
26-06-2025, 08:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (502)
صـ 485 إلى صـ 494
وَآخَرُ تُرَقِّيهِ إِلَى أَوَائِلِ دَرَجَةِ التَّوْحِيدِ، وَتُدْخِلُ عَلَيْهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُمُ الْمُتَرْجَمُ بِكِتَابِ "الدَّرْسِ الشَّافِي لِلنَّفْسِ" مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ وَلَا صِفَةَ وَلَا مَوْصُوفَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعِينُكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِلَهِيَّةِ لِمُسْتَحَقِّهَا عِنْدَ الْبَلَاغِ "."
وَإِلَى ذَلِكَ يُعْنُونَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ دَاعٍ مِنْهُمْ يَتَرَقَّى دَرَجَةً دَرَجَةً إِلَى أَنْ يَصِيرَ إِمَامًا نَاطِقًا، ثُمَّ يَنْقَلِبُ إِلَهًا رُوحَانِيًّا عَلَى مَا سَنَشْرَحُ قَوْلَهُمْ فِيهِ مِنْ بَعْدُ.
قَالُوا: "وَمَنْ بَلَّغْتَهُ إِلَى هَذَا الْمَنْزِلَةِ فَعَرِّفْهُ [1] حَسَبَ مَا عَرَّفْنَاكَ مِنْ حَقِيقَةِ أَمْرِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَأَبَاهُ مُحَمَّدًا [2] كَانَا مِنْ نُوَّابِهِ، فَفِي ذَلِكَ [3] عَوْنٌ لَكَ عَلَى إِبْطَالِ إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الْبَلَاغِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْقَوْلِ بِالْحَقِّ" ، ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى عَلَى تَدْرِيجٍ يَصِفُهُ عَنْهُمْ فِيمَا بَعْدُ.
قَالَ الْقَاضِي: "فَهَذِهِ وَصَّيْتُهُمْ جَمِيعًا لِلدَّاعِي إِلَى مَذَاهِبِهِمْ وَفِيهَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ لِكُلِّ عَاقِلٍ عَلَى كُفْرِ الْقَوْمِ وَإِلْحَادِهِمْ، وَتَصْرِيحِهِمْ بِإِبْطَالِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَمُحْدِثِهِ وَتَكْذِيبِ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجَحْدِ الْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِجَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَتَمَخْرَقُونَ بِذِكْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَالنَّاطِقِ وَالْأَسَاسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَخْدَعُونَ بِهِ الضُّعَفَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَجَابَ لَهُمْ مُسْتَجِيبٌ أَخَذُوهُ بِالْقَوْلِ بِالدَّهْرِ وَالتَّعْطِيلِ [4] ."
(1) ن، س، ب: تَعْرِفُهُ.
(2) م: وَأَبَا مُحَمَّدٍ.
(3) س، ب: وَفِي ذَلِكَ
(4) (4) م: بِالدَّهْرِ سَوَا التَّعْطِيلِ
وَسَأَصِفُ مِنْ بَعْدُ مِنْ عَظِيمِ سَبِّهِمْ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَتَجْرِيدِهِمُ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ، [1] وَأَنَّهُ نِهَايَةُ دَعْوَتِهِمْ مَا يَعْلَمُ بِهِ كُلُّ قَارٍّ لَهُ عَظِيمُ [2] كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ لِلدِّينِ.
قُلْتُ: وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْمَلَاحِدَةَ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْغُلَاةِ النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِ النُّصَيْرِيَّةِ إِنَّمَا يُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّشَيُّعَ دِهْلِيزُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ.
وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ، فَالصِّدِّيقُ وَحِزْبُهُ هُمْ أَعْدَاؤُهُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الصُّحْبَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] صُحْبَةُ مُوَالَاةٍ لِلْمَصْحُوبِ [3] وَمُتَابَعَةٍ لَهُ [4] لَا صُحْبَةُ نِفَاقٍ [5] كَصُحْبَةِ الْمُسَافِرِ لِلْمُسَافِرِ، وَهِيَ مِنَ الصُّحْبَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الصَّاحِبُ لِمَحَبَّةِ الْمَصْحُوبِ كَمَا هُوَ [6] مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْخَلَائِقِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِي الْغَايَةِ مِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَالَاتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُسْلِمًا، وَأَنَّهُ كَانَ ابْنُ عَمِّهِ.
وَقَوْلُهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " لَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ الصُّحْبَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا
(1) م: وَتَحْرِيفِهِمُ الْقَوْلَ بِالْإِلْحَادِ.
(2) س: كُلٌّ مَنْ قَارَلَهُ عَظِيمُ. .، ب: كُلٌّ مَنْ قَارَنَ عَظِيمَ. .
(3) م: مُوَالَاةِ الْمَصْحُوبِ
(4) س، ب: وَمُبَايَعَةٍ لَهُ.
(5) ن، م: إِنْفَاقٍ
(6) ن، م، س: كَمَا هَذَا
مُتَابَعَةٌ [1] ، فَإِنَّ هَذِهِ تَحْصُلُ لِلْكَافِرِ إِذَا صَحِبَ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ اللَّهُ مَعَهُ، بَلْ إِنَّمَا كَانَتِ الْمَعِيَّةُ لِلْمُوَافَقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمُوَالَاةِ لَهُ وَالْمُتَابَعَةِ.
وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلرَّسُولِ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ بِحَسَبِ هَذَا الِاتِّبَاعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] أَيْ: حَسْبُكَ وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ، فَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ مِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ حَسْبُهُ [2] ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنُ اللَّهِ مَعَهُ.
وَالْكِفَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مَعَ الِاتِّبَاعِ الْمُطْلَقِ، وَالنَّاقِصَةُ مَعَ النَّاقِصِ [3] ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَنْ يُعَادِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّهُ حَسْبُهُ، وَهُوَ مَعَهُ وَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، فَإِنَّ هَذَا قَلْبُهُ مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِبَهُ بِبَدَنِهِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْقَلْبُ.
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ" قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ»" [4] .
(1) س، ب: مُبَايَعَةٌ
(2) ب: فَإِنَّهُ حَسْبُهُ.
(3) ن: وَالنَّاقِضُ مَعَ النَّاقِصِ، س: وَالنَّاقِصُ مَعَ النَّاقِصِ. وَالْكَلِمَتَانِ غَيْرُ مَنْقُوطَتَيْنِ فِي (م) .
(4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 - 18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/923 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/103، 160، 300، 341. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/518 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنِ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) .
فَهَؤُلَاءِ بِقُلُوبِهِمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْغُزَاةِ، فَلَهُمْ مَعْنَى صُحْبَتِهِ فِي الْغَزَاةِ، فَاللَّهُ مَعَهُمْ بِحَسَبِ تِلْكَ الصُّحْبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
وَلَوِ انْفَرَدَ الرَّجُلُ [فِي] [1] بَعْضِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ بِحَقٍّ جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَمْ تَنْصُرْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَهُ، وَلَهُ نَصِيبٌ [2] مِنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ، فَإِنَّ نَصْرَ الرَّسُولِ هُوَ نَصْرُ دِينِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ حَيْثُ كَانَ، وَمَتَى كَانَ، وَمَنْ وَافَقَهُ فَهُوَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا قَامَ بِهِ ذَلِكَ الصَّاحِبُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَمَعَ ذَلِكَ الْقَائِمِ بِهِ.
وَهَذَا الْمُتَّبِعُ لَهُ حَسْبُهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَسْبُ الرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] .
[فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه]
فَصْلٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "إِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَكَ مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ، وَلَا نَقْصَ أَعْظَمَ مِنْهُ" .
(1) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .
(2) ن، م: وَلَهُ عَبْرُهُ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) وَفِي (س) بَيَاضٌ مَكَانَ كَلِمَةِ (عَبْرُهُ) .
فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا [1] : أَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ [2] ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 25، 26] فَذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَوَلِّيَتَهُمْ [3] مُدْبِرِينَ.
وَقَدْ ذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ مَعَهُمُ الرَّسُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] .
وَيُقَالُ: ثَانِيًا: النَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى إِنْزَالِ السَّكِينَةِ [4] ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَلَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
(1) أَوَّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(2) ن، س: يُوهِمُ أَنَّ، م: وَهُمْ أَنَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب)
(3) م. ثُمَّ أَنْ ذَكَرَ تَوَلَّيْتُمْ.
(4) عِبَارَةُ "فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ [1] لِكَمَالِ طُمَأْنِينَتِهِ بِخِلَافِ إِنْزَالِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا لِانْهِزَامِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِقْبَالِ الْعَدُوِّ نَحْوَهُ [2] وَسَوْقِهِ بِبَغْلَتِهِ إِلَى الْعَدُوِّ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ; وَلِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ كَانَ فِي ذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صَاحِبِهِ ضِمْنًا وَتَبَعًا.
لَكِنْ يُقَالُ: عَلَى هَذَا لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِهِ [3] : {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ، وَأَبُو بَكْرٍ تَابِعٌ مُطِيعٌ، وَهُوَ صَاحِبُهُ وَاللَّهُ مَعَهُمَا، فَإِذَا حَصَلَ [4] لِلْمَتْبُوعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ سَكِينَةٌ وَتَأْيِيدٌ كَانَ ذَلِكَ لِلتَّابِعِ أَيْضًا بِحُكْمِ الْحَالِ فَإِنَّهُ صَاحِبٌ تَابِعٌ لَازِمٌ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُذْكَرَ هَنَا أَبُو بَكْرٍ لِكَمَالِ الْمُلَازِمَةِ وَالْمُصَاحِبَةِ الَّتِي تُوجِبُ مُشَارَكَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّأْيِيدِ.
بِخِلَافِ حَالِ الْمُنْهَزِمِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى نُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ بِانْهِزَامِهِمْ فَارَقُوا الرَّسُولَ، وَلِكَوْنِهِمْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْمُلَازَمَةِ مَا ثَبَتَ لِأَبِي بَكْرٍ.
(1) الْحَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2) م: وَقِتَالِ الْعَدُوِّ بِحَدِّهِ
(3) ن، م، س: لَمَّا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ.
(4) ن، م: فَإِذَا يَحْصُلُ.
وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَصَفَهُ بِالصَّحْبِهِ الْمُطْلَقَةِ الْكَامِلَةِ، وَوَصَفَهَا فِي أَحَقِّ [1] الْأَحْوَالِ أَنْ يُفَارِقَ الصَّاحِبُ فِيهَا صَاحِبَهُ، وَهُوَ حَالُ شِدَّةِ الْخَوْفِ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا بِطَرِيقِ الْفَحْوَى عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَقْتَ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، فَلَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ حُصُولِ [2] النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَلَمْ يَحْتَجْ أَنَّ يَذْكُرَ صُحْبَتَهُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَالْحَالِ عَلَيْهَا.
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَصَلَ لِلرَّسُولِ مِنْ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ وَالتَّأْيِيدِ بِإِنْزَالِ الْجُنُودِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا النَّاسُ لِصَاحِبِهِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَعْظَمُ مِمَّا لِسَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ.
وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] [3] ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ [4] [فِي قَوْلِهِ: (أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ] [5] إِنْ عَادَ إِلَى اللَّهِ، فَإِرْضَاؤُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ الرَّسُولِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ (* إِرْضَاؤُهُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ إِرْضَاؤُهُمَا لَا يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، وَهُمَا يَحْصُلَانِ بِشَيْءٍ *) [6] وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إِرْضَاءُ اللَّهِ وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ تَابِعٌ، وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، وَكَذَلِكَ وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ; لِأَنَّ نُزُولَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ مُشَارَكَةَ الْآخَرِ لَهُ، إِذْ مُحَالٌ
(1) ن، س: فِي حَقِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(2) س، ب: حُضُورِ
(3) م:. . أَنْ تُرْضُوهُ
(4) (4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (م)
(5) زِيَادَةٌ فِي (م)
(6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
أَنْ يَنْزِلَ [1] ذَلِكَ عَلَى الصَّاحِبِ دُونَ الْمَصْحُوبِ، أَوْ عَلَى الْمَصْحُوبِ دُونَ الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ [2] ، فَلَمَّا كَانَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ وَحَّدَ الضَّمِيرَ، وَأَعَادَهُ إِلَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالصَّاحِبُ تَابِعٌ لَهُ.
وَلَوْ قِيلَ: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمَا وَأَيَّدَهُمَا، لَأَوْهَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ شَرِيكٌ فِي النُّبُوَّةِ، كَهَارُونَ مَعَ مُوسَى حَيْثُ قَالَ: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} الْآيَةَ [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] ، وَقَالَ: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ - وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ - وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ - وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ - وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 114 - 118] ، فَذَكَرَهُمَا أَوَّلًا وَقَوْمَهُمَا فِيمَا يُشْرِكُونَهُمَا [3] فِيهِ.
كَمَا قَالَ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 26] إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي حُصُولَ النَّجَاةِ وَالنَّصْرِ لِقَوْمِهِمَا إِذَا نُصِرَا وَنُجِّيَا، ثُمَّ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمَا ذَكَرَهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ إِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي النُّبُوَّةِ لَمْ يُفْرِدْ مُوسَى كَمَا أَفْرَدَ الرَّبُّ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] ، وَقَوْلِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 24] .
فَلَوْ قِيلَ: أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِمَا وَأَيَّدَهُمَا لَأَوْهَمَ الشَّرِكَةَ، بَلْ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى الرَّسُولِ الْمَتْبُوعِ، وَتَأْيِيدُهُ تَأْيِيدٌ لِصَاحِبِهِ التَّابِعِ لَهُ الْمُلَازِمِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.
(1) م: أَوْ مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ. . .
(2) ن، م، س اللَّازِمِ.
(3) م: يُشْرِكُوهُمَا، ب: يُشَارِكُونَهُمَا
وَلِهَذَا لَمْ يُنْصَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ [1] فِي مَوْطِنٍ إِلَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْظَمَ الْمَنْصُورِينَ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَعْظَمُ يَقِينًا وَثَبَاتًا فِي الْمَخَاوِفِ مِنْهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ.
كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "«هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟" فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَاسْتَاءَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ»" [2] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ.
[فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: "وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17] ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَبُو الدَّحْدَاحِ حَيْثُ اشْتَرَى نَخْلَةً لِشَخْصٍ لِأَجْلِ جَارِهِ، وَقَدْ عَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى"
(1) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/490.
صَاحِبِ النَّخْلَةِ نَخْلَةً [1] فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا بِبُسْتَانٍ لَهُ وَوَهَبَهَا الْجَارَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بُسْتَانًا عِوَضَهَا فِي الْجَنَّةِ "."
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِأَبِي الدَّحْدَاحِ دُونَ أَبِي بَكْرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَأَسْبَابِ نُزُولِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ [2] السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَقِصَّةُ أَبِي الدَّحْدَاحِ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْأَنْصَارُ إِنَّمَا صَحِبُوهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ تَكُنِ الْبَسَاتِينُ وَهِيَ الْحَدَائِقُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْحِيطَانِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ [3] ، بَلْ إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، فَمَعْنَاهُ
(1) نَخْلَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(2) س، ب: نُزُولِهِ، وَهَذِهِ.
(3) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ (الْإِصَابَةُ 4/59 - 60) "أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ حَلِيفٌ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَا نَسَبِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ حَلِيفٌ لَهُمْ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ وَلَمْ يَزِدْ: وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" اعْطِهْ إِيَّاهَا بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ "فَأَبَى. قَالَ: فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ، فَقَالَ لَهُ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. قَالَ فَفَعَلَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي فَاجْعَلْهَا لَهُ فَقَدَ أَعَطَيْتُكَهَا. فَقَالَ:" كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَّاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ "قَالَهَا مِرَارًا. . إِلَخْ. . ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمَّا نَزَلَتْ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) فَقَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" الْحَدِيثَ، وَفِيهِ ذَكَرَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|