
26-06-2025, 08:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,300
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (498)
صـ 445 إلى صـ 454
حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ [1] ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا [2] حَتَّى يَنْعَقَ بِهَا [3] عَامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [وَأَبُو بَكْرٍ] [4] رَجُلًا مَنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ [5] [6] [7] فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ [8] غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ وَأَخَذَ بِهِمَا طَرِيقَ السَّاحِلِ» "قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ:" جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(1) رِسْلٍ: هُوَ اللَّبَنُ الطَّرِيُّ
(2) ن، م: وَوَصِيفِهِمَا، س: وَوَضِيفِهِمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ اللَّبَنُ الَّذِي وُضِعَتْ فِيهِ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ بِالشَّمْسِ أَوِ النَّارِ لِيَنْعَقِدَ وَتَزُولَ رَخَاوَتُهُ.
(3) ن، م، س: حَتَّى يَأْتِيَهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْبُخَارِيِّ.
(4) وَأَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ.
(5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ: هُوَ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، بَيَّنَهُ ابْنُ سَعْدٍ،. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ خِرِّيتًا لِأَنَّهُ يَهْدِي بِمِثْلِ خَرْتِ الْإِبْرَةِ أَيْ ثُقْبِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي لِأُخْرَاتِ الْمَغَازَةِ وَهِيَ طُرُقُهَا الْخَفِيَّةُ" .
(6) - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا
(7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ كَانَ حَلِيفًا، وَكَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا غَمَسُوا أَيْمَانَهُمْ فِي دَمٍ أَوْ خَلُوقٍ أَوْ فِي شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ تَخَاوُتُهُ."
(8) ن، م، س: فَوَاعَدَاهُ.
وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةَ [1] بِالسَّاحِلِ: أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ [لَهُ] [2] : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقَا بِأَعْيُنِنَا [3] ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، ثُمَّ خَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجَّةِ الْأَرْضِ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ [4] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي [5] حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا [6] : أَضُرُّهُمْ
(1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَسْوِدَةُ: أَيْ أَشْخَاصًا" .
(2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .
(3) ن، م، س: عَيْنًا وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ فِي نَظَرِنَا مُعَايَنَةٌ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ"
(4) م: وَحَفِظْتُ إِلَيْهِ، س: وَحَفِظْتُ عَلَيْهِ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) وَ (ب) الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "فَخَطَطْتُ: بِالْمُعْجَمَةِ، وَلِلْكَشْمَيْهَنِيِّ وَالْأُصَيْلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَمْكَنَهُ أَسْفَلَهُ وَقَوْلُهُ: بِزُجَّةٍ: الزُّجُّ بِضَمِّ الزَّايِ بَعْدَهَا جِيمٌ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ. . . قَوْلُهُ:" وَخَفَضْتُ "أَيْ أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَجَرَّ زُجَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَخَطَّهَا بِهِ لِئَلَّا يَظْهَرَ بَرِيقُهُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتْبَعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَيَشْرَكُوهُ فِي الْجَعَالَةِ" .
(5) ن: نَفَرَتْ بِي. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "التَّقْرِيبُ: السَّيْرُ دُونَ الْعَدْوِ وَفَوْقَ الْعَادَةِ"
(6) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَالْأَزْلَامُ: هِيَ الْأَقْدَاحُ وَهِيَ السِّهَامُ الَّتِي لَا رِيشَ لَهَا وَلَا نَصْلَ" . وَفِي "لِسَانِ الْعَرَبِ" : "وَاسْتَقْسِمُوا بِالْأَقْدَاحِ: قَسَّمُوا الْجَزُورَ عَلَى مِقْدَارِ حُظُوظِهِمْ مِنْهَا" .
أَرُدُّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ [1] ، فَرَكِبْتُ [فَرَسِي] [2] - وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ - تُقَرِّبُ [بِي] حَتَّى [إِذَا] سَمِعْتُ [3] قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ [4] يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لَأَثَرِ يَدَيْهَا [5] غُبَارٌ [6] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا؛ فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ [7] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [8] "."
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ
(1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: أَيْ لَا تَضُرُّهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَمُوسَى وَابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ: وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ" .
(2) فَرَسِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ
(3) ن، م، س: فَقَرُبْتُ حَتَّى سَمِعْتُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ.
(4) أَيْ غَاصَتْ.
(5) ن: إِذَا الْأَمْرُ يَدَيْهَا، إِذَا الْأَمْرُ بَدْهًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ب) ، الْبُخَارِيِّ.
(6) الْبُخَارِيِّ: عُثَانٌ. وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ: غُبَارٌ وَعُثَانٌ. أَيْ دُخَانٌ.
(7) أَمْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(8) - الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/58 - 6 - (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/96 - 97 (كِتَابُ الْكَفَالَةِ، بَابُ جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدِهِ) .
يُعْلِمَهُمْ بِخَبَرِهِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْعَدُوُّ [1] قَدْ جَاءَ إِلَى الْغَارِ، وَمَشَوْا فَوْقَهُ، كَانَ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغَارِ، وَيُنْذِرَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَهُوَ وَحْدُهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْمِيهِ مِنْهُ وَمِنَ الْعَدُوِّ؛ فَمَنْ يَكُونُ مُبْغِضًا لِشَخْصٍ طَالِبًا لِإِهْلَاكِهِ يَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يَظْفَرُ فِيهَا عَدُوٌّ بِعَدُوِّهِ إِلَّا أَخَذَهُ؛ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ قَدْ صَارُوا [2] عِنْدَ الْغَارِ، وَلَيْسَ لِمَنْ فِي الْغَارِ هُنَاكَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْعَدُوُّ الظَّاهِرُونَ الْغَالِبُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ بِمَكَّةَ، لَيْسَ بِمَكَّةَ مَنْ يَخَافُونَهُ إِذَا أَخَذُوهُ؛ فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمْ مُبَاطِنًا لَهُمْ كَانَ الدَّاعِي إِلَى أَخْذِهِ تَامًّا، وَالْقُدْرَةُ تَامَّةً، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالدَّاعِي التَّامُّ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ؛ فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّاعِي، أَوِ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ، وَالْقُدْرَةُ مَوْجُودَةٌ؛ فَعَلِمَ انْتِفَاءَ الدَّاعِي وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ، كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى الْعَدُوِّ يَدُلُّهُمْ [3] عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ [4] فَرَدَّهَا حَتَّى كَفَّتْ عَنْهُ الْأَلَمَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنْ نَكَثْتَ نَكَثَ يَدُكَ، وَإِنَّهُ نَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَاتَ مِنْهَا، وَهَذَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهَا.
(1) م: فَالْعَدُوُّ
(2) م: قَدْ صَارَ
(3) س، ب: وَيَدُلُّهُمْ
(4) ن، م: الْحَيَّةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَظْهَرَ كَعْبَهُ لِيَشْعُرُوا بِهِ، فَلَدْغَتْهُ الْحَيَّةُ، وَهَذَا مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ.
[فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وَقِلَّةِ صَبْرِهِ وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ والرد عليه]
فَصْلٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ" .
فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا: أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ: "إِنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ" فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ مُبَاطِنًا لَعِدَاهُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ وَيُسَرَّ وَيَطْمَئِنَّ إِذَا جَاءَ الْعَدُوُّ، وَأَيْضًا فَالْعَدُوُّ قَدْ جَاءُوا وَمَشَوْا فَوْقَ الْغَارِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِهِ.
وَأَيْضًا فَكَانَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِمْ قُرَيْشًا.
وَأَيْضًا فَغُلَامُهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ رَوَاحِلُهُمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لِغُلَامِهِ: أَخْبِرْهُمْ بِهِ.
فَكَلَامُهُمْ فِي هَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَيُثْبِتُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُهَاجِرِينَ مُنَافِقٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُهَاجِرْ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَالْكَافِرُ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُ
الْهِجْرَةَ، وَمُفَارَقَةَ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لِنَصْرِ عَدُوِّهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] .
وَقَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 39، 40] .
وَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يَسْتَلْزِمُ إِيمَانَهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْتَارُ لِمُصَاحَبَتِهِ فِي سَفَرِ هِجْرَتِهِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْفَارِ خَوْفًا، وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي جُعِلَ مَبْدَأَ التَّارِيخِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي النُّفُوسِ وَلِظُهُورِ أَمْرِهِ، فَإِنَّ التَّارِيخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ لِعَامَّةِ النَّاسِ لَا يَسْتَصْحِبُ الرَّسُولُ فِيهِ مَنْ يَخْتَصُّ بِصُحْبَتِهِ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ وَوُثُوقًا بِهِ.
وَيَكْفِي هَذَا فِي فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ، وَتَمْيِيزِهِ عَلَى [1] غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ.
(1) م: عَنْ.
فَصْلٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ" .
فَنَقُولُ: أَوَّلًا: النَّقْصُ نَوْعَانِ نَقْصٌ يُنَافِي إِيمَانَهُ، وَنَقْصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ.
فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] .
وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] .
وَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 87، 88] فَقَدَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنِ الْحُزْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ جُمْلَةً فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ.
وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عُمَرَ، أَوْ غَيْرَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هَذِهِ الْحَالِ، وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ حَالَهُمْ يَكُونُ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ الصِّدِّيقِ، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَالِهِمْ دَائِمًا وَحَالِهِ أَنَّهُمْ وَقْتَ الْمَخَاوِفِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَكْمَلَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ يَقِينًا وَصَبْرًا، وَعِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِ الرَّيْبِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَعِنْدَ مَا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَتْبَعَهُمْ لِمَرْضَاتِهِ وَأَبْعَدَهُمْ عَمَّا يُؤْذِيهِ.
هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ لِكُلِّ مَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ فِي مَحْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَمَوْتُهُ كَانَ أَعْظَمَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَزَلْزَلَ بِهَا الْإِيمَانُ، حَتَّى ارْتَدَّ أَكْثَرُ [1] الْأَعْرَابِ، وَاضْطَرَبَ لَهَا عُمَرُ الَّذِي كَانَ أَقْوَاهُمْ إِيمَانًا وَأَعْظَمَهُمْ يَقِينًا كَانَ [2] مَعَ هَذَا تَثْبِيتُ اللَّهِ تَعَالَى لِلصِّدِّيقِ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ فِي يَقِينِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ وَعِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَكْمَلَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَقَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.
ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] [3] .
(1) أَكْثَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(2) ن، م، س: وَكَانَ
(3) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا بَعْدَ قَلِيلٍ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَلِكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلْيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا.
ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 30] ، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ "[1] ."
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْأَخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ [2] وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدَبِّرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ، فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا
(1) الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .)
(2) فَتَشَهَّدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ، س) ، (ب)
تَهْتَدُونَ بِهِ، وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِهِمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ [1] .
وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ [2] فِي الْبُخَارِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الَّذِي هَدَى بِهِ رَسُولَهُ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا [3] هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ" الِاعْتِصَامِ بِالسَّنَةِ "[4] ."
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ: "مَا كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ [5] ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ [6]" الَّذِي عَلَيْهِمْ.
وَأَيْضًا فَقِصَّةُ يَوْمِ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ وَيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ فِي طُمَأْنِينَتِهِ وَسَكِينَتِهِ مَعْرُوفَةٌ، بَرَزَ بِذَلِكَ [7] عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) .
(2) س، ب: أُخْرَى.
(3) ن، م، س: لِمَا.
(4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/91 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) .
(5) ن، س، ب: لَقَدْ خَوَّفَ اللَّهُ عُمَرَ النَّاسَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، الْبُخَارِيِّ.
(6) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. . .)
(7) م: يَزِيدُ بِذَلِكَ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|