبَ الشَّرِيفَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ الْمَدْحُ تَارَةً إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَإِلَّا فَإِنَّ ذَمَّ صَاحِبِهِ أَكْثَرُ، كَمَا كَانَ الذَّمُّ لِمَنْ ذُمَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَذَلِكَ الْمُصَاهَرَةُ.
قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 10 - 11] .
(1)
ن، س، ب: لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذَكَرُوهُمْ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ، وَفِي (ب: وَفِيهِ) أَمْرٌ لَهُمْ. . . وَالْمُثْبَتُ - وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ (م) .

(2)
ن، س: فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ فِي. . .، ب: فَأَخْبَرَ بِأَنَّ فِي. . .





وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَيُقَالُ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَرَبِ، فَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ مُجْمَلًا: إِنَّ الْعَرَبَ أَفْضَلُ جُمْلَةً، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: "«لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»" [1] .
وَقَالَ: "«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ. النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ»" [2] .
وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ [وَالْعَجَمِ] [3] ، وَآخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَهُمَا [4] عِنْدَ اللَّهِ بِحَسَبِ تَقْوَاهُمَا: إِنْ تَمَاثَلَا فِيهَا تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ تَفَاضَلَا فِيهَا تَفَاضَلَا فِي الدَّرَجَةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَجُلٌ مِنَ النَّاسِ أَوِ الْعَرَبِ [5] أَوِ الْعَجَمِ، فَأَفْضَلُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمَا، فَإِنْ تَمَاثَلَا فِي التَّقْوَى تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ، وَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ لَا [6] بِأَبِيهِ وَلَا ابْنِهِ، وَلَا بِزَوْجَتِهِ، وَلَا بِعَمِّهِ، وَلَا بِأَخِيهِ.
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/606

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521

(3)
وَالْعَجَمِ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(4)
ن، م، س: فَهُمْ

(5)
ن، س، ب: وَرَجُلٌ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ أَوِ الْعَرَبِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(6)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .





كَمَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ أَوِ الْحِسَابِ، أَوِ الْفِقْهِ أَوِ النَّحْوِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَكْمَلُهُمَا بِالْعِلْمِ بِذَلِكَ أَعْلَمُهُمَا بِهِ، (* فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ تَسَاوَيَا فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ بِكَوْنِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ [1] أَعْلَمَ مِنَ الْآخَرِ. وَهَكَذَا فِي الشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ، وَالزُّهْدِ وَالدِّينِ.
إِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَالْفَضَائِلُ الْخَارِجِيَّةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى *) [2] ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ [3] . وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الْفَضِيلَةُ بِالْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ [4] ، وَأَمَّا الْفَضَائِلُ الْبَدَنِيَّةُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ صَادِرَةً عَنِ الْفَضِيلَةِ النَّفْسَانِيَّةِ.
وَإِلَّا فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَقَاتَلَ وَتَصَدَّقَ، بِغَيْرِ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ لَمْ يُفَضَّلْ بِذَلِكَ ; فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَلْبِ.
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»" [5] .
(1)
ن: يَكُونُ ابْنَهُ أَوْ أَبِيهِ

(2)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(3)
ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ.

(4)
ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ.

(5)
الْحَدِيثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/16 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ) وَنَصُّهُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1219 - 1220 كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1318 - 1319 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/270 - 274.





وَحِينَئِذٍ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ [1] فِي الْفَضَائِلِ النَّفْسَانِيَّةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ [2] فِي كَمَالِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ [3] ، وَأَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا الْبَابُ لِلنَّاسِ فِيهِ طَرِيقَانِ:
مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ عَلَى بَعْضٍ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ [4] ; فَإِنَّ حَقَائِقَ مَا فِي الْقُلُوبِ وَمَرَاتِبَهَا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، فَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْخَبَرِ [5] الصَّادِقِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ إِذَا أُعْطِيَ حَقَّهُ مِنَ السُّلُوكِ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ أَكْمَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; فَإِنَّ تَفْضِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ، بَلْ [6] وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَتَنَازَعْ [7] فِيهِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَدْرٌ: لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، بَلْ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ [عَلَى
(1)
ن، س، ب: أَعْظَمَ

(2)
م: لَا يَتَنَازَعُونَ.

(3)
م: أَكْمَلَ الثَّلَاثَةِ.

(4)
ن، س: إِلَّا بِالتَّوَقُّفِ.

(5)
ب: بِخَبَرِ. .

(6)
بَلْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) .

(7)
م: لَمْ يُنَازِعْ.





ذَلِكَ] [1] قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَعْظَمُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ شَفَاعَةِ نَبِيِّنَا فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ الْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ، وَعَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَعَلَى صِحَّةِ إِجَارَةِ الْعَقَارِ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا.
بَلْ إِيمَانُ [2] أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَدَالَتُهُمَا مِمَّا [3] وَافَقَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ - مَعَ تَعَنُّتِهِمْ - وَهُمْ يُنَازِعُونَ فِي إِيمَانِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ. وَاتَّفَقَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ عَلِيٍّ، وَقَدْحُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ [4] مِنْ قَدْحِهِمْ فِي عُثْمَانَ. وَالزَّيْدِيَّةُ بِالْعَكْسِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الْخَوَارِجِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الرَّافِضَةَ [5] قُدَمَاؤُهُمْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ عَلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَكَانَتِ الشِّيعَةُ الْأُولَى لَا يَشُكُّونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ عَلِيًّا، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلثَّوْرِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَطَائِفَةٌ أُخْرَى لَا تُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ [6] عَنْ مَالِكٍ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ، لَكِنْ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ [7] عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ
(1)
عَلَى ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ب)

(2)
ن، م، س: بَلْ عَلَى إِيمَانِ.

(3)
س: بِمَا

(4)
م: أَعْظَمُ.

(5)
ن، م: الرَّوَافِضَ.

(6)
م: أَبُو الْقَاسِمِ.

(7)
م: أَبُو الْقَاسِمِ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]