عظمة علم الحديث ، وفرية الموروث الذي اتخذه أعداء الأمة للطعن في الحديث النبوي
خلدون مخلوطة
جرى حوار بيني وبين من يدعي لنفسه أنه يأخذ بالقرآن فقط ، ولا يأخذ بالحديث الشريف ، ومن خلال النقاش نبين لي أن هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم أنهم (قرآنيون ) هم أبعد الناس عن توجيهات القرآن الكريم ، وعلى جهل كبير بعلم الحديث ، لأنهم لم يقرأوا شيئا عنه ، وإنما يرددون مقولات يردده أعداء الإسلام ، أو شكوك ينشرها من يتظاهر أنه مفكر إسلامي ، وحقائق الإسلام التي جاء بها رسولنا صلى الله عليه وسلم منه براء ، ولكن المفاجأة أنه أثناء هذا الحوار وبعد بيان المنهج الذي سلكه العلماء في قبول الحديث ورده ، وإذا به يقر بعظمة هذا العلم ، وأنه منهج يتطابق مع العقل والمنطق ، ولنستمع الآن ما دار في هذا الحوار :
بعد قراءتي لمقولات كتبها لي في اعتماده القرآن فقط ، وإلغائه للسنة والحديث كان الجواب مني :
أعتقد أنكم بهذا الطرح الذي تهدمون به مجدا من أمجاد أمتنا الإسلامية ، وفخرا من مفاخرها ، تميزت به على سائر الأمم ، وأتحدى أن نجد أمة من الأمم حافظت على أقوال أنبيائها ، وأدق الدقائق في صفات وشمائل رسلها ، كما فعتله أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
علم الحديث ، وعلم قبوله المتمثل بدراسة أحوال الرواة ، والذي أطلق عليه -علم الجرح والتعديل -، لهو من أعظم ما أنتجه علماء الأمة على مدار التاريخ ، ولو سألنا المتخصصين بعلم التوثيق والتحقيق في الوثائق والأقوال ، ووسائل قبولها ، ثم عرضنا عليهم طريق قبول الأحاديث لدى المسلمين لأقروا بروعتها وعظمتها ، وهذا ما شهد به كبار المستشرقين المنصفين .
أما الذي تسمونه موروثا ، فأنا لا أطلق عليه هذه التسمية ، لأن الموروث عبارة عن إنتاج اخترعه أباؤنا ، توصلوا إليه عبر تفكير وبذل جهد جسمي أو غير ذلك ، ولكن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس من اختراع آبائنا وأجدادنا حتى تكون موروثا ، أما الوسائل والمناهج التي ساروا في قبول الأحاديث فهي من مورثات أجدادنا ، وهي تعتبر من أدق الوسائل لتحري صدق الراوي وعدالته ، أما التأثيرات السياسية والمذهبية والطائفية وغيرها فإنها مكشوفة ، وقد ألف العلماء مؤلفات رائعة أظهرت أصحاب هؤلاء المقولات ، وما دسوه من الأحاديث ، وما كذبوا به على نبينا ، وأرجو من كل مثقف ومطلع ، ومفكر وواعي أن يدرس علم الحديث دراسة متعمقة ، بحيادية ونزاهة ، وليطلع على النظام الرائع الذي ابتكره علماء الإسلام في كيفية قبول الأحاديث ، ، ثم بعدها ليحكم ، لأنني أرى كثيرا من المقولات المطروحة أمامي تدل على عدم معرفة دقيقة بهذا العلم .
الرد:
هل ان تختار لنا حديثا معينا في البخاري وتشرح لنا بالتفصيل كيف توصلوا الى انه صحيح، لانني بصراحة أرى أن علم الجرح والتعديل ما هو إلا علم رجال، يقوم على الثقة والمعاصرة والاسلام وشهادة الجماعة، وهذا بحسب علمي الهزيل في الامر، واسمعهم كثيرا يتغنون بهذا العلم الذي كان يمكن لي ان اقبل به لولا وجود امثلة كثيرة تتعارض مع كتاب الله.
الجواب:
الأخ الكريم : سألت سؤالا جميلا في البداية ولنقف عنده ، كيف يكون الحكم على الحديث بصحته ، وأنا الآن سأجيب بشكل مختصر ، اشترطوا في الحديث خمسة شروط :
1- اتصال السند : بمعنى لابد أن يتحقق سماع الحديث من الشخص الذي يروي عنه ، بشهادة الشهود ، وإقرار من شاهده أنه تلقى عنه هذا الحديث .
2- عدالة الراوي : أي صدقه وأمانته ، ولابد من شهادة ثقات على ذلك .
3- الضبط : أي معروف بقوة الحفظ ، والبعد عن الوهم أثناء أدائه لهذا الحديث .
4- عدم الشذوذ : فلا يروي الحديث مخالفا به من أوثق منه وأقوى منه في الحفظ ، بمعنى : مثلا عشرة من الرواة رروا الحديث بنص معين ، فيأتي راوي واحد يخالف هؤلاء العشرة فيحكم عليه بالشذوذ ، وكذلك من الشذوذ مخالفة القرآن مخالفة صريحة ، وأؤكد على كلمة صريحة .
5- عدم وجود العلة : مثلا علة الانقطاع : مثلا لو قال التابعي قال رسول الله كذا ، وأسقط الصحابي الذي بينه وبين النبي كان الحديث ساقطا بسبب هذا الانقطاع، فوالله لو قمتم بدراسة هذا العلم لتجدونه من أعظم علوم المسلمين.
الرد :
والله كلامك علمي يا دكتور وجميل ودقيق وجهودهم في مجال خدمة الحديث النبوي كبيرة وعظيمة لم تخف على الغرب نفسه ، ولكن هل يعقل ان يكل الله امر الدين العظيم لبشر.
الأخ الكريم : لم يكل الله أمر الدين للبشر ، معاذ الله ، ولكن نحن الآن أمام قضية تتعلق بنقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ، والوسائل التي من خلالها نتوثق منها ، أضرب لك على ذلك مثلا : عقد مؤتمر صحفي لشخصية من الشخصيات ، فهناك من الصحفيين من نقل وقائع هذا المؤتمر ، أنا وأنت عرفنا مجموعة من هؤلاء الصحفيين عرفوا بالنزاهة والأمانة ، ولم يعرف عنهم كذبا ولا ميولا حزبية ، ولا مآرب شخصية ، صاروا معروفين لدى القريب والبعيد بالدقة في نقل الأخبار ، حتى أصبحت القنوات العالمية ذات المصداقية تنقل عنهم ، ينقلون بتجرد من خلال تجارب وتجارب بمهنية راقية ، فهل يحق بعد ذلك لمن يأتي فيقول : لا اقبل ما أورده لأن هذا يبقى عمل بشري ، مع أنه لم يورد في رده لما أورده هؤلاء الصحفيين أي حجة تتعلق بالمصداقية والأمانة والحرفية ، وأعتقد أن نفس هذا المثال ينطبق أولا على الصحابة في نقلهم للأحاديث النبوية ، وهكذا فيمن نقل عنهم من التابعين ، ومن بعدهم إلى عصر التدوين ، فلم يقبلوا الرواية لأي من الرواة إلا بمن اتصف بهذه الصفات السابقة، فلابد إذن من تحري الدقة في المجافزة في رد هذه الأحاديث الشريفة.