
26-06-2025, 05:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,330
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (488)
صـ 345 إلى صـ 354
بِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [1] مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ تُوجِبُ الْوَعِيدَ وَلَكِنْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَلِهَذَا [2] عَلَّقَهُ بِهِمَا، كَمَا يُعَلِّقُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ أَيْضًا.
وَخِلَافَةُ الصِّدِّيقِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلِ انْعَقَدَتْ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ كَخِلَافَةِ عُمَرَ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِيَارِ؟ .
وَأَمَّا دَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ؛ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا نَازَعَ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ؛ كُلُّهُمْ يَحْتَجُّ عَلَى صِحَّتِهَا بِالنُّصُوصِ، إِذَا كُنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَانَ ذِكْرَ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ لَا يُفَارِقُهُ الْبَتَّةَ.
وَمَعَ هَذَا فَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ نَصٌّ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِيجَابَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُوجِبُوا كُلَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُوا كُلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبُوا حَرَامًا، وَيُحَرِّمُوا وَاجِبًا بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ السُّكُوتُ عَنْ
(1) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2) ب: وَلِهَذَا
الْحَقِّ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ نُجَوِّزُ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمَ بِنَقِيضِهِ مِنَ الْبَاطِلِ؟ وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانُوا قَدْ أَمَرُوا بِالْمُنْكِرِ وَنَهَوْا عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصْرِ.
فَلَوْ كَانَتْ وِلَايَةُ أَبِي بَكْرٍ حَرَامًا، وَطَاعَتُهُ حَرَامًا مُنْكَرًا لَوَجَبَ أَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُبَايَعَةُ عَلِيٍّ وَاجِبَةً لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَأْمُرُوا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُبَايَعَةَ هَذَا إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفًا وَلَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَمُبَايِعَةَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُنْكَرًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] وَقَوْلُهُ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 87] . وَمَنْ جَعَلَهُمُ الرَّبُّ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا يَشْهَدُونَ بِهِ، ذَوِي عَدْلٍ فِي شَهَادَتِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا يُحَلِّلُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ [1] اللَّهُ وَيُوجِبُونَ مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَيُسْقِطُونَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا يَجْرَحُونَ الْمَمْدُوحَ وَيَمْدَحُونَ الْمَجْرُوحَ.
(1) ن، س، ب: مَا حَلَّ
فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَالِمِينَ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَهَذَا عَاصٍ لِلَّهِ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّاسِ تَتَنَاوَلُ الشَّهَادَةَ بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ مَذْمُومٍ وَمَحْمُودٍ. وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا مُطِيعٌ وَهَذَا عَاصٍ هِيَ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَحْكَامَ أَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: "وَجَبَتْ" وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: وَجَبَتْ؟ قَالَ: "هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتُ وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»" [1] .
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] فَإِنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَى الْمُشَاقَّةِ لِلرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَذْمُومٌ؛ فَإِنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَحْدَهَا مَذْمُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَأَنَّ حَدِيثًا آخَرَ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمُسْنَدِ، إِلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ بَعْدَ إِيرَادِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ"
مَذْمُومًا لَكَانَ قَدْ رَتَّبَ الْوَعِيدَ عَلَى وَصْفَيْنِ: مَذْمُومٍ وَغَيْرِ مَذْمُومٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68، 69] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ مَذْمُومٌ شَرْعًا.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَوْجَبُوا أَشْيَاءَ وَحَرَّمُوا أَشْيَاءَ فَخَالَفَهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَالَ: إِنَّ مَا أَوْجَبُوهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَمَا حَرَّمُوهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَقَدِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِهِمِ اعْتِقَادَاتُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبِيلُهُمْ صَوَابًا وَحَقًّا لَمْ يَكُنِ الْمُخَالِفُ لَهُمْ مَذْمُومًا.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] : فَجَعَلَ وُجُوبَ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [1] مُعَلَّقًا [2] بِالتَّنَازُعِ. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ التَّنَازُعِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ وَخَطَأٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ وُجُوبُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَأَجْلِ بَاطِلِهِمْ وَخَطَئِهِمْ ; وَلِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَقٌّ حَالَ إِجْمَاعِهِمْ
(1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2) س، ب: وَرَدَ مُعَلَّقًا. .
وَنِزَاعِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْإِجْمَاعِ مُتَّبِعًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الرَّدِّ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَارَةً وَعَاصِينَ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ اجْتِمَاعًا عَلَى طَاعَةٍ؛ وَاللَّهُ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ إِذَا كَانَ مَعَهُ طَاعَةٌ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنَوْعٌ يَعْصِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُطِيعِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فُرْقَةٌ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] فَجَعَلَ مُوَالَاتَهُمْ كَمُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا تَتِمُّ مُوَالَاتُهُمْ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِمْ؛ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرًا مُتَّفَقًا؛ فَإِنْ أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ وَأَمَرَ آخَرَ [1] بِضِدِّهِ لَمْ يَكُنْ مُوَالَاةُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ مُوَالَاةِ هَذَا، فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ فِي حَالِ النِّزَاعِ بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَيْضًا فَقَدَ [2] ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ
(1) م: الْآخَرَ
(2) ن، س، ب: قَدْ
مُتَعَدِّدَةِ الْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْمَدْحِ لَهَا، وَذَمِّ الشُّذُوذِ، وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُ لَنْ يَزَالَ فِيهَا [1] طَائِفَةٌ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي [2] عَلَى الضَّلَالَةِ أَبَدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ» [3]" .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(1) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(2) م: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي
(3) سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" ، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ "فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" 5/218 عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: لَنْ تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلَا مَرْزُوقٍ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ." وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُنَنِهِ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ" وَسَبَقَ أَنْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ (هَذَا الْجُزْءُ. . . . . . .) وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/116 مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: "فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ هَذَا قَدْ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ إِمَامُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَتَعْدِيلُهُ حُجَّةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ" وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "إِبْرَاهِيمُ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ"
"«مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»" [1] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ؛ فَإِنَّ مِيتَتَهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»" [2] .
وَعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«آمُرُكُمْ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِنَّ: الْجَمَاعَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِهِ [3] إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ»" [4] .
(1) رَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 مِنْ طَرِيقَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: "خَالِدُ بْنُ وَهْبَانِ لَمْ يُجَرَّحْ فِي رِوَايَاتِهِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَتْنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: وَخَالِدٌ لَمْ يُضَعَّفْ"
(2) رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 وَقَالَ كَمَا ذَكَرْتُ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَعَادَ الذَّهَبِيُّ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْحَاكِمُ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا 1/77 - 78 وَلَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ وَقَالَ: "وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا عَنِ اللَّيْثِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَاهُ حَجَّاجُ الْأَعْوَرُ عَنِ اللَّيْثِ"
(3) مِنْ رَأْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/225 - 227 (كِتَابُ الْأَمْثَالِ، بَابُ مَا جَاءَ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) وَأَوَّلُهُ فِيهَا: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا. . الْحَدِيثَ" . وَفِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ. . . إِلَخْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "، وَالْحَدِيثُ فِي" الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/1130، 202. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/97 - 100 وَقَالَ إِنَّهُ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: حم (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) تخ (الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ) ت (سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ) ن (سُنَنُ النَّسَائِيِّ) حب (صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ) ك (الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ) وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/117 - 118 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ فِي الصَّحَابَةِ، إِذَا لَمْ نَجِدْ لَهُمْ إِلَّا رَاوِيًا وَاحِدًا؛ فَإِنَّ الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ. سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ سَمِعْتُ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: الْحَارِثُ الْأَشْعَرِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِأَنَّ الْحَارِثَ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ"
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا دَخَلَ النَّارَ»" [1] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«مِنْ فَارَقَ أُمَّتَهُ [2] ، أَوْ عَادَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ»" [3] .
وَعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ لَيَالِيَ سَارَ النَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَاسْتَبْدَلَ [4] الْإِمَارَةَ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ»" [5] .
(1) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/118، وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ
(2) م: إِمَامَهُ. وَفِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَتَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ "أُمَّةً"
(3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/118 وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ
(4) فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَ "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" وَاسْتَذَلَّ
(5) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 وَقَالَ الْحَاكِمُ "تَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرٍ" وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "صَحِيحٌ، وَكَثِيرٌ رَوَاهُ عَنْهُ الْقَطَّانُ" ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَهُوَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ 1/119، وَقَالَ الْحَاكِمُ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ كَثِيرَ بْنَ أَبِي كَثِيرٍ كُوفِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُذْكَرْ بِجَرْحٍ" ، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" 5/222 وَقَالَ: "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ"
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "«ثَلَاثَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ فَمَاتَ عَاصِيًا. . .»" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [1] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ - يَعْنِي رَمَضَانَ - كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا" ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: "إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ فَقَالَ: "إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ تَقَاتِلَهُ بِسَيْفِكَ. وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ»" [2] .
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "«نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا [3] ، فَرُبَّ حَامِلِ فَقْهٍ"
(1) الْحَدِيثُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1/119. وَقَالَ الْحَاكِمُ:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً "وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ"
(2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 - 120 وَفِيهِ: "إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَقَالَ: "إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: "أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ: أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ إِلَيْهِ فَتُقَابِلُهُ بِسَيْفِكَ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ" . ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ فَقَدِ احْتَجَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً" وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ
(3) م: فَوَعَاهَا
غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبٌ مُؤْمِنٌ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» "[1] رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْحَاكِمُ فِي" الْمُسْتَدْرَكِ "وَذَكَرَ أَنَّهَاعَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ."
وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ وَهُدًى وَصَوَابٍ، وَأَنَّ أَحَقَّ الْأُمَّةِ بِذَلِكَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كَانَ حَقًّا وَهَدًى وَصَوَابًا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ كَانَ يَشْتَدُّ إِنْكَارُهُمْ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَائِعًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَكَانُوا يَنْكَرُونَ عَلَيْهِ إِنْكَارًا هُمْ قَاطِعُونَ بِهِ لَا يُسَوِّغُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ.
(1) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/322 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ فَضْلِ نَشْرِ الْعِلْمِ) . سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/141 - 142 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ بَلَغَ عِلْمًا) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/225 وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ فَقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "كَمَا صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي" صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "6/30"
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|