عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 26-06-2025, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,770
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (487)
صـ 335 إلى صـ 344






لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارٌ لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِمَامَةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ تَخَلُّفُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ فَإِنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ لَمْ يَكَدْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعٌ عَلَى إِمَامَةٍ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَةَ أَمْرٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ لِهَوًى لَا يُعْلَمُ كَتَخَلُّفِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَشْرَفَ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ [1] فِي نَفْسِهِ بَقِيَّةُ هَوًى.
وَمَنْ تَرَكَ الشَّيْءَ لِهَوًى، لَمْ يُؤَثِّرْ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَوْ خَالَفَ فِيهِ الْوَاحِدُ، أَوْ الِاثْنَانِ فَهَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالثَّانِي: يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ يُوجِبُهُ عَلَى
(1)
ن، م، س: بَقِيَ






نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَالْقَائِلُ بِتَحْرِيمِهِ يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، فَالْمُنَازِعُ فِيهِ لَيْسَ مُتَّهَمًا؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الرَّجُلِ لِلْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَ خَصْمًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُهَا وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ الْيَوْمَ مَحْكُومًا لَهُ بِالْحَدِيثِ فَغَدًا يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ خَصْمٌ، وَالْخَصْمُ لَا يَكُونُ شَاهِدًا.
فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إِمَامَةِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ حُكْمًا عَلَى أَمْرٍ عَامٍّ كُلِّيٍّ، كَالْأَحْكَامِ عَلَى أَمْرٍ خَاصٍّ مُعَيَّنٍ.
وَأَيْضًا فَالْوَاحِدُ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ الْمَعْلُومَ، كَانَ خِلَافُهُ شَاذًّا كَخِلَافِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ أُبِيحَتْ لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ هَذَا لَمَّا جَاءَتِ السَّنَةُ الصَّحِيحَةُ بِخِلَافِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وَسَعْدٌ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُوَلُّوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ قُرَيْشٍ» فَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُ قُرَشِيًّا وَاسْتَقَرَّ خِلَافُهُ لَكَانَ شُبْهَةً، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ تَوَاتَرَ أَنَّهُ بَايَعَ الصِّدِّيقَ طَائِعًا مُخْتَارًا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خِلَافَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ وَبِقَدْرِهِمْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخِلَافَةِ إِلَّا اتِّفَاقُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُقَامُ بِهِمُ الْأَمْرُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ بِهِمْ مَقَاصِدُ الْإِمَامَةِ.




وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ [1] الْجَمَاعَةِ»" [2] .
وَقَالَ: "«إِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ [3] أَبْعَدُ»" [4] "."
(1)
ن، س، ب: عَلَى

(2)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَلَفْظُهُ: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ" وَالْحَدِيثُ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 6/336 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي "الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ" لِلْبَيْهَقِيِّ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَفِي "السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَهُوَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَجَاءَتْ عِبَارَةُ" فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "فِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/84 - 85 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ قَتْلِ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَنَصُّهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ:" إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ "وَجَاءَتْ عِبَارَةُ" وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "أَيْضًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ: أَمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ:" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَلِيمَانُ الْمَدِينِيُّ وَهُوَ عِنْدِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ""

(3)
مَعَ: كَذَا فِي (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى

(4)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ:. . . عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. . ." وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي "الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ" 1/204 - 205 (رَقْمُ 114) ، 230 - 231 (رَقْمُ 177) وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ





وَقَالَ: "«إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، وَالذِّئْبُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْقَاصِيَةَ»" [1] .
وَقَالَ: "«عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»" [2] .
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَعْظَمَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُبَايَعَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ ثُلُثَ الْأُمَّةِ - أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، بَلْ قَاتَلُوهُ وَالثُّلُثَ الْآخَرَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ أَيْضًا؛ وَالَّذِينَ [3] لَمْ يُبَايِعُوهُ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ، فَإِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْإِمَامَةِ بِتَخَلُّفِ بَعْضِ الْأُمَّةِ عَنِ الْبَيْعَةِ كَانَ الْقَدْحُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ أَوْلَى بِكَثِيرٍ.
(1)
جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/232 - 233، 243 وَنَصُّهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ؛ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ" . وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/53 وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/219، وَقَالَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ إِلَّا الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ، قِيلَ، إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ ""

(2)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَبَقَ قَبْلَ قَلِيلٍ كَلَامِي فِي التَّعْلِيقَاتِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَفِيهِ الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ "وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ" ؛ أَمَّا عِبَارَةُ "عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ" فَجَاءَتْ ضِمْنَ أَحَادِيثَ، انْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/278، 282 - 283

(3)
ن، م، س: فَالَّذِينَ





وَإِنْ قِيلَ: جُمْهُورُ الْأُمَّةِ لَمْ تُقَاتِلْهُ، أَوْ قِيلَ بَايَعَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَانَ هَذَا فِي حَقٍّ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: إِمَامَةٌ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ وَالْمُبَايَعَةِ.
قِيلَ: النُّصُوصُ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، لَا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ أَنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ فَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ؛ بَلِ النُّصُوصُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَعَلَى انْتِفَاءِ مَا يُنَاقِضُهَا.
الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ وَاتِّفَاقِ النَّاسِ بِأَنَّهُ تَوَلَّى الْأَمْرَ وَقَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلَفَهُ فِي أُمَّتِهِ وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَاسْتَوْفَى الْحُقُوقَ وَقَاتَلَ الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَوَلَّى الْأَعْمَالَ وَقَسَّمَ الْأَمْوَالَ وَفَعَلَ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ [1] الْإِمَامُ، بَلْ هُوَ أَوَّلُ [2] مَنْ بَاشَرَ الْإِمَامَةَ فِي الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِإِمَامَتِهِ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ، فَهَذَا عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْإِجْمَاعِ، فَلَا طَرِيقَ يَثْبُتُ بِهَا كَوْنُ عَلِيٍّ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ إِلَّا وَتِلْكَ الطَّرِيقُ يَثْبُتُ بِهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ لِلْإِمَامَةِ [3] مِنْ عَلِيٍّ
(1)
س، ب: مَا فَعَلَ

(2)
م: أَوَّلُ

(3)
س، ب: بِالْإِمَامَةِ





وَغَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَاصِلًا.
[فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَأَيْضًا [2] الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ [3] الْمُجْمِعُونَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ خَطَأً؛ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ إِمَّا عَقْلِيٌّ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ دَلَالَةٌ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا نَصٍّ عَلَى إِمَامٍ [4] ، وَالْقُرْآنُ خَالٍ مِنْهُ فَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقًا كَانَ خَطَأً فَتَنْتَفِي [5] دَلَالَتُهُ" .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: "الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ" .
إِنْ أَرَادَ بِهِ أَمْرَ الْمُجْتَمِعِينَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الرَّسُولِ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِذَاتِهِ، بَلْ لِأَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ
(1)
فِي (ك) ص 197 (م) - 198 (م)

(2)
ن، س، ب أَيْضًا

(3)
س: يَسْتَدِلَّ

(4)
ك (ص 198 م) : عَلَى إِمَامَتِهِ

(5)
م: فَتَبْتَغِي، س، ب فَتُنْفَى، ك: فَيَنْتَفِي





اللَّهَ؛ فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْحُكْمُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ [1] طَاعَةُ الرَّسُولِ ; لِأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَوَجَبَتْ طَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجْتَمِعِينَ، لِأَنَّ طَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَوَجَبَ تَحْكِيمُ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ تَحْكِيمُ [2] الْأُمَّةِ، لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ اللَّهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي»" [3] .
وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ [4] الْكَثِيرَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، بَلْ مَا أَمَرَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
وَالْأُمَّةُ أَمَرَتْ بِطَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِمَامَتِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِذَلِكَ، فَمَنْ عَصَاهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ، فَهَذَا قَدْحٌ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَدَعْوَى أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْخَطَأِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمُوَافِقِينَ لِلنَّظَّامِ.
وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: كَوْنُ عَلِيٍّ إِمَامًا وَمَعْصُومًا [5] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ
(1)
ب: وَجَبَ

(2)
م: حُكْمُ

(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/255

(4)
ن، م: الدَّلَالَةُ

(5)
ن، س، ب: إِمَامًا مَعْصُومًا





الْإِمَامِيَّةِ [1] أَثْبَتُوهُ بِالْإِجْمَاعِ، إِذْ عُمْدَتُهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ عَلَى مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَعَلَى الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ؛ فَهُمْ يَقُولُونَ [2] : عُلِمَ بِالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ [3] لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ وَإِمَامٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ؛ وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَيْسَ مَعْصُومًا وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ * بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ الْمَعْصُومُ هُوَ عَلِيًّا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ حُجَجِهِمْ.
فَيُقَالُ لَهُمْ * [4] : إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، فَقَدْ بَطَلَتْ تِلْكَ الْحُجَجُ فَبَطَلَ مَا بَنَوْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ مِنْ أُصُولِهِمْ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، وَإِذَا بَطَلَ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَقًّا، فَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ سَوَاءٌ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ أَمْ لَمْ يَقُولُوا، وَإِذَا بَطَلَ قَوْلُهُمْ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ [5] وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نَدَعُ الْإِجْمَاعَ وَلَا نَحْتَجُّ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُصُولِنَا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ.
قِيلَ لَهُمْ: إِذَا لَمْ تَحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ غَيْرُ النَّقْلِ الْمَعْلُومِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى نَعْلَمَ عِصْمَةَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ.
(1)
م: مِنْ أُصُولِ الْإِمَامَةِ

(2)
م: عَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ مِنْهُمْ وَيَقُولُونَ. . .

(3)
ن، س: إِذْ لَا بُدَّ ; ب: أَنَّهُ لَا بُدَّ.

(4)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(5)
(4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)





وَعِصْمَةُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَقْلٍ عَمَّنْ عُلِمَ عِصْمَتُهُ؛ وَالْمَعْلُومُ عِصْمَتُهُ هُوَ الرَّسُولُ؛ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ مَعْلُومٌ عَنِ الرَّسُولِ بِمَا يَقُولُونَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ [1] أَصْلًا: لَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إِلَى دَعْوَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِالنَّصِّ؛ فَإِنْ أَثْبَتُّمُ النَّصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِنَفْيِكُمْ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتُوهُ إِلَّا بِالنَّقْلِ الْخَاصِّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُكُمْ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَنْقُلُهُ الْجُمْهُورُ وَأَكْثَرُ الشِّيعَةِ مِمَّا يُنَاقِضُ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ عِلْمًا يَقِينِيًّا بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَا يَرْجِعُونَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِهِ عَنِ الْجُمْهُورِ إِلَى الْحُجَّةِ أَصْلًا: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَلَا نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ؛ وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ دَعْوَى نَقْلٍ مَكْذُوبٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، أَوْ دَعْوَى دَلَالَةِ نَصٍّ، أَوْ قِيَاسٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ.
وَهُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ؛ وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَهُمْ شُبُهَاتٌ؛ لَكِنَّ حُجَجَهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَجِ الرَّافِضَةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، أَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ كَمَا تَتَعَمَّدُهُ الرَّافِضَةُ وَلَهُمْ فِي النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ شُبْهَةٌ أَقْوَى مِنْ شُبَهِ الرَّافِضَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْبِدَعِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ مِنْهُمْ، وَالرَّافِضَةُ أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
(1)
سَمْعِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)





وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ وَكَلَامِهِمْ مِنَ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَكَذَلِكَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَقَايِيسُ هِيَ مَعَ ضَعْفِهَا وَفَسَادِهَا أَجْوَدُ مِنْ مَقَايِيسِ الرَّافِضَةِ.
وَأَيْضًا فَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى [1] مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ بِالدَّلَالَةِ الْمَبْسُوطَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.
وَنَحْنُ لَا نَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا غَيْرِهِ إِلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ، وَلَا نَشْتَرِطُ فِي إِمَامَةِ أَحَدٍ هَذَا الْإِجْمَاعَ؛ لَكِنْ هُوَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اعْتَمَدُوا عَلَى الْإِجْمَاعِ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ.
فَنَقُولُ أَوَّلًا: مَا مِنْ حُكْمٍ اجْتَمَعَتْ [2] الْأُمَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ، فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى نَصٍّ مَوْجُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِمَّا دَرَسَ عِلْمُهُ، وَالنَّاسُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَنَحْنُ نُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُجْمِعِينَ [3] قَالَ عَنِ اجْتِهَادٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ النَّصُّ خَافِيًا عَلَى جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا مِنْ حُكْمٍ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهِ إِجْمَاعًا إِلَّا وَفِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ نَصًّا. وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] . فَعُلِّقَ الْوَعِيدُ
(1)
س، ب: عَلَى

(2)
م: أَجْمَعَتِ

(3)
س، ب: الْمُجْتَمِعِينَ







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]