الموسوعة التاريخية
علوي عبد القادر السقاف
المجلد الرابع
صـــ 151 الى صــ 160
(211)
قيام الوقعة بين السلطانين بركيارق ومحمد وإعادة خطبة محمد ببغداد.
العام الهجري: 493الشهر القمري: رجبالعام الميلادي: 1100تفاصيل الحدث:
سار بركيارق من بغداد على شهرزور، فأقام بها ثلاثة أيام، والتحق به عالم كثير من التركمان وغيرهم، فسار نحو أخيه السلطان محمد ليحاربه، فكاتبه رئيس همذان ليسير إليها ويأخذ أقطاع الأمراء الذين مع أخيه، فلم يفعل، وسار نحو أخيه، فوقعت الحرب بينهم رابع رجب، وهو المصاف الأول بين بركيارق وأخيه السلطان محمد بإسبيذروذ، ومعناه النهر الأبيض، وهو على عدة فراسخ من همذان. وكان مع محمد نحو عشرين ألف مقاتل، وكان محمد في القلب، ومعه الأمير سرمز، وعلى ميمنته أمير آخُر، وابنه إباز، على ميسرته مؤيد الملك، والنظامية، وكان السلطان بركيارق في القلب، ووزيره الأعز أبو المحاسن، وعلى ميمنته كوهرائين وعز الدولة بن صدقة بن مزيد، وسرخاب بن بدر، وعلى ميسرته كربوقا وغيره، فحمل كوهرائين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد، وبها مؤيد الملك، والنظامية، فانهزموا، ودخل عسكر بركيارق في خيامهم، فنهبوهم، وحملت ميمنة محمد على ميسرة بركيارق، فانهزمت الميسرة، وانضافت ميمنة محمد إليه في القلب على بركيارق، ومن معه، فانهزم بركيارق، ووقف محمد مكانه، وعاد كوهرائين من طلب المنهزمين الذين انهزموا بين يديه، وكبا به فرسه، فأتاه خراساني فقتله، وأخذ رأسه، وتفرقت عساكر بركيارق، وبقي في خمسين فارساً, وأما وزيره الأعز أبو المحاسن فإنه أخذ أسيراً، فأكرمه مؤيد الملك بن نظام الملك، ونصب له خيماً وخركاة، وحمل إليه الفرش والكسوة، وضمنه عمادة بغداد، وأعاده إليها، وأمره بالمخاطبة في إعادة الخطبة للسلطان محمد ببغداد، فلما وصل إليها خاطب في ذلك، فأجيب إليه وخطب له يوم الجمعة رابع عشر رجب.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
محاولة الصليبيين دخول دمشق.
العام الهجري: 493الشهر القمري: ذو القعدةالعام الميلادي: 1100تفاصيل الحدث:
أقبل ملك الفرنج في ثلاثمائة ألف مقاتل فالتقى معه ستكين بن انشمند طايلو، إتابك دمشق الذي يقال له أمين الدولة، واقف الأمينية بدمشق وببصرى، فهزم الإفرنج وقتل منهم خلقا كثيرا، بحيث لم ينج منهم سوى ثلاثة آلاف، وأكثرهم جرحى - يعني الثلاثة آلاف - ولحقهم إلى ملطية فملكها وأسر ملكها ولله الحمد.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
الصليبيون يستولون على الخليل وحيفا ويافا ويحاصرون عكا.
العام الهجري: 494العام الميلادي: 1100تفاصيل الحدث:
سار كندفري، ملك الفرنج بالشام، وهو صاحب بيت المقدس، إلى مدينة عكة، بساحل الشام، فحصرها، فأصابه سهم فقتله، وكان قد عمر مدينة يافا وسلمها إلى قمص من الفرنج اسمه طنكري، فلما قتل كندفري سار أخوه بغدوين إلى البيت المقدس في خمسمائة فارس وراجل، فبلغ الملك دقاق، صاحب دمشق، خبره، فنهض إليه في عسكره، ومعه الأمير جناح الدولة في جموعه، فقاتله، فنصر على الفرنج، وملك الفرنج مدينة سروج من بلاد الجزيرة، وسبب ذلك أن الفرنج كانوا قد ملكوا مدينة الرها بمكاتبة من أهلها لأن أكثرهم أرمن، وليس بها من المسلمين إلا القليل، فلما كان الآن جمع سقمان بسروج جمعاً كثيراً من التركمان، وزحف إليهم، فلقوه وقاتلوه، فهزموه في ربيع الأول. فلما تمت الهزيمة على المسلمين سار الفرنج إلى سروج، فحصروها وتسلموها، وقتلوا كثيراً من أهلها وسبوا حريمهم، ونهبوا أموالهم، ولم يسلم إلا من مضى منهزماً وملك الفرنج مدينة حيفا، وهي بالقرب من عكة على ساحل البحر، ملكوها عنوة، وملكوا أرسوف بالأمان، وأخرجوا أهلها منها، وفي رجب، ملكوا مدينة قيسارية بالسيف، وقتلوا أهلها، ونهبوا ما فيها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
الشريف الإدريسي عالم جغرافي دعاه ملك النورمانديين لزيارة صقلية فرسم له الأرض على كرة من الفضة.
العام الهجري: 494العام الميلادي: 1100تفاصيل الحدث:
اختار الإدريسي الانتقال إلى صقلية بعد سقوط الحكومة الإسلامية، لأن الملك النورماني في ذلك الوقت روجر الثاني كان محباً للمعرفة. شرح الإدريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرات. أمر الملك الصقلي روجر الثاني له بالمال لينقش خارطة العالم والمعروف باسم لوح الترسيم على دائرة من الفضة تزن 400 رطل رومي في كل رطل 112 درهما. ويعرف لوح الترسيم أيضا عند العرب بخريطة الإدريسي، ويقال: إنها أول خريطة سليمة (أي صحيحة) نعرف عنها. ساعده في ذلك رسَّام رافقه في كل رحلاته الاستكشافية الممولة من روجر الثاني للحصول على معلومات جغرافية.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
السلطان بركيارق يشن حملة على الباطنية الإسماعيلية ويبيح قتلهم ومصادرتهم.
العام الهجري: 494الشهر القمري: شعبانالعام الميلادي: 1101تفاصيل الحدث:
أمر السلطان بركيارق بقتل الباطنية، وهم الإسماعيلية وهم الذين كانوا قديماً يسمون قرامطة، اشتهرت بالباطنية، والإسماعيلية، في أيام السلطان ملكشاه، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلاً، فصلوا صلاة العيد في ساوة، ففطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم سئل فيهم فأطلقهم، فهذا أول اجتماع كان لهم، ثم إنهم دعوا مؤذناً من أهل ساوة كان مقيماً بأصبهان، فلم يجبهم إلى دعوتهم، فخافوه أن ينم عليهم، فقتلوه، فهو أول قتيل لهم، وأول دم أراقوه، فبلغ خبره إلى نظام الملك، فأمر بأخذ من يتهم بقتله، فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر، فقتل، ومثل به، وجروا برجله في الأسواق، فهو أول قتيل منهم، وأول موضع غلبوا عليه وتحصنوا به بلد عند قاين، كان متقدمه على مذهبهم، فاجتمعوا عنده، وقووا به، فتجرد للانتقام منهم أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي، الفقيه الشافعي، وجمع الجم الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد، وأوقد فيها النيران، وجعل العامة يأتون بالباطنية أفواجاً ومنفردين، فيلقون في النار، وجعلوا إنساناً على أخاديد النيران وسموه مالكاً، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وكان السبب في قتل بركيارق الباطنية أنه لما اشتد أمر الباطنية، وقويت شوكتهم، وكثر عددهم، صار بينهم وبين أعدائهم إحن، فلما قتلوا جماعة من الأمراء الأكابر، وكان أكثر من قتلوا من هو في طاعة محمد، مخالف للسلطان بركيارق، مثل شحنة أصبهان سرمز، وأرغش، وكمش النظاميين، وصهره، وغيرهم، نسب أعداء بركيارق ذلك إليه، واتهموه بالميل إليهم. فلما ظفر السلطان بركيارق، وهزم أخاه السلطان محمداً، وقتل مؤيد الملك وزيره، انبسط جماعة منهم في العسكر، واستغووا كثيراً منهم، وأدخلوهم في مذهبهم، وكادوا يظهرون بالكثرة والقوة، وحصل بالعسكر منهم طائفة من وجوههم، وزاد أمرهم، فصاروا يتهددون من لا يوافقهم بالقتل، فصار يخافهم من يخالفهم، حتى إنهم لم يتجاسر أحد منهم، لا أمير ولا متقدم، على الخروج من منزله حاسراً بل يلبس تحت ثيابه درعاً، وأشاروا على السلطان أن يفتك بهم قبل أن يعجز عن تلافي أمرهم، وأعلموه ما يتهمه الناس به من الميل إلى مذهبهم، حتى إن عسكر أخيه السلطان محمد يشنعون بذلك، وكانوا في المصاف يكبرون عليهم، ويقولون: يا باطنية. فاجتمعت هذه البواعث كلها، فأذن السلطان في قتلهم، والفتك بهم، وركب هو والعسكر معه، وطلبوهم، وأخذوا جماعة من خيامهم ولم يفلت منهم إلا من لم يعرف، وكان ممن اتهم بأنه مقدمهم الأمير محمد بن دشمنزيار بن علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه، صاحب يزد، فهرب، وسار يومه وليلته، فلما كان اليوم الثاني وجد في العسكر قد ضل الطريق ولا يشعر، فقتل، ونهبت خيامه، فوجد عنده السلاح المعد، وأخرج الجماعة المتهمون إلى الميدان فقتلوا، وقتل منهم جماعة برآء لم يكونوا منهم سعى بهم أعداؤهم، وكتب إلى بغداد بالقبض على أبي إبراهيم الأسداباذي الذي كان قد وصل إليها رسولاً من بركيارق ليأخذ مال مؤيد الملك، وكان من أعيانهم ورؤوسهم، فأخذ وحبس، فلما أرادوا قتله قال: هبوا أنكم قتلتموني، أتقدرون على قتل من بالقلاع والمدن؟ فقتل، ولم يصل عليه أحد، وألقي خارج السور، واتهم أيضاً إلكيا الهراسي، المدرس بالنظامية، بأنه باطني، ونقل ذلك عنه إلى السلطان محمد، فأمر بالقبض عليه، فأرسل المستظهر بالله من استخلصه، وشهد له بصحة الاعتقاد، وعلو الدرجة في العلم، فأطلق.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
محاولات العبيديين (الفاطميين) استرداد القدس.
العام الهجري: 494الشهر القمري: شعبانالعام الميلادي: 1101تفاصيل الحدث:
جهز الأفضل عسكراً كثيفاً لغزو الفرنج؛ فساروا إلى عسقلان، ووصلوا إليها في أول رمضان، فأقاموا بها إلى ذي الحجة؛ فنهض إليهم من الفرنج ألف فارس وعشرة آلاف راجل؛ فخرج إليهم المسلمون وحاربوهم. فكانت بين الفريقين عدة وقائع آلت إلى كسر الميمنة والميسرة وثبات سعد الدولة الطواشي، مقدم العسكر، في القلب، وقاتل قتالاً شديداً؛ فتراجع المسلمون عند ثبات المذكور وقاتلوا الفرنج حتى هزموهم إلى يافا، وقتلوا منهم عدة وأسروا كثيراً. وقتل كند فرى ملك الفرنج بالقدس، فجاء أخوه بغدوين من القدس وملك بعده، وسار بالفرنج إلى أرسوف.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
الصليبيون يحاصرون طرابلس.
العام الهجري: 495العام الميلادي: 1101تفاصيل الحدث:
كان صنجيل الفرنجي، لعنه الله، قد لقي قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية، وكان صنجيل في مائة ألف مقاتل، وكان قلج أرسلان في عدد قليل، فاقتتلوا، فانهزم الفرنج وقتل منهم كثير، وأسر كثير، وعاد قلج أرسلان بالغنائم، والظفر الذي لم يحسبه. ومضى صنجيل مهزوماً في ثلاثمائة، فوصل إلى الشام، فأرسل فخر الملك بن عمار، صاحب طرابلس، إلى الأمير ياخز، خليفة جناح الدولة على حمص، يقول: من الصواب أن يعاجل صنجيل إذ هو في هذه العدة القريبة، فخرج الأمير ياخز بنفسه، وسير دقاق ألفي مقاتل، وأتتهم الأمداد من طرابلس، فاجتمعوا على باب طرابلس، وصافوا صنجيل هناك، فأخرج مائة من عسكره إلى أهل طرابلس، ومائة إلى عسكر دمشق، وخمسين إلى عسكر حمص، وبقي هو في خمسين. فأما عسكر حمص فإنهم انكسروا عند المشاهدة، وولوا منهزمين، وتبعهم عسكر دمشق. وأما أهل طرابلس فإنهم قاتلوا المائة الذين قاتلوهم، فلما شاهد ذلك صنجيل حمل في المائتين الباقيتين، فكسروا أهل طرابلس، وقتلوا منهم سبعة آلاف رجل، ونازل صنجيل طرابلس وحصرها. وأتاه أهل الجبل فأعانوه على حصارها، وكذلك أهل السواد، وأكثرهم نصارى، فقاتل من بها أشد قتال، فقتل من الفرنج ثلاثمائة، ثم إنه هادنهم على مال وخيل، فرحل عنهم إلى مدينة أنطرسوس، وهي من أعمال طرابلس، فحصرها، وفتحها، وقتل من بها من المسلمين، ورحل إلى حصن الطوبان، وهو يقارب رفنية، ومقدمه يقال له ابن العريض، فقاتلهم، فنصر عليه أهل الحصن، وأسر ابن العريض منه فارساً من أكابر فرسانه، فبذل صنجيل في فدائه عشرة آلاف دينار وألف أسير، فلم يجبه ابن العريض إلى ذلك.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
قيام الدولة الأرتقية.
العام الهجري: 495العام الميلادي: 1101تفاصيل الحدث:
تنتسب هذه الدولة إلى زعيم عشيرة من التركمان يدعى (أرتق بن أكسب) , وكان قد التحق عام 449هـ بخدمة السلطان السلجوقي تتش بن ألب أرسلان صاحب بلاد الشام فأقطعه القدس وما حولها. ولما توفي (أرتق) خلفه ولداه: معين الدين سقمان, ونجم الدين إيلغازي. وفي سنة 491هـ استرد الفاطميون القدس فأخرجوهما منها, فتوجها بقومهما من التركمان إلى الجزيرة الفراتية فتملك معين الدين سقمان ديار بكر (آمد) وتملك نجم الدين إيلغازي (ماردين) وأقام كل منهما فيما تملك عام 495هـ دولة أرتقية. وفي عام 511هـ حاصر الصليبيون مدينة حلب فاستنجد أهلها بنجم الدين إيلغازي فأنجدهم وقاتل الصليبيين في معركة جرت في (سهل بلاط) سنة 513هـ وأسر زعيمهم (روجيه ده سالرنو) أمير أنطاكية وتملك حلب وأقام فيها دولة أرتقية وتعاقب أبناؤه عليها إلى أن استولى عليها عماد الدين زنكي عام 521هـ وأقام فيها دولة أتابكية.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
وفاة الخليفة العبيدي (الفاطمي) المستعلي بالله وولاية ابنه المنصور بمصر.
العام الهجري: 495الشهر القمري: صفرالعام الميلادي: 1101تفاصيل الحدث:
توفي المستعلي بالله أبو القاسم أحمد بن معد المستنصر بالله العلوي، الخليفة المصري، لسبع عشرة خلت من صفر، وكانت خلافته سبع سنين وقريب شهرين، وكان المدبر لدولته الأفضل، ولما توفي ولي بعده ابنه أبو علي المنصور، وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبوه، وله خمس سنين وشهر وأربعة أيام، ولقب الآمر بأحكام الله، ولم يقدر يركب وحده على الفرس لصغر سنه، وقام بتدبير دولته الأفضل ابن أمير الجيوش أحسن قيام، ولم يزل كذلك يدبر الأمر إلى أن قتل سنة خمس عشرة وخمسمائة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً
العبيديون (الفاطميون) يهزمون الصليبيين قرب الرملة.
العام الهجري: 496العام الميلادي: 1102تفاصيل الحدث:
كان الأفضل أمير الجيوش بمصر قد أنفذ مملوكاً لأبيه- لقبه سعد الدولة، ويعرف بالطواشي- إلى الشام لحرب الفرنج، فلقيهم بين الرملة ويافا، ومقدم الفرنج يعرف ببغدوين، لعنه الله تعالى، وتصافوا واقتتلوا، فحملت الفرنج حملة صادقة، فانهزم المسلمون. وكان المنجمون يقولون لسعد الدولة: إنك تموت متردياً، فكان يحذر من ركوب الخيل، حتى إنه ولي بيروت وأرضها مفروشة بالبلاط، فقلعه خوفاً أن يزلق به فرسه، أو يعثر، فلم ينفعه الحذر عند نزول القدر، فلما كانت هذه الوقعة انهزم، فتردى به فرسه، فسقط ميتاً، وملك الفرنج خيمه وجميع ما للمسلمين. فأرسل الأفضل بعده ابنه شرف المعالي في جمع كثير، فالتقوا هم والفرنج بيازوز، بقرب الرملة، فانهزم الفرنج، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وعاد من سلم منهم مغلولين، فلما رأى بغدوين شدة الأمر، وخاف القتل والأسر، ألقى نفسه في الحشيش واختفى فيه، فلما أبعد المسلمون خرج منه إلى الرملة. وسار شرف المعالي بن الأفضل من المعركة، ونزل على قصر بالرملة، وبه سبعمائة من أعيان الفرنج، وفيهم بغدوين، فخرج متخفياً إلى يافا، وقاتل ابن الأفضل من بقي خمسة عشر يوماً، ثم أخذهم، فقتل منهم أربعمائة صبراً، وأسر ثلاثمائة إلى مصر. ثم اختلف أصحابه في مقصدهم، فقال يوم: نقصد البيت المقدس ونتملكه، وقال قوم: نقصد يافا ونملكها فبينما هم في هذا الاختلاف، إذ وصل إلى الفرنج خلق كثير في البحر، قاصدين زيارة البيت المقدس، فندبهم بغدوين للغزو معه، فساروا إلى عسقلان، وبها شرف المعالي، فلم يكن يقوى بحربهم، فلطف الله بالمسلمين، فرأى الفرنج البحرية حصانة عسقلان، وخافوا البيات، فرحلوا إلى يافا، وعاد ولد الأفضل إلى أبيه، فسير رجلاً يقال له تاج العجم في البر، وهو من أكبر مماليك أبيه، وجهز معه أربعة آلاف فارس، وسير في البحر رجلاً يقال له القاضي ابن قادوس، في الأسطول على يافا، ونزل تاج العجم على عسقلان، فاستدعاه ابن قادوس إليه ليتفقا على حرب الفرنج، فقال تاج العجم: ما يمكنني أن أنزل إليك إلا بأمر الأفضل، ولم يحضر عنده، ولا أعانه، فأرسل القادوسي إلى قاضي عسقلان، وشهودها، وأعيانها، وأخذ خطوطهم بأنه أقام على يافا عشرين يوماً، واستدعى تاج العجم، فلم يأته، ولا أرسل رجلاً، فلما وقف الأفضل على الحال أرسل من قبض على تاج العجم، وأرسل رجلاً، لقبه جمال الملك، فأسكنه عسقلان، وجعله متقدم العساكر الشامية.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً