بيع العرايا
شرح حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع العرايا.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب) ] .
قوله: [باب في بيع العرايا] .
لما ذكر المصنف المزابنة التي فيها المنع من بيع الثمر بالتمر ذكر بيع العرايا التي هي مستثناة من المزابنة، فلو أن جماعة عندهم تمر، وجاء وقت الثمر وليس عندهم نقود يشترون بها الثمر، وأرادوا أن يخرصوا نخلات معينة بمقدارها إذا يبست مقابل التمر الذي سيدفع من أجل أن يجنوا هذا الثمر شيئاً فشيئاً، ويستفيدوا من الرطب في وقت نضوجه، ويأكلوه شيئاً فشيئاً، فجاء الترخيص بقدر خمسة أوسق.
إذاً: المزابنة لا تجوز مطلقاً، ورخص منها في العرايا في مقدار معين، وليس للإنسان أن يزيد في بيع العرايا عن المقدار الذي جاء في الحديث، وهو ما دون خمسة أوسق، فالترخيص للحاجة، ولا يتوسع فيه فيشتري العرايا كيف شاء؛ لأن الاستثناء جاء فيما دون الخمسة أوسق أو الخمسة شك الراوي، ولكن جاء في حديث آخر أنه في حدود أربعة أوسق، فدل هذا على أن العرايا مستثناة من المنع، وأنه رخص لمن يريد أن يستفيد من الرطب في حينه على رءوس النخل، فيجنيه مدة الاستفادة منه كل يوم، لكن يكون بمقدار معين للحاجة.
والعرايا خاصة بالرطب والتمر، فلا يدخل فيها غيرهما.
تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني خارجة بن زيد] .
خارجة بن زيد ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً) ] .
أورد المصنف حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر) يعني مطلقاً، سواء كان على رءوس النخل أو في الأرض؛ لأنه ينقص إذا جف.
(ورخص في العرايا) استثناءً من هذا المنع.
قوله: [(أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً)] .
يعني: حينما يكون الرطب في رءوس النخل فيخرص، ويؤخذ مقابل هذا المقدار الذي خرص تمر يدفعه الذين يريدون أن يستفيدوا من الرطب في الأكل لا في التجارة.
والخرص: هو حزر وتخمين وتوقع أن ما على هذا النخل سيكون كذا، وهو غير مقطوع به.
والوزن مثل الكيل، ولكن الأصل في التمر أنه يكال، ولا فرق في الحكم إذا وزن؛ لأن التماثل في الوزن مفقود؛ لأنه سيحصل فرق إذا يبس الرطب، فلا يجوز بيع الرطب بالتمر كيلاً أو وزناً؛ لأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن عيينة] .
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن يسار] .
بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة] .
سهل بن أبي حثمة صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
مقدار العرية
شرح حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قال المصنف رحمه الله تعالى.
[باب في مقدار العرية.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن مولى ابن أبي أحمد -قال أبو داود: وقال لنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي سفيان: واسمه قزمان مولى ابن أبي أحمد - عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) شك داود بن الحصين.
قال أبو داود: حديث جابر إلى أربعة أوسق] .
قوله: [مقدار العرية] معناه: أن الترخيص الذي حصل في الباب السابق ليس على إطلاقه، وأن من يريد أن يشتري ثمراً على رءوس النخل بتمر يقدمه لأصحاب الثمر، هو في حدود معينة؛ لأن هذا الترخيص إنما هو للاستفادة للأكل.
قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)] .
أي: أنه ينقص عن خمسة أوسق، وأحد الرواة شك هل هو خمسة أوسق أو أقل من خمسة أوسق، وحديث جابر فيه أربعة أوسق، فيكون المعتبر ما كان أقل من الخمسة، فما زاد عن الخمسة متفق على عدم جوازه، وما كان بقدر خمسة أوسق من العلماء من قال بجوازه، ومنهم من قال بعدم جوازه، وما دون الخمسة أوسق جائز بلا خلاف، فالأحوط أن ينقص عن الخمسة؛ لأن التحديد بالخمسة مشكوك فيه، فيصار إلى اليقين الذي هو دون الخمسة، وقد جاء حديث جابر وفيه أنه أربعة أوسق.
ولو أن رجلاً اشترى بأربعة أوسق من التمر رطباً، ثم أكلها وأهله، فلا يجوز لهم أن يشتروا مرة أخرى؛ لأن الرخصة جاءت فيما دون خمسة أوسق فقط مرة واحدة.
والوسق ستون صاعاً، فيكون مقدار الخمسة الأوسق بالصاع الموجود في زمنه صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة صاع، والآن يقدر الصاع بثلاثة كيلو، وعليه فمقدار زكاة الفطر ثلاثة كيلو.
ومعلوم أن الصاع يتفاوت من مكان إلى مكان، والصاع الذي تتعلق به الأحكام ليس أي صاع يضعه الناس، فقد يضعون صاعاً صغيراً وقد يضعون صاعاً كبيراً، فالأحكام الشرعية تتعلق بصاع رسول الله عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين] .
داود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مولى ابن أبي أحمد] .
هو أبو سفيان، قيل: اسمه وهب، وقيل: قزمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً.
تفسير العرايا
شرح أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفسير العرايا.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال: العرية الرجل يعري الرجل النخلة، أو الرجل يستثني من ماله النخلة أو الاثنتين يأكلها فيبيعها بتمر] .
هذا تفسير من عبد ربه بن سعيد الأنصاري، وهو أخو يحيى بن سعيد الذي مر ذكره قريباً، قال: العرية أن يعري الرجل النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين يأكلها فيبيعها بتمر، يعني: أنه يبيع بستانه، ويستثني منه بعض النخلات، ثم إنه يبيعها بتمر والرطب على رءوسها، وهذا تفسير ضيق؛ لأنه قال: نخلة أو نخلتين، مع أن الأمر أوسع من هذا، فيجوز أن يباع للشخص الواحد ما دون خمسة أوسق.
تراجم رجال إسناد أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرنا عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري] .
هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها] .
هذا تفسير من ابن إسحاق للعرايا، قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات، فيشق عليه أن يقوم عليها، فيبيعها بمثل خرصها، وهذا تفسير آخر يختلف عن الذي تقدم، إلا أنه يشبهه من ناحية أن الذي اشترى بالتمر هو صاحب البستان، اشترى من الشخص الذي أعراه وأعطاه، ولكن التفسير الأوضح هو الذي الذي جاء ذكره في الأحاديث السابقة.
وقال بعض العلماء: العرايا أن يتضرر صاحب البستان بدخول هذا الذي أعطاه عليه دائماً، فيريد أن يتخلص من دخوله وكثرة تردده؛ لأن في ذلك مشقة عليه، فيتخلص منه بأن يشتري ما منحه إياه خرصاً، ويعطيه ما يقابله تمراً، وهذا فيه شراء الصدقة، فيكون مستثنى من النهي عن شراء الصدقة، لكن الذي يظهر أن العرايا استثناء من بيع الثمر على رءوس النخل بتمر كما جاءت الإشارة إليه في الأحاديث السابقة.
تراجم رجال إسناد أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبدة] .
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة
حكم أخذ عربون في شراء الذهب
السؤال شخص رغب في شراء ذهب معين، ولم يتوافر لديه قيمة هذا الذهب، فأشار إليه البائع أن يأخذ منه عربوناً حتى يحفظ له الذهب حتى تكتمل معه القيمة، فما الحكم؟
الجواب لا يجوز هذا أبداً، لا يجوز أن يشتري ذهباً ولم يسلم القيمة كاملة، وكونه أعطاه بعض القيمة، أو كانت القيمة كلها مؤجلة فالنتيجة واحدة، فالعربون هو جزء من القيمة، وليس شيئاً خارجاً عن القيمة.
حكم شراء الذهب مع بقاء شيء من المبلغ عند صاحب الذهب
السؤال اشترى رجل ذهباً بخمسين ريالاً، وأعطى البائع مائة، وقال له: رد علي الباقي، فقال البائع: ليس عندي الآن، ولكن تعال غداً، فما الحكم؟
الجواب لا يصلح هذا، ولو كانت السلعة غير الذهب والفضة لجاز، لكن إن كانت ذهباً أو فضة فلا يجوز أن يفترقا وبينهما شيء، فلابد من التقابض.
حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية
السؤال ما حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية؟
الجواب ينبغي ألا يفعل ذلك، وإن كان بعض أهل العلم في هذا الزمان يجوزونه، لكن: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .