عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-06-2025, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [414]
الحلقة (446)





شرح سنن أبي داود [414]
من الأمور المهمة للعالم وطالب العلم إتقان حفظ العلم والحديث؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالنضرة لمن أتقن حفظ الحديث وبلغه كما سمعه، فعلى طالب العلم أن يحرص على حفظ الحديث، ولا يكون ذلك إلا بتكراره ودوام مراجعته، كما يجب على العالم وطالب العلم دعوة الناس إلى الحق والهدى بهذا العلم؛ فإن في ذلك أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً.



تكرير الحديث



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثاً أعاده ثلاث مرات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تكرير الحديث.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن أبي عقيل هاشم بن بلال عن سابق بن ناجية عن أبي سلام عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حدث حديثاً أعاده ثلاث مرات) ] .
أورد أبو داود (باب تكرير الحديث) يعني: كونه يأتي به أكثر من مرة، كأن يأتي به مرتين أو ثلاث مرات وأكثر، هذا هو التكرار، والرسول صلى الله عليه وسلم ليس من عادته أن يكرر كل حديث، وأحياناً قد يكرر الحديث؛ ولهذا يأتي في بعض الروايات: قالها مرتين أو ثلاثاً، أو أعادها مرتين، وهذا يدل على أن التكرار إنما هو في بعض الأحيان وليس دائماً، فالأحاديث الطويلة التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يكررها، ولا يأتي بها في المجلس الواحد عدة مرات، ولو كانت الأحاديث تكرر كلها ما كان هناك فائدة لأن يقول الراوي في بعض الأحاديث: أعادها مرة أو مرتين؛ لأنه يكون هذا هو الشأن لو كان الأمر كذلك، أي: أن الشأن أن كل حديث طال أو قصر يكرر، ويؤتى به أكثر من مرة، وليس الأمر كذلك، وإنما هذا يحصل في بعض الأحيان، والحديث الذي هنا فيه: أنه كان إذا حدث حديثاً أعاده ثلاثاً، ولكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه ضعف، ولكن التفصيل هو ما ذكره بعض أهل العلم أنه كان يحصل ذلك في بعض الأحيان.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثاً أعاده ثلاث مرات)
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق] .
عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود.
[أخبرنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عقيل هاشم بن بلال] .
أبو عقيل هاشم بن بلال ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن سابق بن ناجية] .
سابق بن ناجية مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي سلام] .
أبو سلام ممطور الحبشي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم] .
هذا رجل مبهم، ومعلوم أن الإبهام في الصحابة لا يؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.



سرد الحديث



شرح حديث: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في سرد الحديث.
حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة قال: جلس أبو هريرة رضي الله عنه إلى جنب حجرة عائشة رضي الله عنها وهي تصلي، فجعل يقول: اسمعي يا ربة الحجرة مرتين! فلما قضت صلاتها قالت: (ألا تعجب إلى هذا وحديثه! إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في سرد الحديث.
يعني: الإتيان به متتابعاً بسرعة، هذا هو السرد: أن يؤتى بالحديث بسرعة، يعني: أن الكلام يكون متتابعاً والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي به متأنياً، كما جاء عن عائشة في هذا الحديث أنه كان يأتي بالحديث لو شاء العاد أن يحصيه لأحصاه.
يعني: أنه كان يأتي به متأنياً صلوات الله وسلامه عليه وليس مسروداً، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها في هذا الحديث لما جاء أبو هريرة وجلس عند حجرتها وكان يسرد الحديث قالت: (ألا تعجب إلى هذا وحديثه) يعني: في سرده وسرعة سرده، ثم قالت: (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه) يعني: أن كلامه لم يكن مسروداً وإنما فيه تأنٍ.
قوله: [(جلس أبو هريرة إلى جنب حجرة عائشة رضي الله عنها وهي تصلي فجعل يقول: اسمعي يا ربة الحجرة! مرتين)] الذي يبدو أن المراد أنه جاء لحاجة، وليس المقصود أنه جاء ليحدث عند حجرتها، ولكن يمكن أنه جاء لحاجة وجعل ينتظرها وهي تصلي، ثم لعله كان يأتي إليه ناس ويحدثهم عند حجرتها فكان يسرد الحديث فأنكرت هذا عليه.
وليس في الحديث ذم من عائشة لـ أبي هريرة رضي الله عنهما، وإنما فيه بيان أن فعله خلاف الأولى.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه)
قوله: [حدثنا محمد بن منصور الطوسي] .
محمد بن منصور الطوسي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا سفيان بن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: جلس أبو هريرة إلى جنب حجرة عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث مثل سردكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يسرد الحديث مثل سردكم) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه بيان أنها كانت تسبح، يعني: تصلي، والسبحة هي: الصلاة، ثم إنه قام قبل أن تنتهي من صلاتها، ولو أنها أدركته لبينت له أن فعله خلاف الأولى.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث مثل سردكم)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير عائشة] .
ابن شهاب وعروة وعائشة قد مر ذكرهم في الطريق الأولى.



التوقي في الفتيا



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقي في الفتيا.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن معاوية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلوطات) ] .
أورد أبو داود باب التوقي في الفتيا، والمقصود بالتوقي: التأني والتثبت وعدم التسرع في الفتوى، وإنما يكون هناك حذر وخوف من الزلل ومن الخطأ، ولا بد أن تكون الفتوى مبنية على تأمل وعلى معرفة الأخبار، فمن حصل له أمر من الأمور فإنه يحتاج إلى معرفة حكمه فإن ذلك المسئول عنه يتوقف عن الفتوى حتى يستفصل بحيث يكون جوابه مبنياً على علم، ثم أيضاً الأسئلة والاستفتاءات المناسب أن تكون مبنية على وقوع الشيء وأن الإنسان بحاجة إلى معرفة الحكم ليطبق حكم الله وليؤدي ما هو واجب عليه في ذلك الأمر الذي حدث له والأمر الذي وقع له، وأن يريد معرفة حكمه.
وأورد أبو داود حديث معاوية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات) وفسرت الغلوطات بأنها دقاق المسائل، وقد يكون السؤال تعنتاً وقد يكون من أجل أن يحصل من المسئول شيء يعاب عليه، وأن يحصل منه جواب غير سديد فيكون ذلك سبباً في مذمته والنيل منه، فالأسئلة لا بد أن تكون في أمور واقعة، أو في أمور يحتاج الناس إليها، أما الافتراضات والأشياء التي لا تقع والسؤال عنها لو وقعت وكان كذا وكذا فما الحكم؟ وهي واقعة الندور أو ما إلى ذلك؛ فهذه هي التي عنيت بهذا الحديث.
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه.
ولكن معناه صحيح من ناحية أنه منهي عن السؤال تكلفاً، ومن الأشياء التي فيها تكلف وسئل عنها صلى الله عليه وسلم وغضب ما جاء في قصة الرجل الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا.
فقال: الرجل أفي كل عام يا رسول الله؟!) يعني: هل يجب علينا أن نحج كل سنة؟ وهذا صعب إذ كيف يستطيع الناس أن يحجوا كل سنة؟ والآن الناس يأتي منهم عدد قليل من كل بلد فتمتلئ الأرض، فكيف لو كان الناس كلهم يحجون وكل من كان قادراً يجب عليه أن يأتي كل عام؟! فهذا فيه صعوبة وفيه مشقة وفيه مضرة، فإن الحج الواجب هو مرة وما زاد فهو تطوع، ومثل هذا السؤال هو من الأسئلة التي لا يسأل عنها، وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل: (لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] .



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عيسى] .
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي] .
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن سعد] .
عبد الله بن سعد مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن الصنابحي] .
الصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد رحل من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان في الجحفة في طريقه إلى المدينة، جاء ركب من المدينة وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، فوصل إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، وهي مدة المسافة بين الجحفة وبين المدينة، ولهذا قال بعض العلماء: كاد أن يكون صحابياً، أي: أنه لم يبق بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير، فهو جاء يريد أن يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم ويتشرف بصحبته، ولكنه وصل المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام.
[عن معاوية] .
معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثنا سعيد -يعني: ابن أبي أيوب - عن بكر بن عمرو عن مسلم بن يسار أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أفتي) ح وحدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني يحيى بن أيوب عن بكر بن عمرو عن عمرو بن أبي نعيمة عن أبي عثمان الطنبذي رضيع عبد الملك بن مروان قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه) زاد سليمان المهري في حديثه: (ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) وهذا لفظ سليمان.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه) يعني: إذا كانت الفتوى بجهل فالمفتي آثم، والذي عمل بها على خلاف الصواب يتحمل الذي أفتى إثمه؛ لأنه هو المتسبب في كونه عمل عملاً على خلاف السنة وعمل عملاً ليس وفق ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) يعني: أنه عارف المصلحة للمسترشد والمستشير ولكنه خانه ودله على شيء خلاف المصلحة، فإذا سأله عن أمر ويعلم أن الرشد للمستشير في شيء ولكنه حاد وأشار عليه بشيء ليس برشد فإنه يكون خائناً في ذلك.
فالمستفتي أو الذي يعمل بخلاف الصواب إذا علم بأن هذه الفتوى غير صحيحة فلا شك أنه آثم، وإذا كان يعلم أن هذا المستفتي غير عالم فإنه مقصر ويكون آثماً، وأما إذا كان الذي سأله عالم وذلك العالم أخطأ فذلك العالم المجتهد غير آثم وهذا المستفتي أيضاً غير آثم، لأنه فعل ما يستطيع.
والحديث حسنه الألباني في موضع، وضعفه في موضع آخر، وفيه مسلم بن يسار وهو مجهول الحال، والحافظ قال عنه: مقبول، والألباني حسنه في السنن ولكنه ضعفه في صفة الفتوى وقال: إن راويه مجهول الحال.
والذي يبدو أن التضعيف أولى، لكنه كما هو معلوم الاستفتاء فيه تفصيل؛ لأنه إذا كانت الفتوى مبنية على غير علم ولفظ الحديث: (بغير علم) فلا شك أن هذا هو المذموم، أما إذا كانت الفتوى مبنية على علم وقد أخطأ المفتي فإنه لا يأثم، وكذلك المستفتي لا يأثم، لأن هذا هو الذي استطاع أن يفعله، يعني: أنه رجع إلى أهل العلم وأخذ بما أفتوه به، لكنه إذا كان المفتي غير عالم والمستفتي يعلم بأنه غير عالم فكلهم شركاء في الإثم.



تراجم رجال إسناد حديث: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه)
قوله: [الحسن بن علي] .
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا أبو عبد الرحمن المقري] .
أبو عبد الرحمن المقري هو عبد الله بن يزيد المقري المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا أحد العبادلة الذين يروون عن ابن لهيعة وتكون روايتهم عن ابن لهيعة صحيحة؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط على قول من يقول: إن رواية العبادلة عنه مستقيمة، والعبادلة هم: عبد الله بن يزيد المقري المكي وعبد الله بن المبارك المروزي وعبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن وهب.
[حدثنا سعيد يعني: ابن أبي أيوب] .
سعيد بن أبي أيوب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر بن عمرو] .
بكر بن عمرو المعافري المصري صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة فأخرج له في التفسير.
[عن مسلم بن يسار أبي عثمان] .
مسلم بن يسار قال عنه الحافظ: مقبول، وهو مجهول الحال؛ لأنه روى عنه جماعة ولكن لم يوثقه إلا ابن حبان، وهو معروف بالتساهل، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة عبد السلام بن أبي الجنوب في تقريب التهذيب قال: ولا يغتر بتوثيق ابن حبان له فقد ذكره في الضعفاء، أي: أنه ذكره في الثقات وذكره في الضعفاء.
ومسلم بن يسار هذا مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
قوله: [وحدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني يحيى بن أيوب] .
هذه عادة أبي داود في التحويل؛ فإنه أحياناً بعدما يذكر شخصاً أو شخصين في أثناء الإسناد يأتي بالتحويل، مثل ما مر قريباً في الإسناد الذي فيه عمرو بن عون ومسدد عن خالد، فإنه بعد ما انتهى الإسناد من أوله إلى آخره جاء إلى التحويل، ولكنه بين الاختلاف الذي يكون بين الطريقين؛ لأنه أحياناً يذكر الشخص باسم وفي الطريق الثانية يذكره باسم آخر، مثل ما صار في مسلم بن يسار فإنه ذكره في الطريق الثانية بكنيته فقال: عن أبي عثمان الطنبذي وأبو عثمان الطنبذي هو مسلم بن يسار، ففي الطريق الأولى أتى به باسمه وفي الطريق الثانية أتى به بكنيته ولقبه، وطنبذ: قرية من قرى مصر.
وقوله: [حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني يحيى بن أيوب] .
سليمان بن داود وابن وهب مر ذكرهم، ويحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر بن عمرو] .
بكر بن عمرو الناجي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن أبي نعيمة] .
عمرو بن أبي نعيمة مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي عثمان الطنبذي رضيع عبد الملك بن مروان عن أبي هريرة] .
أبو عثمان الطنبذي هو: مسلم بن يسار، وهو الذي جاء في الإسناد الذي قبله باسمه مسلم بن يسار.



بيان خطأ مقولة: (دعها في رقبة عالم واخرج سالم)
هناك مقولة تقول: (دعها في رقبة عالم واخرج سالم) وهذه مقولة غير صحيحة؛ فالإنسان أولاً: لا يسأل إلا من عنده علم، وإذا أخذ بذلك فهو على خير، وأيضاً إن كان المفتي مخطئاً فهو معذور.



كراهية منع العلم



شرح حديث: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية منع العلم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في كراهية منع العلم، يعني: عدم بذله عند الحاجة إليه، فالشخص إذا حصلت له واقعة وأراد أن يعرف حكم الله تعالى فيها ليعمل به، ورجع إلى عالم فإن ذلك العالم عليه أن يفتيه إذا كان عنده علم، وإذا لم يكن عنده علم يدله على ذلك ويكون عوناً له على ذلك أو يقول له: اسأل غيري.
فإذا كان المفتي ليس عنده معرفة الجواب أو الاطمئنان إلى الجواب فإنه يحيله إلى غيره، وإن كان عنده الجواب فإنه يجيبه ولا يتأخر في ذلك، فإذا كان عنده الجواب وهو يعرف الجواب فيجيبه في ذلك.
فالعلم فائدته: أن يعمل به ويبذله للغير، بمعنى: أن الإنسان يفيد نفسه ويفيد غيره، وقد ذكرنا في الدرس الماضي الحديث الذي فيه فضل العلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن علم العالم له ولغيره حيث يستفيد منه الناس ببذله، والعابد عبادته له لا تتعداه إلى غيره، فصار العالم مثل القمر، والعابد مثل الكوكب الذي ضوءه شيء يسير بالنسبة إلى ضوء القمر.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) يعني: يكون اللجام على فمه مماثلة للعمل الذي حصل منه، وهو كونه لم يتكلم بالعلم ولم يبد العلم، ولم يحدث به ولم يخبر به وإنما منعه، فصار الجزاء من جنس العمل، فكما أنه لم يحرك فمه بالنطق بالحق، وإنما أغلقه وأقفله فإنه يوم القيامة يلجم بلجام من نار، يعني: أن الجزاء من جنس العمل.
وقوله: (من سئل عن علم فكتمه) المقصود: العلم الشرعي، والشيء الذي يكون الناس بحاجة إليه، فمثلاً: شخص حصل له واقعة أو حصل له قصة فجاء وسأل فيجب بيان الحكم له في هذه الواقعة، وأما بعض الأشياء التي إخفاؤها يكون فيه مصلحة فهذا المصلحة في إخفائها حتى لا يحصل من الناس التساهل في الأمور؛ مثال ذلك جاء في حديث معاذ رضي الله عنه لما قال: (أفلا أبشر الناس؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبشرهم فيتكلوا) ، فإن بعض الأشياء قد يكون فيها تهاون من الناس إذا علموا بحكمها؛ فكونهم يرغبون في جانب الوعد ويغفلون عن جانب الوعيد ليس من الحكمة وليس من المصلحة، فمن العلم ما ينبغي إخفاؤه، وهو ما يترتب على إظهاره مضرة.
ومن أمثلة العلم الذي ينبغي إخفاؤه: أن الشيخ الألباني رحمه الله اعتنى بمسألة كشف الوجه وبيان أن ستره ليس بواجب، وأكثر من الاستدلال والرد وما إلى ذلك، وأنا أقول: إن هذا من العلم الذي ينبغي إخفاؤه، فكان ينبغي للشيخ رحمة الله عليه أن يخفيه، والناس إذا لم يعرفوا أنه غير واجب فإنه خير لهم، حتى لا يتساهلوا ويتهاونوا، فأنا أقول: هذا من العلم الذي ينبغي إخفاؤه؛ لأن بعض النساء مستعدة للانفلات قبل أن تجد مفتياً، فإذا وجدت مفتياً، قالت: هذا عالم كبير وأفتى بهذا؛ إذاً أنا أفعل هذا الشيء.
هذا مع أن الصحيح أن الذي أقره الشيخ ليس بصحيح.



تراجم رجال إسناد حديث: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
حماد هو ابن سلمة بن دينار وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا علي بن الحكم] .
علي بن الحكم ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.
وأما تعبير الإمام أبي داود بالكراهية في قوله: باب كراهية منع العلم فغالباً أن السلف يعبرون بالكراهة ويريدون بها التحريم، كما قال عز وجل: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] فإنه عز وجل ذكر جملة من الأمور الكبيرة مثل: الزنا، والقتل، وقتل الأولاد، وغير ذلك ثم قال في آخرها: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] فالمكروه هنا هو: المحرم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]