
26-06-2025, 05:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,350
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (486)
صـ 325 إلى صـ 334
بِالْجِزْيَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ [1] ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ كِتَابٌ، أَوْ شِبْهَةُ كِتَابٍ، وَهَؤُلَاءِ اتَّبَعُوا مُفْتَرِيًا كَذَّابًا؛ لَكِنْ كَانَ مُؤَذِّنُهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ رَسُولَا اللَّهِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ سَوَاءً.
وَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ مَشْهُورٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَغَازِي وَالْفُتُوحِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْكَلَامِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ خَلُصَ إِلَى الْعَذَارَى فِي خُدُورِهِنَّ، بَلْ قَدْ أَفْرَدَ الْإِخْبَارِيُّونَ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كُتُبًا سَمَّوْهَا كُتُبَ "الرِّدَّةِ" وَ "الْفُتُوحِ" مِثْلَ كِتَابِ "الرِّدَّةِ" لِسَيْفِ بْنِ عُمَرَ [2] وَالْوَاقِدَيِّ وَغَيْرِهِمَا، يَذْكُرُونَ فِيهَا مِنْ تَفَاصِيلِ أَخْبَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقِتَالِهِمْ مَا يَذْكُرُونَ كَمَا قَدْ أَوْرَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُتُوحِ الشَّامِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ، وَمِنْهُ أَشْيَاءُ مَقَاطِيعُ وَمَرَاسِيلُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِدْقًا وَكَذِبًا وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَكَذِبٌ.
(1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2) س، ب: وَالْفُتُوحِ كَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ. . وَتَكَلَّمَ سَزْكِينُ (م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 102 عَلَى كِتَابِ "الرِّدَّةِ - لِلْوَاقِدِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ صَفَحَاتٍ مَخْطُوطَةً وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبَيْشٍ اقْتَبَسَ مِنْهُ فِي" كِتَابِ الْمَغَازِي "كَمَا تُوجَدُ قِطَعٌ مِنْهُ فِي كِتَابِ" الْإِصَابَةِ "بَيَّنَ سِزْكِينُ مَوَاضِعَهَا. وَتَكَلَّمَ سِزْكِينُ أَيْضًا عَلَى سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ الْمُتَوَفَّى فِي عَهْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ (مِنْ 170 - 193 هـ) وَذَكَرَ مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ" الْفُتُوحِ الْكَبِيرِ وَالرِّدَّةِ "وَذَكَرَ عَدَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ اقْتَبَسُوا مِنْهُ وَاعْتَمَدُوا مِثْلَ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَيَاقُوتٍ وَابْنِ حَجَرٍ. انْظُرْ سِزْكِينَ (م 1، ج [0 - 9] ، ص 133 - 134) "
لَكِنَّ تَوَاتُرَ رِدَّةِ مُسَلْيِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ وَحَرْبِهِ [لَهُ] [1] كَتَوَاتُرِ هِرَقْلَ وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَهُ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَتَوَاتُرِ كُفْرِ مَنْ قَاتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ مِثْلَ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَحُيَيِ بْنِ أَخْطَبَ، وَتَوَاتُرِ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
بَلْ تَوَاتُرُ رِدَّةِ مُسَيْلِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لَهُ أَظْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَمِنْ كَوْنِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ قَاتَلَا عَلِيًّا، وَمِنْ كَوْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَقَدَّمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مَنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةٌ مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "«لَوْ سَأَلَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ [2] فِيكَ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي»" ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيتُ [3] فِيكَ مَا رَأَيْتُ"
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(2) م: رِيتُ ن، س، ب: رَأَيْتُ وَالْمُثْبَتُ هُوَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَسَيَتَكَرَّرُ بَعْدَ قَلِيلٍ كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا
(3) عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي (م)
فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ [1] فِي الْمَنَامِ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ [2] مُسَيْلِمَةَ»" [3] .
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "إِنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ" .
فَمِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى عُمَرَ، بَلِ الصَّحَابَةُ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَؤُلَاءِ حَصَلَ لِعُمَرَ أَوَّلًا شُبْهَةٌ فِي قِتَالِهِمْ، حَتَّى نَاظَرَهُ الصِّدِّيقُ، وَبَيَّنَ لَهُ وُجُوبَ قِتَالِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ
(1) س، ب: رَأَيْتُ
(2) س، ب فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ.
(3) س، ب أَيْ وَالْأَخَرُ
النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، [وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ] [1]" ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ إِلَّا بِحَقِّهَا؟ ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ "[2] ."
وَعُمَرُ احْتَجَّ بِمَا بَلَغَهُ أَوْ سَمِعَهُ [3] مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ لَهُ الصِّدِّيقُ أَنَّ قَوْلَهُ: "بِحَقِّهَا" يَتَنَاوَلُ الزَّكَاةَ، فَإِنَّهُمَا حَقُّ الْمَالِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: [4] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»" [5] .
فَهَذَا اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ فِقْهَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقِتَالِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْقُرْآنِ.
قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}
(1) وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا مَضَى
(3) ن، م: وَسَمِعَ
(4) م: يَشْهَدُو
(5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/75 - 76، 1/117
[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] فَعَلَّقَ تَخْلِيَةَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.
وَالْأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَدْ [1] قَبَضَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى أَصْحَابِهَا لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَتَرَبَّصُ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهَا لَمَّا قَاتَلَهُمْ صَارَتِ الْعُمَّالُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الصَّدَقَاتِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُمْ يَقْبِضُونَهَا، كَمَا كَانُوا يَقْبِضُونَهَا فِي زَمَنِهِ وَيَصْرِفُونَهَا كَمَا كَانُوا يَصْرِفُونَهَا.
«وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ لِمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ كِتَابًا لِلصَّدَقَةِ فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالَّتِي أَمَرَ بِهَا»" .
وَبِهَذَا الْكِتَابِ وَنَظَائِرِهِ يَأْخُذُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ؛ فَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، لَا هُوَ وَلَا عُمَرُ بِخِلَافِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا وَلَّيَا أَقَارِبَهُمَا.
فَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْعَنَ فِي الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ أَنَّهُمَا قَاتَلَا لِأَخْذِ الْمَالِ، فَالطَّعْنُ فِي غَيْرِهِمَا أَوْجَهُ فَإِذَا وَجَبَ الذَّبُّ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَهُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْجَبُ.
وَعَلِيٌّ يُقَاتِلُ لِيُطَاعَ وَيَتَصَرَّفَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ هَذَا
(1) (قَدْ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
قِتَالًا عَلَى الدِّينِ؟ وَأَبُو بَكْرٍ يُقَاتِلُ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَرَكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لِيُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قِتَالًا [1] عَلَى الدِّينِ؟ .
وَأَمَّا الَّذِينَ عَدَّهُمْ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ الصِّدِّيقِ مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَإِنَّ مُبَايَعَةَ هَؤُلَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالْمَنْقُولَاتِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ.
وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَا خَرَجَ فِي السَّرِيَّةِ حَتَّى بَايَعَهُ، وَلِهَذَا يَقُولُ لَهُ: "يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ" .
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ ذَكَرَهُ بَايَعَهُ، لَكِنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ كَانَ نَائِبًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا أَكُونُ نَائِبًا لِغَيْرِهِ»" فَتَرَكَ الْوِلَايَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْمُقِرِّينِ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ وَبَنُو هَاشِمٍ فَكُلُّهُمْ بَايَعَهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ مُبَايِعٌ لَهُ.
لَكِنْ قِيلَ: [عَلِيٌّ] [2] تَأَخَّرَتْ بَيْعَتُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بَلْ بَايَعَهُ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَقَدْ بَايَعُوهُ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ.
(1) ن، م: قِتَالٌ، وَهُوَ خَطَأٌ
(2) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
ثُمَّ جَمِيعُ النَّاسِ بَايَعُوا عُمَرَ إِلَّا سَعْدًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ عُمَرَ أَحَدٌ إِلَا بِنُو هَاشِمٍ وَلَا غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَاتَّفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهَا، وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، وَتَخَلُّفُ سَعْدٍ قَدْ عُرِفَ سَبَبُهُ؛ فَإِنَّهُ [1] كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ أَمِيرًا، وَيَجْعَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرًا وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرًا، وَمَا طَلَبَهُ [2] سَعْدٌ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ كَانَ صَوَابًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ الَّذِي عُرِفَ خَطَؤُهُ بِالنَّصِّ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُظْهِرُ حُجَّةً شَرْعِيَّةً مِنِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا يُسَوِّغُ خِلَافَةً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ.
كَمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبَيَّنَ صَوَابُ رَأْيِهِ فِيمَا بَعْدُ.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ فَمِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو قُحَافَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، أَتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامَةِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ مَكَانَهُ لَأَتَيْنَاهُ»" [3] إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَيْسَ
(1) ن، س، ب: وَإِنْ
(2) م: وَمَا طَلَبَ
(3) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/16
فِي الصَّحَابَةِ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَوْلَادُهُ، وَأَدْرَكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْرَكَهُ أَيْضًا بَنُو أَوْلَادِهِ: إِلَّا أَبُو بَكْرٍ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كُلُّهُمْ أَيْضًا آمَنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبُوهُ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ أُمُّ الْخَيْرِ [1] آمَنَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ إِيمَانٍ لَيْسَ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ مِثْلُ هَذَا لِغَيْرِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ.
وَكَانَ يُقَالُ: لِلْإِيمَانِ بُيُوتٌ وَلِلنِّفَاقِ بُيُوتٌ فَبَيْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَبَنُو النَّجَّارِ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ [2] .
وَقَوْلُهُ: "إِنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِي قُحَافَةَ: إِنَّ ابْنَكَ أَكْبَرُ الصَّحَابَةِ سِنًّا" كَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَفِي الصَّحَابَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَسَنُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَسَنَّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسَنَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [3] : "لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - مَاتَ وَسِنُّهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى سِنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا لَا يَصِحُّ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ"
(1) س، ب: وَأُمُّ الْخَيْرِ
(2) م: مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ
(3) أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي "الِاسْتِيعَابِ" وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا. انْظُرْ الِاسْتِيعَابَ 2/248، 2/24
وَسَلَّمَ - ارْتَجَّتْ مَكَّةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو قُحَافَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: أَمْرٌ جَلِيلٌ، فَمِنْ وَلِيَ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: ابْنُكَ، قَالَ: فَهَلْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ "."
وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ عَنْ مَنْعِهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَإِلَّا فَالْبَقِيَّةُ كُلُّهُمْ بَايَعُوهُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَخَلَّفَتْ عَنْ مُبَايَعَتِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَايَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ رَهْبَةٍ وَلَا رَغْبَةٍ.
وَالرِّسَالَةُ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُ الْكُتَّابِ أَنَّهُ أَرْسَلَهَا إِلَى عَلِيٍّ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، فَذَهَبَ هُوَ إِلَيْهِمْ فَاعْتَذَرَ عَلِيٌّ إِلَيْهِ وَبَايَعَهُ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ [1] : أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ»" وَإِنَّمَا
(1) الْكَلَامُ التَّالِي - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/139 - 140 "كِتَابُ الْمَغَازِي: بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ" ؛ مُسْلِمٍ 3/1380 - 1381 "كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ" وَانْظُرْ مَا سَبَقَ: 4/196 (ت [0 - 9] ) ، 4/232 - 233
يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، وَإِنِّي لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ "، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ."
وَكَانَ لِعَلِيٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا مَاتَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضِيلَتَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نُنَفِّسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ اسْتَبْدَدْتَ بِالْأَمْرِ عَلَيْنَا وَكُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِيهِ حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ؛ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ [1] فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ: عَلِيٌّ
(1) س، ب: الْأُمُورِ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|