عرض مشاركة واحدة
  #632  
قديم 28-06-2025, 03:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,190
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة خير له من أن يجلس على قبر)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا خالد] .
مسدد مر ذكره، وخالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سهيل بن أبي صالح] .
سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد روى له البخاري مقروناً وتعليقاً.
[عن أبيه] .
أبوه هو أبو صالح السمان واسمه: ذكوان، ولقبه: السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره.




شرح حديث: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن يزيد بن جابر - عن بسر بن عبيد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) ] .
أورد أبو داود حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) ، وهذا فيه النهي عن الجلوس على القبور، وعن الصلاة إليها، أي: أن يقصدها الإنسان بالصلاة، فيجعلها أمامه ليصلي لله عز وجل مستقبلاً لها، كل ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مرّ في الجلوس ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: هو الحديث الذي فيه النهي عن التجصيص والبناء، والحديث الثاني هو الذي فيه ذكر الوعيد، والحديث الثالث هو هذا الحديث الذي فيه النهي عن الجلوس على القبور: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) .
وهذا يدل على أن استقبالها بالصلاة لا يسوغ ولا يجوز، ويدل أيضاً على أن فعل بعض الناس الذين يأتون إلى المسجد النبوي المبارك فيتركون الصفوف الأول، وربما أتوا مبكرين، ويصلون خلف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يدل على أنهم واقعون في هذا الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى القبور، وهؤلاء يتعمدون الصلاة إليها، فيكونون بذلك مخالفين أو واقعين فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان بين القبر وبين المصلي حاجز من جدار أو نحوه، فما دام أنهم يتعمدون الصلاة وراء القبر فيشملهم النهي.
وبعض الناس قد يسألون عن امتداد الصفوف -خاصة في العيدين- إلى جهة البقيع، فنقول: على الإنسان ألا يتعمد الصلاة وراء القبر، وعليه أن يتخير المكان المناسب، ولا يفعل كبعض الناس الذين يأتون والمسجد خالي فيتعمدون أن يأتوا إلى هذا المكان الذي فيه القبر، وأما إذا كان الإنسان لا يدري أن أمامه قبر، أو لم يتعمد ذلك فهو معذور.




تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى] .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن يعني ابن يزيد بن جابر] .
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بسر بن عبيد الله] .
بسر بن عبيد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واثلة بن الأسقع] .
واثلة بن الأسقع رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا مرثد الغنوي] .
أبو مرثد الغنوي اسمه كناز بن الحصين، وهو صحابي أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وهذا الحديث في صحيح مسلم.




المشي في النعل بين القبور




شرح حديث: (يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المشي في النعل بين القبور.
حدثنا سهل بن بكار حدثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير السدوسي عن بشير بن نهيك عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه -وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما اسمك؟ قال: زحم، فقال: بل أنت بشير) - قال: (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، ثلاثاً، ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً، وحانت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلعهما فرمى بهما) ] .
ثم قوله: [باب المشي في النعل بين القبور] ، أي: أن ذلك لا يجوز، إلا إذا كانت المقبرة فيها حرارة شديدة في الرمضاء، أو كان فيها شوك يتأذى به الإنسان فإنه يمشي بالنعل، ولكن يكون ذلك بين القبور، وليحرص على ألا يطأ على قبر، والنهي جاء حتى عن المشي بين القبور، كما أورده أبو داود في حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، فهو يدل على أن المشي في المقبرة لا يجوز بالنعال، ولكن إذا كان هناك أمر يقتضيه كأن تكون الشمس حارة وفيها رمضاء، أو كان فيها شوك أو شيء يؤذي فيمكن للإنسان أن يستعمل ذلك من باب ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وذلك سائغ؛ لأن هذا ضرر وهذا ضرر، ولكنه لا يطأ على قبر؛ حتى لا يكون الامتهان واضحاً.
وقد أورد أبو داود حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه: (أنه كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمرا بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم تقدموا وجاء خير كثير بعدهم لم يدركوه، (وجاء إلى قبور المسلمين وقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم لحقوه وأدركوه وصاروا من أهل ذلك الخير، وأما أولئك فلم يبقوا حتى يدركوا ذلك الخير الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، فماتوا على الشرك والكفر ففاتهم ذلك الخير، (ثم حانت منه التفاتة) أي: التفت (فرأى رجلاً يمشي في القبور وعليه نعلان سبتيتان) ، والنعلان السبتيتان هما اللتان صنعتا من الجلد المدبوغ بالقرض، (فقال: يا صحاب السبتيتين! ألقهما) ، وليس معنى ذلك أنه خاص بالسبتيتين، بل هو عام في جميع النعال ولعله ذكر السبتيتين حتى يتنبه ذلك الرجل إلى النعل التي كانت عليه فيعرف أنه المقصود، (فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما) أي: لا تمشي بهما، (فخلعهما) أي: أنه بادر إلى الامتثال لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبادرة إلى امتثال ما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحكم هنا عام لجميع النعال وليس مقصوراً على السبتيتين، وبعض الناس قالوا: إن هذا خاص بالسبتيتين؛ لأن فيهما ترفاً، ولا يستعملهما إلا أهل الترف، وهذا ليس بصحيح، فالمقصود من ذلك النعال مطلقاً.




تراجم رجال إسناد حديث: (يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك)
قوله: [حدثنا سهل بن بكار] .
سهل بن بكار ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا الأسود بن شيبان] .
الأسود بن شيبان ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن خالد بن سمير السدوسي] .
خالد بن سمير السدوسي صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن بشير بن نهيك] .
بشير بن نهيك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
بشير مولى رسول الله مشهور بـ ابن الخصاصية، وهو صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد، فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما اسمك؟ قال: زحم، قال: بل أنت بشير) .
أي: كأن هذا الاسم وهو زحم بن معبد لم يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدري ما هي المعاني التي تدل عليها هذه الكلمة حتى لم يعجب ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب يعني: ابن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ] .
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ، وهذا فيه دلالة على أنه يُمشى بالنعل في المقبرة، وقد مر في حديث صاحب السبتيتين أنه لا يمشى، ويمكن أن يجمع بينهما بأن هذا الحديث لا يلزم منه أن يكون المشي بين القبور، وإنما قد يكون في المقبرة فضاء فيمشي الناس في ذلك الفضاء بنعالهم حتى يصلوا إلى القبور ثم يخلعونها، وعند الانصراف إذا وصلوا إلى ذلك الفضاء في المقبرة لبسوا نعالهم، وإنما المحذور إذا مشوا بها بين القبور، فالناس عندما يدفنون في المقبرة فإنهم يبدءون من آخرها ثم تتصل القبور حتى تصل إلى الباب، فهذه المنطقة التي يمشون فيها هي تلك المنطقة التي لم يكن فيها قبور، فهم يمشون إذاً في أرض لا قبور فيها وإن كانت في داخل مقبرة، فيحمل هذا الحديث على هذا المعنى، ولا يلزم أن يكون المشي بين القبور.
وفي هذا الحديث أيضاً دليل على سماع الأموات، ولكن لا يستدل به على سماعهم مطلقاً، فالأصل هو أن هذا من أمور الغيب التي لا يثبت منها شيء إلا بدليل، فالشيء الذي ورد فيه دليل مثل هذا، ومثل تكليمه عليه الصلاة والسلام لأصحاب القليب يوم بدر وقال: (إنهم يسمعون) ، فهذا يُثبت، ولا يتوسع في ذلك بأن يقال: إنهم يسمعون كل شيء؛ لأن هذه من أمور الغيب، فيقتصر فيها على ما ورد.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري] .
محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء] .
عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد] .
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.




تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث




شرح حديث جابر في قصة إخراجه أبيه من القبر بعد ستة أشهر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال: دُفن مع أبي رجل فكان في نفسي من ذلك حاجة، فأخرجته بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئاً إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض] قوله: [باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث] ، أي: تحويله من قبره إلى مكان آخر، وليس معنى ذلك أنه ينقل ويسافر به إلى مكان بعيد، وإنما المقصود: تحويله من مكان إلى مكان في نفس البلد؛ لأمر اقتضى ذلك، كما جاء في فعل جابر مع أبيه، فإن السبب في إخراجه أنه دفن معه شخص، وكان في نفسه من ذلك شيء، وهذا أمر يتعلق بالحي ولا يتعلق بالميت، وكما هو معلوم أن من كان منعماً فإنه لا يضره من يعذب بجواره، ومن كان معذباً فإنه لا ينتفع بتنعم من كان بجواره، وأمور الغيب من الأمور التي يجب الإيمان والتصديق بها، فالمنعم منعم والمعذب معذب، فذلك الأمر لا يرجع إلى الميت بأنه يناله شيء من أمر من بجواره، ولكن كان في نفس الحي -وهو جابر رضي الله عنه- شيء، فنقله وحوله عن مكانه.
وجاء أيضاً في بعض الآثار -وما أدري عن ثبوته-: أنه كان يخشى عليه أن يجترفه السيل، أي: أن السيل كان يمر بقرب القبر، فإن صح هذا فهذه علة وجيهة.
قوله: (فأخرجته بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئاً إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض) أي: أنه رآه بعد ستة أشهر على حالته التي دفن عليها، فلم يتغير منه شيء إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض.
وهذا يدل على أن بعض الأموات قد يبقى في قبره مدة طويلة لا تأكله الأرض، لكن لا يقطع بأن الشهداء لا تأكلهم الأرض؛ لأن هذا لم يكن إلا بعد ستة أشهر، والله أعلم ما سيكون في المستقبل، وأما الأنبياء فإن الأرض لا تأكل أجسامهم أبداً كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.




تراجم رجال إسناد حديث جابر في قصة إخراجه أبيه من القبر بعد ستة أشهر
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد] .
حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن يزيد] .
سعيد بن يزيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي نضرة] .
هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر] .
جابر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.




الثناء على الميت




شرح حديث: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الثناء على الميت.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن إبراهيم بن عامر عن عامر بن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) ] .
قوله: [باب في الثناء على الميت] ، ثناء الناس على الميت بالخير يرجى معه أن يكون كذلك، وأن يكون ممن وفقه الله عز وجل، ولكنه لا يقطع له بالجنة، وذكر الناس لشخص بسوء يخشى عليه أن يكون كذلك، ولكنه لا يقطع له بشيء؛ لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) أي: أن تلك الشهادة التي شهدوها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لها شأن ومنزلة، ولذلك قال: (وجبت) فالذي أثنوا عليه خيراً يكون من أهل الخير، والذي أثنوا عليه شراً يكون من أهل الشر، وهذا الذي حصل بين يديه صلى الله عليه وسلم الأمر فيه واضح، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن هذا الذي أثنوا عليه خيراً قد وجبت له الجنة، وأن ذاك الذي أثنوا عليه شراً قد جبت له النار، لكن هذا لا يعني أن كل من يثنى عليه بالخير أو بالشر يكون كذلك، وأنه تجب له الجنة أو النار، فإن العلم عند الله عز وجل، وأما هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (وجبت) فأمره واضح، فقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وقال: (وجبت) .
وأما غيره: فإذا أثنى الناس على أحد بخير أو بشر فلا يقال: وجبت له الجنة، أو وجبت له النار، وإنما يقال: يرجى للمحسن، ويُخاف على المسيء.
ومما يوضح هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح: (أن رجلاً كان في إحدى الغزوات، وكان قد أبلى بلاء عظيماً في سبيل الله، فأثنوا عليه ثناء عظيماً، وأنه لم يترك شيئاً فيه نكاية بالعدو إلا وعمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار) ، ومع ذلك فإنهم كانوا قد شهدوا له بالعمل وبالجهد العظيم، ومع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) ، فصار على خلاف ما ظهر لهم منه، فقال أحد الصحابة: أنا آتيكم بخبره، فصار يتابعه، فإذا أسرع أسرع وإذا تأخر تأخر، حتى أصيب في يده، فجزع من ذلك فجعل نصل سيفه على الأرض ورأسه على صدره فتحامل عليه حتى قتل نفسه، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) .
فهذا الذي أثنوا عليه خيراً وذلك الذي أثنوا عليه شراً فقال عليه الصلاة والسلام: (وجبت) لا شك أنه قد وجب له ذلك، وأما غيره ممن يثنى عليه سواء كان في زمن الصحابة أو بعد زمن الصحابة فلا يقطع له بجنة ولا نار، ولكنه يرجى للمحسن ويخاف على المسيء.
ومما يوضح هذا المعنى أيضاً ما جاء في بعض الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم ذلك يا رسول الله؟! قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ) ، ومعنى (توشكون) : تقربون، أي: أنه ليس شيئاً محققاً، وإنما شيء مقارب، والمعنى: أنه لا يجزم به، وعلى هذا: فإن من أثني عليه خير فيرجى له الخير والثواب العظيم من الله، ومن أثني عليه شر فيخشى عليه، والعلم بالحقائق إنما هو عند الله سبحانه وتعالى.
وأما ما جرت به العادة في بعض البلدان من أنهم إذا فرغوا من صلاة الجنازة قال الإمام: ما قولكم في هذا الميت؟ فيقولون: خيراً، فهذا غلط، وهذا الكلام لا يصلح أن يقال؛ لأن هذا الفعل ليس له أساس في الدين، هذا أولاً.
وثانياً: أنه قد يتكلم متكلم في من هو على خير بخلاف ذلك، وقد يكون أيضاً بالعكس، فمثل هذا لا يصلح ولا يليق أن يكون.




تراجم رجال إسناد حديث: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عامر] .
إبراهيم بن عامر ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عامر بن سعد] .
هو عامر بن سعد البجلي، وهو مقبول أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]